عيد الإتحاد .. يومٌ للوحدة … بقلم:عمر الترابي

 


 

عمر الترابي
4 December, 2009

 

Omar Hamad [alnahlan_new@hotmail.com]

تصادف هذه الأيام ذكرى العيد الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة –الشقيقة-، و هو مقامٌ يستحق الوقوف عنده للتهنئة وللدراسة ولاستلهام التجربة لتدفع آمال الوحدة الصغرى على مستوى الأقطار وتُدَّعِم أحلام الوحدة الكبرى على مستوى الأمم، ودولة الإمارات هي أرض الخير والعطاء الخيِّر و الإنجاز، فقد قدمت للإنسانية نموذجاً لأمةٍ متحدة تحدت الصعاب وسعت بجد وإخلاص فكان حصاد زرعها أمن وأمان وعيش رغيد.

بعد أعوام من المفاوضات الصادقة و المباحثات الجادة أعلن صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان –رحمه الله- قيام دولة الإتحاد معلناً بداية الطريق نحو العلياء والسؤدود، كان ذلك الإعلان (2 ديسمبر 1971) يضم 6 إمارات لحقت بهن سابعة (10 فبراير 1972)  ليشكلن بذلك دولة الإمارت العربية المتحدة، وليتم وضع الهدف الواضح الذي يخاطب الشعب والأمة، وهو ما صرح به الشيخ زايد –بعد سنوات- بعبارته الشهيرة (إن الاتحاد ما قام الا تجسيدا عمليا لرغبات وأماني وتطلعات شعب الإمارات الواحد في بناء مجتمع حر كريم يتمتع بالمنعة والعزة وبناء مستقبل مشرق وضاح ترفرف فوقه راية العداله والحق وليكون رائدا ونواة لوحدة عربية شامله)أ.هـ، لقد كان أمام الإتحاد  الطريق طويلاً وكان العمل صعباً ولم يكن باليُسر الذي يظنه الناظر لحال تلك الدولة اليوم، و لكن بالرغم من ذلك فإن الإرادة الخيرة كانت غلابة و الحكمة النيرة كانت قائدة للطريق السديد، فقد استجلب أهل الإمارات خيرة العلماء ليساهموا معهم في رسم خطط النهضة و التنمية و سخروا كل امكانياتهم لخلق حياة كريمة لأمتهم الجديدة واتفقوا على إعلاء قيم الإتحاد وترسيخها بكل السبل الممكنة؛ ورسموا لأنفسهم في السياسة الخارجية خطاً واضحاً أكسب دولة الإمارات العديد من الحلفاء و نصه الإعتدال والحياد وعدم التدخل في شؤون الغير، يومها كان قائد المسيرة هو الشيخ زايد بن سلطان ال نهيان –رحمه الله- فمضى بدفة الأمور إلى شطآن السلم والأمان، وكان المجلس الأعلى للإتحاد (المكون من حكام الإمارات السبعة) يضرب مثالاً للتفاهم الحكيم و رعاية هم الشعب في حياة كريمة، فكان حصاد تلك الجهود هو الوضع المرموق الذي تحظى به دولة الإمارات اليوم، كانت النهضة في الدولة نهضة هدفها الإنسان لذلك لا غرو أن تصنف الدراسات والبحوث سكان الإمارات اليوم بأنهم الأكثر رضىً في الشرق الأوسط.

كان الشيخ زايد رحمه الله شخصيةً استثنائية ملئ بالحكمة ينبض بالخير و يعرف جيداً ماذا يريد لشعبه ولأمته، لذلك لا يستغرب المرء مقدار الإحترام الذي ناله و الحب الذي يحظى به في قلوب الناس، ولجهوده الحقيقة في صنع تغيير حقيقي على حياة إنسان تلك المنطقة، ونالت جهوده صيتاً عالمياً فكرمته العديد من المؤسسات العالمية تقديراً لأدواره ومبادراته مما ساهم في رسم صورة مشرقة لدولة الإمارات وجعلها صديقاً لكثير من الجهات.

 هذا يأتي مع دوره المميز في خلق أجواء السلم ونظرته الحكيمة للأوضاع وشجاعته المتناهية في طرح المبادرة؛ فقد دفعه إيمانه بقضية الشعب الفلسطيني إلى اتخاذ قرارا بمنع البترول عن الدول المساندة لإسرائيل في (1973)، (فإن الدم العرب أغلى من البترول العربي)، و قد كان سباقاً لدعم الدول العربية وتعزيز سبل نهضتها وطالت أياديه الخيرة العديد من الشعوب على امتداد الأرض.

 و للتاريخ نذكر دوره الهام في دعم الشعب السوداني مادياً ومعنوياً، فقد كان يكن للسودان حباً عميقاً فبادر لدعمه منذ زمان بعيد، ولا ننسى مبادرته الشهيرة التي طرحها لتحقيق السلام في السودان، وبالرغم من أن الأقدار لم تشاء اكتمالها، إلا أنها قد عكست اهتمامه - رحمه الله - وحرصه على سلام السودان، وكان قد طرحها يومها على سيادة مولانا السيد محمد عثمان الميرغني إبان زيارت مولانا لدولة الإمارات وقد كانت الزيارة امتداد للصلات الأسرية التاريخية  التي تجمع الأسرتين.

