بسم الله الرحمن الرحيم
إن الإسلام في سيرته القاصرة قد عانى ما عانى ولاقى الكثير من المصاعب والمتاعب والصد عنه ووضعت أمامه المصدات والحواجز لتوقف حركته وتحد من انتشاره لا لعيب فيه لكن عيبه عند أعدائه إن أبوابه مشرعة والطريق أليه سهلة والانضمام إليه دون شروط مسبقة ومتاح للعزيز والذليل للغني والفقير للأسود والأبيض إن كان هناك شرط لابد منه فشرط الإسلام وهو أن تشهد أن لااله الاالله وان محمدا عبده ورسوله وهذا ما يرفضه أعداء الإسلام لأنهم لا يريدون دينا يساوي بين أراذل الشعب مع عليته والمؤمن يعتز بنفسه لا يخضع ولا يركع الا لله .
فكان هو سبب العداء للإسلام ومنذ فجر التاريخ بداية من مشركي مكة والطائف ويهود خيبر ونصارى نجران فكان منطلق العداء من مكة مسقط رأس النبي صلى الله عليه وسلم فأخرجه مشركوها فخرج مهاجرا إلى المدينة لا خوفا ولا هربا والله قادر على نصره بكن فيكون ولله جنود السموات والأرض لكنه توسل بالوسائل واخذ بالأسباب فكانت الهجرة النبوية و بها شرع لكل داعية ولكل رافع للحق راية إن سبيل الدعوة هو سبيل المحاهدة والمكابدة وهو سبيل الغايات النبيلة والمقاصد السامية المحفوف بالمكاره وانه غير سالك ولا مفروش بالورود .
فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الغار ومعه أبوبكر واتخذ دليلا يدله على الطريق فعل كل ذلك والله قادر على حفظه وحمايته وان يعمي أبصار أعدائه عنه لكن الله سبحانه وتعالى لم يفعل وكان وراء ذلك حكمة تحمل في طياتها النصر والنعمة لأن الله سبحانه لو فعل ماذكرنا لوئدت الدعوة في بدايتها وذهبت ريحها لأن شيئا من ذلك قد يثبت لمشركي قريش ما كانوا يظنون وله يروجون أن محمدا ساحرا ومجنونا .
لكن النبي صلى الله عليه وسلم اختار أن ينتصر عليهم بسلاحهم ويقنعهم بمنطقهم .
فخرج من مكة لم ييئس ولم يقنط وهو يقول لصاحبه (( لا تحزن إن الله معنا )).
خرج ولم يترك الرسالة وراء ظهره ولم يدع على قومه وقد أخرجوه وتربصوا به وسبوه وبالحجارة قذفوه حتى جرى الدم في نعله وسال .
فعلوا معه ذلك وهو فعل معهم غير ذلك فكان يقول( رب اغفر لقومي فأنهم لا يعلمون ) وما كنت أظنه يقول غير ذلك وكيف يقول غير ذلك وقد قال عنه ربه : (( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لا نفضوا من حولك )) هكذا كان رسول الله وتلك هي الرحمة .
وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فتلقاه أنصار الله بالبشاشة وحسن الاستقبال وهم يرددون طلع البدر علينا من ثنيات الوداع * وجب الشكر علينا * ما دعا لله داع *
ايها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع * جئت شرفت المدينة * مرحبا يا خير داع *
فمكث عشر سنين يعضد الدين ويدعوا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة ولم يستل سيفه إلا مدافعا عملا بقوله تعالى :(( قاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلوكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين )).
فدخل الناس في دين الله أفوجا ثم رجع إلى مكة فاتحا عزيزا مكرما هكذا الحق والباطل في عراك دائم فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض فاخذ الصحابة رضوان الله عليهم الراية وأوصلوه إلى آسيا وتمدد في إفريقيا وحكم أوربا فكان سببا في نهضتها هذه ، هذا ما فعله صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدين فنشروه في البلاد وأوصلوه لكل حاضر وباد وكانوا يتسابقون لبذل أنفسهم وأموالهم في سبيل هذا الدين .
