كلفني بعض أصدقاء عبدالماجد علي بوب ان أنوب عنهم وانا واحد منهم ان أقوم بواجب المشاركة في أربعين وفاته. وقد حالت ظروف خاصة دون السفر الى كاليفورنيا والمشاركة شخصيا. وقد كلفت الأخت سعدية عبدالرحيم التي قامت مشكورة بقراءة الرسالة المرفقة امام المحتفين بحياة عزيزنا عبدالماجد. للذين هم أصدقاء ومعارف عبدالماجد المنتشرين في إنحاء العالم وللذين لم يتعرفوا عليه من قبل هذا النداء من اجل الاحتفاء بحياة عبدالماجد علي بوب. السلام والتحية والاحترام لأسرة عبدالماجد القريبة هنا: سوسن وهديل واحمد وهشام. السلام والتحية والاحترام لأسرة عبدالماجد الهناك القاطنة في العاصمة والعواصم السودانية في السجانة وفِي ود مدني وفي مدن وقرى الشمال الاخرى. السلام والتحية والاحترام لأسرة عبدالماجد الكونية في المدن والتنظيمات والمنظمات والجامعات والصحافة ومكونات المجتمع المدني السوداني والانساني. السلام والتحية والاحترام لكم جميعا بمقدار ما حملتم موفقين ومتفقين من نبيل المشاعر وعظيم الوفاء لما جمعت به بينكم هذه الآصرة العظيمة التي هي في اصلها تلك العلاقة النادرة في خصوصيتها والعميقة في إنسانيتها. لذلك فان لجمعنا هذا واجتماعنا كذلك هذه الأهمية الخاصة بمثل وربما بأكثر مما يمثله هذا الاجتماع لذاته. وفيه من الأهمية الاكبر في انه يمثل بداية الاحتفاء بما قامت عليه حياة عزيزنا عبدالماجد من تلك الأهمية الخاصة والعامة. اذ ان في اي منا نحن الذين يضمنا هذا الاجتماع وفِي أولئك الذين يتابعون ما نحن فيه الان أشياء باقية وستبقى من خصوصية وعمومية تجربة عبدالماجد علي بوب الانسانية على مدى نصف قرن من الزمان. تلك الأشياء في تعاظمها ما يتمثل ويتجلى في سوسن وهديل واحمد وهشام. وفيها أيضا ما يتمثل في أسرته الممتدة في السودان في طوله وعرضة. والحال كذلك، تتمثل تلك الأشياء في عظيم ما يتماثل ويتعاظم في كل ما هو باق في وجدان وذاكرة الذين عرفهم وعرفوه وامتدت اواصر الود والصداقة بينه وبينهم. هم اكثر من ان نحصي واهم من ان نصنفهم. لذلك أقول باننا جميعا نمثل أسرة كونية شيدها بامتياز وحافظ علية بإنسانيته عبدالماجد علي بوب. وكذلك ولذلك فان في عبدالماجد منا جميعا ما هو اكبر من ما يمكن ان نحصره في كلمات مهما طالت فإنها قد لا توفي بالغرض ولن تحصر عمق ذلك من امر. وليس لنا ان نقف في حدود البكاء وان كان البكاء عليه واجب. ولا يستبطن الامر ما يجول في النفوس والخواطر ما يقوم عليه مقتضى الحزن والاسى وان ظل الحزن على فراقه قائما. ولا. ليست هذه المناسبة القائمة هى مجرد حالة خاصة نستعيد فيها حكاياتنا الكبيرة والصغيرة. نعم ان في لك استعادة لما يمثل ذلك الجانب الهام في حياتنا والذي تتجلى فيه أشكال تيار الوعي الذي شمل فأوعى من عميق تجربتنا الانسانية كسودانيين تبادلوا حلو ومر واحدة من ادق مراحل التجربة الانسانية السودانية سياسيا واجتماعيا وإنسانيا. لذلك فان من عظيم ما في حياة عبدالماجد انه كان وظل وسيظل يمثل إشراق وأشواق وأحزان هذه التجربة السودانية الاهم. تجربة لم تكن مثالية وان كان في قواهما أناس مثاليون من امثالك. لذلك وعندما نقف معك عند مراحل حياتك الكبيرة يا عزيزنا عبدالماجد فلا نملك غير ان نخاطبك من واقع المضارع اذ لا نقف ولن نقف عند اطلال الحياة السودانية ولن نبكي دمن فشل الفاشلين وموت دنياهم وإنما نقف عند ما قام ويقوم عليه الوعد بان في الإمكان دائما أحسن مما كان. لذلك يظل الماضي ماثلا اذ ان الماضي هو نحن في ما هو قائم في هذه التجربة الانسانية. لقد كنّا معك في الثانويات نتعلم كيف يكون نبض الشارع ونتعلم