فانتازيا… قصة السفر إلى اسرائيل

 


 

 


Faizalsilaik@yahoo.com
"كل القوة اسمرا جوة" ، كان ذلك صدى الهتافات الداوية التي ظلت عالقة في الذهن حين مغادرتي الخرطوم في عام 1997 إلى اريتريا ثم شرق السودان للمرة الأولى في حياتي، وأعترف أنني كنت أجهل تفاصيل تضاريس تلك الهضبة، وما كنت أدرك صعوبة الصعود إلى أعلى الهضبة إلا بعد أن أخذت طريقي من مدينة الربيع اسمرا، في طريقي إلى غرب الدولة الشقيقة،  أزمنة معسكرات "التجمع الوطني الديمقراطي" طيب الله ثراه؛ والعتبى لصديقي حاتم السر علي الناطق باسم هذا الكيان لأنه لا يرضى مني هذه المقولة ، حيث كنت أنعت "التجمع الوطني"؛ بطيب الذكر باعتبار أنه كان في "غرفة الانعاش"، والحديث عن تلك التجربة ذو شجون، لكنني أود هنا ؛ الاشارة إلى " هتافات الانقاذيين"، وحين مروري بتلك الطرق الحلزونية؛ كنت أضحك في سري، بعد ادراكي "لهوس الجماعة"، فكيف يا ترى هم قادرون على اختراق تلك الجبال؟. وكيف هم يفكرون في اقتحام تلك " المجاهل" في ساعات؟. وأنا هنا لست بصدد الحديث عن دفاعات اريتريا، أو عن جيشها، لكنني أدركت حجم "الكذبة" أو "الجنون"، فمدينة بمثل هذه الدفاعات الطبيعية تحتاج إلى ثلاثين عاماً من الصمود، ومن العزيمة كي تدخل بواباتها عبر تلك "الهتافات" ، وهي " هتافات " تعبر عن "تفكير رغائبي"، أو " أشواق مجاهدين في أزمنة " زفاف حور الجنان"، وبراعة القرود وسط غابات الجنوب!.
ومناسبة الحديث، هو تلك الدعوات المحمومة نحو "الحرب"، وهي دعوات تنطلق من أناس لا يعرفون من السودان  أبعد من حدود العاصمة المثلثة، ولا يدركون طبغرافيا المناطق المجاورة، أو حتى مصطلح " الأرض الصديقة" ، ولو كانت جبال كرري، دعنا عن جبال النوبة، أو هي  " عنتريات كذوبة" يطلقها أصحاب "الحلاقيم الكبيرة" من بين أولئك الذين يوجهون وزير الدفاع بتزويد الطائرات بالوقود، أو "ضرب الخونة بيد من حديد"، أو يكتبون عن " تمشيط وسط الجبال بحثاً عن " متمرد"، وينسون أن الحاكمين أنفسهم يطالبون باعادة انتشار قوات "التمرد" إلى مناطق قبل المواجهة!!.
وهم يظنون أن "الحرب نزهة"، وما يدرون أن الحرب " هلاك" ودرب طويل، ولا يدخلها سوى "المضطرون ،و من يريدون ركوب "الصعاب"، وهي " اختيار لا يدركه سوى من مشاه، أو اكتوى بنيرانه، أو رأى بأم عينيه حمم الدمار، وحرق القرى، ورحيل من تحبهم، ورحل الذين نحبهم رحلوا", وليت الذين يدعون للحرب " يدخلونها هم"، ولا ينتظرون من " يحارب لهم بالوكالة"، لأنها طريق وعر، ان كان بين الأحراش، أو فوق الهضاب، أو فوق تلك "الرمال المتحركة"، إلا أن "الهوس يعمي القلوب قبل أن يعمي الأبصار"، و"الحرب " في الغالب هي " آخر أسلحة السياسيين"، وآخر منابر التفاوض  ؛ حين تسد قنوات الحوار، وتصادر الحريات، و تنتهك الحقوق، ويكثر القمع، ويستشري الظلم، و يسود التهميش، ويغيب صوت عقل الحاكمين، وهي ما يصطلح عليه "بالحرب العادلة".
