فوضى الاشياء…همبتة الاسواق والعباد!! …. بقلم: حليمة عبد الرحمن

 


 

 

بِغـِـمْ


(1)


Halimam2001@yahoo.com


من يحمي المواطن المسكين من غلواء السوق المحموم وتجاره؟
ومن يحمي التاجر البسيط من  الحكومة وجباياتها المتنوعة القاصمة لظهره،  والتي تدفعه دفعا إلى تحميل المواطن المغلوب على أمره عبء ما تحمله هو من جبايات؟

السؤالان البسيطان اعلاه تحدد الإجابة عليهما شكل العلاقة بين الدولة والمواطن. ولا أتوقع أن يتطوع احد المسؤلين الهميمين  للاجابة علىهما، وإعطاء تفسير معقول  للوضع الاقتصادي المتفلت،  خاصة وأنني اطلقتهما  على السايبر.

ولتصل عزيزي القارئ إلى ما أرمي إلىه، دعنا نأخذ مثالاً بسيطاً  من دنيا الواقع كي نوضح ما آل إلىه حال المواطن والتاجر مع الإنتشار السرطاني للجبايات...دعني احكي لك قصتي عندما هممت مؤخرا بشراء جوال من سوق  احدى مدن الخرطوم  "لأسولف" به مع اقربائي واصدقائي واقضى به بعضا من مآربي المعيشية.  
ستكتشف مثلي أنك  لا تشتري الجوال وحده وأنما تساهم، غصبا عنك،  في تحمل أعباء  تكإلىف السوق وضرائبه المتعددة  المفروضة على التاجر والذي يقوم بدورها بفرضها علَيك فيزيد الطين بلة.

كتكتيك  أولي، يقوم التاجر او البائع بتفكيك الجهاز واستبدال  القطع  الاصلية باخرى (فالصو) ثم  يبيعك الاجزاء الاصلية قطعة قطعة خارج عملية الشراء الاصلية.

والسبب؟

إما انك كنت حسن النية مثلي أو وربما لجهل منك بابجديات السوق او الاثنين معا،  فلم تطلب الجوال كاملا، مع التشديد على كلمة (كامل) التي لها ثمنها أيضاً...
جوال كامل يعني شراءه  بكل محتويات المغلف (الصندوق)، بينما الشراء (حاف) فيعني (تشليع) الجهاز، وبيعه بالطريقة الواردة اعلاه.

مرة اخرى  ما السبب؟

يحصرونه في ارتفاع  تكإلىف السوق وجباياته  الرسمية المتعددة التي تفرض عليهم .. احد الباعة  احصى لي  إحد عشر نوعا من الاتاوات تشمل  ، الزكاة والضريبة (معا) وهذه الاخيرة تحولت إلى ضريبة  شهرية!! ثم الكرت الصحي، فالرخصة التجارية، ثم ضريبة الملاريا (دي اصلي ما فهمتها ولا ناوية افهمها)، ثم النفايات ، ويستوي في الدفع صاحب الكارو لجبر اضرار حماره الاخراجية  المتنوعة بالسوق ، وكذلك صاحب الركشة الذي يبدو أن المحليات تسعى لتدهن الهواء (دوكو) لاجل  خاطر سواد عيونه وجبر ضرره  ، هو الآخر، غير المنظور ، يليها ضريبة الموازين والمقاييس، ثم العتب ...الخ...والقائمة تطول.


بالطبع لم اتطرق إلى تفاصيل  نفقات الايجار والترحيل و(التعتيل) و اجور العمالة- بالرغم من كون البائع، في معظم الأحيان، وحده المشرف على المحل. المحصلة  النهائية  هي أن في الخرطوم جزء (هابر)، وكل (مَهْبور)...!!
 
بالمناسبة أنا اتحدث عن اجهزة تلفونات موبايل جديدة وليست مستعملة (على الزيرو) كما يقولون... الله لا وراكم (زرزرات السوق)، التي حدثت معي، أقلها هذه!
اما إذا تطاولت وسألت عن فاتورة الضمان او دليل الاستخدام  ، مع أنه حق اصيل لك كشارِ، فـقد يعرضك ذلك لسخرية صاحب المحل ، كأنما طالبته بأن يجلب لك لبن الطير.

رهق كلها الحياة في الخرطوم ولا ادري  لماذا كل هذا اللف والدورأن وتحميل المواطن الصابر فوق طاقته دون مردود خدمي ملموس..؟؟
فالجبايات ، كالنفايات مثلا، لا تقدم خدمات تذكر . شكوى المواطنين في الاحياء تقابلها شكوى التجار والباعة في الاسواق. الكل يشتكي وما من مجيب الا من رحم ربي.  

وفي الاسواق حينما تسأل البائع عن حاجته إلى دفع قيمة  النفايات، كما في حالة بائع الجوالات قيد الحكاية، خاصة  وهو لا يحتاج إلى خدمتها، ان وجدت،  لبيعه الجوال  (أملط) من كل اكسسواراته الورقية، يأتيك الرد بأن المحلية لم تعطه ردا، حينما طرح عليها نفس السؤال ...

