البرهان وفوكلر من المواجهة للتعاون لماذا؟

 


 

 

بعض المجموعات الإسلامية وقيادات كانت في نظام الإنقاذ تشن حربا على فوكلر لماذا؟
ظل الشارع السوداني يؤكد أنه القوى التي لا يمكن تجاوزها، و هو صاحب القول الفصل في قضية التحول الديمقراطي، و وضع حد لانقلاب 25 أكتوبر، و قوة الشارع هي التي تشكل عائقا رئيسيا للانقلاب في تشكيل حكومته ليكمل دائرة الانقلاب، و هذا يؤكد اتساع الوعي عند الأجيال الجديدة، و حتى القوى السياسية جميعها لا تستطيع أن تقدم على أي خطوة إذا لم تجد موافقة من الشارع، لذلك ستظل في حالة من التردد و عدم الإقدام على أي مبادرة في ظل هتافات الشارع. لكن السؤال هي تستطيع لجان المقاومة أن تتوحد في جسم واحدة و تختار قيادة تدير بها الأزمة مع العسكر لإنهاء الانقلاب، أم أنها سوف تكون أداة للضغط فقط و تنتظر القوى السياسية هي التي تتولى أمر خلق مبادرة لإنهاء الأزمة؟. و في ذات مسار الأزمة: جدد مجلس الأمن الدولي، تفويض البعثة الأممية المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان “يونيتامس” عاما اخر، و كان مجلس الأمن الدولي أصدر قرارا في يونيو 2020م بإنشاء بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لمساعدة الانتقال في السودان “يونيتامس” استجابة لطلب الحكومة الانتقالية التي أطاح بها الجيش اكتوبر الفائت.
قبل أيام التقت اللجنة الثلاثية مع مجموعة العسكر في مجلس السيادة، و بعد الاجتماع قرروا أن يكون الحوار الوطني الأسبوع القادم، و في ذات الوقت خرجت مجموعات من الإسلاميين و قيادات كانت في نظام الإنقاذ يطالبون بطرد فوكلر و كل البعثة الأممية، باعتبارها بعثة جاءت لتمزيق السودان، و استدلوا في ذلك بحدث رئيس مجلس السيادة البرهان في أحدى المعسكرات العسكرية؛ حيث قال أن فوكلر إذا لم يتوقف عن التدخل في شؤون البلاد الداخلية سوف نطرده من البلاد. فهل كان البرهان يعني ما يقول؟
أن المجتمع الدولي أدان الانقلاب باعتباره خروجا على الوثيقة الدستورية، و طالب العودة للوثيقة و تسليم السلطة للمدنيين. و يعمل فوكلر مدعوما من المجتمع الدولي انطلاقا من الوثيقة الدستورية، و عندما جاء تهديد البرهان بطرد فوكلر كان القول مناورة بهدف توسيع دائرة الحوار، و البرهان كان لا يريد رجوع "قحت المركزي" للشراكة و يدخل في الحوار عناصر جديدة، و قبل فوكلر توسيع دائرة الحوار. و المعلوم أن الوثيقة الدستورية تضمن للعسكر البقاء في شراكة الفترة إنتقالية. و فوكلر الداعم للوثيقة الدستورية يعد الضامن للشراكة بين المدنيين و العسكر، و من هنا يحافظ البرهان على بقاء فوكلر لتهدئة المجتمع الدولي، و بدل أن يكون الضغط على العسكر وحدهم، يتحول أيضا إلي القوى المدنية لكي تقبل الجلوس من أجل حل المشكل. لذلك تحولت المواجهة بين فوكلر و البرهان إلي تعاون، و بموجب هذا التعاون يدار الحوار الذي تريد إدارته البعثة الدولية.
أن خروج بعض الإسلاميين و قيادات كانت في الإنقاذ لطرد فوكلر، سببه إن فوكلر يريد العودة للوثيقة الدستورية، لآن الوثيقة تبعد المؤتمر الوطني عن أي حوار يتعلق بالفترة الانتقالية، كما أن الوثيقة تجعل الحوار يدور بين الموقعين على الوثيقة " العسكر و قوى الحرية و التغيير" و طرد فوكلر الذي ينطلق في عمله اعتمادا على الوثيقة و إرجاع الشراكة, لذلك تأتي المطالبة من قبل القوى السياسية و لجان المقاومة بعدم العودة للوثيقة، باعتبار أن العسكر مزقوها. و يعتقد الإسلاميون أن غياب الوثيقة سوف يخلق واقعا جديدا في الساحة، و يطالبون بوثيقة جديدة، و أي سعي لوثيقة جديدة سوف تشارك في حوارها قاعدة واسعة خلافا للأولى. هذه المعادلة تسمح لهم أن يديروا الصراع لإيجاد موطئ قدم لهم فيها، خاصة أن هناك خلافا بين القوى السياسية التي كانت جزء من مفاوضات الوثيقة الدستورية " الحزب الشيوعي و القوى المتحالفة معه من قوى مدنية و لجان مقاومة إلي جانب قوى الحرية و التغيير المركزي و مجموعة الميثاق إلي جانب الجبهة الثورية " فمطالبة بعض الإسلاميين لفولكر ليس مقصودا بها شخصيا، و المقصود تمزيق الوثيقة الدستورية التي حرمتهم من المشاركة، و في هذه الحالة سوف يكون المجتمع الدولي بعيدا عن مساندة جانب على الأخرين. رغم أن فوكلر قال ليس لديه أجندة، و لا يتدخل في الحوار فقط أن بعثته جهة مسهلة. و مطالبة هذه القوى بطرد فوكلر أيضا يشكل دعم غير مباشر للعسكر باعتبارهم يظهرهم متعاونين مع المجتمع الدولي و قابلين للحوار. و العسكر في خطابهم للمجتمع الدولي يقولون أنهم لا يرفضون تسليم السلطة للمدنيين. و سوف يسلمونها لهم إذا توحدوا في جبهة واحدة، و العسكر يعلمون تماما أنهم لن يتوحدوا، أو لقوى تفوز في انتخابات عامة، و أيضا يعلمون بعض القوى لن تقبل الانتخابات. و كما ذكرت سابقا أن العسكر يسعون دائما لتكون لهم مساحات واسعة للمناورة.
و تصبح شعارات طرد فوكلر مناورة الهدف منها كسب مقاصد سياسية بعينها، و أيضا كسبا للوقت. فالحزب الشيوعي استطاع أن يحاصر " قحت المركزي" و يدق اسفين بينها و عددا من لجان المقاومة، و يسعى لبناء تحالف " الأقوياء" و توسيع علاقته مع لجان المقاومة بهدف يكون هذا الحلف المؤهل وحده للتفاوض مستقبلا مع العسكر، و بالتالي هو يرفض أي تفاوض أو حوار مع العسكر أو من خلال دعوة فوكلر. و الإسلاميين لا يهاجمون الحزب الشيوعي حتى ينجز مهمته، و يعتقدون أن معركتهم مع الشيوعي في نهاية المطاف سوف تكون لصالحهم. و يعتقدون أيضا أن إطالة الأزمة سوف تخلق واقعا جديدا في التحالفات و يضعف تحالفات بعينها. و من هنا يصبح السؤال كيف تستطيع القوى السياسية أن تحدث أختراقا في الأزمة و تغيير مسارها لمصلحة عملية التحول الديمقراطي. فالقضية لا تحتاج إلي إنفعال بقدر ما تحتاج لحكمة و قدرة على إدارة الأزمة بأفق أوسع لمصلحة الهدف. و نسأل الله حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com
////////////////////////////

 

آراء