أبعاد الإبداع في شعر محمد بشير عتيق

 


 

 

زهير عثمان حمد
كما يتجلى للقارئ الكريم، فإن الجهود المبذولة في دراسة نهج الأستاذ محمد بشير عتيق في فن الشعر، التي أبداها الأستاذ محمد جمال، تعد بمنزلة نافذة مشرعة على أفق الشعر الأندلسي والزجل الذي استلهم منه الشاعرمحمد بشير عتيق ورفاقه من الشعراء في الأغنية الامدرمانية . ولقد أثلج صدري أن هناك من يعنى بتراث الأغنية السودانية ويبحر في أعماق طرق كتابة الشعر الغنائي السوداني.ومما لا شك فيه أن حركة النقد المقارنة في الساحة الثقافية السودانية تظل محدودة، ولا سيما في مجال الغوص في أغوار تراث الأغنية والشعر السوداني. وغالبًا ما تقتصر الجهود المنشورة على أعمال أكاديمية تسعى لنيل درجات علمية، دون أن تتوسع لتشمل إعادة التأمل أو التقييم النقدي العميق لأعمال الكتاب والشعراء , وعليه، يتعين علينا أن نقرأ بحث الأستاذ محمد جمال بعين الاعتبار والتقدير، ملحظين الجهد الفريد الذي بذله في هذا المضمار، والذي يعد قليل النظير. وقبل أن نسلك دروب النقد، يجدر بنا أن نحلل بعمق ودقة أسلوبه في تفكيك أعمال الشاعر محمد بشير عتيق واستكشاف منهجه النقدي.و لبدء التأمل في شعرية محمد بشير عتيق، أقترح أن نبدأ بفصل يُسلط الضوء على “الأسلوب والبنية الشعرية”. في هذا الفصل، يمكننا تحليل كيفية استخدام الشاعر للغة والإيقاع والصور الشعرية لإيصال مشاعره وأفكاره. هذا سيمنحنا فهمًا عميقًا للطريقة التي يُعبر بها عتيق عن الجمال والعاطفة في أشعاره. وهنا لابد من لمحة عابرة عن محمد بشير عتيق، الشاعر السوداني المعروف، وُلد في حي أبي روف عام 1909. نشأ في بيئة ثقافية غنية، حيث كان والده معلمًا للغة العربية وعلوم القرآن، مما جعل منزلهم مركزًا لمحبي الأدب والشعر. منذ صغره، أظهر عتيق شغفًا بالقراءة، وقضى وقته في استكشاف أعمال شعراء مثل البرعي وابن الفارض، وكذلك الأدب والأغاني الكلاسيكية , على الرغم من موهبته الواضحة، لم يتمكن عتيق من متابعة التعليم الأكاديمي التقليدي، فاتجه نحو تعلم الحرف اليدوية، متأثرًا بعمال البواخر الذين قابلهم في رحلاته بين أم درمان والدويم. وفي المدرسة الصناعية، وجد عتيق متنفسًا لإبداعه، حيث شجعه الناظر أحمد حسن حدربي على كتابة الشعر الغنائي، متنبئًا بمستقبل باهر له في هذا المجال , بعد تخرجه، انضم عتيق إلى مصلحة السكة الحديد في عام 1930، ولكنه لم يترك شغفه بالشعر. خلال العطلات، كان يعود إلى أم درمان ويشارك في “بيوت الأعراس”، وهي فعاليات اجتماعية كانت تعتبر مسارح للغناء والرقص، ومكانًا للتعبير عن الجمال والفن وعتيق، الذي كان معجبًا بالشاعر أبو صلاح وأسلوبه الشعري الذي يتميز بالجمالية والغزل الرقيق، وجد فيه مصدر إلهام، وسعى لنسج شعره على منواله، مما أضاف إلى الأدب السوداني بُعدًا جديدًا ومتميزًا.

قصيدة اذكرينى يا حمامه

أذكريني يا حمامة كل ما ساجع ترنم بي هواي وحب جمالك

أذكريني يا حمامة كلما هطلت غمامة في مساءك أو في صباحك

وفي غدوك أو في رواحك وكلما بارق تبسم أو نسيم الصبح نسم

عني دايماً يكون سؤالك..

***

فيمَ هجراني وعلام يالهواك صار لي علامة

شاهر لي داماً سلاحك

وموتي واجب في اصطلاحك

طرفي عن رؤياكم يحرم وذنبي ايه غير اني مغرم

ولي هواك من بدري مالك..

***

كل من في الكون ناما وعيني ليه فقدت مناما

وإنت يالكاحلك نعاسك يزدري الأغصان مياسك

حظي زي ليل فرعك اسحم

والجحيم من هجرك ارحم عني يالشاغلك دلالك..

