البرهان في نيويورك!!
عبدالله مكاوي
26 September, 2022
26 September, 2022
abdullahaliabdullah1424@gmail.com
بسم الله الرحمن الرحيم
شكلت زيارة البرهان الي نيويورك ممثلا للسودان في الدورة 77 للامم المتحدة، صدمة لكل قوي الثورة المناهضة للانقلاب، والتي تكافح لاسقاطه واستعادة المرحلة الانتقالية، كمنصة لتاسيس الدولة المدنية والتحول الديمقراطي.
ويرجع الجزء الاساس من هذه الصدمة المصحوبة بالاحباط، لاحساس الخذلان من الامم المتحدة والغرب بصفة عامة، الذين يشهرون عاليا شعارات الدفاع عن قيم الديمقراطية وحقوق الانسان، والعمل علي محاكمة المجرمين ومحاربة الفساد. اي باختصار تدعو لمعاقبة البرهان والقضاء علي نموذجه.
ولذلك عندما يجد البرهان القبول والترحيب حتي ولو كان شكليا او لا عتبارات الامر الواقع، فهذا يطعن في جدوي هذه المنظمات وصدقية شعارات الدول الغربية، قبل ان يشوش ويربك صورة وتصور القيم التي ينادي بها الغرب وتتطلع لها الشعوب المقهورة.
وهذه الازدواجية التي تتعامل بها المنظمات والدول الغربية تحت ذريعة التسليم بالامر الواقع، تفسح المجال امام تسلط المتسلطين وقهر المقهورين، وتسخر من جهود التحرر وتضحيات الخلاص. والاسوأ انها تضفي كارزمة كاذبة علي طغاة في لباس رؤساء كنموذج بوتين وانظمة شمولية كدولة الصين! لتتحول هي نفسها لنماذج وانظمة تحتذي من قبل جنرالات جيوش وقادة مليشيات وحركات مسلحة للسير في ذات الطريق وان بطريقة في غاية الهمجية والتخلف. اي بصريح العبارة كل الانتصارات والقيم الخيرة وحقوق الانسان التي جهدت البشرية في الحصول عليها بكلفة باهظة، وانعكست نتائجها الايجابية علي شعوب تلك الدول، تحولت الي مجرد ديباجة ولوحة اعلانية مضيئة او مسكنات للشعوب المضطهدة، وذلك للتغبيش علي العلاقات الآثمة والمحافظة علي المصالح ونهب الموارد، عند التعامل مع قيادات الدول العسكرية وقضايا الانظمة الشمولية.
وما لا يمكن اخفاءه او الالتفاف عليه او تجاهله، ان تواجد مجرم حرب وابادة جماعية وانقلابي غادر كالبرهان علي منصة الامم المتحدة ليخاطب العالم، غض النظر عن المبررات، هو اهانة للثورة السودانية وخيانة لا تغتفر للثوار السودانيين والاحرار في كل مكان. وهذا غير انه اساءة للامم المتحدة وعلي الاخص منظماتها المختصة بقضايا العدالة. والحال كذلك باي قوة عين وجرأة تملك المحكمة الجنائية مخاطبة الضحايا او الحديث عن محاسبة المجرمين، وهي تعلم سلفا ان البرهان وشركاءه الجنجويد هم المتهم الاساس والادوات التي مارس بها البشير واسلامويوه الابادة في دارفور!
اما الاسوأ من كل هذه السيئات، ان مجرد التواجد يعتبر مكسب للبرهان لتبرير تسلطه وطغيانه بحجج ترغبها الامم المتحدة نفسها! ولا تحدثنا والحال هذه عن المصداقية او الموضوعية! وللاسف هذه المفارقة المحزنة والمحبطة هي عين ما تضمنه خطاب البرهان، وهذا مدار ملاحظات عدة حول الخطاب منها:
اولا، اكاد اجزم ان البرهان لا يفقه شيئا من هذا الخطاب، وانه مجرد قارئ يجد صعوبة في جودة الالقاء. وهذا غالبا يرجع لتكوينه وخلفيته ولغته العسكرية، المهتمة باظهار القوة والنرجسية. وليس الاساليب واللغة الدبلوماسية المعنية بالاقناع واكتساب القبول بالتي هي ارقي واكثر تحضر.
ثانيا، الخطاب ليس معني بذكر الحقائق او الحديث عن الواقع والوقائع بعد الانقلاب المشؤوم، بقدر ما يرغب في اكتساب الشرعية والحصول علي المقبولية، ومن ثمَّ اعادة انتاج السيسوية او نظام السيسي بارهابه وسيطرته المطلقة في السودان.
ثالثا، يركز الخطاب في جانب منه علي ترديد ذات لازمة البرهان التي لا يملك غيرها، وهو يستبطن ارضاء غرور البرهان بامكانته الضحلة، ونقصد بذلك حديثه الممجوج عن عدم رغبة المكون العسكري في السلطة وخروجه من الحوار والعملية السياسية، وحرصه علي المرحلة الانتقالية، واجراء انتخابات، ومشاركة الجميع ما عدا المؤتمر الوطني! والمقصود بالضحالة وضعف القدرات لدي البرهان، انه يردد ذات القول وبذات الكيفية ومنذ ظهوره في المشهد، غض النظر عن المتغيرات من حوله والتي اسهم هو نفسه فيها، وقادت للكارثة الماثلة الآن! والسبب ان البرهان يكذب وينافق ويغدر ويخون العهود وما علي الآخرين إلا تصديقه والوثوق به!
