لماذا صبر الإسلاميين على السَّرَّاء قليل؟ دستة أسئلة على هامش محنة سوداتيل. بقلم: د. محمد وقيع الله

 


 

 



كان سيدنا محمد جلال كشك، قدس الله تعالى روحه في عليين، يقول: إن الإسلاميين إذا ابتلوا بالضراء صبروا الصبر الجميل.
أما إذا ابتلوا بالسراء فصبرهم قليل جد قليل.
وقد سمعنا منه هذه اللازمة غير مرة في سبعينيات القرن الماضي.
لكنا صدفنا عنها ولم نصدقها إذ كنا نعيش في حالة تعصب وترقب لما يجري في العالم الإسلامي من اضطهاد ممنهج لطلائع العمل الإسلامي.
ولم نك نرى شيئا من ملامح هذه السراء التي كان يتحدث عنها.
وكل الأمثلة التي قدمها محمد جلال كشك بدت لنا بسيطة لاتسند تعميمه ولا تؤكد نظريته عن الإسلاميين في أنظارنا.
ولكن هكذا كان هذا المثقف الشريف الماجد، يعيش بالحس الصادق لسلفه سيدنا أبي ذر الغفاري، ولذا عاش وحيدا مثله، ومات غريبا مثله.
وما زلنا ندعو له ونسأل الله تعالى أن يرزقه مقامات الشهداء المنافحين الأبرار، لاسيما وأنه قد لفظ آخر أنفاسه في ساحة النزال الفكري الجسور، حيث كان يجادل في لقاء تلفازي بفرجينيا، أحد كبار أئمة الكفر في هذا الزمان، وهو: المدعو حامد نصر أبو زيد.
وهذه السطور السالفات بدأت أخطها قبل أن أكمل مقالا لصاحب (الانتباهة) الأستاذ الطيب مصطفى، عن قيام إحدى شركاتنا الكبرى، وهي شركة سوداتيل، ببيع قطاع صناعي/ تجاري كانت تملكه فيما مضى، وقد تسمى هذا القطاع فيما بعد بمسمى زين.
وقد نعى صاحب (الانتباهة) إدمان شركة سوداتيل فيما بعد على التشكي والتبكي من نجاح شركة زين وصعودها في مجال الاتصالات والاستحواذات.
وقد بنى صاحب (الانتباهة) مقاله على أن سوداتيل عملت عبثا وبلا جدوى على اللحاق بزين في مضمار السباق، وهي الشركة التي كان يمكنها الاحتفاظ ابتداء.
وبما أني لا أفهم كثيرا في قضايا الاقتصاد والسوق، وفي هذه الموضوعات بالذات، وبما أني لم أسمع مع شهادة صاحب الانتباهة إلا شهادات قليلة أخرى، ولم أسمع شهادات أصحاب سوداتيل، فقد قلت لنفسي ينبغي ألا أخوض بلا تبصر ولا بينة في هذا الموضوع الملتبس، الذي تحيط به الشهوات والشبهات.
ولا ينبغي أن أتخذ موقفا في شأن لا ألم بتفاصيله الكثيرة الشائكة.
ولكن الموضوع بمشهده العام، غير التفصيلي، وغير الممحص، قدم لي شهادة جديدة على ما كنت أنكر قديما من التعميم النظري، الذي طرحه قبل أربعة عقود سيدنا ذو البصيرة النيرة الرائد السابق على عصره: محمد جلال كشك.
فواضح مما جرى من أمر سوداتيل الذي لم تنكره أن شهوات الاستحواذ قد طغت عليها من كل جانب.
فالشركة شرهة في طلب الاحتكار مع الاستحواذ وقادتها شرهون في طلب الأرباح  والامتيازات.
فقد أصبحوا يكيلون لأنفسهم كيلا وفيرا وإذا كالوا الناس أو وزنوهم يخسرون.
1- وإلا فلماذا رضوا بأن يستأثروا بهذا القدر الوفير من المصروفات الإدارية والعمومية التي منحوها لأنفسهم بواقع ستة وثلاثين ومائة مليون دولار؟
2- ولماذا منحوا حوافز لأعضاء مجلس الإدارة والعاملين بواقع أربعة وعشرين مليون دولار؟
3- ولماذا وكيف، كما تساءل السيد أمين سيد أحمد، أحد المساهمين في الشركة تدفع الشركة حوافز مالية للعاملين وأعضاء مجلس الإدارة قدرها مبلغ (24) مليون دولار واستثمارات الشركة خاسرة؟
4- ونضيف على تساؤل هذا المساهم الكريم تساؤلا آخر يقول: كيف ولماذا أوقفت الشركة توزيع الأرباح على مساهميها، وهم أصحابها، بينما دفعت هذا القدر الكبير من الحوافز لكبار إدارييها وموظفيها وهم ليسوا أصحابها؟
