الإتحادي الديمقراطى بين أديس..أسمرا.. جوبا. مبدأ واحد أصيل

 


 

عمر الترابي
4 October, 2009

 

 

alnahlan.new@hotmail.com

اللهم أنت السلام ومنك السلام وإليك يرجع السلام فحينا ربنا بالسلام وأدخلنا الجنة دارك دار السلام، بهذا الدعاء الطيب المبارك الخيّر  وفي جوٍ من البهجة والتباشير بدأ صاحب السيادة العظمى مولانا السيد محمد عثمان الميرغني رئيس الحزب الإتحادي خطابه الذي أعقب اللقاء التاريخي الذي جمعه بالزعيم الراحل الدكتور جون قرنق رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان وقائد جيشها الأعلى في أديس أبابا في ثمانينات القرن المنصرم، ذلك اللقاء الذي أقنع الراحل قرنق أن يقول بملء فيه أنه يشعر بأنه أسعد إنسان على وجه البسيطة، وقطعاً فإن تلك السعادة التي غمرته لم تأتي من فراغ ولم تأتي اعتباطاً بل إنما جاءت فرحاً بمنتوج ذلك اللقاء الميمون، فذلك الإجتماع المبارك نتج عنه اتفاقية (الميرغني-قرنق) التي رسمت خارطة سلام دقيقة تُخرِج البلاد من حالة الحرب والإحتقان إلى السلم والأمان، تلك الإتفاقية التي أخذت من وقت وجهد و فكر الحزب الإتحادي الديمقراطي الكثير الغزير، والكل يعلم أن الحزب قد بادر إليها في ذلك الزمان عن طيب نية وحُسن قصد وتحمل في سبيل مبادرته تلك ما تحمل، و تكبد رئيسه صاحب السيادة مولانا السيد محمد عثمان الميرغني المشاق و المصاعب وتخطى العقبات و تسامى على كل الجراح، إعلاءً لقيم الوطن و السلام ورعايةً لمصالح الأمة، في ذلك الحين واجه مولانا الميرغني كل المخاطر الجسيمة وجل العقبات الكأداء و دحر كل المحاولات التي حاولت أن تُحيده عن الوصول لتلك الإتفاقية وأرادت أن تقف بينه وبينها، واجه صاحب السيادة  كل ذلك بصلابة وإباء و شموخٍ يُحسد عليه و حقاً إنه لا يُتأتى إلا لمن ملأ الله قلبه حكمة وعلماً وإيمان ولا يطيقه إلا ذو حظ عظيم، فكان بعون الله ثابتاً كالطود لا يلتفت عن مقصوده ولا يشغله عن مطلوبه شئ فما زاغ عن السلام ولا طغى، كيف لا وهو قد نذر نفسه لهذه الأمة واسترخص في سبيلها كل نفيس وتشرّب مبادئ الوطنية والشجاعة والإباء من أبيه الأسد الحال بحلة خوجلي الزعيم الأكبر مولانا السيد علي الميرغني قدس الله روحه الطاهرة، و أخذ عن الشهيد اسماعيل الأزهري معاني التسامي من أجل الوطن و الثبات على الحق، فلم يلتفت إلى كل المُهددات التي لازمته قبل الذهاب إلى أديس أبابا بل أمعن في التحدي وبالغ في التصدي معبراً عن بطولة تاريخية فأعلنها مدويةً واضحة لكل من أراد أن يمنعه عن الوصول إلى أديس (سأذهب إلى أديس أبابا ولو كان الضرب في المليان)، ذهب زعيم الإتحاديين يومها بتلك الإرادة السياسية الواعية والإدراك العالي لأهمية السلام في دفع عجلة التنمية وذهب وهو يتملكه الإيمان الراسخ بأحقية المواطن السوداني في أن ينعم بالأمن والأمان سعياً نحو الرفاهية والعيش الرغيد، فجعل جُل فكره ومقدراته في وضع كيفية يضع بها أوزار تلكم الحرب البغيضة و يفدي الوطن من غم عظيم وهم ثقيل ويقيه شر حرب أخذت خيرة رجاله وعظيم جهده، فقدّر الله لذلك الجهد الصادق أن ينجح ويُبَارك،  وإن شاءت الأقدار أن تتعطل خطوات تنفيذه لظروف يعلمها الجميع إلا أنه يبقى عظةً لنا وللأجيال من بعدنا  أن لا نجاح لملتقى إلا إذا اتخذت جميع الأطراف من الصدق سبيلاً و من الوضوح طريقاً، فعلى الجميع حمل هم هذا الشعب وأمله في سودان واحد واعد معافىً يتساوى فيه الجميع في الحقوق والواجبات وتحكمه قيم المواطنة.