هكذا ربى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه فكانوا أهل بذل وعطاء وجهاد وفداء وقد طبقوا الفكرة وبلغوا الدعوة وكانوا كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم فذهب الصحابة وقضوا نحبهم وما بدلوا تبديلا ذهبوا وتركوا لنا هذا الدين وأمانة التبليغ والتي هي من اوجب واجبات المسلم وقد سخر الله من الوسائل مما تعين على ذلك ليقيم الحجة على عباده وذلك ببلوغها لمن كان حيا على البسيطة وذلك في قوله تعالى:( (قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين )) لكن المسلمين تخلفوا عن إبلاغ الدعوة أفراد وجماعات فقبضوا أيديهم عن الانفاق في هذا الميدان كما بخلت الحكومات ولم يكن لها دور واضح في هذا المجال مع ما رزقها الله من أموال وثروة بترولية تقدر بنصف الاحتياطي العالمي وفي الكثير من الأحايين تنفق الأموال للصد عن دين الله بحجة محاربة التطرف المزعوم والذي في حقيقته فرية وكذبة اختلقها الغرب لمحاربة الإسلام وقد ظل حكام المسلمين يتعاملون مع أعداء الإسلام في هذه المؤامرة .
فكان نتاج ذلك التراجع عن كل ما هو إسلامي حتى صار إطلاق اللحية شبهة وارتداء الحجاب جريمة ومواجهة الظلم تطرف ورفع الآذان إزعاج فضعف التدين وبقدر ضعف تدينهم ضعفوا وتفرقوا واختلفوا ثم ابتدعوا النظريات والأنظمة السياسية كالقومية العربية و البعثية والكتاب الأخضر لتكون بدائل عن الإسلام ولكن هيهات .
فبعد أن كان الإسلام سلوكا للمجتمع والشارع ومرجعية للحاكم والمحكوم وللتاجر والصانع حصروه في الزوايا والجوامع وبالمتابعة والمراقبة للمصلين ورصد تحركات المتدينين .
فجعلوا الإسلام حائرا يترقب وهائما يتلفت لمن يعيده كما بدا لكن المسلمين لم يهتموا بذلك وأهملوا جانب الدعوة والتبليغ وكانوا طيلة الفترة السابقة منقسمين على أنفسهم لثلاثة أصناف وخرج الصنف الرابع من بينهم وهم لا يشعرون فكان الصنف الأول يشمل الحكام وعامة الناس على اختلاف مراتبهم ووضعهم الاجتماعي فهؤلاء جاءوا بالإسلام من كل مكان وحصروه وادخلوه في الزوايا والمساجد فكان الحكام في هذا الصنف يروا إن الإسلام ليس مؤهلا لان يكون نظاما للحكم كما أن العامة كانوا يعتقدون إن الدين أن تذهب إلى المسجد للصلاة وللزوايا للذكر وهذا الصنف هم أصحاب التدين التقليدي الموروث الخالي من فهم المقاصد الكلية للدين والمستهدفة كل ما يخص الإنسان من أمر الدين والدنيا والصنف الثاني هم الذين اسروا الدين ما بين إطلاق اللحية وتقصير الجلباب فحسنوا الظاهر ولم يهتموا بالباطن وأضاعوا الزمن في الجدل والتحدث عن الفرعيات والمسائل الخلافية التي قتلها الأقدمون بحثا ، فصار الوعظ عندهم والدعوة تكفير أهل القبلة وتفسيقهم وتبديعهم واختلقوا المعارك على الشاشات وأجهزة الإعلام بعيدا عن معترك دعوة الذين يبحثون عن الدين الحق من الغربيين وغيرهم وبعيدا عن معترك أعداء الإسلام والمتربصين به من اليهود والنصارى والله تعالى يقول : (( ياايها الذين ءامنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم الى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون)).