والمدهش ان الاستهبال والالعاب المكشوفة التي يلعبها هنا، مثل طلب التوافق بين المدنيين في حين انه يحرض قوي التغيير التوافق (المصنوعة) علي قوي التغيير المركزي، او يضع كل العراقيل لعدم الوصول للحد الادني من التوافق المدني، بما في ذلك استدعاء الفلول وتوظيف الطرق الصوفية والادارات الاهلية لخدمة اهداف وتوجهات العسكر، او وضع تصور مسبق للسلطة المدنية بحيث يتم تجريدها من كافة السلطات والموارد لتصبح مجرد خيال مآتة! والبرهان ورهطه وبكل سذاجة يريدون ممارسة ذات الاساليب الفهلوية والوسائل العقيمة مع الامم المتحدة، وذلك بوضع العراقيل امام بعثتها والتقليل من شأنها في الداخل والتظاهر بدعمها واحترامها وتقديم العون لها من خلال منابر مقرها! اي باختصار البرهان (يفلق ويعجز عن المداواة ثم يفلق من جديد، وهكذا دواليك، الي ان يخسف به الله او يخسف هو بالوطن).
رابعا، يعاني الخطاب من حالة انفصام مزرية كانعكاس لحالة الانفصام التي يعانيها المكون العسكري وعلي راسه البرهان. فهذا المكون يستميت من اجل التشبث بالسلطة، ولكنه يؤدي بردأة يحسد عليها، دور غير الراغب في السلطة والساعي لتسليمها للمدنيين! لذلك نجده يتحدث عن تعدد المبادرات والحوارات لحل المعضلة كانجاز يحسب له، في حين انه يتغافل عن سبب الازمة (الانقلاب)، وقدرته علي حسم الامور وارجاعها الي نصابها بخطاب قصير لا يتعدي نصف صفحة، اذا ما كان صادقا في تسليم السلطة للمدنيين!
خامسا، اما موضوع السلام واتفاقية جوبا، فقد تم فيها ابتذال السلام بدرجة مهينة، بعد ان تحول الي اداة من ادوات صراع السلطة، وبصورة اكثر دقة لخدمة عسكر السلطة، ومخططاتهم للسيطرة علي السلطة والبقاء فيها. وذلك للاسف علي حساب مطلب السلام العادل في مناطق الحرب، ومطالب الثورة في الحرية والسلام والعدالة، وفرصة البلاد في الانعتاق من ربقة العسكرة والاستبداد، وكل ذلك نظير امتيازات سلطوية ومادية غير مستحقة لقادة الحركات المسلحة الموقعة علي الاتفاق. ويبدو العسكر وبعد ان استنفدوا اغراضهم من الحركات المسلحة في الداخل بفرية السلام ومؤامرة اتفاق جوبا، آن الاوان للمتاجرة بها في اروقة الامم المتحدة، وذلك علي اعتبارها من القضايا الحساسة التي تؤرق المنظمة الاممية، وتجد من جانبها التجاوب المجاني!
سادسا، اما حكاية اضطلاعهم بادوار اقليمية لدفع عمليات السلام والاستقرار في المنطقة، فهو يذكر بالمثل الشعبي (الغلفة وشايلة موسي تطهر). بل الانقلاب الارعن جعل دول الاقليم الوليدة الفاشلة كجنوب السودان وارتريا تسعي للتوسط لحل مشكلة الدولة السودانية! اما الحديث عن عودة النازحين واللاجئين واستقرار الاحوال بدارفور بعد اتفاقية السلام، فهذا نوع من المزاح الذي قد يصلح لاثارة الدعابة وتزجية الوقت للترويح عن النفس! والحال ان الامم المتحدة هي الاكثر علم بما يحدث في دارفور وغيرها من مناطق النزاعات والنزوح بحكم المسؤولية التي تلزمها شرائعها ودورها الاضطلاع بها! بل هي غالبا ما تنوب عن الدول الفاشلة كحال دولة البرهان، للقيام بواجب الرعاية والحماية، ولذلك هي آخر جهة يمكن خداعها او استغلال منبرها للترويج لهكذا فرية مفضوحة. كما ان ما يحدث في دارفور اصبح ذو طبيعة دولية بعد تدويل قضيتها، ومن ثمًّ اصبحت تفاصيلها من المعلوم بالضرورة اذا جاز التعبير لمعظم الدول الخارجية والمنظمات غير الحكومية. وصحيح ان اتفاق السلام وجد دعم دولي، ولكن الاكثر صحة ان المجتمع الدولي اعلم بان الاتفاقية لم تفارق العاصمة المثلثة واقتسام منافع السلطة كهاجس ومطلب حصري لقادة الحركات المسلحة! اي هي لم تغادر المكاتب المغلقة علي حد ما نسب للسفير البريطاني.