5- ولماذا تقول إدارة سوداتيل إن اوضاعها ستتحسن بعد عامين، وإن على المساهمين أن ينتظروا عامين قبل أن يحققوا ربحا، ولا تقول هذا الكلام نفسه لأعضاء مجلس الإدارة والعاملين الذين استحوذوا سلفا على الحوافز والامتيازات؟
6- وهناك أسئلة أخرى نرفعها إلى إخواننا على سدة قيادة سوداتيل وهم الذين عرفناهم قديما ثم فرقت بنا سبل الحياة ولم نرهم منذ أكثر من عقدين من السنين، منها السؤال القائل: هل ستكف سوداتيل عن ممارسة التحايل على عملائها، أم أنه في نظرهم التجديدي فقه إسلامي مقاصدي مصلحي مستجد لا بأس به، وهو فقه الحيلة الاقتصادية الذي سوغ لهم أن يمتصوا قرارا سابقا لهم وأن يتلاعبوا على الجمهور في الوقت نفسه، وتخييره بين أن يقبل مبدأ الحساب بالثانية أو الدقيقة، على أن يكون الحساب بالثانية أغلى، وللشركة عندئذ أن تنعم بميزتي الإعلان الخداع المغري والحساب الاقتصادي المجزي؟
هذا مع العلم بأن من يستحل لنفسه أن يتصرف هكذا، يمكن أيضا أن يتهم بأنه لا يبالي في سبيل المال بالقيم الاقتصادية الأخلاقية العليا، ويمكن أن يتهم بأنه يستغل وسائل مشابهة من أجل تحطيم الشركات الأخرى وإجبارها على الإفلاس بغية السيطرة عليها وشرتئها بثمن مبخوس. 
7- وهنا نسأل أهل سوداتيل هل أخذوا على أنفسهم ألا ينجحوا إلا في ظل الاحتكار وطرد المنافسين وفرض نظام اقتصادي شمولي قمعي على السوق؟ أم ان بإمكانهم أن يقللوا خسائرهم ويصيبوا قدر من النُّجح في ظل السوق الحر أو شبه الحر؟
8- ثم نسأل أهل سوداتيل بعد ذلك: لماذا يحاولون أن يسيطروا على سوق الاتصالات، مع أنهم لا يعملون به إلا بأقل مما يعملون في سوق المضاربات، وآية ذلك أن أرباحهم الناجمة  من استثماراتهم التي لا علاقة لها بسوق الاتصالات جاءت أكبر من الأرباح التي نجمت عن أعملهم في سوق الاتصالات، حيث بلغ الربح الذي حققوه من اشتراكهم في صناديق الودائع الاستثمارية إلى نحو اثنين وثمانين مليون دولار، بينما  بلغ الربح الذي حققته في سوق الاتصالات ثلاث وثلاثين مليون دولار؟
9- وهنالك سؤال ينضح باشتباه عظيم يشار به إلى سوداتيل، وقد رفعه أحد المستثمرين العرب الغيورين على السودان ووضعه الاقتصادي، وهو الأستاذ الحميدان الذي خاطب مجلس إدارة الشركة قائلا: كيف تقومون بإنشاء شركة جديدة من مال المساهمين بمبلغ قارب المليار دولار ثم لا نعلم عنها إلا اسمها العجيب (كسبرسو) ولا نعلم شيئا عن أعمالها التي لابد أن تكون أشد عجبا؟
10- ولماذا انخفض حجم موجودات الشركة غير الملموسة (119) مليون دولارا نتيجة بيع 25% من أسهم اكسبرسو لصالح شركة لاري كوم؟
11- ولماذا لم يوفر مجلس الإدارة أي معلومات عن صفات وشروط وثمن الصفقة التي تم بها البيع ؟
12- ولماذا لاذ مجلس الإدارة بالصمت ورفض أن يفصح عن أسماء ملاك شركة لاري كوم التي اشترت 25% من أسهم اكسبرسو القابضة على استثمارات سوداتل في الخارج؟
هذه أسئلة مؤرقة موجهة إلى قيادة سوداتيل الذين كانوا من أعيان الإسلاميين الصالحين العاملين، ونرجو أن يجيبوا عنها بالقسط والعدل لا عن طريق العبث بالكلمات الدبلوماسية التي لا معنى لها في المحصلة.
هذا وإن لم نجد ما يشفي الغليل، فقد نجد في صمتهم بعض الدليل، على صدق نظرية محمد جلال كشك، عن إن صبر الإسلاميين على السراء قليل جد قليل!!
mohamed ahmed [waqialla1234@yahoo.com]

 

آراء