قراءة نقدية.. حول تناقضات ..مواقف أبناء جبال النوبة -6-

 


 

 

 

قراءة نقدية.. حول تناقضات ..مواقف أبناء جبال النوبة.. وما يثار عن الهيمنة والتهميش.. من أجل البحث عن الحكمة الغائبة.. نحو وعى قومى جديد ضد التعصب

 

( 6—6 )

 

بقلم/ آدم جمال اْحمد – القاهرة

 

  كما ذكرت سوف أتناول فى هذه الحلقة الحزب القومى السودانى المتحد ومسيرته فى مواجهة التحديات لتكون مسك الختام لحلفاتنا المتسلسلة .........

 

سادساً : مسيرة الحزب القومى السودانى المتحد فى مواجهة التحديات .. وتساؤلات فى الساحة:

 

   إن عملية النقد فى أى حزب ضرورة للوقوف على بواطن الضعف والخلل والعمل على تصحيح مساره وتطوره والإرتقاء بمؤسساته وسلامة حركته من كل عطب أو خلل ، والنقد يهدف الى كشف الحقائق وتشخيص الداء والواقع وتحديد نقاط الضعف التى تعيق عمله وتحول دون تقدمه لفتح الآفاق وإبتكار الحلول الناجعة للمشكلات والأزمات ، والنقد بمثابة إشارات ولا ينمو إلا فى ظل الجو الديمقراطى الذى يوفر قدراً واسعاً من الحرية وحق التعبير ليغدوا حقاً مشاعاً للجميع يصدحون فيه بكلمة الحق لا يخافون من تزمر جماعة أو فئة أو غضب زعيم ، إنما هى مواقف تمليها المبادئ وتسندها الضمائر الحية ويجليها العلم والمعرفة ، ما دام النقد يهدف الى معالجة مظاهر الضعف والقصور لأجهزة الحزب وتمكيناً لتمتين الوحدة والثقة بين مكوناته وتحسيناً للأداء وتجويده وتوسيعاً لقاعدة المشاركة وتحقيقاً لفاعلية أجهزته لتحقيق نتائج أفضل فى تجربة الحزب ، والنقد يفتح أبواباً جديدة للمعرفة .. وكل ناقد له رؤيته الخاصة التى تستند الى مرجعيته الفكرية لإسراء الساحة لإنتاج المعارف والأفكار لتولد المفاهيم الجديدة.

 

وهذا يقودنا الى الحديث عن الحزب الذى نعمل من داخله ونرى مستقبل جبال النوبة والسودان من خلاله وهو الحزب القومى السودانى المتحد ، فلماذا يتخلف حتى الآن ؟!.. أى بمعنى آخر لماذا تتعثر وتتعطل مسيرته فى الساحة السياسية فى مجابهة التحديات التى تحول دون تقدمه ؟ .. وما هى رؤيته لفترة ما بعد السلام أو الحرب فى حال فشل المفاوضات الجارية الآن فى نيفاشا بكينيا ؟.. وما هى رؤيته لإستيعاب هذه الإثنيات والعرقيات وبعض القيادات المنشقة منه أو الوصول معها الى حد أدنى من الإتفاق حول القضايا المصيرية لظرف المرحلة ؟.. وما هى رؤيته فى إيجاد آلية للحوار بين الحزب والأطراف الأخري ؟.. وهل يستطيع الحزب القومى أن يحقق من خلال منظومته الجديدة ما فشلت فى تحقيقه الأحزاب النوبية عبر تاريخها السياسى فى جبال النوبة ؟.. وهل يستطيع الحزب القومى أن يدفع بالقوى الأخرى المتمثلة فى أفراد وقيادات فى أحزاب أخرى أن تنتظم فى صفوفه أو تتاح لهم فرصة المشاركة فى مستقبل جبال النوبة ؟.. وهل يتمكن الحزب القومى من المساهمة فى تصحيح المسار السياسى فى جبال النوبة ؟.. وهل بإمكانه العمل على حشد الشعب النوبى ( جماهير وسكان منطقة جنوب كردفان ) حول المعانى والقيم والأهداف والبرامج الخاصة بالحزب ليجعلها حامياً وحارساً لسياساته ؟!..