توالت محطات العمل الوطنى حسب تطورات الاوضاع فى بلادنا فجاءت محطة أسمرا وكانت القضايا المصيرية فى يونيو 1995م بمثابة استمرار وتعزيز للثقة بين الحزب الاتحادى والحركة الشعبية التى ارسى دعاماتها الاساسية الراحل المقيم الدكتور جون قرنق مع الزعيم الميرغنى وتواصل العمل المشترك المخلص لوجه المواطن و الوطن والخالى من الغرض والمرض والمبرأ من العيوب والمطامع الى ان رست سفينة الوطن على بر السلام فوقعه قرنق فى نيفاشا وأيده الميرغنى وسخر وقتها البعض من تأييد الميرغنى لنيفاشا ووصفوه بانه اعطى شيكاً على بياض للحركة وما دروا بأن عيون الميرغنى مفتوحة لتأمين وحدة البلد وغير مشغولة بالثروة والسلطة وقد اتت الايام لتثبت صحة موقف الميرغنى ومراهنته على قرنق والعلاقة مع الحركة الشعبية التى تبارت وتسابقت للالتحاق بها قوى سياسية واخرى اجتماعية لتكتشف بعد عودة قرنق للسودان ما اكتشفه الميرغنى منذ عقود من الزمان ودفع بسببه ثمناً باهظاً سجون واعتقالات ومصادرات ومنافى فما ضعف وما وهن ولا استكان أبداً وواصل العلاقة مع الحركة فى عهدها الجديد بقيادة سلفاكير.

هذا الحديث عاليه لم يكن لإستدرار المشاعر ولا لكرّ التاريخ فجميعه معلومٌ للقارئ الكريم بالمعايشة أو المذاكرة أو بهما معاً، ولم يكن حتى لتمجيد شخص أو حزب أو كيان فالشخص والكيان والخزب في غنىً عن ذلك فالأصيل أصيل بطبعه، ولكنه جاء للذكرى فالذكرى تنفع المؤمنين و لعلها تُذَّكِر من نسيَ أو تناسى، وأوردناها هنا للإشارة إلى أن الذي صبر و صابر وجاهد و تحمل الأذى فذهب في ذلك الزمان والتاريخ الدقيق كاسراً للحواجز التي صنعها الواقع السياسي والفكري المتأزم حينها ولم يلفته عن هدفه السامي أي شئ ولم يحل دونه و حلم السلام أي مانع وما صده صاد، لا ينبغي أن نبخسه حقه ونُغَشي عيون الناس عن أيدلوجيته ومنطلقاته الوطنية الصادقة أبداً، إن النظر إلى هذه المواقف بتجرد يجعلنا نقول إن ما يُمثله موقف الحزب الإتحادي الديمقراطي إنما هو موقفٌ يُتخذ وفق رؤية وطنية واضحة و تحت شعارٍ بيّن ناصع لا يأتيه الباطلُ –بإذن الله- من قِبَلٍ أبداً، وإن ما يفعلَه هذا الحزب لا يُمليه عليه إلا ضمير هذا الشعب الواعي، وإن قرارته في أي زمان إنما هي بنتُ مبادئه الراسخة في القدم، المستلهمة من تراثٍ عظيم أثرته المجاهدات وصاغته المواقف و صقلته التجارب، إن المبادئ لا تتجزأ وإن المواقف لا تأتي اعتباطاً، فإن الذي أملى على الحزب الإتحادي أن يُبادر بالذهاب إلى أديس أبابا هو ذاته الذي أملى على الحزب الإتحادي أن يتخذ ما اتخذه من موقف اليوم، وقد أثبت التاريخ قيمة موقف الحزب في ذهابه إلى أديس أبابا وندم غالب من وقف في وجه تلك الإتفاقية، فبذات الثقة نقول أن موقف الحزب اليوم الذي يتلخص بالإعتذار عن الحضور لأسباب قيلت لأهل الشأن و تقبلوها موقف منطقي له مبررارته التي صيغت في حينها موقف أُتخذ لأسباب موضوعية وهو خيار منطقي بني على أسس وطنية ولإعتبارات تتوافق مع سياسات الحزب العليا فلم نظلم ملتقى الأحزاب ونهجمه بعداء ولم نشاركهم لأسباب نراها منطقية.

