النزاع المُسلّح فى دارفور : الوسائل البديلة !

 


 

 


ظللنا نُنبّه ، ونُحذّر ، على مدى طيلة  السنوات الماضية ، و قد واصلنا دق ناقوس الخطر ، منذ بداية هذا العام ، من مآلات إستشراء الأزمات المُسلّحة فى دارفور - كما فى غير دارفور - ، ومن حصاد سياسات دعم العنف القبلى فى دارفور ، بصورة خاصّة  ، ولكن ، لا حياة لمن تُنادى ، وهاهى حرب القبائل ، تدخل مراحل جديدة من المُواجهات العسكريّة ، أكثر من أىّ وقتٍ مضى ، وما حرب (المعاليا الرزيقات ) ، سوى نموذج " ليس حصرى "، يُوضّح ويُؤكّد أنّ دائرة الإحتراب والإقتتال بين القبائل ، قد إتّسع فتقها ، وصار رتقها ، يحتاج إلى جهود أكبر ، وكُلفة أعلى ، جهود يجب أن تُبذل ، من أطراف ، يرى أهل " الشأن "و" المصلحة " فى السلم الأهلى والمجتعى، أنّها ليست طرفاً فى النزاع ، ولا مُستفيدة من بقائه ، إذ لا بٌدّ  من ( وساطة أهليّة ، مُجتمعيّة خالصة ) ، و يجب أن يُفسح لها المجال ، بعد أن فشلت الدولة ، كُليّاً ، فى حل النزاع ، لأسباب معلومة لدى طرفى النزاع ، والمجتمع الدار فورى  و السودانى بأكمله.
فض النزاعات ، لم يعُد ، يكتفى - كما فى السابق -  بالطرق والوسائل التقلدية ( الجوديّة ) ، ولا بالتوسط أو التدخُّل الفوقى لتحديد الغرامات وسداد الديّات ، و إضاعة الوقت والجهد ، فى عقد المؤتمرات " الشكليّة " ، التى تستبطن ( الحل الأمنى ) ، وتسعى لتكريس الفرقة والشتات ، على منهج ( فرّق تسُد ) ، وقد جرّبت بلادنا ، والقبائل المُتحاربة والمُتصارعة فى دارفور ، مؤتمرات صُلح " الخُطب الحماسيّة " و " الضجّة فى الرادى " ، تحت مظلّة الحكومة الحالية ، ولذلك ، لا ننصح ، بإستمرار هذا ( النهج ) ، أو التعويل عليه ، فى حل النزاع الحالى بين المعاليا والرزيقات ، أو النزاعات الأُخرى فى دارفور وغيرها ، ومن الأفضل ، البحث عن ( الوسائل البديلة ) فى فض النزاعات ، وهذا لا يعنى ( الإستغناء ) أو ( رفض ) أو (عزل )  الدولة والحكومة الحالية ، من جهود (الوساطة والتوفيق ) بين القبائل المُتحاربة ، فهذا ، من المُستحيل ، إذا حكّمنا العقل ، لا العاطفة ، فالدولة الإنقاذية بحكوماتها ، وسلطاتها (المركزية ) و( الإقليمية) و( المحلية ) وأجهزة ( أمنها ) و( قضائها ) و (شرطتها ) و ( جنجويدها ) و (مليشياتها ) هى جزء من المُشكلة ، ولا يُمكن إستبعادها ، أو تجاهلها على المدى  القصير ، بجرّة قلم ، ولكن ، يجب أن لا يُترك لها المسئوليّة المُطلقة ، فى البحث عن حلول للأزمة والنزاع ، وفى البال ، ما تكشّف عن الحملة الأخيرة ، التى قادها طُلّاب الحزب الحاكم ، فى التعامل مع طُلّاب دارفور ، تحت عين وبصر ومُباركة الحكومة وأجهزتها الأمنية ، وهذا حديث يطول !.
تجارب الشعوب والبلدان ، أثبتت أنّ هناك من ( الوسائل البديلة ) ومنها ( الوساطة والتوفيق ) ، ماهى كفيلة بالمساهمة الإيجابية فى فض النزاعات ، وهى الوسيلة الأنجع ، من الوسائل التقليدية ، والمطلوب فى الحالة السودانية والدارفورية ، أن تقوم منظمات المجتمع المدنى، الحقيقية ،  فى وطننا ، بجهدٍ أكبر فى تحدّى الواقع المأزوم - رغم التضييق الحكومى " الأمنى " - ، وعلينا التفكير فى مُبادرات خلّاقة ، تفتح الطريق ، نحو  فض النزاعات القبليّة ، الدائرة - الآن - والخروج من الدائرة الشريرة ، المُتمثّلة فى " إقتتال " يليه  مؤتمر " صُلح " (( أىّ كلام )) ، وعودة لمربع الحرب .  
من الوسائل البديلة ، فى التعامل مع النزاع ، الدور المطلوب من صحافتنا ، ومجتمعنا الصحفى ، كجزء أصيل فى المجتمع المدنى السودانى الجديد ، المعقود بلوائه التغيير ، وعلى صحافتنا وصحفيينا وصحفياتنا ، الإستفادة من المعارف الجديدة ، فى مهارات وعلوم وفنون (الميديا والنزاع )، وهذه أبواب  من المعارف والخبرات والتجارب ، علينا فى الصحافة السودانية ، التعمُّق فى إكتسابها، والتوسُّل بمعارفنا الجديدة لتحقيق أهدافنا المنشودة ، وهذا يتطلّب - بالضرورة - الإلتزام التام من الصحفيين والصحفيات ، بمُكافحة ومُناهضة  (خطاب الكراهيّة ) ، بصورة صارمة ، لأنّ الصحفى/ة فى عالم اليوم ، لم ت/يعد مُجرّد " جورنلجى /ة " ( ناقل/ة للخبر ) ، من الرصيف ومنصّات ( الحياد ) ، وفى حالتنا هذه مُجرّد ( ناقل/ة لأخبار النزاع )، إنّما المطلوب ، أكثر من ذلك ، بكثير ، وقد أصبح من المعلوم والمطلوب أهميّة التسلّح بقيم الدفاع عن حقوق الإنسان ، وإحترامها والمساهمة فى تعزيزها، وحتماً ، فى واقع صحافتنا ، مواجهة هذا الواقع المرير ، بما فى ذلك ، تحدّى الرقابة والسيطرة الأمنيّة ، المفروضة على الصحافة ....وهكذا ، ومن هنا نبدأ المشوار .   

faisal.elbagir@gmail.com

 

آراء