وليت من "عاقل" من بين "الانقاذيين" يستجيب ولو مرة واحدة  لصوت  العقل، ويفكر في نهاية المطاف، فيقف مع الذات لحظات صفاء، بعيداً عن حالات "الجنون"، و يرى بنفسه حصاد "الزرع الانقاذي"؛ وما وصلنا إليه من مآلات؛  ما بين هتافات غزو الدول، وتشظي الوطن، وما بين هتافات الهوس، وبتر أجزاء غالية من البلاد، وما بين ، "أعراس الحور العين"، ومآتم تشييع "العلم"، وما بين "أشواق التمدد"، وحقائق "التقزم"، التي نقلت الحرب من نمولي، إلى الرنك، أو كوستي، ومن الكرمك، إلى الدمازين، أو سنار، وربما يصبح مدى المدفعية "أقرب من حبل الوريد" بين عشية وضحاها.
ولذلك بدلاٍ عن تحويل كل الوطن إلى ححيم كان من الضروري بروز صوت الحكمة، ولو دعا الأمر إلى " رحيل كل النظام" حفاظاً على سلامة ما تبقى من السودان، مع أن الرحيل مر، وغير مستساق لمن باتوا وأضحوا في حلاوة السلطة يتمرغون، وهي سمة من سمات البشر، ونقص من نواقص النفس البشرية، الأمارة بالسوء، ومعروف أن أي حاكم يكره مفردة الرحيل، شأن الزعيم الليبي، أو الرئيس اليمني، أو شاب سوريا، وكل دعاوى التشبث بالكرسي؛  هي "سيادة الوطن" وكرامة الشعب، وأن " ذهابي يعني الفوضى"، و"أن رحيلي" يعني الاحتراب" مع أن الاحتراب لم يتوقف، وأن الفوضى تظل ضاربة أطنابها لدرجة " مجازر القانون"، أو ليس هو عصر "الجنون"؟!.
وهي ذات الحالة التي تدفع مسؤولاً رفيعاً في حزب حاكم يقر بأن حكومته ستمنح كل من يريد منصباً " مهراً للسلام"، وهو تأكيد على "اهمية المنصب" أكثر من قضايا "العدالة"، وأن الكرسي، أقيم من "قيمة الحرية"، وأن "الاستوزار هو ثمن الاتفاقات الكثيرة؛ بما وقع منها، وما سيوقع، وهو هدف التفاوض، والتبضع بين مطارات المدن، وسكك السفر الطويل؛ ما بين نيروبي، وأديس ابابا، ونيفاشا، وأبوجا، وأبشي، وانجامينا، واسمرا ، والقاهرة، والدوحة، وربما غداً جزر المالديف، أو حتى جزر القمر، والهاواي، ولو كلف ذلك الخزانة العامة مليارات الدولارات، أو كلف البلاد عشرات السنين، وهي بلاد يعيش أهلها فقرا، وبؤس حال، حتى صار "الحمار " هو نجم موسم الصيف بجدارة وسط شوارع العاصمة الحضارية، التي تنام عطشى، وهي ترقد قرب أطول أنهار الدنيا، وتتمدد في  كسل يجعل أرض "المليون ميل " مربع"أو هكذا "كانت"، وأنا ما " بجيب سيرة الجنوب" على حد قول شاعرنا الكبير محمد طه القدال، فهي تتمدد كسلى فوق أخصب الأراضي، لكن أهلها يستوردون "البندورة" من بلاد مثل مصر يتقاتل أهلها على شريط نيلي ضيق!!. كما تعد عاصمتها من أغلى عواصم المنطقة؛ مع رداءة الطرق، وضعف الانارة، وقلة أماكن الترويح، والترفيهَ.
أي عصر هذا؟. أو ليس هو " عصر الجنون"؟؟.