سابعا، اما مناشدة الدول الخارجية علي الغاء الديون وتقديم المساعدات، فهذا يندرج بدوره في خانة هذيان الانقلاب او انفصامه، لان ذلك يطرح سؤال لماذا تنصل الخارج من تعهداته ووعوده؟ وكيف يمكن اقناع الخارج مرة اخري للوفاء بالتزماته؟ وهنا مربط الفرس، لان الخارج علق مساعدته بسبب الانقلاب، والاهم انه رهن اعادة التزاماته بانهاء الانقلاب، وعودة السلطة المدنية الحقيقية التي تعبر عن مطالب الشارع. وعليه تصبح هكذا استجداءات دليل ادانة للانقلاب والانقلابيين! وهذا ان دل علي شئ فهو يدل علي مدي غيبوبة الانقلاب وتناقض الانقلابيين! كما ان ما يحوزه المكون العسكري بمختلف تشكيلاته من موارد اقتصادية وما ينهبونه من ثروات طبيعية، لهو كفيل بحل معضلة البلاد الاقتصادية، والخروج بالمواطنين من حالة البؤس الي بحبوحة الرفاه الاقتصادي، وهذا بالطبع اذا ما احسنا توظيفها وادارتها.
والحال كذلك، بدل الاعتراف بهذه الواقعة الانقلابية الفاضحة وارجاع المسار الانتقالي لطريقه الصحيح، يجهد الانقلابيون في الهروب الي الامام بتحميل الفشل لقوي الحرية والتغيير المركزي، علي الرغم من انها خارج السلطة وضحية للانقلاب، ومرة بتصوير قوي المعارضة المناهضة للانقلاب بانها رافضة للحلول المطروحة، مع العلم انها حلول تكرس للانقلاب، وتجعل اي قوي تستجيب لشروط العسكر تتحول مباشرة الي اداة قذرة (لعب دور المحلل) كحال الحركات المسلحة حليفة العسكر (مُساعد حَلة، او متعودة دائما علي طريقة عادل امام).
ثامنا، اما حديثه عن تاهيل السودان لتحقيق الامن الغذائي وحاجته للتكنولوجيا للزراعة ودعم البحوث الزراعية. فهنا يصل الهذيان مرحلة تثير الغثيان وتبرر مشاركتنا الساخر الاستاذ الفاتح جبرة مناشدته (يا ولد جيب حبوب الضغط). لان الاصل السودان دولة زراعية حيوانية، اي له ميزة تفضلية وخبرة حياتية في هذه المجالات. ومن ثمَّ التركيز علي الزراعة والحيوان كانتاج وصناعة، يمثل القاطرة التي تقود اقتصاد البلاد ليس للنماء والخروج من عنق المعاناة، وانما تحول السودان الي دولة رائدة ومتقدمة لها تاثير اقليمي ودولي يتناسب مع حجمها وثرواتها. وهذه البداهة البسيطة ظل العسكر ولمدة ستة عقود يجهلونها او يتعالون عليها بعنجهية تحاكي (نفختهم الكاذبة). ومن ثمَّ يستعيضون عنها بعسكرة السلطة والحياة العامة، وتاليا توظيف جل موارد الدولة واهتماماتها في التسلح والحروب الاهلية من ناحية، وصراع السلطة من ناحية. اي تحولنا الي دولة عسكرية عوض الترسيخ للدولة التنموية، وهذا ما ادي للتدهور المريع علي كافة القطاعات وبما فيها القوات المسلحة، لدرجة تحولها الي مجرد قوة ضمن القوي الناشطة في الدولة! والتي بدورها تحولت الي لا دولة او شئ هلامي اقرب لفضاء او فراغ يخضع لتوازن القوي بين التشكيلات العسكرية وداعميها في الخارج! وهنا تكمن المعضلة الحقيقية في كيفية استرداد الدولة المغيبة من قبضة تشكلات العسكر، والناي بها بعيدا عن خطورة انفلات الامور بينهم؟ والحال كذلك مشكلة العسكر ليس في كونهم متسلطين، ولكن في حرصهم علي الاستمتاع بمزايا السلطة دون دفع استحقاق مسؤوليتها، والاسوأ عدم وعيهم وتقديرهم لعواقب التسلط، بل وانكار هذه العواقب، ومن ثمَّ اعادة الكرة الانقلابية مرة بعد اخري. اي الانقلابيون العسكريون يجلسون بارداف امتيازاتهم المهولة، علي فوهة التنمية والنماء والديمقراطية والتطور، ثم يسألون بسذاجة يحسدون عليها، ما سبب القحط وشظف العيش والتدهور المطرد الذي يعم البلاد؟!
والمفارقة الحارقة ان حكومة الثورة التي انقلب عليها البرهان، كان يقودها خريج كلية الزراعة ومتخصص في الاقتصاد وله خبرة دولية بالعمل في المنظمات، اي غض النظر عن الراي في اداء دكتور حمدوك، ومعاكسة العسكر ورغبتهم في افشاله، إلا انه يعبر عن كل المطالب التي حواها خطاب البرهان وهو يتوجه به للامم المتحدة والخارج (فتأمل وعي العسكر ان كان لهم وعي)!!