لكن ما  يحز في النفس اكثر، أن مقطوعة (الطاري) هذه التي يطلق عليها اسم نفايات، تتطلب منك أن تمضي الساعات الطوال "مصاقراً" باب منزلك،  مترقبا شاحنة  النفايات التي تحضر مرة أو مرتأن في الاسبوع،  دون (إحم او دستور) او بوري (كلاكسون)، إلا من صوت الموتور الذي لا يميزها عن اي عربة اخرى تمر امام المنزل ، ثم تبدأ في (سباق الماراثون) من خلفها  ونصف زبالتك يتبعثر في الطريق و النصف  الآخر في الكيس، و بعض على قدميك.

وليتنا بعد كل هذا العناء نهنأ ببيئة صحية؟  على العكس، بات مطلوب منك أن تخوض في وحل الخريف ومجاري  السوق (عديمة التصريف)،  لتشتري خضارك وخبزك ولحمتك وربما على مقربة من محلية الجبايات او عربة النفايات. لايهم...!!

شهر واحد امضيته في اجازتي السنوية بالسودان، ألهب ظهر ميزانيتي بشظى سياط الغلاء والبلاء وكافة أنواع الاستياء..

طيلة  هذه المدة، اشتهيت أن اقضم ثمرة طماطم واحدة دون أن اسمع كلمة "بالغتي" او " ده شنو ده البتسوي فيهو ده ، خلينا نقطعها في السلطة، او أنتي عارفة حبة الطماطم الواحدة دي ثمنها كم؟". العبارات  اعلاه، قيض من فيض تقريظي ينتاشني حينما تخامرني نفسي الأمارة بالسوء في ممارسة عاداتي القديمة في التهام حبة أو حبتين من ثمار الطماطم قبل الغداء...لكن هيهات ...تلك أضغاث أحلام ..!!.
رجاء... لا  تذكرني اننا بلد زراعي وكيت وكيت... فبقية الموال معروفة لدي ولديك.

مظاهر الغلاء المستعر لا تقف عند المواد الغذائية فحسب،  بل طالت حتي الكهرباء والتي أصبحت هي الأخرى كلها معاناة في معاناة ، بدءً بتركيب الأعمدة إلى لسعة جمرة عدادها (الخبيثة) .
على سبيل المثال، عند إفتتاح سد مروي، أعلن رسميا عن  تخفيض سعر الكهرباء بنسبة 25 في المائة فحمدنا الله أن هنالك سلعة سوف ينخفض سعرها لأول مرة في هذا الزمأن القمئ، خاصة وأن كهرباء السد تعتبر من أرخص الأنواع لاعتمادها على التوليد المائي.  غير أن الفرحة لم تدم طويلا، ، حيث تم تثبيت خفض قيمة  المائتين كيلو واط الاولى عند بداية كل شهر، ثم تضاعف قيمة  الاستهلاك بقية  الشهر . علما  بأن إستهلاك الأسرة المتوسطة يتجاوز المائتي كيلو وات مرات ومرات. و بقراءة سريعة  نجد أن الاستهلاك في مجموعه لم يطرأ عليه أي إنخفاض ، أن لم يكن قد زاد .
اما إذا  لم يكن هناك عمود كهرباء بالقرب من منزلك، فتلك قصة اخرى. في هذه الحالة عليك دفع كلفته كاملة، وكذلك يفعل جيرانك الثلاث الذين يشاطرونك فائدته.  تخيل أن العمود يباع أربعة مرات ، علما بأنه محلي التصنيع...!!
صدق او لا تصدق أن عداد الكهرباء المسمى (الجمرة الخبيثة)، تسدد قيمته على البيع الايجاري الدائم (الصلاحية)..!! بمعنى أن الاستقطاع الذي تكون قد بدأته في حياتك، يتوارثه-بعد طول عمر- ابناءك ثم احفادك.. .!
 لا تنسى أنه تمت مصادرة العَدَّاد السابق دون استشارتك او شرائه منك او تركه تذكارا لماضي تليد.
ليس ذلك فقط ، لكن الخوف كل الخوف أن تمتد فكرة الجمرة الخبيثة إلى قطاع  المياه. حينها قد يصبح الاستحمام ترفا، تتم ممارسته حسب المناسبات الدينية  السنوية ويحل بالتالي الاستجمار شرطا للطهارة  من الجنابة .

كنت اظن أن الطرفة التي حكاها احد الظرفاء ومفادها أن المغتربين العائدين إلى الوطن في ظروف الاجازة القصيرة تظل كلمة "ليه؟" التساؤلية الاحتجاجية، مقيمة طيلة فترة الإجازة، ما بين الحلق وضيق الخَلْق،  لأكتشف أن الخرطوم قد إنتقلت إلى مربع الفكاهة والتندر على أمة بحالها..

تروي الخرطوم أن إحدى الشعوب العربية الشقيقة ذهبت إلى رئيسها تشتكي غلاء المعيشة وتطلب منه سرعة معالجة  الأمر ، فقال لهم ساخرا، حسب رواية الخرطوم... خليكم زي ناس السودان ياكْلوا ويأكِلوا حكومته
 

 

آراء