 

نحن نسرد هذه الأسئلة ونعلم ما يدور فى أذهان الكثير من جماهير جبال النوبة من تساؤلات والتى تحتاج الى إجابات ، حتى تزول ضبابية رؤيتها والغشاوة فى مفاهيمها ونظرتها للحزب ، وحتى تعلم يقيناً بأن الأهداف التى توحدت عليها الأحزاب الأربعة فى مؤتمر ( كاودا ) تحت شعار ومظلة ( القومى المتحد ) لم يكن فارغ المحتوى والمضمون كما يعتقد البعض ، لأن ولاء أفراد جبال النوبة اليوم صار موزعاً بين تيار قيادات الحركة الشعبية التى إلتزمت صف النضال المسلح  وتيار قيادات الحزب القومى السودانى المتحد ، التى توحدت فى أول إجماع نوبى لعموم النوبة ، لأن النوبة لم يصلوا الى إتفاق يوماً ما على مستوى تاريخهم السياسى والنضالى إلا فى مؤتمر ( كاودا ) ليصبح مدافعاً عن قضاياهم فى جبال النوبة والساحة السياسية وبين قيادات وأحزاب أخرى.

 

وهذا يجعلنا نعرج قليلاً للحديث عن إيجابيات الحزب ودوره منذ نشأته وحتى اليوم ومتابعة تطوره الذى واكب مسيرة المعارضة السودانية قديماً وحديثاً ، وإستطاع بحكم حجم المسئوليات المستقبلية أن يقف مدافعاًعن القضايا المصيرية والرؤية المستقبلية لجبال النوبة ، ولقد حقق إنجازات ملموسة على أرض الواقع فى الخارج والداخل ، إلا أن قصوراً قد أعترى مسيرته من حيث التفعيل الجيد لآلياته وأدائه فى مراحله المختلفة ، لكنه رغم ذلك إستطاع أن ينال القبول المحلى فى السودان والإعتراف به فى المحيط  الاقليمى والمجتمع الدولى.

 

التحديات القادمة كبيرة .. والحزب سيواجه عدة تحديات تتمثل فى البرنامج والرؤية السياسية والطرح الفكرى والعلاقات السياسية الخارجية والإلتقاء مع الأخرين ، وهذا ما تعانيه كل الأحزاب السودانية فى الساحة السياسية ، بالإضافة الى ضعف الجانب الإعلامى الذى غيب دور الحزب كتنظيم ، وفقدان الثقة وضبابية الرؤية الفكرية تجاه بعض القضايا وكذلك عدم وجود رؤية واضحة لفترة ما بعد السلام أو الحرب ، ذلك بخلق آلية للحوار ومآلات المستقبل لتلافى القصور فى الممارسة والمؤسسية التى أدت الى الفشل فى عدم خلق توازن تجعل العمل يسير بالصورة المتوازنة ، بالإضافة الى التمويل الذى يعتبر عصب الحركة والحياة فى أى حزب وكذلك التأهيل والتدريب والتجديد.

 

لذا إننا نعتقد بأن الحوار مع الأخرين يجب أن يكون الحزب القومى سباقاً اليه بالرغم من أنه لا يملك إمكانيات مالية ، ولكنه يملك شبكة من القدرات والمعلومات وبعض النخب السياسية الشابة  ( القيادات الشابة الحديثة ) غير الخاضعة للتوجهات الإثنية والعرقية وغير المصبوغة بالعصبية القبلية الضيقة ، والتى تنطلق من أرضية قومية وطنية لها القدرة على الإنفتاح وإستوعاب الأخر ، خاصة بعد التحولات الأخيرة فى مؤتمر ( كاودا ) !!.

 

التحولات والمتغيرات القادمة بعد السلام كبيرة والتى لا محالة أنها قادمة ، ولكن لا ندرى بأى شاكلة فلذلك لا بد من معالجة مظاهر الضعف والقصور فى أداء وأجهزة الحزب ، وما يتحتم على الحزب القومى هو كيفية التصدى للمسئولية التاريخية فى الساحة السياسية النوبية على وجه الخصوص والسودان بصفة عامة .. ونحن لا سيما سوف نشهد فترة تحولات والساحة مقبلة الى السلام ، والتى تحتاج لفتح وإجراء الحوار مع الأخر مهما كان حجم الخلاف بينهم !! والوسط النوبى يحتاج لجسم فى شكل وعاء جامع لاستوعابهم جمعياً حتى تصبح قوة متحدة بفهم ووعى جيد ، لأن جموع كبيرة من أبناء جبال النوبة تتابع ما يحدث فى الساحة السياسية بوعى ، لذلك نحتاج فى الحزب القومى السودانى المتحد لأسلوب فيه نوع من المرونة بالنزول الى جماهير وقواعد النوبة من خلال برامج طموحة تجد فيها نفسها عبر خطاب سياسى تتجرد فيه القيادات النوبية من الصبغة الجهوية والعصبية والقبلية ، لتجد الجماهير إجابات وحلول لكثير من أسئلتها التى تدور فى أذهانها ؟!!...

 

فإنطلاقاً من المسئولية الوطنية التى تستلزم التصدى الأمين والشجاع لتجربة الحزب القومى السودانى منذ تاسيسه وحتى الآن حول قضايا جبال النوبة والسودان وخاصة علاقتة مع ( الحركة الشعبية ) إن وجدت ، مع الحفاظ على قيمه التاريخية .. يجب أن نقف عندها طويلاً نراجع ما تم إنجازه فى هذه المرحلة ونؤمن عليها ونراجع ما لم يتم تنفيذه آملاً فى الوصول الى تحقيق ما لم يكن قد تم تحقيقه فى الفترة الماضية .. فالحزب قدم مساهمات إيجابية ومقدرة نعتقد أنها أثرت على حركة العمل السياسى فى جبال النوبة وحركة المعارضة السياسية ، وفرض وجوده وأصبح مؤثراً على مجريات الأحداث المحلية والاقليمية بفكر لكنه غير مكتمل ، مما يحتاج لإعداد دراسات من خلال لجان متحصصة لجميع فروع الحزب لتقييم تجربته فى مراحلها المختلفة.

 

وإيماناً منا بأن الخلافات بين قيادات النوبة لا تحل قضية .. لذلك نرغب فى تجاوز الخلافات بالحوار السلمى والطرح الموضوعى البناء وذلك بتوحيد الرؤى للوصول الى صيغة مشتركة بينها للحل السياسى ، ( لأن الإختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية ) ، من أجل الدفع بالجهود لتقارب الشقة بينهم لتوحيد الصف النوبى وإيجاد آلية للحوار بين الحزب والأطراف الأخرى لدرء كافة المجاطر المحدقة بمنطقة جبال النوبة ، وإنتهاج علاقات سياسية خارجية متوازنة مع التنظيمات السياسية الأخرى تراعى مصالح الحزب .. تقوم على الإحترام المتبادل وعدم التدخل فى شئونه الداخلية والتعامل معه كند على الساحة السياسية السودانية رغم تحفظات الحزب على بعض الأحزاب التى ساهمت ولها يد فى إنتهاكات حقوق الإنسان والممارسات الخاطئة فى جبال النوبة .. وسوف نتحدث عنها بإسهاب فى مقال أخر.

 

إن قصور الحزب هو قصور موجود فى أى حزب سياسى فى دول العالم الثالث قياساً بتجربته القصيرة فى تعاطى السياسة مقارنة ببعض الأحزاب الأخرى فإن الحزب القومى أحسن حالاً ، فالصراعات بين قياداته أقل حدة من صراعات قياداتها لأنها غير عميقة والحزب كفيل بمعالجتها ومعالجة اى قصور للعبور به نحو النجاح وبر الأمان لتحقيق إستراتيجية الأهداف الموضوعة.