تاسعا، من عجائب هذا الانقلاب وقبله المكون العسكري، ان مبرر شراكتهم القسرية هو الحفاظ علي الامن، ولكن كونهم يفشلون في هذه المهمة رغم ان القوي العسكرية والامنية والمليشياوية تلتهم جل الميزانية، وذلك قبل دخول الحركات المسلحة علي خط النهب المنظم، فهذا يدعو للرثاء والسخرية! وصحيح ان تسليح القبائل وانتشار الاسلحة الصغيرة خارج سيطرة الدولة، هو عملية خطيرة علي السلم المجتمعي، ولكن الاصح ان مسؤولية هذا الانتشار يقع علي عاتق ذات القوي الامنية، خصوصا بعد انصرافها عن دورها الاساس وانخراطها في شئون السلطة والسياسة والتجارة. والاخطر لجوء السلطة العسكرية نفسها لتوظيف القبائل والادارات الاهلية في حسم صراعات السلطة، وهو ما فاقم من وتيرة التسلح خارج نطاق الدولة، بل هو السبب الاساس لميلاد وتمدد اخطبوط الدعم السريع، الذي تحول لفيتو ضد تكوين الدولة! والحال ان اتفاق السلام سمح بدخول الحركات المسلحة باسلحتها للعاصمة وبعض المدن، لدرجة تجرؤ بعض قادتها وتحت بصر وسمع الاجهزة الامنية، علي التهديد بالعودة للحرب الاهلية ونقلها الي العاصمة وداخل المدن!! وبعد ذلك ياتي خطاب الانقلاب للشكوي من انتشار السلاح وصعوبة جمعه!!
عاشرا، وحديثه عن اصلاح مجلس الامن، القصد منه تخفيف الضغط علي نظامه الانقلابي والانظمة العسكرية الاستبدادية والشمولية. اما اذا كان هنالك اصلاح لابد منه، فهو يتعلق بمنظومة الامم المتحدة واعرافها وطريقة عملها، لتكون اكثر اتساق وصرامة وشفافية في التعامل مع الانقلابيين والطغاة والانظمة الشمولية، كاعداء وخطر علي البشرية والتقدم الانساني، يجب مكافحته والتخلص منه. وفي هذا السياق ما يستحقه البرهان ليس الترحيب والاستقبال ولكن المثول امام محكمة الجنايات الدولية، لتتم محاكمته علي جرائم الابادة في دارفور وساحة الاعتصام وما قبل وبعد انقلابه المشؤوم. لانه ببساطة البرهان مجرم قاتل وليس رئيس منتخب.
واخيرا
العلاقة بين البرهان وحميدتي كثيرا ما اثارت حيرتي ولم اجد لها تفسيرا مقنعا لتضارب المصالح بينهما، وخاصة خضوع البرهان كالميت بين يدي حميدتي، رغم انه اخطر المنافسين له! حتي اهتديت لتفسير قد يقارب هذه العلاقة الملتبسة المحيرة، وهو ان شخصية البرهان مع طموحاتها السلطوية الجارفة، إلا انها تعاني الضعف والجبن والتردد والتشكك، ومن ثمَّ تحتاج لشخصية قوية بجانبها تشد من ازرها، وهو ما توافر في حميدتي غض النظر عن خطورته عليه. اي خيار حميدتي خيار نفسي وليس عقلاني، خضع له وما زال البرهان، بل ويزداد هذا الاحتياج مع زيادة الضغوطات والمخاطر والاطماع. وهو ما جعله يداوم علي انكار اي خلاف بينهما، ويسارع لعلاج اي خلاف بينهما مهما كان الثمن، وهو ما استفاد منه حميدتي وظل يوظفه علي الدوام (خاصة ان حميدتي لم يصل الي ما وصل اليه، إلا بعد اكتشافه مبكرا ان الابتزاز هو اسهل واقصر طريق لنيل كل مبتغاه من الاسلامويين وعلي الاخص العسكريين منهم، لانهم للاسف يخافون علي مصالحهم ولا يكترثون لكرامتهم، والدليل البرهان وكبار الجنرالات المحيطين به!).
خارج النص داخل القلب
انتفاضة ايران الراهنة، بل كل انتفاضة بعد ثورة الشباب السوداني السلمية، تجد فيها ملامح ونفس للثورة السودانية بشكل او آخر، مما يدلل علي عظمة وعبقرية هذه الثورة، التي لم تتوقف رغم العنف المهول الذي جابهته، بل وتحدته بمزيد من الخروج الي الشوارع دون كلل او ملل. نسأل الله التوفيق للثورة السودانية ومن بعدها الثورة الايرانية وان يكتب لها النجاح في تحقيق شعاراتها والتخلص من نظام الملالي الكهفي المظلم، فشعب كالشعب الايراني بحضارته وتراثه ومنجزاته لا تليق بهم سلطة ماضوية ومتخلفة ودموية كسلطة الملالي المفارقة للتاريخ، لتقمع طاقاته وطموحاته في العيش بحرية وارتياد الثريا. او باستلاف تعبير الشاعر الفيلسوف حميد، تحتكر باسم المُثل كل الحياة وتملابو كتف الناس ديون بلي وعيا. والله لا كسب البرهان واعوانه الانقلابيين، ودمتم في رعاية الله.
