نقد الطيبات العشر

 


 

 

 

1-2

 

بشكل غير مفاجئ ظهر الصادق المهدي أمس على التلفاز معلنا من جانب واحد عن استجابة (القوم) لمعظم شروطه التي طالب بتحقيقها من أجل أن يواصل حملته الانتخابية.

ولم يخبرنا الصادق المهدي من ذا الذي استجاب لشروطه تلك؟ أهي مفوضية الانتخابات؟ أم المؤتمر الوطني؟ أم حكومة الإنقاذ؟

علما بأن أحدا من هذه الأطراف الثلاثة لم يذكر أنه استجاب لشرط واحد من شروط الصادق المهدي الثمانية التي أشهرها في الأسبوع الماضي ورهن اشتراك حزبه في الانتخابات بتحقيقها.

الاطمئنان المفاجئ:

وقد أثار الريبة في قول الصادق هذا اكتفاؤه بذكر أن تسعين بالمائة من شروطه تلك قد استجيب لها (بهذا الفعل المبني على مجهول منبهم شديد الانبهام).

وأثار الريبة أكثر في قول الصادق المهدي هذا تلكم الصياغة الهلامية التي جاء بها، حيث عبر عن اطمئنانه (المفاجئ)  تجاه ممارسات الحكومة الإنقاذية التي كان يصفها  أمس الأول بأنها قمعية، ثم ورد في قوله أمس أنه قد اطمأن تماما على أن قانون الأمن الوطني الذي طالب بتعطيله لن يفعل ضده أثناء الانتخابات.

ويا ليت شعري كيف يزجي الصادق المهدي أقواله على عواهنها، فيبعث في مساء أول من أمس بقول غليظ يعبر به عن فزعه من ممارسات جهاز الأمن الوطني، ثم يبث القول الناعم أمس ليعبر به عن ثقته في انضباط ممارسات جهاز الأمن الوطني في الأيام المقبلات؟

وعلى هذا النسق من القول المزجى ذكر الصادق المهدي أن مطالبه الأخرى المتصلة بسقوف صرف المرشحين وقومية الإعلام وهلمجرا قد استجيب لها إلا نذر منها قليل.

بدعة الطيبات العشر:

ومن هنالك دلف الصادق المهدي ممهدا لرجوعه إلى حلْبة السجال الانتخابي ببدعة قول أخرى عن الطيبات العشر.

والذين مازالوا يذكرون حديث المنجيات العشر، وليس الصادق من بينهم، اعتراهم كثير من الدهش لرؤيتهم تطابق هذه الطيبات العشر مع المنجيات العشر.

 وقد تساءل هؤلاء فيما بينهم تسآل الحيارى: ترى أنسي الصادق المهدي أنه أعطى هذه الأفكارالمجترة عنوانا آخر قبل قليل؟

أم أنه عمد إلى نسخها بهذه الطيبات من القول؟

أم أنه اكتفى  بتأكيد التزامه بتطبيقها تطبيقا كاملا في غضون الشهور الثلاثة الأولى من تسنمه الحكم؟

رصف القول في الصرف:

وقد وعد الصادق المهدي في طيباته العشر بأن يعطي أمر تمويل مدخلات الزراعة أولوية قصوى في الصرف.

 وبدون تناقض مع ذلك وعد بأن يعطي مدخلات الصناعة أولوية قصوى في الصرف.

وحقا ما أرصف رصف القول في هذا الصرف من الصرف.

طالبان وأردوغان:

وبنقلة مفاجئة من موضوع الاقتصاد إلى موضوع الإيديولوجيا، الذي كان الأحرى  بالصادق والأولى به منهجيا وفكريا أن يبدأ به، وعد الصادق المهدي أن يطبق في غضون شهوره الثلاث الأولى في رئاسة الجمهورية مبدأ الوسطية الإسلامية، لاسيما وأنه يشغل عالميا منظمة أو شيئا اسمه الوسطية الإسلامية، فيتمكن في تلك الشهور القلائل من إزالة آثار دولة طالبان في السودان وينشئ  على أنقاضها دولة أردوغان.

قال الصادق المهدي ذلك مع العلم بأنه ينتمي (بالوراثة) إلى دولة تاريخية كانت في ممارساتها السياسية والاجتماعية أشبه بدولة طالبان.

وهذا الوصف ليس من عندنا بل هو من عند الصادق المهدي نفسه الذي سبق أن وصف  دولة طالبان بأنها مجرد كتيبة (كديت) بالموازنة بدولة المهدية.

حديث البيئة ذو شجون:

وفي غضون هذه الشهور القلائل لا يكتفي الصادق المهدي بتحقيق هذه المنجزات التاريخية الهائلة التي تستفد جهود وأعمار الكثيرين، بل سيقوم كذلك بثورة بيئية تعم السودان.

