الصادق المهدي يؤجج النعرات العنصرية والدينية … بقلم: بابكر عباس الأمين
بابكر عباس الامين
1 April, 2010
1 April, 2010
abass_a2002@yahoo.com مازال السيد الصادق المهدي لديه إعتقاده الذي يعود إلي ستينيات القرن الماضي, بأن قدر السودانيين أن يخضعوا لحكمه, عندما أُخلِيت له دائرة إنتخابية عند إكماله الثلاثين لإقصاء محمد أحمد المحجوب. وكان المحجوب قد قام بهندسة أنجح مؤتمر قمة عربي عام 1967 (اللاءآت الثلاث). وقد بلغت حنكته الدبلوماسية ما أهلَّه لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة, وكاد أن يفوز به لو لا شراء أمريكا لأصوات بعض الدول. ولم يقدم الصادق أي إنجاز يذكره التاريخ طيلة حياته السياسية. وكان كل ما فعله أثناء توليه لرئاسة الوزارة في الديمقراطية الأخيرة هو نقل رفات الإمام الهادي إلي أم درمان, وبحث موضوع التعويضات لممتلكات أسرة المهدي التي صادرها نميري. كان أسلوب الخطاب كأنه موجه لقواعد الأنصار في الجزيرة أبا, أو مايرنو في الصعيد, وليس للمثقفين والصفوة الذين خصهم بالخطاب. وهنا فقد صدق المفكر منصور خالد في تحليل شخصية المهدي, حين قال إن الصادق لم يستطع حتي الآن فك الإشتباك في داخله بين أوكسفورد والجزيرة أبا. إن حديثه عن أن الحركة الشعبية لا يمكن أن تحكم الشمال والجنوب معاً, وتحذيره من أن إنتخاب عرمان إستهتار بالأمن القومي, حديث ينطوي علي فهم بغيض يؤدي إلي تأجيج النعرة العنصرية والدينية. وهل يعني بالإستهتار بالأمن أن حكم الحركة الشعبية سيعمل علي تنصير المسلمين بالقوة بحيث يؤدي ذلك إلي حرب أهلية يدعم فيها العالم الإسلامي الشماليين والعالم المسيحي الحركة الشعبية؟ وهل كان حكم الشمال في الماضي لكل السودان حق إلهي بينما حكم الجنوب شيطاني؟ أو أن الجنوب فُرض عليه أن يُحكم ولا يحكم إلي يوم الدين, لأن شعبه أقل درجة من الشماليين؟ بل أن هذا التصريح السخيف لا يحترم الديمقراطية والدستور, لأن المسألة طالما بالإقتراع, فأين ولماذا الإستهتار بالأمن القومي إن منح الناخبون ثقتهم لياسر عرمان؟ يثير غضبنا أن يصدر هذا التصريح من ذات الشخص الذي سره فوز أوباما, وقال إنه يمثل نهاية إحتكار البيض للسلطة. إن هذا الأسلوب لا يختلف عن أسلوب نافع إلا في إستخدام الأخير لمفردات هابطة. يخيف نافع الناخبين بأن لا يصوتوا لأحزاب المعارضة لأنها تدعو (للتفسق والمجون والرقص). ويخيف الصادق بدوره الناخبين إن منحوا ثقتهم للحركة الشعبية, من (الإستهتار بالأمن القومي). كما جاء بيان حزب الأمة التوضيحي أسخف من تصريح الصادق, لأنه لم يشرح لنا ما عجزنا عن فهمه في السبب الذي يضر بالأمن القومي في حالة فوز ياسر عرمان. إن هذا التصريح غير اللائق سبق للصادق أن أصدر تصريحاً أكثر منه إساءة, عندما هرول باحثاً عن موقع في الإنقاذ ولم يجده, في إتفاق التراضي. في غمرة نشوته بذلك الإتفاق - ولعله ظن أن الإنقاذيين من الغباء بحيث يمنحوه منصب رئيس وزراء - أصدر فتواه بأن الرافض لإتفاقه مع الإنقاذ كمن رفض ركوب سفينة نوح. وهنا تتجلي نظرته الأحادية الشمولية, بأنه يملك الحقيقة المطلقة وأن كل التيارات السياسية الأخري علي نهج كنعان بن نوح الغريق. أخطأ المهدي في هذا التشبيه لأنه وضع نفسه والإنقاذ في مكان النبي نوح والمؤمنين به, والباقين في مكان كنعان والذين أشركوا. أما حديثه عن الجنائية في هذا الظرف فلا يختلف كثيراً عن تلويح معاوية بقميص عثمان. وذلك لأنه سبق أن رفضها وإقترح محكمة إقليمية بدلاً عنها, قائلاً: "إن تسليم رأس الدولة سينجم عنه إضطراب شديد واستقطاب حاد في الجسم السوداني." (والصادق مولع بالمفردة إستقطاب لأنها أحدث من هلم جرا). وأضاف سيادته بأن: "للمحكمة الجنائية أهدافاً سياسية لتغيير البشير." (أرجو أن لا يتبادر لذهن القارئ بأننا ضد الجنائية, لأن رأينا الموثق قد سبق رأيه). وماهو الجديد الذي جعله يغير رأيه من الإقليمية إلي الدولية؟ هل لأن هدف المؤتمر الوطني من الإنتخابات سعي لحصانة الرئيس؟ أم لأن الصادق يريد أن يظهر نفسه بأنه غير ملاحق قضائياً, وبالتالي, واجب علي الناخبين الإدلاء بأصواتهم له؟ وهل كان الصادق, عندما إقترح الإقليمية بدلاً عن الجنائية, يجهل ماسرده عن تاريخ إتفاقيات جنيف وميثاق روما والقانون الدولي الإنساني؟ أما إن كان يعتقد بأن إثارة هذا الأمر حالياً سيضمن دارفور منطقة مقفوله له ولحزبه - كما في الماضي - فمن حقه أن يحلم. والحقيقة أن تذبذب الصادق وتأرجحه ليس بجديد فقد سبق أن قال أثناء حكمه: "إن قوانين سبتمبر في طريقها لمزبلة التاريخ." و"إن الوحدة الوطنية لا تكتمل إلا بعزل الجبهة الإسلامية." ثم نقض غزله بيمينه واستمرت قوانين سبتمبر, وإئتلف مع صهره بكل أوزاره, كأن شيئاً لم يُقال. دعنا نتفق علي أنه ليس هنالك ثوابت في السياسة, ولكن حدث نتيجة ذلك الإئتلاف أمر عند الله عظيم, سيُسأل عنه الصادق وصهره يوم لا تنفع سلطة أو اسم عائلة أو وساطات أسرية, هو وقف التحقيق في سرقة الجبهة الإسلامية في صفقات البترول. كما أقال أباحريرة لأنه سعي لكنس الفساد. لذا, فلا يحق له إلقاء المواعظ عن الفساد الحالي لأنه غطي علي الفساد. كما ذكر بأن الديمقراطية ليست عدد أصوات, وتحتاج إلي توازن. وفي هذا الصدد فإن الصادق آخر من يحق له أن يحاضر عن أغلبية الأصوات, لأنها إستبدت به خلال الديمقراطية الأخيرة, حين ألغي إتفاقية الميرغني لمجرد غيرة سياسية. ليس هذا فحسب, بل أنه كان رئيس الوزراء الوحيد في العالم الذي سعي لسلطات فوق سلطاته الدستورية, عندما طالب بتفويض. ولكن, بما أن الديمقراطية هذه المرة قد تمنح ياسر عرمان أغلبية - بدلاً عن سيادته - فلا بد لها من (توازن) يحميها من الهزات الإرتجاجية. إن الحسنة الوحيدة لهذا النظام الردئ هي القضاء علي إستبداد طائفة بالسودانيين باسم حزب أغلبية برلمانية مرة أخري. وفي الختام, لقد درج السودانيون في النقد علي ذكر الطالح والصمت عن الصالح. إلا أننا من الإنصاف بحيث نشذ عنهم بذكر مساهمات الإمام الصادق الفكرية الأخيرة. إضافة إلي لفت نظر السودانيين إلي المعاني السامية لعيد الحب, فسيصدر له قريباً كتاب لمحو الأمية الجنسية التي تعاني منها ثقافتنا. كما أوصي سيادته بترك الأسماء الشهوانية للمرأة كميادة وفاتن, والأسماء العدوانية للرجل كأسد وصقر. رحم الله عمي تورشين رحمه واسعة, لم يكن المسكين محظوظاً ويصادف مولده ثورة الأسماء الصادقية.