 

هناك محطات أساسية فى عمر الحزب القومى ولقد حقق فيها إنجازات وكان على رأسها توحيد الأحزاب الأربعة فى حزب واحد فى مؤتمر ( كاودا ) والخروج بتوصيات وقرارات كانت مثار جدلاً واسعاً فى الأوساط السياسية ، بالإضافة الى مشاركة أربعة من صفوفه فى الأمانة العامة والمكتب السياسى للحزب فى المفاوضات الجارية الآن بنيفاشا ، وزيارة رئيس الحزب الأب فيليب عباس غبوش الى امريكا والإلتقاء فيها ببعض أبنائه هناك وهم فتية من خيرة شباب الحزب والتى تتمثل فى الرابطة العالمية لأبناء جبال النوبة وممثل الحزب القومى بأمريكا ، الذين نذروا أنفسهم للتضحية من أجل القضية النوبية فلم يبخلوا بجل وقتهم ومالهم ، فساهموا معه فى لقاءاته التاريخية بالمسئولين فى الحكومة والإدارة الأمريكية والأمم المتحدة ، فإستطاعوا من خلالها شرح وعكس القضية النوبية وإنتهاكات حقوق الإنسان فى جبال النوبة وماذا يريد شعب جبال النوبة .

 

وكذلك إستطاع الحزب المساهمة فى طرح القضية النوبية والممارسات اللإنسانية لمنظمات المجتمع المدنى ومن خلال منابر المحافل الآقليمية والدولية ، وكشف ممارسات النظام وتعريته أمام المجتمع الدولى ، ولقد واصل الحزب القومى سياسية دبلوماسية فى الضغط على دول الإيقاد وأصدقاء وشركاء دول الإيقاد من خلال مذكراته وزياراته المتكررة ، وفى إطار لقاءاته مع قيادات الحركة الشعبية لتناول قضية جبال النوبة والإصرار على مناقشتها فى منبر الإيقاد ، والتى رفضتها الحكومة من جانبها ولكنها رضخت ووافقت أخيراً مما يعنى الإعتراف بالحزب القومى وقوة تأثيره !!.. بالإضافة الى لقائه بمبعوث السلام الأمريكى .. السناتور ( دانفورث ) .. وتمليكه كل الحقائق عن منطقة جبال النوبة وما يحاك ضدها من مؤامرات ، والحزب القومى هو الحزب السودانى الوحيد الذى أطلق على نفسه كلمة ( القومى ) وفتح باب عضويته لكل قطاعات الشعب السودانى دون أى فوارق عرقية أو دينية أو مكانية.

 

ولا بد أن تشهد المرحلة الحالية والقادمة تصعيداً للعمل الإعلامى لمواجهة الإعلام المضاد لإبراز دور الحزب وتطلعاته الى الجماهير لتقوم بتغطية مقدرة لحركة الحزب المتواصلة سواء كان فى الداخل أو الخارج ، ونحن لا سيما نتابع المساحات الإعلامية الواسعة التى تتمتع بها بقية التنظيمات السياسية وصحفها الحزبية ، والحزب ليس أقل شأناً أو وزناً أو ثقلاً من هذه الأحزاب والتنظيمات ، بل يعتبر نداً لها لذا فلا بد من حركة إعلامية واسعة للحزب فى مختلف المجالات لتمكنه من فك وكسر طوق الحصار المضروب حوله من قبل أعدلئه سواء كان ذلك متمثلاً فى النظام الحاكم ( الحكومة ) أو الأحزاب الأخرى وخاصة التى فقدت مراكز ثقلها ودوائرها الجغرافية فى منطقة جبال النوبة ، لتصحيح كثيراً من المفاهيم الخاطئة عن الحزب القومى السودانى المتحد.