وهو حال، كان من الطبيعي أن يتحول فيه كثيرون إلى حال  أشعب الأكول ، حين أرهقه صبية بلعبهم، ، وهرجهم حوله ، فأراد أن يصرفهم بأن دلهم على "وليمة" غير موجودة، وحين ولى الصبية بوجوههم صوب "الوليمة المفترضة" أطلق أشعب نفسه ساقيه للريح، وهو يلهث وراء الصبية، ويقول " ممكن يكون كلامي صاح"، وهو حال ذات الصحف، ومراكز فبركة الأكاذيب، التي تعلن أن فلاناً قتل في المعارك، فتصيب أهله الهستيريا، وهنا  أشير إلى أنني حين تحدثت شخصياً؛  مع صديقي "الشهيد "رمضان حسن نمر" أطال الله عمره، جاءني صوته يرسل ذات الضحكات المجلجلة، والنقية"، ويروي قصة "الأكذوبة" التي أطلقت قبل أشهر، وقبل أن يجف مداد تلك "الكذبة" يسافر "رمضان إلى أديس أبابا للتفاوض ، وهو "الشهيد"،  وهو ذات رمضان الذي حملت إلينا صحفهم -  الغارقة في وحل الأكاذيب-  بأنه سافر بمعية ياسر عرمان إلى اسرائيل ،والغرض من السفر هو "التنسيق بين تل أبيب وجوبا!. أي والله هكذا جاء الخبر!. وجوبا هي ليست بحاجة إلى "أجنبي" كي يتوسط لها، لأنها تعلن عن اعترافها بدولة اسرائيل، واستقبال وفد رفيع في سياق العلاقات الدبلوماسية، والاعتراف باسرائيل، مثلما تعترف هي بفلسطين، وما عاد الأمر في حاجة إلى " سفريات سرية" لا يرصدها سوى "رادار " الانقاذيين"، وهو " رادار يفشل  في رصد طلعات جوية"، تضرب السيادة، وتقصف "القوافل"، لكنه يرصد " ما " في الأنفس"، وما " تخفي الصدور"!، ثم نقرأ  " رواية السفر إلى اسرائيل " بحبكة مغايرة، واضافة قليل من "توابل الاثارة"، فيطلق ذالك المركز " فبركاته"، فيكون هو أول من يصدقها، ويعيد انتاجها كل مرة، وفق ما يقتضي الظرف!.
كل هذا لا ينفصم عن مغزى "الهتافات القديمة"، أو " ذات الدعوات المعبأة في قوارير جديدة"، كي تستمر " حالة الجنون"، أو كي نشاهد  فصول مسرح العبث، أو اللامعقول، وهو تلك الفصول التي بدأت بمحاولات ترويج "المشروع الحضاري" في دول الجوار على حد رغبة الدكتور غازي صلاح الدين، أيام الصبا، أو ذلك الذي هدد وزراء خارجية دول "ايقاد"  في أزمنة "العنتريات التي ما قتلت سوى وطناً؛ حين طرحوا مشروع "العلمانية في مقابل تحقيق المصير للجنوب"، فكان الرد" كيف تطلبون منا التخلي عن مشروعنا ونحن نريد نشره في كل شرق أفريقيا"؟، وبعد سنوات قليلات،  يوافق ذات القوم على "تحقيق المصير"،  ليهبط معدل مقياس  طموح نشر المشروع الحضاري عند  حدود "الجمهورية الثانية"، أو كما يزعمون، ونخشى أن يتكرر ذات السيناريو مع "الجنوب الجديد"، وما يفعلونه من معاوضة نفسية، أو لتضليلنا ، وذلك بالاحتفاء " بذبح الوطن"، بنحر "الثيران، وما يرسلونه من حمم العنصرية، وآفة القبلية، عبر تلك الأقلام التي تتنفس "الكذب " مثلما يتنفس الناس الأوكسجين، و ما يحاصروننا به من دعاوى "أن الانفصال خير لنا" لأنه ينهي عهود "الدغمسة"، وهم يقصدون محو أحد ألوان لوحة التنوع الجميل، ثم يحدثوننا عن "مقطورة الجنوب "، أو "الترلة"، وهو ذات الجنوب الذي يزرفون الدمع السخين على فقدان نفطه، ويغالطون أنفسهم في آن واحد، بأن ثلاثة أرباع ما يغذي "الموازنة العامة" هو من تلك "الترلة"!.
هذي هي "فانتازيا الانقاذ " ..  فهل من عاقل في هذا الوقت الحرج، كي يقنع القوم بغيهم، و يقرع ناقوس الخطر،  أمام قاطرة الدمار المسرعة، التي يتحكم في دفتها  ذلك المنبر العنصري، أو منبر الخراب العاجل؟؟؟.

 

آراء