بعد انتقال الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان –رحمه الله- تولى مقاليد الحكم صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان (الذي رافق والده في كل خطوات الإتحاد وكان أصيلاً في مشاركته فيها)، فمضى في ذات درب والده وطريق التنمية المبني على فلسفة الإتحاد، ومضت الدولة تحت قيادته لتحقق المزيد من النجاحات، وقد تمكن الإتحاد  خلال أقل من أربعين عام أن يكوِّن إحدى أميز دول العالم، بوحدة شعبه وصدق قادته، ولا ينكر أحد دور الثروة في تدعيم هذا الإتحاد و لكن الإشادة تأتي في حسن توجيه الثروة لتكون داعماً للإتحاد رحم الله زايد الخير إذ يقول (إذا كـان الله عز وجل قد من علينا بالثروة فان أول ما نلتزم به لرضاء الله وشكره هو أن نوجه هذه الثروة لإصلاح البلاد . ولسوق الخير إلى شعبها)، لقد كانت الوحدة هي مفتاح النجاح وكان العمل هو طريقه فلقد كانت الإمارات تعمل لتصنع المستقبل وقد فعلت.

إننا بالإحتفاء بهذه المناسبة نهنئ دولة الإمارات المعطاءة (حكومة وشعباً) ونشكرها لأنها منحت (الإنسانية عامةً والإنسان العربي خاصةً) أملاً في وحدة تدوم وتقوم على أسس متينة، هذا الأمل سيجعله يغالب تحديات الواقع المرير الذي أصبح فيه الواحد يتجزأ ويشقى بفرقته.

على اختلاف التجربة والمعطيات ولكن تبقى النتيجة واحدة، أن [وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ] {آل عمران:103} ، ووتبقى الحقيقة الكونية الواحدة في الوحدة قوة وفي التفرق ضعف، و يبقى القول:

تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً وإذا افترقن تكسرن آحادا

وعلى اختلاف الواقع السوداني إلا أنه يبقى وحدة واحدة وأمة واحدة تتضافر سبل نجاحها بتضافر مؤتيات وحدتها الوطنية ومدعمات تنميتها.

قد تمر الجماعات والأمم بلحظات تدفع بعضاً من بنيها إلى الخلود إلى الأرض الخمول و يدفعهم الإحباط أو الغضب إلى التتنازل عن الإلتزام نحو الجماعة أو الأمة الكبيرة فتضمحل بذللك رؤاهم لتصير أُحاديةً ضيقة لا تراعي مصلحة الجماعة و بعد فترة تُصبح رؤاهم فرديةً تماماً، وبذا ينفرط العقد المجتمعي و يتحول الجهد من جهد جماعة و أمة إلى جهد أفراد يظنون أنهم برؤاهم الآنية أنهم خلقوا كياناً منفصلاً أو موازياً لمجتمعهم الأم عله يوفر لهم قدراً أكبر الأهداف ويرضي الطموحات، والحق أن (هذا البعض) ليس ملوماً كل اللوم فهذا الرأي يُظن أن مرجعه إلى أن الحلول الفردية تبدو لأول وهلة سهلة المنال ويظن (البعض) أن اللجؤ إليها لا يُعتبر خيانة لميثاق الشرف الإجتماعي فالغاية من المجتمع حفظ قيم المعاش و تذليل العقبات أمام الحياة الكريمة و دفع التنمية لتصير مستدامة، وما دام المجتمع الكلي لا يحقق هذه الأهداف فالباب يكون مشرعاً (عندهم) لإتخاذ الحلول الفردية، ولكن يبقى الإلتزام الأخلاقي هو أن الأمة الواحدة إذا اشتكى منها عضو تداعت سائر الأعضاء بالسهر.

أيما أمة أو مجتمع أصاب بناؤها - المجتمعي أو السياسي أو كلاهما - خللاً فظهرت آثاره في ثنايا حياة بعض الشعب أو كله؛ وجب معالجة هذ الخلل و محاولة حله، و قطعاً فإن الحريص على مصلحة الإنسان يعلم جيداً أن عزل (الشعب الواقع عليه عرض المرض) وتركه ليتدبر أمره وحيداً ليس بحل؛ فذلك يعد بتراً و يكون تخلصاً من أعراض مرض ظهرت في هذا (البعض من الشعب) ويعد الفصل تركاً إياه ليُعاني وحيدا دون مراعاة لأي اعتبارات انسانية، وهو بطبيعة الحال لن تكون حلاً لأياً منهما (للشعب المنفصل و للأمة المُنفَصَل عنها!) إذ أن أسباب المرض لم تعالج وحتما ستسارع بالنمو ما دام مناخها موجود!

هذا الحال يجعلنا ندخل في جدلية قيمة الوحدة والإتحاد ومكاسب الإنفصال، و لو استغرقنا في الطرح سنيناً سيظل في حديثنا ثغرات، ولكن حسبي في هذا المقال أن أحتفي بتجربة إتحادٍ ناجحة وبتفوق! تصادف ذكراها هذه الأيام وأزدهي بعرض نماذج لرجال يستحقوا أن يخلدهم التاريخ نماذجاً للوحدة والاتحاد الناجح و منارات للسلام! وأنا أفعل ذلك وفاءً لتلك التجربة و سعياً للنهوض بالأحلام العراض التي نحتاج اليوم لإعادة إنتاجها، فنحن في زمانٍ تقتله دعوات التفرق ويقتل آمال الإتحاد! ولا مقاومة لدعوات التفتت إلا بمزيد من الجهود التي تستقوي بدراسة النماذج الصالحة وتستصحب التجارب النيرة لعل هذه التجارب تقوِّم ما اعوج من حال و تقيم ما مال من مقال ليعود منطق الحق قوياً واضحاً.

alnahlan.new@hotmail.com

الخميس 3 ديسمبر 2009م، 16 ذو الحجة 1430هـ    العدد 5906

 

آراء