***

صرت اعشق فيكي قاما خصرها يعيرني السقاما

فيها اشرق نور صباحك لي سنا البرق افتضاحك

فكري في خصرك مقسم وخطبي ذي ردفك مجسم

هل يصح ويرضيكى ذلك..

وسوف أبدأ بقصيدة “أذكريني يا حمامة” للشاعر محمد بشير عتيق تعد من الأعمال الشعرية الغنائية التي تحمل بصمة خاصة في الأدب السوداني. يتميز الشاعر بأسلوبه الفريد الذي يجمع بين الشعر العربي الكلاسيكي والحداثة، وهو ما يعرف بـ شعراء الحقيبة، حيث يضيف إلى شعر الحقيبة لمسة من الطرافة والخفة أحيانًا ,و بالنسبة للاتهامات الموجهة للشاعر بأنه استلهم أو “سرق” من الشعر الأندلسي، فهذا يتطلب تحليلًا معمقًا للنصوص ومقارنتها بأعمال الشعراء الأندلسيين. الإلهام والتأثر بأعمال الآخرين أمر شائع في الأدب، ولكن الاتهام بالسرقة يحتاج إلى دليل قاطع يظهر تطابقًا واضحًا بين النصوص, تعالوا نتامل قصيدة “الصبح البديع” لمحمد بشير عتيق تحمل في طياتها روح الشعر العربي التقليدي وتظهر تأثرها بالأشكال الشعرية الأندلسية مثل الزجل والموشحات. الزجل الأندلسي هو فن شعري استحدثه أهل الأندلس ويتميز بلغته المعربة وأوزانه التي قد تخرج عن أوزان الخليل بن أحمد. ويتشابه الزجل والموشح في بعض الجوانب ويختلفان في أخرى، خاصة من حيث اللغة والإيقاع. في قصيدة “الصبح البديع”، يمكن ملاحظة استخدام اللغة العربية الفصحى والإيقاع الموسيقي الذي يشبه إلى حد ما الزجل الأندلسي، ولكن بدون الالتزام باللغة العامية التي تميز الزجل. كما أن القصيدة تحمل بعض الخصائص الحسية من حيث الإيقاع والموسيقى، وهي سمات مشتركة مع الشعر الأندلسي الذي كان يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالموسيقى والغناء. بالنظر إلى النص، يمكن القول إن القصيدة تعكس الجمال الطبيعي والحياة الروحية التي كانت محورية في الشعر الأندلسي، ولكن لا يمكن الجزم بأنها تنتمي بشكل كامل إلى نمط الزجل أو الحسي الأندلسي دون تحليل أعمق للنص ومقارنته بأشكال الشعر الأندلسي المعروفة. ومع ذلك، فإن القصيدة تظهر بوضوح تأثر الشاعر بالتراث الأندلسي وإعجابه به، مما يضفي على أعماله طابعًا فريدًا يجمع بين الأصالة والتجديد. وكذلك قصيدة “ما بنسى ليلة كنا تايهين في سمر” للشاعر محمد بشير عتيق، والتي لحنها وغناها كرومة، هي تحفة فنية تعكس الأسلوب الشعري الذي يُعرف بـ “فوق الحقيبة”، وهو أسلوب يجمع بين الشعر التقليدي ولمسات من الحداثة

لغويًا، تتميز القصيدة بلغة عربية فصحى ممزوجة ببعض الكلمات العامية، ما يعطيها نكهة خاصة تقربها من قلوب المستمعين. القصيدة تستخدم الصور الشعرية الجميلة والمعاني العميقة لتصوير مشاعر الحب والحنين. من ناحية النظم، تتبع القصيدة بنية الشعر العربي التقليدي مع استخدام القافية الموحدة في نهاية كل بيت، وهو ما يُعرف بالقصيدة الموزونة. الإيقاع الموسيقي للقصيدة يتناغم مع الكلمات بشكل يعزز من جماليتها ويسهل حفظها وترديدها.

القصيدة تعبر عن لحظات السمر والجمال الطبيعي والحب العذري، وتستخدم الشاعرية في تصوير الليل والنجوم والنيل كشهود على الحب الذي يُغنى عنه. هذه الأساليب تجعل من القصيدة عملاً فنيًا يتجاوز الزمان والمكان، ويظل خالدًا في ذاكرة الأدب السوداني

وهنا قصيدة “الصبح البديع” لمحمد بشير عتيق تحمل في طياتها روح الشعر العربي التقليدي وتظهر تأثرها بالأشكال الشعرية الأندلسية مثل الزجل والموشحات. الزجل الأندلسي هو فن شعري استحدثه أهل الأندلس ويتميز بلغته المعربة وأوزانه التي قد تخرج عن أوزان الخليل بن أحمد1. يتشابه الزجل والموشح في بعض الجوانب ويختلفان في أخرى، خاصة من حيث اللغة والإيقاع.

