التحول الديمقراطي في السودان يتم بتجاوز التصوّر القديم للنخب

 


 

طاهر عمر
21 March, 2023

 

تصوّر النخب السودانية القديم يحتاج لتغيير هائل ربما يحتاج لثلاثة عقود من الزمن لكي ينضج و يستطيع أن يقدم عمل واعي و هادف من أجل فهم معنى التحول الديمقراطي.
عندما نقول يحتاج لثلاثة عقود من الزمن لكي يتجاوز تصور النخب القديم حيث ما زال مرتكز على فكر لا يخرج من وحل الفكر الديني. مثلا من المستحيل أن ينتج فكر أحزاب الطائفية و الحركة الاسلامية السودانية و الحزب الشيوعي السوداني بنسخته المتكلسة فكر عقلاني يفضي الى خلق تحول ديمقراطي تنتج عنه برجوازية صغيرة تعمل كرافعة لكي تنقل المجتمع من تقليديته الى مجتمع مزدهر ماديا.
أنظر الى حال النخب السودانية اليوم و علاقتها المضطربة فيما يتعلق بالرأسمالية فنجدهم جميعا من أحزاب طائفية و نسخة متكلسة لشيوعية سودانية و كيزان لم يدركوا بعد مفهوم عقلانية الرأسمالية حيث يكمن التاريخ الطبيعي للبشرية في تطوره الذي قد أنتج تحول هائل في المفاهيم قاده مفكرين و فلاسفة و علماء اجتماع و اقتصاديين رصدوا التحولات التي تغشى المجتمع و بالتالي يستطيعون قراءة مؤشرات تحدد ما يؤول إليه حال الفكر و حال المجتمع و ما يؤول إليه بعد فترة من الزمن يحددها الفلاسفة و الحكماء كما رأينا تطور المجتمع الغربي و كيف حقق إزدهاره المادي.
مثلا يمكنك أن تمفصل قرنيين من الزمن من تاريخ أوروبا و تجدها قد سارت كمتوالية تفصل بين نقلات الفكر فيها بين كل واحدة و أخرى ثلاثة عقود. لذلك قلت في في أعلى المقال ما يتحدث عنه النخب من تحول ديمقراطي في السودان يحتاج تحقيقة على الأقل لثلاثة عقود من الزمن و لهذا نحتاج لدقة في التفكير لا يملكها غير الفلاسفة و الاقتصاديين و علماء الاجتماع و المؤرخيين غير التقليديين لكي يسيروا بالمجتمع بفكر و جهد واعي و هادف يفضي الى التحول الديمقراطي كما رأينا في تاريخ الشعوب الحية.
نضرب مثلا على ما أقول بعد نهاية الليبرالية التقليدية و قد وضحت جلية منذ عام 1889 إحتجنا الى أكثر من ثلاثة عقود حتى تتضح ملامح فكر الليبرالية الحديثة بعد أن تمكن الكساد الاقتصادي العظيم من أمريكا و بعدها جاءت النظرية الكينزية لكي تقدم فكر بديلا يخرج بالرأسمالية من إختناقها و قد خرجت أكثر قوة و أكثر حيوية.
لم تستطع الدول الأوروبية أن تستعدل مسار تاريخها رغم كتابات فلاسفتها و اقتصاديها و مؤرخيها و علماء اجتماعها و أقصد أن تتفادى النازية و الفاشية و الشيوعية و قد وقعت في حرب عالمية ثانية بنهايتها إنتهت النازية و الفاشية أما الشيوعية فقد أحتاجت أوروبا لأربعة عقود حتى ينهار جدار برلين 1989 و يصادف بالتمام و الكمال الاحتفال بمرور قرنيين على الثورة الفرنسية التي قد أفضت لفكرة الشرط الانساني و حقوق الانسان بعكس الشيوعية و النازية و الفاشية فلم تكن غير لحظات عابرة في تاريخ البشرية.
لماذا لم يستوعب الشيوعي السوداني أن الشيوعية هي لحظة عابرة نتجت من تاريخ نهاية الليبرالية التقليدية؟ و لكن لم تكن أفق لا يمكن تجاوزه كما يتوهم الشيوعي السوداني. و من هنا ندعو النخب السودانية للتفكير بشكل مغاير عن فكرهم الذي حجب عن أفقهم عقلانية الرأسمالية.
و إذا لم يتغير المفكر السوداني فيما يتعلق بفكره نحو عقلانية الرأسمالية ستكون مآسي النازية و الفاشية و الشيوعية في انتظار الشعب السوداني في وقت يستطيع تفادي عرقها و دمها و دموعها إذا أيقن المفكر السوداني من أمر عقلانية الرأسمالية كما فعلت الشعوب الأوروبية و قد لاحظت التحول الهائل في المفاهيم بسبب تطور الرأسمالية و قد أنتجت الثورة الصناعية في ظلها مفهوم المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد.
