نداء الوحدة الذى أطلقه الاتحادى الديمقراطى .. هل يكفى لانتشال السودان من مخاطر الانفصال؟ بقلم: عمر الترابي
12 October, 2009
alnahlan.new@hotmail.com
تغشى الأمم والجماعات والدول والأفراد صنوفٌ من البلايا و المحن فتختبرُ عناصِرهم و تمتحن ارادَتهم و مصداقيتهم وأهليتهم في حملِ مسؤولية إعمارَ الأرض والسعي بها نحو الوجهة القُدسية والمُثلى، وبلا شكٍ فقد واجهت الأمة السودانية خلال تاريخها الحديث العديد من التحديات الجِسام من استعمارٍ و مُهدداتٍ للأمن و السلم و حتى سُبل العيش الكريم، و ما استنكف الرعيل الأول أن يواليها بالحكمة و يعاجلها بالمعالجةِ المُتجردة من ضيقِ رغبات الذات والمُتطهرِة من النفاق والقاصدة مصلحة الوطن والمواطن وكان الله من وراء قصدِها وكان هو المُستعان، و من سُنن الله في الأرض أن تطَرِّد الأشياء أحياناً في كورةٍ واحدة فتتلاحق الإمتحانات والإبتلاءات والمِحن، وتتوالى بعون الله المجاهدات والمصابرات و المواقف المشرفة التي يُخلِّدَها التاريخ لتمنح الآخرين إلهام الثبات مدى الزمان رسوخاً على مبادئٍ قويمة وأهدافٍ طيبة، أستحضِرُ هذا الحديث لأننا اليوم نقفُ أمامَ أصعب اختبارٍ و أشقَ امتحانٍ للأرادةِ السياسية الصادقة بل أمامَ أوقع حدثٍ على معاشِ هذه الامة ولأجيال القادمة، نحن نقفُ الآن أمام خياراتٍ صعبة تستدعي استنهاض كل ما أُوتيناه من فكرٍ وقوةٍ لنستبين ونوضح أن الخيار الذي نحن أمامه ما هو إلا تخيّرٌ بين سبيلٍ عنوانه التضعضع والتفرق والشتات والشقاق وآخرٍ شعارَه التوحد والتجمع والتلاقي والوفاق، ولنعلم يقيناً ان هذا موقفٌ سيُسجَله التاريخ وسيُحاسبه ويحاسبنا عليه حساباً عسيراً، فأمدَه لا يطالُ مستقبل جيلٍ واحد أو فئةٍ مُحددةٍ ولا ينحصرُ على جماعةٍ أو زمانٍ ضيق بل يمتدُ امتداداً يجوب في وهاد الأجيال القادمة، بل إن مآلاته –نحسبها- سترسم ملامح مستقبل القارة الإفريقية كلها، والخارطة السياسية العالمية وشكلها، وترتدُ قيمته المعنوية لتتنال من تاريخٍ عظيمٍ من الوصال، مهماً شابه يبقى يُمَثل قيمةً حقيقة لوطن هو ملكٌ للجميعِ بالشيوع لا تُعالج أمراضه بالبتر أو الفصل بل بالتداعي والمداواة.!
في هذا الجوِّ المُكفهر و في هذا المقام الذي يستوجب إرادة سياسية صادقة و واعية بُعمق وحجم المسؤولية الملقاة على عاتقها، نتوقع من كل الفعاليات السياسية وكل مجتمعات العمل المدني أن تضع كل جهدها وجل سعيها في دعم وحدة البلاد الوطنية وتأسيس وحدة وطنية حقيقية لتكون ملاذاً للوطن من الضياع، فلم يعد هناك وقت للمناكفة والمشاحنة و الإستقطاب السياسي بل إنه الوقت الذي ينبغي أن نُعلي فيه قيم الوطنية والمواطنة ونتذكر تضحيات أهل هذا الوطن من شرقه وغربه وشماله وجنوبه ليكون هذا السودان وطناً واحداً يسع الجميع يعيشُ أهله في حرية وعدالة وديمقراطية ومساواة في الحقوق والواجبات دون تمييز أو تعنصر، تلك الأحلام وتلك الجهود التي كانت ومنذ عهد الرعيل الأول الذين كان خيارُ الوطن عندهم فوق كل خيار و يعلوا اعتباره على اعتباراتهم الشخصية وما يُشتبه في أنه ُمكتسباتهم الذاتية ولا أدل على ذلك من ما يرويه الراحل الدكتور جون قرنق إذ يقول أن مولانا السيد علي الميرغني طيب الله ثراه رفض أن يكون ملكاً على السودان حتى لا يُفصل الجنوب، ورُويَّ أن مولانا كان يُولي دوائر الجنوب في الإنتخابات أهمية خاصة وعناية فائقة، وهكذا كان ديدن الأولين إلى أن أن أورثونا هذا الوطن واحد متحد أرضاً وشعباً، فينبغي أن نحافظ عليه كما ورثناه.