والصنف الثالث شغلوا أنفسهم واشتغلوا بفكرة إقامة الدولة الإسلامية وبأي وسيلة مستندين على بعض اجتهادات المتأخرين ونسوا أن الدعوة قبل الدولة وما الدولة إلا وسيلة من وسائل الدعوة إلى الله ولكنها ليست غاية يستميت المسلمون في سبيلها ويريقوا الدماء ويهلكوا الحرث والنسل واعني بذلك ما يحدث في الصومال وافغانستان والعراق وباكستان وبعض الأحداث التي تنسب للقاعدة وطالبان إن كانت صحيحة فهؤلاء إن كانوا مجتهدين فقد اخطئوا ولم يحققوا ما يفيد الإسلام في عاجل أمره وآجله .
فهؤلاء الثلاثة أصناف اقعدوا بذلك الدين وقعدوا عن الدنيا ولم يأخذوا بأسبابها حتى ينهضوا كما نهضت الامم وذلك لظن كثير منهم أن ما حدث من تقنيات وتطور يتعارض مع الدين ،يفعلون ذلك وما علموا إن الإسلام جاء ليعاصر لا ليغاير جاء ليخترق لا لينغلق جاء لينتشر لا لينحصر و يعمر لا ليفجر،والصنف الرابع هو الذي خرج من بين الثلاثة وهم الشباب وثوراتهم والذين فعلوا في أشهر معدودات ما لم يفعله الثلاثة الكبار خلال عمرهم المديد ، لانه لم تكن وسائل الشباب نفس الوسائل والفهم لم يكن الفهم نفسه والتدين لم يكن التدين ذاته جاءوا وقد رفضوا كل قديم ورفضوا له التسليم ورفضوا التحزب والتشيع فكانوا باحثين وليسوا وارثين معاصرين وليسوا منكفئين ، ومجيئهم وهم يحملون الاسلام يدل على أن الاسلام له من الصفات الملازمة انه لا يستسلم مهما تكالب عليه الأعداء ومهما مكروا به فأنه يظل يقاوم ويكر ويفر ولم يلق سلاحه لأنه موعود بالنصر وبسيادة العالم وقد فعل به الأعداء ما فعلوا على مر التاريخ نهاية بالغربيين الذين جلبوا عليه بخيلهم ورجلهم وأموالهم وآلتهم الاعلامية الضخمة والتي وجهت لتكيد للاسلام تشويشا وتضليلا وقد أحرقوا المصحف وأساءوا للنبي صلى الله عليه وسلم وعبروا البحار والمحيطات بترساناتهم وأسلحتهم ليطفئوا نور الله في عقر داره (والله متم نوره ولو كره الكافرون ) ،رغم ذلك بدأ الاسلام يعود وبدأ التاريخ يعيد نفسه وقد أدخله مشركي مكة من قبل في الغار رفضا له وصدا عنه فخرج من هناك فاتحا منتصرا قويا مهيمنا واليوم كذلك يعيد التاريخ نفسه ويكشف الاسلام وجهه من بين فرث المكر ودم المؤامرات يمد يده بيضاء من غير سوء قائلا هأناذا فمؤامراتهم لا تخيفنا وتحركاتهم لا تزعجنا وقد تحركوا من قبل أكثر من ذلك وفعلوا به أكثر من ذلك وقد لاقى من أعدائه في السابق نفس الذي يلاقيه اليوم ففي السابق مكر سيدنا عمر وهو في الجاهلية وأراد بالاسلام ورسوله كيدا ولما اسلم صار فاروق هذه الامة وبه قوي الاسلام و به أنتشر وهزم سيدنا خالد بن الوليد المسلمين في احد ولما أسلم صار سيف الله المسلول فرغم ما فعله به الأعداء على مر التاريخ وقد علمنا ما فعله المتأخرون فكانت النتيجة ما نراه اليوم من ثورات شبابية تحمل شعارات اسلامية فالاسلام آت و من كل مكان وواصل لكل مكان ولا سيما اوربا وسوف يدخل الكثير منهم الاسلام بداية بالمشاهير منهم فترقبوا ذلك.