/////////////////////////////
بسم الله الرحمن الرحيم
شكلت زيارة البرهان الي نيويورك ممثلا للسودان في الدورة 77 للامم المتحدة، صدمة لكل قوي الثورة المناهضة للانقلاب، والتي تكافح لاسقاطه واستعادة المرحلة الانتقالية، كمنصة لتاسيس الدولة المدنية والتحول الديمقراطي.
ويرجع الجزء الاساس من هذه الصدمة المصحوبة بالاحباط، لاحساس الخذلان من الامم المتحدة والغرب بصفة عامة، الذين يشهرون عاليا شعارات الدفاع عن قيم الديمقراطية وحقوق الانسان، والعمل علي محاكمة المجرمين ومحاربة الفساد. اي باختصار تدعو لمعاقبة البرهان والقضاء علي نموذجه.
ولذلك عندما يجد البرهان القبول والترحيب حتي ولو كان شكليا او لا عتبارات الامر الواقع، فهذا يطعن في جدوي هذه المنظمات وصدقية شعارات الدول الغربية، قبل ان يشوش ويربك صورة وتصور القيم التي ينادي بها الغرب وتتطلع لها الشعوب المقهورة.
وهذه الازدواجية التي تتعامل بها المنظمات والدول الغربية تحت ذريعة التسليم بالامر الواقع، تفسح المجال امام تسلط المتسلطين وقهر المقهورين، وتسخر من جهود التحرر وتضحيات الخلاص. والاسوأ انها تضفي كارزمة كاذبة علي طغاة في لباس رؤساء كنموذج بوتين وانظمة شمولية كدولة الصين! لتتحول هي نفسها لنماذج وانظمة تحتذي من قبل جنرالات جيوش وقادة مليشيات وحركات مسلحة للسير في ذات الطريق وان بطريقة في غاية الهمجية والتخلف. اي بصريح العبارة كل الانتصارات والقيم الخيرة وحقوق الانسان التي جهدت البشرية في الحصول عليها بكلفة باهظة، وانعكست نتائجها الايجابية علي شعوب تلك الدول، تحولت الي مجرد ديباجة ولوحة اعلانية مضيئة او مسكنات للشعوب المضطهدة، وذلك للتغبيش علي العلاقات الآثمة والمحافظة علي المصالح ونهب الموارد، عند التعامل مع قيادات الدول العسكرية وقضايا الانظمة الشمولية.
وما لا يمكن اخفاءه او الالتفاف عليه او تجاهله، ان تواجد مجرم حرب وابادة جماعية وانقلابي غادر كالبرهان علي منصة الامم المتحدة ليخاطب العالم، غض النظر عن المبررات، هو اهانة للثورة السودانية وخيانة لا تغتفر للثوار السودانيين والاحرار في كل مكان. وهذا غير انه اساءة للامم المتحدة وعلي الاخص منظماتها المختصة بقضايا العدالة. والحال كذلك باي قوة عين وجرأة تملك المحكمة الجنائية مخاطبة الضحايا او الحديث عن محاسبة المجرمين، وهي تعلم سلفا ان البرهان وشركاءه الجنجويد هم المتهم الاساس والادوات التي مارس بها البشير واسلامويوه الابادة في دارفور!
اما الاسوأ من كل هذه السيئات، ان مجرد التواجد يعتبر مكسب للبرهان لتبرير تسلطه وطغيانه بحجج ترغبها الامم المتحدة نفسها! ولا تحدثنا والحال هذه عن المصداقية او الموضوعية! وللاسف هذه المفارقة المحزنة والمحبطة هي عين ما تضمنه خطاب البرهان، وهذا مدار ملاحظات عدة حول الخطاب منها:
اولا، اكاد اجزم ان البرهان لا يفقه شيئا من هذا الخطاب، وانه مجرد قارئ يجد صعوبة في جودة الالقاء. وهذا غالبا يرجع لتكوينه وخلفيته ولغته العسكرية، المهتمة باظهار القوة والنرجسية. وليس الاساليب واللغة الدبلوماسية المعنية بالاقناع واكتساب القبول بالتي هي ارقي واكثر تحضر.
ثانيا، الخطاب ليس معني بذكر الحقائق او الحديث عن الواقع والوقائع بعد الانقلاب المشؤوم، بقدر ما يرغب في اكتساب الشرعية والحصول علي المقبولية، ومن ثمَّ اعادة انتاج السيسوية او نظام السيسي بارهابه وسيطرته المطلقة في السودان.
ثالثا، يركز الخطاب في جانب منه علي ترديد ذات لازمة البرهان التي لا يملك غيرها، وهو يستبطن ارضاء غرور البرهان بامكانته الضحلة، ونقصد بذلك حديثه الممجوج عن عدم رغبة المكون العسكري في السلطة وخروجه من الحوار والعملية السياسية، وحرصه علي المرحلة الانتقالية، واجراء انتخابات، ومشاركة الجميع ما عدا المؤتمر الوطني! والمقصود بالضحالة وضعف القدرات لدي البرهان، انه يردد ذات القول وبذات الكيفية ومنذ ظهوره في المشهد، غض النظر عن المتغيرات من حوله والتي اسهم هو نفسه فيها، وقادت للكارثة الماثلة الآن! والسبب ان البرهان يكذب وينافق ويغدر ويخون العهود وما علي الآخرين إلا تصديقه والوثوق به!