والحديث عن شؤون البيئة أمر مهم ذو شجون.

ولكنه أصبح (مودة) عند بعض مثقفينا التنظريين الهائمين بما يدور في الغرب، حيث تنشط أحزاب الخضر ويناضل السياسيون الرومانسيون على هذا الصعيد.

ومثقفونا المنفعلون بمشاكل غيرنا إنما يهدرون بانفعالهم الرومانسي بمشاكل الغرب سلم الأولويات في بلادنا، ويلزمونا أن نهتم بأولويات المترفين.

وما من زعيم سياسي جاد يمكن أن يضع أمر البيئة في قطر فقير بكر كالسودان في قائمة أولوياته أو(طيباته) العشر.

لماذا لم تلغ الديون في عهدك الميمون؟

وعاد الصادق المهدي بعد هذا التطواف الهائم في سماوات الفكر(التقليدي) مجددا إلى أمر كان قد فارقه وهو أمر الاقتصاد، فذكر أنه  سيدعو إلى مؤتمر ضمن نادي باريس للمطالبة بإعفاء ديون السودان.

وهي الديون التي هو مسؤول مع النميري عن اقتراضها من الغرب.

وقد كان على الصادق المهدي أن يذكر هذه المعلومة المهمة وهو بصدد الحديث عن ديوننا الخارجية.

وكان لزاما عليه أن يؤكد أن هذه الديون ليست من جرائر دولة الإنقاذ، التي يحمل عليها بالحق وبالباطل، ثم يتجاوز عن جميع حسناتها وإيجابياها و(طيباتها)، وإنما من آثار أسلافها وهو منهم.

وعوضا عن ذلك ذكر الصادق أن فوائد هذه الديون أصبحت ترهق الوطن وتعطل جهود التنمية فيه.

وهذا قول مضلل لأن التنمية في عهد الإنقاذ انطلقت فعلا ومضت قدما بدون توقف وبدون استعانة تذكر بديون من الغرب.

وأكثر تضليلا من قول الصادق المهدي هذا قوله الآخر إنه سيقوم بإقناع الغرب بإعفاء هذه الديون الباهظة إن فاز في الانتخابات وأصبح رئيسا لجمهورية السودان.

وقال إنه سيقوم حينئذ كحاكم ديمقرطي بالنظر إلى الغربيين في عيونهم من غير استجداء فيقومون فورا بإلغاء الديون.

 فهل الصادق جاد فعلا في هذا القول؟

 أم أنها مجرد أمنية من (الطيبات) طافت بخياله، في وقت (طيب)وقام من ثم بتسجيلها في قرطاسه، ثم أذاعها على ناسه؟

وللصادق المهدي أن يخبرنا هل اتخذ عند الغربيين عهدا بأنه إن فاز في الانتخابات وأصبح رئيسا للسودان ألغوا له تلك الديون؟

أم أنه رأى شرطا من شروط الدائنين الدوليين، مكتوبا أو غير مكتوب، يفرق بين أنماط الحكم، وهوية المدينين، ويقرر أنهم سيتجاوزون عن  المدينين المعسرين من (الديمقراطيين) ويشددون على غيرهم من الشموليين (الإنقاذيين)؟

وإن كان شيئ من صحيحا فلماذا لم يعف الغربيون ديونهم على السودان عهد كان الصادق المهدي رئيسا للسودان وهو عهد طويل ناء كلكله على بلادنا قرابة أربع سنوات غير طيبات؟

إنجاز المحال ليس من المحال:

ثم انساق الصادق المهدي بعد ذلك إلى موضوعه الأثير، الذي يحلو له أن (يكاوي) به كمكاواة الأطفال وحسن الترابي زعيم الأمة وأسد العرب المشير البشير.

وهنا زعم الصادق المهدي أنه قادر في غضون شهوره الثلاثة الأولى في خلافة البشير على مقعد الحكم، أن يقنع مجلس الأمن الدولي بالتخلي عن قراره بخصوص المحكمة الجنائية ليحال أمر البشير إلى المحكمة الهجين التي جاء بها فكر الصادق المهدي الهجين.

ومع أن  الصادق المهدي كان قال قبل هذا القول بسطر واحد إن تجاوز قرارات مجلس الأمن أمر مستحيل، إلا أنه عاد وقال إنه قادر على إنجاز ذلك المستحيل، وفي غضون أول ثلاثة أشهر من عهده في الرئاسة تقل ولا تزيد.

 

mohamed ahmed [waqialla1234@yahoo.com]

 

آراء