 

فالحزب يحتاج الى وضع رؤية وإستراتيجية واضحة لمعالجة نقاط الضعف التى تعيق عمله لتساعده فى التقدم برؤية وفكر ناضج ، بتوسيع قاعدة المشاركة فى إدخال دماء وعناصر جديدة وفتح النوافذ والأبواب وتنشيط العمل من خلال مشاركة الشباب لتشكل نقلة جديدة وإنطلاقة نحو المرحلة القادمة ، لتساهم بعطائها فى تطوير الفكر والأداء والعمل على تطوير هيكل الحزب وتوسيع مساحة الحرية فى الحركة وإحترام المؤسسية وقبول الأخر والإعتراف بالقصور داخل الحزب ، والفصل بين إحتياجات المرحلة الحالية والقادمة ، وقبول النقد الذاتى البناء الذى يساهم فى دفع الحزب ومؤسساته وتحسين أدائه ، ومعالجة ضعف الجانب الإعلامى والعمل على إيجاد وسائل إيرادات مالية من خلال مشاريع إستثمارية وجمعيات تعاونية ومنظمات مجتمع مدنى لتساهم فى تمويل الحزب لتنشيط وتفعيل برامجه وحركته ، وكذلك الإهتمام بالتعليم فى كل جوانبه عبر مراحله المختلفة لأعضاء الحزب ، والعمل على تأهيل وتدريب الكوادر من خلال تخصصات محتلفة .. ولا نبالغ إذا قلنا أن قيادات الحزب القومى لقد أهملت أمر التأهيل والتدريب لكوادرها أكاديمياً وسياسياً وإدارياً وفكرياً وإقتصادياً ، وتنمية قدراتها فى إدارة فن الحوار والتفاوض .. لذلك نحتاج الى تنظيم جماهيرنا فى الداخل والخارج بتوجيه قدراتها وعطائها فى إطار المعركة القادمة بعد السلام ، لأن الحزب إعتمد إعتماداً كاملاً على دبلوماسية العمل السلمى فى تناسى تام بأن نجاحات الدبلوماسية فى أحسن أحوالها تحتاج الى خطط وبرامج وإستراتيجيات مدروسة ورصيد تنظيمى ليصبح سند جماهيرى .. لأن المعركة القادمة تختلف فى أدواتها عن مرحلة المعارضة والنضال الثورى فى الخارج عنها فى الداخل بعد السلام ، وهى مرحلة الدولة والمؤسسات التى يحكمها القانون والتى تحتاج الى مؤهلات وكفاءات وقدرات .. فأين رصيدنا فى الحزب القومى من كوادر مؤهلة ومقتدرة وفاعلة لقيادة دفة العمل السياسى فى المستقبل .. فى الجوانب الإدارية والسياسية والاقتصادية والقانونية والاجتماعية والتربوية والتنموية وغيرها ، ولا ننكر بأن هناك فئات ومجموعات مقدرة قاموا بتأهيل أنفسهم أكاديمياً وفكرياً بقدراتهم الذاتية ، نعم لنا بعض من القيادات الفاعلة والمفكرة سياسياً لكن ماذا قدمنا لهم حتى يتفرغوا لهذا العمل مستقبلاً ، وهل لها الإستعداد بأن تغادر دول المهجر متى ما طلب منها ذلك بالرجوع الى الداخل لمجابهة المعترك السياسى بعد توقيع السلام.

 

فلذلك نحن نحتاج الى التجرد من التفكير العشائرى الأفقى الضيق والتعصب الأعمى والإنتقال الى رحابة وسعى فهم المسائل فى إطار وعى جامع وشمولى لإستوعاب كل القضايا محل الخلاف والبحث عن الحلول الناجعة ، ويجب أن يكون هناك تقييم لأداء وتجربة الحزب القومى السودانى عبر تاريخه الطويل لمعرفة كوامن وبواطن الفشل والخلل التى صاحبته طيلة هذه الفترات من أجل تطوير الحزب وأدواته ، لأن كل الأنظمة فى العالم تخضع لتجربة تقييم لأدائها .