والمدهش ان الاستهبال والالعاب المكشوفة التي يلعبها هنا، مثل طلب التوافق بين المدنيين في حين انه يحرض قوي التغيير التوافق (المصنوعة) علي قوي التغيير المركزي، او يضع كل العراقيل لعدم الوصول للحد الادني من التوافق المدني، بما في ذلك استدعاء الفلول وتوظيف الطرق الصوفية والادارات الاهلية لخدمة اهداف وتوجهات العسكر، او وضع تصور مسبق للسلطة المدنية بحيث يتم تجريدها من كافة السلطات والموارد لتصبح مجرد خيال مآتة! والبرهان ورهطه وبكل سذاجة يريدون ممارسة ذات الاساليب الفهلوية والوسائل العقيمة مع الامم المتحدة، وذلك بوضع العراقيل امام بعثتها والتقليل من شأنها في الداخل والتظاهر بدعمها واحترامها وتقديم العون لها من خلال منابر مقرها! اي باختصار البرهان (يفلق ويعجز عن المداواة ثم يفلق من جديد، وهكذا دواليك، الي ان يخسف به الله او يخسف هو بالوطن).
رابعا، يعاني الخطاب من حالة انفصام مزرية كانعكاس لحالة الانفصام التي يعانيها المكون العسكري وعلي راسه البرهان. فهذا المكون يستميت من اجل التشبث بالسلطة، ولكنه يؤدي بردأة يحسد عليها، دور غير الراغب في السلطة والساعي لتسليمها للمدنيين! لذلك نجده يتحدث عن تعدد المبادرات والحوارات لحل المعضلة كانجاز يحسب له، في حين انه يتغافل عن سبب الازمة (الانقلاب)، وقدرته علي حسم الامور وارجاعها الي نصابها بخطاب قصير لا يتعدي نصف صفحة، اذا ما كان صادقا في تسليم السلطة للمدنيين!
خامسا، اما موضوع السلام واتفاقية جوبا، فقد تم فيها ابتذال السلام بدرجة مهينة، بعد ان تحول الي اداة من ادوات صراع السلطة، وبصورة اكثر دقة لخدمة عسكر السلطة، ومخططاتهم للسيطرة علي السلطة والبقاء فيها. وذلك للاسف علي حساب مطلب السلام العادل في مناطق الحرب، ومطالب الثورة في الحرية والسلام والعدالة، وفرصة البلاد في الانعتاق من ربقة العسكرة والاستبداد، وكل ذلك نظير امتيازات سلطوية ومادية غير مستحقة لقادة الحركات المسلحة الموقعة علي الاتفاق. ويبدو العسكر وبعد ان استنفدوا اغراضهم من الحركات المسلحة في الداخل بفرية السلام ومؤامرة اتفاق جوبا، آن الاوان للمتاجرة بها في اروقة الامم المتحدة، وذلك علي اعتبارها من القضايا الحساسة التي تؤرق المنظمة الاممية، وتجد من جانبها التجاوب المجاني!
سادسا، اما حكاية اضطلاعهم بادوار اقليمية لدفع عمليات السلام والاستقرار في المنطقة، فهو يذكر بالمثل الشعبي (الغلفة وشايلة موسي تطهر). بل الانقلاب الارعن جعل دول الاقليم الوليدة الفاشلة كجنوب السودان وارتريا تسعي للتوسط لحل مشكلة الدولة السودانية! اما الحديث عن عودة النازحين واللاجئين واستقرار الاحوال بدارفور بعد اتفاقية السلام، فهذا نوع من المزاح الذي قد يصلح لاثارة الدعابة وتزجية الوقت للترويح عن النفس! والحال ان الامم المتحدة هي الاكثر علم بما يحدث في دارفور وغيرها من مناطق النزاعات والنزوح بحكم المسؤولية التي تلزمها شرائعها ودورها الاضطلاع بها! بل هي غالبا ما تنوب عن الدول الفاشلة كحال دولة البرهان، للقيام بواجب الرعاية والحماية، ولذلك هي آخر جهة يمكن خداعها او استغلال منبرها للترويج لهكذا فرية مفضوحة. كما ان ما يحدث في دارفور اصبح ذو طبيعة دولية بعد تدويل قضيتها، ومن ثمًّ اصبحت تفاصيلها من المعلوم بالضرورة اذا جاز التعبير لمعظم الدول الخارجية والمنظمات غير الحكومية. وصحيح ان اتفاق السلام وجد دعم دولي، ولكن الاكثر صحة ان المجتمع الدولي اعلم بان الاتفاقية لم تفارق العاصمة المثلثة واقتسام منافع السلطة كهاجس ومطلب حصري لقادة الحركات المسلحة! اي هي لم تغادر المكاتب المغلقة علي حد ما نسب للسفير البريطاني.