في قصيدة “الصبح البديع”، يمكن ملاحظة استخدام اللغة العربية الفصحى والإيقاع الموسيقي الذي يشبه إلى حد ما الزجل الأندلسي، ولكن بدون الالتزام باللغة العامية التي تميز الزجل. كما أن القصيدة تحمل بعض الخصائص الحسية من حيث الإيقاع والموسيقى، وهي سمات مشتركة مع الشعر الأندلسي الذي كان يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالموسيقى والغناء.

ولمن يرغب في مقارنة الأشعار وتفكيك الشعر الغنائي، أنصح نفسي بداية والاخرين بالتالي , الفهم العميق للثقافة من المهم فهم السياق الثقافي الذي نشأ فيه الشعر لتقدير أبعاده الجمالية والفنية , دراسة الأوزان والقوافي يجب على الباحث أن يكون لديه معرفة جيدة بعلم العروض والقافية لفهم بنية الشعر وإيقاعه.

التحليل اللغوي**: تحليل اللغة والألفاظ والصور الشعرية المستخدمة للكشف عن الطبقات العميقة للمعنى. المقارنة النقدي , استخدام نظريات النقد الأدبي المعاصرة لمقارنة الأشعار وتحليل الأساليب والتقنيات الشعرية وكذلك الاستعانة بالدراسات المتخصصة مع الرجوع إلى الدراسات الأكاديمية والأبحاث المتخصصة التي تُعين على فهم أعمق للشعر الغنائي وتقديم تحليلات مستنيرة بالاضاافة الي التفكير النقدي و تطوير التفكير النقدي لتجاوز الفهم السطحي والوصول إلى تقدير أعمق للجوانب الفنية والجمالية للشعر , والتبادل الأكاديمي المشاركة في المنتديات الأكاديمية والندوات لتبادل الأفكار والحصول على وجهات نظر متنوعة , هنالك مؤتمر سنوي للاغنية العربية وكذلم قام الاتحاد الافريقي بعمل معهد متخصص في الاغنية الافريقية بالعاصمة النيجيرية القديمة لاجوس بالنظر إلى النص، يمكن القول إن القصيدة تعكس الجمال الطبيعي والحياة الروحية التي كانت محورية في الشعر الأندلسي، ولكن لا يمكن الجزم بأنها تنتمي بشكل كامل إلى نمط الزجل أو الحسي الأندلسي دون تحليل أعمق للنص ومقارنته بأشكال الشعر الأندلسي المعروفة. ومع ذلك، فإن القصيدة تظهر بوضوح تأثر الشاعر بالتراث الأندلسي وإعجابه به، مما يضفي على أعماله طابعًا فريدًا يجمع بين الأصالة والتجديد.وأخيرا أقول أ ن هناك عدة دراسات يمكن الرجوع إليها لفهم أعمق للأغنية السودانية وتاريخها وتطورها:
“لمحات تاريخية عن الموسيقى والغناء في السودان”، وهي تقدم نِظْرة شاملة عن تاريخ الموسيقى والغناء في السودان وتأثيراته الثقافية.
“اتجاهات البحث في الموسيقى السودانية”، وهي تستعرض مختلف الاتجاهات البحثية في مجال الموسيقى السودانية، بما في ذلك الآلات الموسيقية التقليدية والأنماط الغنائية.
“تاريخ الغناء السوداني”، وهي سلسلة مقالات تستكشف تاريخ الغناء السوداني وتطوره عبر الزمن.
هذه المصادر توفر معلومات قيمة وتحليلات معمقة حول الأغنية السودانية ويمكن أن تكون مفيدة للباحثين والمهتمين بهذا المجال
وهنالك الدراسات حول الأغنية السودانية قد أُجريت بواسطة عدد من الباحثين والمهتمين بالموسيقى والثقافة السودانية. إليك بعض الباحثين الذين قاموا بدراسة هذا المجال معاوية ياسين: باحث سوداني في مجال الأغنية السودانية، قدم نظرة شاملة حول تاريخها وتطورها
أحمد مرجان: من أوائل السودانيين الذين نالوا دراسات موسيقية بفرق سلاح الموسيقى
محمود عثمان ومحمد لإسماعيل بشير: أيضًا من أوائل السودانيين الذين نالوا دراسات موسيقية , هؤلاء الباحثين وغيرهم قد أسهموا في فهم أعمق للأغنية السودانية وتاريخها المتنوع , ونحمد للأستاذ محمد جمال بما قام به من جهد في هذه الدارسة الجميل

zuhair.osman@aol.com

 

آراء