إن المعطيات التي تجوب العالم اليوم من عولمةٍ و ظواهر اقتصادية و اجتماعية وفكرية و منطق تستقوي فيه الكُتل المتحالفة و تُزدرى فيه الأمم المتهالكة يجعل الوحدة أمراً لا مناص ولا تأخر عنه، بل هو أقربُ الخيارات إلى الصواب وأولاها بالإتباع، وهو خيارٌ ينبغي أن يُمَّلَك الناس حقيقته وذلك لا يتم إلا عبر جهود مُنظري ومثقفي الأمة المؤمنين بالوحدة وينبغي أن يبثوا في الناس أدوات التوصل إلى هذه الحقيقة فيُملي عليهم واجبهم الأخلاقي التبشير بالوحدة كونها هي الملاذ الوحيد لوطنٍ آمن مستقر ينعم أهله بالرفاهية والنماء، فلا يُمكن أن تتآلف الدول التي تفتقر إلى أدنى مقومات الوحدة والإجماع وتمضي إلى تشكيل الإتحادات والتكتلات ويتخالف أهل بلادي وهم الذين صهرتهم ظروف الطبيعة و جمعهم معاشٌ واحد، وآلفت بينهم الدنيا على امتداد طويل من التعايش، وها هم الآن مثلهم مثل أي أمة واحدة جعلهم منطق السياسة الاستراتيجي في صعيدٍ واحد أمام تحديات العالم الحديث ومتطلبات اللحوق بركب التنمية والتقدم، إن ما يجمعنا لأقوى وأمتن مما يُفرقنا فلنا الأصل و الحاضر والمستقبل و الطموحات المشتركة والأهداف الواحدة، وإن ما نذخر به من تنوع إثني وعرقي وثقافي وديني إنما هو تنوع محمود يُثرينا ولا يُفقرنا لو أننا نظرنا إليه بمنطق سديد وتعاملنا معه بآلية مناسبة، إننا نعي يقيناً بقيمة دور العمل السياسي عبر منافذه السياسية الإعلامية المعلومة إلا أننا نحمل الفعاليات الإجتماعية والشعبية مسؤولية التبشير بالوحدة الجاذبة والسعي لها، وعلى رأس هؤلاء السادة أشياخ الطرق الصوفية دُعاة المحبة والسلام و مركزي الإعتدال والسماحة والصفاء و رصفائهم من القيادات الشعبية والأهلية والقبلية العشائرية على مختلف انحاء السودان، وبالقطع فإن دورهم دورٌ مساعد لما ينبغي أن تقوم به الفعاليات السياسية والأحزاب الوطنية وإن كان منطق الأشياء يجعل دور شريكي الحكم دوراً محورياً إلا أن الظرف يتطلب من الأحزاب الوطنية أن تتولى زمام المبادرة.
و هنا نقف تجلة واحتراماً لموقف الحزب الإتحادي الآصل في النضال لوقفته الوطنية التي تمنحنا شيئاً من الإطمئنان بأن لهذا الوطن صمامٌ أمانٍ ودرعٌ سيقيه بإذن الله من كل شر وأن سفينةً رُبانها مولانا السيد محمد عثمان الميرغني –حفظه الله- لسفينةُ أمن وأمان و نفع عظيم، فإن نداء الوحدة الوطنية الذي دقّ ناقوس الخطر و وضع معالماً للخروج من الواقع المأزوم لنداءٌ يستحق الدراسة الواعية من إخواننا في كل الأحزاب السياسية السودانية مُستصحبين معه مبادرة مولانا الميرغني للوفاق الوطني التي ترمي إلى تشكيل حدٍ أدنى من الإجماع الوطني، وهنا أقف إجلالاً للاء السيد رئيس الحزب الإتحادي الديمقراطي صاحب السيادة مولانا السيد محمد عثمان الميرغني التي قال فيها (لا للإنفصال) و كانت قبلها نعم شقيقه طيب الذكر الراحل مولانا السيد أحمد الميرغني طيب الله ثراه (نعم للوحدة ونعم للنماء)، ولعل السيد رئيس الحزب الإتحادي الديمقراطي صاحب حق أصيل حينما يتحدث عن قضية مصيرية مثل وحدة البلاد أرضاً وشعباً ويقول بملء الفم لا للإنفصال؛ فهو ينطلق من ميثاق مُلزم يلتزم به وقعَه مع الراحل الدكتور جون قرنق رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان في أديس أبابا في عام 1988م ،وإلى تاريخ طويل من العمل رئيساً للتجمع الوطني الديمقراطي، و يستند إلى أرضية جماهيرية متينة في الجنوب الحبيب، فالميرغني ليس قائداً شمالياً فحسب بل إنه بطلٌ قومي تُرفع له القبعة احتراماً في كل الجهات فلاؤه هذه جاءت استشعاراً لدقة الحدث و تحملاً للمسؤوليه وتطميناً لنا بأن هناك من يُدرك خطورة الموقف وضرورة الوصول إلى حدٍ أدنى من الإجماع الوطني يُؤهل لتلافي المشكل ودرء الأخطار، ويتعامل بحسمٍ وحزمٍ إزاء قضايا الوطن العُليا، فله التحية والإجلال والإكبار من بطلٍ.
وهنا نؤمن على ضرورة جلوس كل أهل الحل والعقد لتدارك الخطر و للوقوف على سبيل ناجع لإنفاذ (كُل) اتفاقيات السلام و صهرها لتكون أساساً للوحدة الوطنية فإن الخطر الذي يتهدد السودان اليوم أدعى لأن يتجه الناس بصفاء نفس و بذهن مفتوح للجلوس لحوارٍ يضُم كل أهل السودان و الدول المجاورة ذات الأثر، نطمح أن يُسهم في رسم خارطة طريق تنشلنا من مخاطر الإنفصال.
ونواصل،،،
نُشر بصحيفة الصحافة الأحد 11 أكتوبر 2009م، 22 شوال 1430هـ العدد 5853