سابعا، اما مناشدة الدول الخارجية علي الغاء الديون وتقديم المساعدات، فهذا يندرج بدوره في خانة هذيان الانقلاب او انفصامه، لان ذلك يطرح سؤال لماذا تنصل الخارج من تعهداته ووعوده؟ وكيف يمكن اقناع الخارج مرة اخري للوفاء بالتزماته؟ وهنا مربط الفرس، لان الخارج علق مساعدته بسبب الانقلاب، والاهم انه رهن اعادة التزاماته بانهاء الانقلاب، وعودة السلطة المدنية الحقيقية التي تعبر عن مطالب الشارع. وعليه تصبح هكذا استجداءات دليل ادانة للانقلاب والانقلابيين! وهذا ان دل علي شئ فهو يدل علي مدي غيبوبة الانقلاب وتناقض الانقلابيين! كما ان ما يحوزه المكون العسكري بمختلف تشكيلاته من موارد اقتصادية وما ينهبونه من ثروات طبيعية، لهو كفيل بحل معضلة البلاد الاقتصادية، والخروج بالمواطنين من حالة البؤس الي بحبوحة الرفاه الاقتصادي، وهذا بالطبع اذا ما احسنا توظيفها وادارتها.
والحال كذلك، بدل الاعتراف بهذه الواقعة الانقلابية الفاضحة وارجاع المسار الانتقالي لطريقه الصحيح، يجهد الانقلابيون في الهروب الي الامام بتحميل الفشل لقوي الحرية والتغيير المركزي، علي الرغم من انها خارج السلطة وضحية للانقلاب، ومرة بتصوير قوي المعارضة المناهضة للانقلاب بانها رافضة للحلول المطروحة، مع العلم انها حلول تكرس للانقلاب، وتجعل اي قوي تستجيب لشروط العسكر تتحول مباشرة الي اداة قذرة (لعب دور المحلل) كحال الحركات المسلحة حليفة العسكر (مُساعد حَلة، او متعودة دائما علي طريقة عادل امام).
ثامنا، اما حديثه عن تاهيل السودان لتحقيق الامن الغذائي وحاجته للتكنولوجيا للزراعة ودعم البحوث الزراعية. فهنا يصل الهذيان مرحلة تثير الغثيان وتبرر مشاركتنا الساخر الاستاذ الفاتح جبرة مناشدته (يا ولد جيب حبوب الضغط). لان الاصل السودان دولة زراعية حيوانية، اي له ميزة تفضلية وخبرة حياتية في هذه المجالات. ومن ثمَّ التركيز علي الزراعة والحيوان كانتاج وصناعة، يمثل القاطرة التي تقود اقتصاد البلاد ليس للنماء والخروج من عنق المعاناة، وانما تحول السودان الي دولة رائدة ومتقدمة لها تاثير اقليمي ودولي يتناسب مع حجمها وثرواتها. وهذه البداهة البسيطة ظل العسكر ولمدة ستة عقود يجهلونها او يتعالون عليها بعنجهية تحاكي (نفختهم الكاذبة). ومن ثمَّ يستعيضون عنها بعسكرة السلطة والحياة العامة، وتاليا توظيف جل موارد الدولة واهتماماتها في التسلح والحروب الاهلية من ناحية، وصراع السلطة من ناحية. اي تحولنا الي دولة عسكرية عوض الترسيخ للدولة التنموية، وهذا ما ادي للتدهور المريع علي كافة القطاعات وبما فيها القوات المسلحة، لدرجة تحولها الي مجرد قوة ضمن القوي الناشطة في الدولة! والتي بدورها تحولت الي لا دولة او شئ هلامي اقرب لفضاء او فراغ يخضع لتوازن القوي بين التشكيلات العسكرية وداعميها في الخارج! وهنا تكمن المعضلة الحقيقية في كيفية استرداد الدولة المغيبة من قبضة تشكلات العسكر، والناي بها بعيدا عن خطورة انفلات الامور بينهم؟ والحال كذلك مشكلة العسكر ليس في كونهم متسلطين، ولكن في حرصهم علي الاستمتاع بمزايا السلطة دون دفع استحقاق مسؤوليتها، والاسوأ عدم وعيهم وتقديرهم لعواقب التسلط، بل وانكار هذه العواقب، ومن ثمَّ اعادة الكرة الانقلابية مرة بعد اخري. اي الانقلابيون العسكريون يجلسون بارداف امتيازاتهم المهولة، علي فوهة التنمية والنماء والديمقراطية والتطور، ثم يسألون بسذاجة يحسدون عليها، ما سبب القحط وشظف العيش والتدهور المطرد الذي يعم البلاد؟!
والمفارقة الحارقة ان حكومة الثورة التي انقلب عليها البرهان، كان يقودها خريج كلية الزراعة ومتخصص في الاقتصاد وله خبرة دولية بالعمل في المنظمات، اي غض النظر عن الراي في اداء دكتور حمدوك، ومعاكسة العسكر ورغبتهم في افشاله، إلا انه يعبر عن كل المطالب التي حواها خطاب البرهان وهو يتوجه به للامم المتحدة والخارج (فتأمل وعي العسكر ان كان لهم وعي)!!
