الأسس النظرية للحكومة الاستيعابية القادمة …

 


 

 

 

تقول نظرية الحكومة الاستيعابية

 (Cooptation)

إن الحكومات التي تلجأ إليها إنما تهدف بالدرجة الأولى إلى تحييد خطر الأحزاب القوية القادرة على قيادة حركات التمرد والانتفاضات والثورات، أو تلك التي تنشئ بؤر احتقان وتوتر، وتصبح من ثم أداة إزعاج للمجتمع والنظام السياسي.

وتوضع المعادلة البسيطة لهذا النموذج في الشكل التالي:

المجموعة (أ) تتملك زمام السلطة السياسية.

المجموعة (ب) تهدد سلطة المجموعة (أ).

المجموعة (أ) تقلل من المخاطر التي تهددها بها المجموعة (ب) بإعطاء نصيب من السلطة لفريق من المجموعة (ب)، فتنشئ بذلك مجموعة جديدة هي المجموعة (ج).

تصبح المجموعة (ج) شيئا وسطا بين المجموعة (أ) والمجموعة (ب).

يؤدي نشاط المجموعة (ج) إلى زيادة قوة وفاعلية ونشاط المجموعة (أ).

ويؤدي أسلوب الاستيعاب في نهاية غايته إلى إجهاض النشاط التخريبي اللا وطني المزمع للمجموعة (ب).

تنازل من أجل السلامة العامة:

ومما سلف يتضح أن تنازل المجموعة (أ) عن بعض نصيبها من السلطة لا يكون من أجل سواد عيون أي من المجموعتين (ب) أو (ج).

ولكن من أجل السلامة العامة للمجتمع، ولوقاية الناس من كيد السياسيين المنهزمين.

وقد لاحظ علماء السياسة المقارنة أن السياسيين المنهزمين قلما يقرون بالهزيمة أو يكفون عن الشر.

ويزاد هذا السلوك السياسي الجانح اللا مسؤول واللا وطني بصفة خاصة في الأوطان النامية التي لما تتأصل فيها المبادئ الديمقراطية ومن هذه الأوطان عموم بلاد السودان.

الحكومات الاستيعابة في بلاد الحضارة:

ولكن لا يظنن ظان أن مبدأ الحكومات الإستيعابية قاصر على البلدان المتخلفة.

 فهو وإن كان لازما لها، إلا أنا نجد له تطبيقات في أقطار الديمقراطية المتقدمة.

ومن ذلك ما شهدناه ببريطانيا هذا الأسبوع، حيث تألف تكتل حاكم من حزبي المحافظين والليبراليين الأحرار، من أجل تكوين حكومة بريطانية قوية.

وفي العام الماضي شهدنا نموذجا استيعابيا بارزا في نطاق النظام السياسي الأمريكي.

 فقد استوعب الحزب الديمقراطي الفائز رؤوسا عتيدة من أقطاب الحزب الجمهوري في التشكيلة الوزارية الديمقراطية.

وأبرز هذه الرؤوس هو أحد أشد الرؤوس اختلافا مع مبادئ الحزب الديمقراطي ومع مواقف أوباما التي رفضت حرب العراق من الأساس.

هذا الرأس الجمهوري الآثم هو وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس الذي كان من أكبر المسؤولين عن تطبيق حماقات الرئيس الأمريكي الباطش بوش.

وقد استوعبه الديمقراطيون في إدارتهم حتى لا ترتبك سياسات وزارة الدفاع في ظل توجهها الجديد تحت قيادة أوباما.

وبالطبع فقد خضع غيتس بعد ذلك لكل توجيهات الرئيس أوباما، ولم يكن له الخيار في أن يمضي رأيه الخاص، أو يصر على المضي على الخط القديم الذي كان يسير عليه تحت إدارة بوش.

فغيتس يطبق الآن، وبالدقة الكاملة، الجزء المنوط به تطبيقه من البرنامج الانتخابي للرئيس أوباما.

ولا يفسد عمله في وزارة الدفاع بالمراوغة والمعاكسة والتآمر مع فلول حزبه الجمهوري.

وهذا درس طيب يحسن بسياسيينا من فلول الأحزاب المنهزمة أن يستوعبوه  ويطبقوه تطبيقا حسنا على الواقع السياسي السوداني.

من شروط الحكومة الاستيعابية القادمة:

ومن جانب المؤتمر الوطني فقد بدا قادته الأريحيون على استعداد طيب لاستيعاب الآخرين في حكومتهم القادمة.

وذلك من خلال دعوتهم إلى تشكيل حكومة استيعابية تطبق برامج سياسية لا يختلف عليها اثنان هي برامج حزب المؤتمر الوطني العملاق.

فهذه دعوة كريمة خيرة تمثل عين الصواب والحكمة.

ولكن لا تتحقق الفائدة المبتغاة إلا باستيعاب المستوعَبين من فلول الأحزاب السودانية للدرس الاستيعابي الأمريكي.

ولذا نرجو أن ألا تستقدم الإنقاذ للعمل في قيادة الحكومة القادمة إلا من يلتزمون بالتعاون التام لتحقيق مصالح الوطن والنأى عن الألاعيب الحزبية والمراوغات الصبيانية.

فلا مجال الآن لتكرار تجارب ما سمي بحكومة الوحدة الوطنية التي شهدت فصولا جمة سمجة من سخافات باقان وتابعه عرمان ومن تبعهما بغير إحسان.

وعموما فلا بأس أن تضم الحكومة الإنقاذية القوية القادمة بعض فلول الأحزاب السودانية المنهزمة من شتى الأطياف.

على ألا يتم تمثيل أي من الأحزاب التي قاطعت الانتخابات البرلمانية والرئاسية السابقة (باستثناء حركة التمرد).

ويمكن أن تمثل في الحكومة الاستيعابية القادمة جميع الأحزاب التي أحرزت بعض مقاعد في البرلمان.

 يستثنى من ذلك ما سمى بحزب المؤتمر الشعبي.

لأنه حزب مشبوه، موبوء بالنزعات العنصرية، ومشحون بالتطرف السياسي، ومدفوع بالعداء المتأجج، ومتلبس بأوزار الخيانة الوطنية وأوضارها.

وقد أثبتت الانتخابات الأخيرة أنه مؤتمر لا شعبي.

فقد حمل اسمه هذا عن غير استحقاق.

فهو اسم على غير مسمى.

ولذا اتجه هذا الحزب الضئيل مجددا إلى التآمر والعمل المسلح عن طريق عصابات العنصريين.

إنه حزب لا يجدي معه الأسلوب الاستيعابي أبدا.

ولا يجدي معه إلا النزال المكشوف.

 

mohamed ahmed [waqialla1234@yahoo.com]

 

آراء