أولى المحطات الدبلوماسية التي عمل فيها السفير الطريفي هي باكستان ، وقد سرد مطولاً عن وصوله لباكستان ، وانتقال العاصمة من كراتشي الي اسلام اباد علي عهد الجنرال ايوب خان ، والخصائص التي تميز اسلام اباد كعاصمة واوردت تفاصيل عن مقابلته مشيدا بادارة السفير عوض الكريم فضل الله الذي تعلم منه الكثير في العمل المنضبط والتعامل الراقي ، مؤكداً بأن اولي المحطات الدبلوماسية قد صقلت مواهبه الدبلوماسية والإدارية والمالية . فمن المألوف أن التدريب الفعلي يحدث للإنسان بما يسمي التدريب داخل العمل ، ليصل الانسان بعد تراكم التجارب الي صيغة .. تعتبر هي المثلي لإنجاز المهام التي يكلف بها الانسان في الوظائف الحساسة مثل العمل الدبلوماسي المتشعب الأغراض والأهداف.
وقد عاصر السفير الطريفي ثلاث مدارس من سفراء يختلفون في اداراتهم ورؤاهم وهم السفراء :- عوض الكريم فصل الله ، وهاشم محمد صالح ، و محمد المكي ابراهيم ، وظل وهو الحادب علي تجويد عمله حريصا علي الإستفادة من تجارب من عمل معهم ومازالت تربطه بهم علاقات اسرية وطيدة .
وبما ان استعراض مثل هذه الكتب الهامة يحتاج الي ابداء الرأي والرأي الآخر ــ ليس انتقاصاً من الجهود او تقليلاً لشأن ــ ولكن لتعم الفائدة فقد لاحظت اتجاه السفير الطريفي بالدخول في تفاصيل صغيرة ، هي تعتبر هامة علي الصعيد الشخصي أو في مجال الحكي المثير ولكن ايرادها في كتاب يحكي عن خفايا واسرار في الدبلوماسية السودانية ، لاتخدم في رأييالأهداف الكبيرة التي يريد الإنسان نقلها للقراء المتخصصين وغير المتخصصين .
ففي رأيي كان الأجدي أن تبدأ تجربته في باكستان بأبداء الملاحظات العابرة عن الأسس التي قامت عليها باكستان عام 1947 بعد انفصالها من الهند تحت قيادة القائد محمد علي جناح الذي كان عضواً في حزب المؤتمر الهندي ، وآثر الإنشقاق و خلق الدولة الإسلامية . وماهو التصور الذي كان يراه مؤسس باكستان ، ومن ثم معاصرة باكستان كالسودان سلسلة من حكم مدني يعقبه حكم عسكري ، وما اكتنف ذلك الانتقال من صراع بين دعاة الدولة (المدنية) والدولة (الإسلامية).
وماهي الخلافات الأساسية بين مكونات الاحزاب السياسية في باكستان ، ولا سيما بين حزب الراحل ذو الفقار علي بوتو (حزب الشعب الباكستاني) و حزب الرابطة الإسلامية وما شابهه ، والعوامل التي ادت الي اعدامه عام 1979 ثم من بعده اغتيال ابنته بناظير بوتو عام 2007 م .
وعلي صعيد العلاقات الثنائية بين البلدين ، أشار السفير الطريفي بأنها كانت غير مزدهرة وحصرها في مجال التعامل الفني والثقافي ، رغم ان هذه العلاقات قد نشأت بين البلدين خلال النصف الأول من سبعينيات القرن الماضي ، علي أساس أن السودان يمثل لباكستان البوابة الي الدول الأفريقية وباكستان تمثل للسودان البوابة الي الدول الآسيوية ، وشملت العلاقات مجالات عدة في الصناعة والتجارة والتعليم والتدريب والمساعدات الفنية في مجال السكة حديد والنقل والمواصلات...الخ
وشملت مجالات التدريب العسكري بموجب اتفاقية بين كلية قادة الاركان السودانية وجامعة الدفاع الوطني الباكستانية ، وامتدت الي الاستفادة من التجربة الباكستانية في البحرية العسكرية ، وفي مجال الزراعة اثمرت العلاقات الي تجربة زراعة الارز البسمتي بواسطة شركة كروان الباكستانية بالتعاون مع وزارة الزراعة السودانية بمنطقة النيل الابيض . وفي مجال التعدين ساهمت بعض الشركات الباكستانية في مجال صناعة الاستيل ، ويعمل عدد من العمال الباكستانييين المهرة والفنيين في شركة كنانة ومصانع الاسمنت ...الخ وكذلك مشاركة الدولتين في الانشطة التجارية بين البلدين في مجال اقامة المعارض والمهرجانات الفنية ومعارض الكتب والتبادل الاعلامي . بالاضافة الي توافد اعداد من الطلاب السودانيين للدراسة بالجامعات الباكستانية . رغم أن هذه العلاقات قد بدأت عام 1973 فأن حجم الواردات من باكستان لم يتجاوز نيفاً وستين مليون دولار وشهدت عجزاً من جانب السودان . من الإشارات الإيجابية التي اوردها السفير الطريفي ، مساعيه لإنجاح فكرة امتلاك السودان لقطعة ارض في اسلام اباد لتشييد دار البعثة عليها ، وتعثر هذه المحاولات نتيجة للإجراءات الروتينية التي دأبت علي اعاقة مثل هذا الاتجاه ، ويجدر الذكر بأن هناك اشارات عدة من سفراء كثيرين عن فرص نادرة تضيع من السودان .. الذي في مقدوره امتلاك هذه الدور بقليل من التدبير الاداري توفيراً لما يهدر من اموال في بند الاجارات .
وفي نقطة جديرة بالمتابعة والاهتمام ، ذكر السفير طلب رئاسة الوزارة (الخارجية) ضرورة أن يكتب الدبلوماسيون من درجة الوزير المفوض وما دون بحثين علي الأقل علي أن يعد إنجازهما معتبراً لأغراض الترقي ، ورغم أنه كان انه منهمكا في اعداد ثلاثة بحوث متنوعة إلا انه آثر عدم ارسالها وهجر كتابتها ، لان الوزارة التي تعد لاتهتم بالبحوث ، بل تتعامل معها بإهمال . وهنا تجدر الاشارة بأنه قد آن الاوان ان تكون لإدارة البحوث وضعيتها المميزة في ادارات وزارة الخارجية . فكم من البحوث تراكمت وملأت الأرفف واستعملت كمسودات !! وفي هذا السياق يلاحظ بأن مكتبة الوزارة الغنية بالكتب النادرة والمراجع الهامة ــ والتي تتبع لأدارة البحوث ــ ما زالت غير قادرة علي مواكبة عصر التكنولوجيا الحديثة واصبحت وكأنها خلقت لتكون مخزناً للكتب وليست مكتبة عصرية !!!!!