 

لذا فإن مشاركة الحزب القومى فى فترة الديمقراطية الثالثة كفيلة للتقييم والأداء ، إذا كنا حريصون للإرتقاء بالحزب من حيث التنظيم والفكر والأداء والتجديد بكل معانيه .. ونحن لا نتقص من حق القيادات التاريخية مثلاً الأب فيليب عباس غبوش يعتبر رمزاً من رموز نضال وتاريخ النوبة السياسى والاجتماعى .. نعتقد أنه لقد أدى دوره تماماً ، ولكن آليات وأدوات المرحلة والعمل السياسى والمشهد النوبى يختلف الآن ، لقد تغيرت المفاهيم وأصبح الواقع يحتاج الى فكر جديد بوعى يتماشى مع مقتضيات وظروف وسياسات المرحلة الحالية والقادمة ، فلذلك لا بد من تنحى هذه القيادات جانباً حتى تستطيع أن تنال منطقة جبال النوبة حقوقها المشروعة ومطالبها العادلة وأن يتحقق فيها السلام ويسود فيها الإستقرار .. ليصبح الأب فيليب مرجعية وهو قمة مجده وشعبيته إسوة كما فعل ( المناضل نيلسون مانديلا ) الذى ترك الحكم والحزب وهو ما زال فى قمة مجده وشعبيته فى بلده جنوب افريقيا نابزاَ بذلك فلسفة الخلود .. ولكن نحن بكل أسف لم نحاول أن نقلد هذا الزعيم الكبير ، ولا سيما إن الإقتداء بالجوانب الإيجابية من تجارب الشعوب والأفراد والجماعات تعتبر من الأسس الجوهرية والمقومات المنطقية لتحقيق التطور فى كافة الميادين ، وذلك لإتاحة الفرص وفتح المجال للقيادات الوسيطة والشابة والمتحمسة لهذا العمل ، وهى تحمل من رؤى وأفكار وإستراتيجيات جديدة لقيادة دفة العمل السياسى النوبى على مستوى جبال النوبة بصفة خاصة والسودان بصورة عامة ، وهذا لا يعنى التبخيس لدورهم ومساهماتهم أو التقليل من شأنهم .. وقد يتفق معى الكثيرون فى هذا الرأى .. إذا نظرنا الى المسائل بشفافية ومن كل الجوانب المشرقة بأبعادها القريبة والبعيدة دون أى تعصب سياسى أعمى.

 

هذه محاولة وقراءة نقدية الى ما يجرى فى ساحة بلادنا منطقة جبال النوبة .. حاولنا فيها معالجة بعض القضايا النوبية وتشخيص السلبيات والإيجابيات والعمل على إبراز دور الأحزاب النوبية والقيادات السياسية والنخبة والصفوة والمفكرين والكتاب والأفراد فى بعض مواقفهم الإيجابية منها والسلبية ، وتلخيص لبعض من أسباب التداعيات التى طفت على السطح بصورة سلبية فى شكل بيانات ومقالات ومهاترات تعتبر مسرحيات تراجيدية عبثية محزنة ومضحكة أدت الى أزمة فى الفكر والوعى والطرح غير الموضوعى وسط أبناء النوبة ، فلذلك كان لا بد من تحكم العقول للبحث عن الحكمة الغائبة فى تحليل علمى وبكل تجرد وشفافية  لهذه المواقف والتناقضات دون إنحياز لأى جهة أو فئة معينة أو أى محاولة فى لى عنق الحقيقة وذلك بغرض فتح آلية جديدة للحوار والنقد البناء والطرح الموضوعى لخلق وعى قومى جديد ضد التعصب والرؤى القبلية والجهوية الضيقة التى ينطلق منها البعض .. وكذلك توضيحاً للحقائق مهما كانت مرارتها لمعالجتها بموضوعية وعلمية حتى ينبثق منها مفهوم الوحدة والولاء للنوبة.

 

لذا يجب علينا أن نعمل بمنطق الحوار والتسامح من أجل تحقيق الوفاق والمزيد من اليقظة وذلك بتحمل المسئولية التاريخية ، حتى يعود أبناء النوبة مظفرين بسلاح العلم والمعرفة والمال لخوض معركة التنمية والبناء فى المنطقة التى أهملتها كل الحكومات والأنظمة المختلفة التى تعاقبت على حكم السودان.

 

والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل .......  

 

  القاهرة   -   4  فبراير 2004 م                          

 

آراء