هناك نقطتين مهمتين و تعتبر محطتان لم يتحرك منها الشيوعي السوداني أولها لم يستوعب الشيوعي السوداني أن ماركسية ماركس كانت محاولة لمقاربة الليبرالية التقليدية و لم يتقدم الشيوعي السوداني خطوة واحدة في سير الفكر و كيف إستوعبت الاحزاب الشيوعية في الغرب أفكار غرامشي و قد أيقنت من نمط الانتاج الرأسمالي و قد أصبح ممر إلزامي عندما أصبح علم الاجتماع بعد معرفي في صميم الديالكتيك و هذا بعد لم يستوعبه الشيوعي السوداني و قد إنعكس في تحجر النسخة الشيوعية السودانية.
نضرب مثلا على ذلك عندما نقارن مسيرة فكر هشام شرابي في أواخر الستسينيات من القرن المنصرم مع فكر الاستاذ عبد الخلاق محجوب في نفس الحقبة نجد الفرق هائل حيث يؤسس هشام شرابي فكره على محاربة الأبوية المستحدثة و يجد حاضنتها في الفكر الديني و الشيوعية كأيديولوجية متحجرة في نفس الوقت نجد عبد الخالق محجوب يؤكد في محاولاته و بحثه لدور للدين في السياسة و بعده قد سار على دربه محمد ابراهيم نقد و قد وصل لعلمانية محابية للأديان و هنا يتضح لك كيف يسجن المفكر السوداني نفسه في عجزه الذي يمنعه من أن يكون عقلانيا و من هنا يصعب على الشيوعي السوداني رؤية عقلانية الرأسمالية و هي نتاج فكر الحداثة و عقل الأنوار.
هشام شرابي رأى في فشل ثورة الشباب في فرنسا فشل لفروع اليسار في إلتباس مفهوم السلطة كمفهوم حديث في وقت نجد عبد الخالق كان يسير في طريق شيوعية سارتر التي قد فشلت مع فشل ثورة الشباب حيث إنتهت معها أفكار ما بعد الحداثة و ما بعد البنوية و يمكنك أن تسأل ما الذي جعل هشام شرابي يرى الذي استعصى على عبد الخالق محجوب رؤيته و سار على طريق فهمه الخاطئ لمفهوم المثقف العضوي الى أن وصل الى مقتله؟
من هنا نقول للنخب السودانية أن التحول الديمقراطي يتم بتجاوز التصور القديم للنخب السودانية المجافي لمفهوم الديمقراطية و الدولة كمفهوم و السلطة كمفهوم حديث قد أصبح فيها الفرد غاية و ليست الطبقة كما يتوهم الشيوعي السوداني و يتوجب تجاوز فهم أتباع أحزاب الطائفية و هم يرسخون لفهم سلطة الأب و ميراث التسلط.
و بسببهم قد أصبحت ساحة الفكر في السودان عدوانية و طاردة لكل من ينتقد فكر الامام و مولانا و الاستاذ عند الشيوعيين كما يقول هشام شرابي عن ساحة الفكر في العالم العربي و هي أسيرة سطوة سلطة الأب و ميراث التسلط التي قد أنتجت الأبوية المستحدثة.
بالمناسبة مهادنة الحاج وراق للطائفية و الشيوعية السودانية كما طرح فكره ذات يوم لكي يتفادى عدوانية ساحة الفكر السوداني العدوانية الطاردة و حاله كحال كمال الجزولي في تغزله في فكر الامام الصادق المهدي بشكل يثير للضحك لمن يعرف ورطة النخب عندما تكون عاجزة عن تحقيق العقلانية كمفهوم و نتاج لابداع العقل البشري المفارق لفكر رجال الدين كفكرالامام الصادق المهدي و لا ننسى إنكسار الشفيع خضر لساحة سودانية عدوانية و طاردة يسيطر عليها فكر الامام الصادق المهدي.
لذلك دعى الشفيع خضر لمساومة تاريخية بين يسار سوداني رث و يمين غارق في وحل الفكر الديني في وقت نجد هشام شرابي يشخص لنا أن حاضنة التسلط هي الأفكار الدينية لأي دين لأنه أي هشام شرابي متشرب بالعقلانية كمفهوم و نتاج لعقل الأنوار بالتالي لا يفوت على فكره إستهبال رجال الدين كما كان يفعل الصادق المهدي وسط نخب مهادنة لرجال الدين و تفتكر بأن هناك إمكانية لتحقيق الديمقراطية عبر فكر أحزاب الطائفية و هيهات. و لا ننسى كيف كانت وصية الواثق كمير بأن تتدخل مصر الخديوية لتوحيد بيت الميرغني لكي يأتي كحزب قوي يساهم في التحول الديمقراطي.
و لك أن تتصور كيف كيف يكون إنطباع هشام شرابي عندما يعرف أن الواثق كمير يتحدث عن تحول ديمقراطي يكون لحزب الميرغني كحزب ديني دور فيه لهذا قلنا أننا نحتاج لثلاثة عقود حتى يتم التحول الديمقراطي و أقصد بعد أن يكون هناك تحول في فكر كل من الحاج وراق و كمال الجزولي و الواثق كمير عن أحزاب الطائفية بأنها مكمن سلطة الأب و ميراث التسلط حينها يمكننا أن نتحرك صوب التحول الديمقراطي المرتكز على العقلانية المجافية لفكر رجال الدين.

taheromer86@yahoo.com
/////////////////////////

 

آراء