تاسعا، من عجائب هذا الانقلاب وقبله المكون العسكري، ان مبرر شراكتهم القسرية هو الحفاظ علي الامن، ولكن كونهم يفشلون في هذه المهمة رغم ان القوي العسكرية والامنية والمليشياوية تلتهم جل الميزانية، وذلك قبل دخول الحركات المسلحة علي خط النهب المنظم، فهذا يدعو للرثاء والسخرية! وصحيح ان تسليح القبائل وانتشار الاسلحة الصغيرة خارج سيطرة الدولة، هو عملية خطيرة علي السلم المجتمعي، ولكن الاصح ان مسؤولية هذا الانتشار يقع علي عاتق ذات القوي الامنية، خصوصا بعد انصرافها عن دورها الاساس وانخراطها في شئون السلطة والسياسة والتجارة. والاخطر لجوء السلطة العسكرية نفسها لتوظيف القبائل والادارات الاهلية في حسم صراعات السلطة، وهو ما فاقم من وتيرة التسلح خارج نطاق الدولة، بل هو السبب الاساس لميلاد وتمدد اخطبوط الدعم السريع، الذي تحول لفيتو ضد تكوين الدولة! والحال ان اتفاق السلام سمح بدخول الحركات المسلحة باسلحتها للعاصمة وبعض المدن، لدرجة تجرؤ بعض قادتها وتحت بصر وسمع الاجهزة الامنية، علي التهديد بالعودة للحرب الاهلية ونقلها الي العاصمة وداخل المدن!! وبعد ذلك ياتي خطاب الانقلاب للشكوي من انتشار السلاح وصعوبة جمعه!!
عاشرا، وحديثه عن اصلاح مجلس الامن، القصد منه تخفيف الضغط علي نظامه الانقلابي والانظمة العسكرية الاستبدادية والشمولية. اما اذا كان هنالك اصلاح لابد منه، فهو يتعلق بمنظومة الامم المتحدة واعرافها وطريقة عملها، لتكون اكثر اتساق وصرامة وشفافية في التعامل مع الانقلابيين والطغاة والانظمة الشمولية، كاعداء وخطر علي البشرية والتقدم الانساني، يجب مكافحته والتخلص منه. وفي هذا السياق ما يستحقه البرهان ليس الترحيب والاستقبال ولكن المثول امام محكمة الجنايات الدولية، لتتم محاكمته علي جرائم الابادة في دارفور وساحة الاعتصام وما قبل وبعد انقلابه المشؤوم. لانه ببساطة البرهان مجرم قاتل وليس رئيس منتخب.
واخيرا
العلاقة بين البرهان وحميدتي كثيرا ما اثارت حيرتي ولم اجد لها تفسيرا مقنعا لتضارب المصالح بينهما، وخاصة خضوع البرهان كالميت بين يدي حميدتي، رغم انه اخطر المنافسين له! حتي اهتديت لتفسير قد يقارب هذه العلاقة الملتبسة المحيرة، وهو ان شخصية البرهان مع طموحاتها السلطوية الجارفة، إلا انها تعاني الضعف والجبن والتردد والتشكك، ومن ثمَّ تحتاج لشخصية قوية بجانبها تشد من ازرها، وهو ما توافر في حميدتي غض النظر عن خطورته عليه. اي خيار حميدتي خيار نفسي وليس عقلاني، خضع له وما زال البرهان، بل ويزداد هذا الاحتياج مع زيادة الضغوطات والمخاطر والاطماع. وهو ما جعله يداوم علي انكار اي خلاف بينهما، ويسارع لعلاج اي خلاف بينهما مهما كان الثمن، وهو ما استفاد منه حميدتي وظل يوظفه علي الدوام (خاصة ان حميدتي لم يصل الي ما وصل اليه، إلا بعد اكتشافه مبكرا ان الابتزاز هو اسهل واقصر طريق لنيل كل مبتغاه من الاسلامويين وعلي الاخص العسكريين منهم، لانهم للاسف يخافون علي مصالحهم ولا يكترثون لكرامتهم، والدليل البرهان وكبار الجنرالات المحيطين به!).
خارج النص داخل القلب
انتفاضة ايران الراهنة، بل كل انتفاضة بعد ثورة الشباب السوداني السلمية، تجد فيها ملامح ونفس للثورة السودانية بشكل او آخر، مما يدلل علي عظمة وعبقرية هذه الثورة، التي لم تتوقف رغم العنف المهول الذي جابهته، بل وتحدته بمزيد من الخروج الي الشوارع دون كلل او ملل. نسأل الله التوفيق للثورة السودانية ومن بعدها الثورة الايرانية وان يكتب لها النجاح في تحقيق شعاراتها والتخلص من نظام الملالي الكهفي المظلم، فشعب كالشعب الايراني بحضارته وتراثه ومنجزاته لا تليق بهم سلطة ماضوية ومتخلفة ودموية كسلطة الملالي المفارقة للتاريخ، لتقمع طاقاته وطموحاته في العيش بحرية وارتياد الثريا. او باستلاف تعبير الشاعر الفيلسوف حميد، تحتكر باسم المُثل كل الحياة وتملابو كتف الناس ديون بلي وعيا. والله لا كسب البرهان واعوانه الانقلابيين، ودمتم في رعاية الله.
/////////////////////////////