عندما يلتقى نهر الراين بالبوتوميك فى أمسية شرقية
فى مساء يوم السبت الخامس من مارس الجارى نظمت اللجنة التنفيذية للجالية السودانية الأمريكية فى واشنطن ، ندوة بعنوان: لماذا أحب الشاعر الألمانى جوته ، التراث العربى الإسلامى؟ ألأنه كان مسلما؟
وكان الباحث أستاذ اللسانيات والأدب فى جامهة كونستانس بألمانيا الدكتور/ محمد بدوى مصطفى هو المتحدث . عرض على الحضور رحلة جوته مع البحث والتقصى شأنه شأن الشعراء والكتاب والباحثين المنقبين فى غزير إرث ماتركه العرب والمسلمين من علوم فى الطب والآداب والعلوم الإنسانية . ركز فى محاضرته على تأثر الشاعر الألمانى جوته بما ورد فى القرآن من أسلوب ونسق متفرد وماجاء به شعراء العرب مثل المتنبى وأبو تمام والبحترى من قافية فى معلقات لم تشهدها أوروبا من قبل .
تسمرت على كرسى وأنا أحلق وفى الحس همس سيدة الغناء العربى السيدة أم كلثوم وهى تخرج الآهات مع كلمات الشاعر جورج جرداق وموسيقى محمد عبد الوهاب حيث تردد:
هذه ليلتى وحلم حياتى بين ماض من الزمان وآت
......
والمساء الذى تهادى إلينا ثم أضفى والحب فى مقلتينا
وليكن ليلنا طويلا طويلا فكثير اللقاء كان قليلا
سهر الشوق فى العيون الجميلة
حلم آثر الهوى أن يطيله
هل ّ فى ليلتى خليل الندامى والنواسى عانق الخيام
ملء قلبى شوق وملء كيانى هذه ليلتى فقف يازمانى
وبالفعل كانت ليلة من تلك الليالى التى تعلق بالذاكرة وتنصب فى الوجدان .
ولابد لنا أن نشير هنا إلى أن تقديم ومداخلات الفنان الأستاذ/ تاج السر الملك زادت الليلة ألقا ورونقا.
بكل أسف لم يتوقف الزمن ، ومضت الدقائق سراعا والقلب ينقبض خشية أن يكتمل المشهد وينفض السامر .وكأننى فى ليلة من ليالى الأنس أستعيد معها كلمات كتبتها فى ماض الأيام:
أفى بابل أنا أم فى قصور الشوق فى روما
أم على شاطئ الدانوب أعزف قيثارتى المكلومة
أم أنا واقف على باب داركم أرسم كلماتى المنظومة
قولى بربك ، أحسن بابل عندك...يازهرة من رياض السين
جئت يافتاتى مع الهوى فى ديارى تلعبين
قولى ياعصارة مايكل وياخلق دافينشى
أمن رياض السند جئت على الأرض تمشى
قولى ياحاملة الهوى على كل رمش ..
.
أهو ذاك الشاعر جوته الذى كنا نستمع إلى مسار حياته ومدى تأثره بالإسلام ، أم قد إستمعنا إلى تلاقح الشرق مع الغرب الذى سبق أ ن قال فيه الأديب المرحوم إدوارد سعيد فى شرقياته "اوريانتاليزم " الصادر عن راندوم هاوس 1978 "بعد أن يعرف الأمريكان شيئا عن الشرق حتما ستتغير مشاعرهم حيال ماعهدوا من أن الشرق هو الشرق الأقصى (الصين واليابان ) وأضاف ، بعكس الأمريكان ، الفرنسيون والبريطانيون وكذا الألمان والروس والأسبان والبرتغاليين والإيطاليين والسويسريين لهم عمق ومعرفة بماهو معنى بالشرق أو الحضارة المتاخمة لبلادهم الشئ الذى سهل لهم أن ينهلوا من منابعها فكانت الأصل لحضاراتهم ولغاتهم وثقافاتهم "
الأندلس بما لعبته من دور فى تلاقح الثقافات الشرقية والغربية تعتبر المدخل الرئيس لكل غربى رنا نحو الإطلاع على حضارات الشرق بمافيها الإسلام الذى أثر كثيرا فى النواحى الحياتية للغرب الأوروبى .
ولازال بكاء ولادة بنت المستكفى فى قرطبة على الحبيب الغائب إبن زيدون تلتقطه أذن كل متطلع للتراث الإسلامى فى أسبانيا وشبه القارة الآيبيرية .
والأمسية تقارب على الإنتهاء ، كانت الخواتيم متمثلة فى قراءات شعرية ثم عزف منفرد على العود نقلنا معه الدكتور/ محمد بدوى مصطفى من عالمنا إلى عالم الأندلس بموشحاته وتناسق وترياته المتأصلة فى موسيقانا الشرقية .
وعندما تحتم على الجمع أن يرتحل من حاضره ليأخذ من الليلة ذكرى تحكى وربما بحسرة على قصرها، خيل إلىّ أن الجميع كان يدندن بكلمات الشاعر صديق مدثر وشدو الفنان الكبير عبد الكريم الكابلى:
وإفترقنا وبعينىّ المنى قالها... الدمع فما إستبصرت شيئا
لاتقل انى بعيد فى الثرى ... فخيال الشعر يرتاد الثريا
ياضنين الوعد أهديتك حبى ...
الله يمن على عباده بنفحات لايعلمها إلا هو ، فمنهم من ينتفع بها وينفع الناس .لقد كان الدكتور / محمد بدوى مصطفى فى قمة الروعة . قلت فى سرى:
"داس إست شونى" هذا رائع . ثم قمت معانقا له وإفترقنا وتفرق الجمع ولكن وكعادة أبناء السودان كان لابد من تلك الوقفات التى نعلمها جميعا فبعد أن يكاد المرء يعتقد أن السامر قد إنفض . وكما فى أغانينا وصلة وفى مطاعمنا (زمان ) وصلة فلابد من وصلة بعد إنتهاء كل مناسبة أو حتى زيارة لصديق فى منزله . لابد من بعد السلام والموادعة من وقفة أمام المنزل يستمر معها الحديث وكأن كل واحد لايود للوصل أن ينقطع . وهكذا نحن نحمل الوطن معنا أينما حللنا .
لقد كانت ليلة رائعة بمعنى الكلمة وكانت كلمات الإعجاب تحيط بضيفنا العزيز وتطالبه بوصلة أخرى، ويعد قائلا" ستكون لنا كرة أخرى يإذن الله "
الجميع كان لسان حالهم يلهج بالشكر والعرفان للقائمين بتلك الأمسية الرائعة .
Ahmed Kheir [aikheir@yahoo.com]