 تبنى الحزب الإتحادي منطق الوفاق واتخذ أسبابه وسُبله وطرح مبادرة الميرغني التي مازال العمل عليها جارياً، و جعلَها مستوعبةً لكل المشكل السوداني و واعيةً لكل جوانبه، و اتخذها أملاً للوصول إلى حدٍ أدنى حد من الإجماع السياسي الذي يُمهد لممارسة سياسية مسؤولة تقي البلاد  شر الشقاق والإختلاف و التشرذم البغيض، و استنهض الهمم لدرء المخاطر التي تُحيط بالوطن و البلايا والرزايا التي تتكالب عليه، فإن البلاد اليوم تمر بأخطر مرحلة في تاريخها السياسي الحديث وهي في امتحان يجب على كل القوى أن ترتقي فيه إلى المسؤولية الوطنية وتجافي تكرار أخطاء الماضي، فانطلاقاً من هذا المقام قال الحزب على لسان رئيسه أن لا للعداء، ولا للعداء فلسفة واضحة جلية تدعوا الناس إلى الإحتكام إلى مصلحة الوطن حين اتخاذ القرارات، فإن العقل لا يقبل –في وضعنا الراهن- أن تكون تصرفاتنا مبنية على منطق العداء لحزب أو فئة أو جماعة أياً كان التباين السياسي معها وأياً كان مسماها، فلا معنى من اتخاذ الموقف لنسمى ضديين لفلان أو علان فحسب! ومن هذا المنطلق ومن منطلقات أخرى شرح الحزب للإخوة في الحركة الشعبية لتحرير السودان موقفه حيال مؤتمر جوبا الأخير وأوضح بجلاء أنه لا يُقاطع الملتقى لأن المقاطعة تعني بالضرورة العداء بل انه مضى إلى أبعد من ذلك وشرح أنه سيدعم ما سيرشح عنه الملتقى إذاما وافق المصلحة الوطنية، وتفهم الإخوة في الحركة الشعبية مبررات الحزب الإتحادي التي شرحها لهم، والتي على ضوئها قرر القطاع السياسي للحزب برئاسة السيد ميرغني عبدالرحمن عدم المشاركة في المؤتمر المعني.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن العلاقة التاريخية التي تربط الحركة الشعبية بالإتحادي الديمقراطي هي أسمى من أن تكدرها مكايدات الآخرين السياسية أو مزايداتهم على مواقف الحزب الإتحادي! فهي علاقة بُنيت على السعي نحو حلم الوحدة والسلام وستمضي إليه لا يردها عن ذلك راد ولا تفصم أنواطها الأكيدة شئ بإذن الله أبداً، لذلك ما زال الحزب الإتحادي يُشير دوماً إلى أنه ما زال متمسكاً وثابتاً على ما أمضاه في أديس أبابا، ولا زال مولانا السيد محمد عثمان الميرغني بصفته رئيساً للتجمع الوطني الديمقراطي يصر على أن تبقى العلاقة مع الحركة الشعبية علاقة استثنائية، والسيد الميرغني حينما يصر هذا الإصرار فإنه يعلم أهمية دور الحركة الشعبية في جعل الوحدة خياراً جاذباً ودفع عجلة التنمية في السودان في شماله وجنوبه، و هو بذلك يؤدي دوره التاريخي كصاحب أعلى (عددية) أصوات في آخر انتخابات ديمقراطية متوزعة على كل أنحاء السودان شماله وجنوبه.

أملي -وأحسبه - أمل كل أهل السودان أن يترفع قادة ومنسوبي الفعاليات السياسية عن صغائر الأمور و سواقط الأشياء ويُنحوا الضغائن السياسية جانباً و يتطهروا من آفة المكايدات، ومتفاؤلٌ أنا بهم فإن التجربة وحسن طبيعتهم تؤهلهم لأن يكون بقامة الوطن وبقدر التحديات، فإن ما يتهدد الوطن اليوم يجعلنا أمام تحدي للإرادة السياسية الصادقة، فأملي أن تعلوا بهم هممهم ليكونوا بقدر التحدي وبقدر الأمل، فأن الوطن والمواطن ينتظر الكثير الذي سيوفر له حياة آمنة وطيبة.

وحُق لي في هذا المقام أن أذكر وأردد مع السيد رأس الدولة الأسبق صاحب السيادة  مولانا السيد أحمد الميرغني -طيب الله ثراه- ، وهو يردد صادقاً لا لنقطة دم سودانية واحدة لا للخراب لا للدمار، نعم للتنمية نعم للديمقراطية نعم للعمار، فلنعمل جميعاً بعيداً عن منطق العداء وقريباً من جو الوفاق ولنقف على خير هذا الوطن، فما زال الطريق طويلاً ويتطلب كثيراً من الصدق لنصل لسودان واحد معافىً من كل سؤ.

ولنا عودة

 

 

آراء