ايضا كيف يمكن ان يكون الخطاب السياسي وكيف يثقف أداءا ومخاطبة وكتابة في الحيط او في صحافة سرية او في اخرى علنية او في منابر الجمعيات الأدبية والاندية المحلية والعامة. ومن تجليات ذلك لا غرو ان جاءت أكتوبر من واقع تجربة الحركة الطلابية ومن قيم خطاب القضية الوطنية وعبقرية ما أعطت روؤى الحداثة لشعبها ذات يوم وما يمكن ان تعطيه له اليوم. عندما نقف معك في ألمانيا الديمقراطية نقف عند الذي أعطى عالم ما بعد الاستعمار تجربتنا من اضافة في مجال المعرفة ومن أدوات ذات اثر وخطر في مجال السياسية. وعندما أعطت العلاقة الانسانية في عميق صلاتها في تدعيم التواصل بين الشعوب وتناصح ثقافات إنسانها. لذلك فالذين عاشوا تلك التجربة معك وكما عشتها انت أتوا إلينا بإضافات لا تقدر بثمن في مجالات حياتنا العامة والاكاديمية والمهنية. جيل جديد يقتحم افاقا جديدة وتحديات يظل عنفوانها ودرسها قائما. نعم كان تميز ذلك الفصيل الذي عاش بجد تلك التجربة الجديدة في عالم اخر في منظومة الدول الاشتراكية وتواصلت تلك العلاقة عند البعض نسبا ومصاهرة وانجال. وعند البعض الاخر تواصلا فكريا مع بعض من عاصروا وتعايشوا مع اخرين من ضمتهم تلك التجربة شمل ذلك القبول والتمرد والرفض في ذات الوقت. وان كانت أكتوبر واحدة من اعظم ما أعطت تجربة الحداثة السودانية في مجالي الثورة والثورة المضادة فان من اهم تجارب الحداثيين عندما طاشت الأحلام الكبرى على مذابح الشموليات العسكرية ان اختار بعض من بقى واقفا منهم فوق الارض ان يمشي الطريق الاخر وحده متنكبا وعورة مثل ذلك الطريق. فكان اختيارك جامعة جوبا كمركز ومرتكز لا لتحقيق طموح مهنة جليلة فحسب وإنما لاختبار واختيار مقتضى رسالة أثمرت وظلت تثمر ما يضاف الى شجرة المعرفة الانسانية السودانية. شمل ذلك معرفة إنسان جنوب السودان في إطار التجربة السودانية في تعظيمها. لذلك كان وجودك الأكاديمي والاجتماعي والسياسي والانساني المتمثل في ساحات الفصل الدراسي والمنهج الأكاديمي وجميع أسرة الجامعة وطلابها ومجتمع جوبا والإقليم واهله وتجربتهم الانسانية والسياسية هو الأكبر والأعظم والاهم. لقد كانت لنا جميعا وقفة كبيرة معك في الاحتفال بمرور سنوات عشر على تأسيس تلك الجامعة. وكان لنا وقفة اكبر معك في كتابك: جنوب السودان: جدل الوحدة والانفصال. وسنقف اكثر عندما يتواصل القيام عند صدور كتابك القادم عن جوزيف قرنق ومقابلاتك الطويل وحوراتك مع جون قرنق. لم تكن الهجرة الى شتات المهاجر والملاجئ بالاختيار السهل او اليسير اذ في عميق تجربة المهاجرين قد تكسرت النصال على النصال. رغما عن ذلك فهناك من استطاع ان يهب واقفا وينفض عن أثوابه وجسده غبار تلك التجربة الوجودية لينتظم بجد وجهد في بناء نسيج ما يقوم علية نضال فصيل ديمقراطي متعدد المهام بعضها ما استثمرته انت ورفيقة دربك سوسن في تقديم جيل سوداني جديد نموذجه هديل واحمد وهشام. جيل يقف الان معافى من مثل تلك الأمراض المعدية التي تبثها الإنقاذ في جسد وعقل البعض من اجيال ابناء وبنات السودانيين. ومن تجليات ذلك الفصيل الديمقراطي ذلك الحوار الودود والمتصل بين أشخاصه. ولعل من تجليات ذلك استقالتك من الحزب الشيوعي عندما ضاق الوعاء عن الفكرة لتقول دون خوف او مرارات: نعم أنا مع الفكرة بأكثر من اي وقت مضى ولكن الوعاء لم يعد بالسعة التي يمكن ان تسع الفكرة. ولذلك كان لتلك الاستقالة رنينها الذي كان وسيظل عاليا ومتواصل. يا عزيزنا عبدالماجد ما أعظمها من حياة وما اعظمك من حي وسيبقى ويظل يوفر لنا كل من هذا وذلك اعظم ما يمكن ان يكون عليه الاحتفاء بحياتك حتى وقت سيبقى.