التفكير الأخر مخرجا للأزمة والحرب

 


 

 

أن الفكر المغلق و حالة التخندق التي تعيشها القوى السياسية السودانية، و حتى فئات المثقفين لا تفيد في الحل، و على هؤلاء أن يخرجوا من عباءات الإرث السياسي التقليدي الذي لم يقدم غير الفشل. و على هؤلاء مناط بهم أن يقدموا تصورات و أفكار تساعد على الخروج من الأزمة السياسية التي أفضت للحرب، هؤلاء أنفسهم أصبحوا جزءا من حالة الاستقطاب الحادة التي تسيطر على الساحة السياسية، و الكل لا يرغب أن يفكر خارج الصندوق، خوفا من ردة الفعل التي يعتقد سوف يواجهها من قبل بعض المجموعات التي لا تريد أن تفكر بعقلانة، و لا تسمح للآخرين بالتفكير خارج تصوراتها الجامدة. هنا تكمن مشكلة العقل السياسي السوداني و قطاع واسع من المثقفين، الذين جعلوا كتباتهم لا تخرج من وصف الواقع بشكل متكرر، و عتقادهم أن الخروج فقط يتمحور حول إدانة الآخرين. هذا الإنغلاق العقلي أفضل أنجازاته إعادة إنتاج الإزمة بصور مختلفة. السودان في حاجة لتفكير جديد إلي رؤى و تصورات جديدة تفتح افاقا للأمل و التأمل في صناعة وطن عماده الإنسان و تسخر له كل الثروات لرفاهيته.
أن (الاتفاق الإطاري) كان فكرة جيدة لأسباب عديدة؛ أولها أنه استطاع أن يحدث أختراقا في حالة السكون التي أوجدها شعارالاءات الثلاث ( لا حوار لا تسوية لا مشاركة) هذا الشعار كان الهدف منه أن يجعل العملية السياسية في حالة موت سريري، و يعطي فرص أكبر للعسكر للتمدد في الفراغات التي تخلفها القوى السياسية، و التي ألزمت نفسها بأن تكون في حالة سكون. الثاني أنه يدفع بتوسيع قاعدة المشاركة في الحوار السياسي، و الحوار يعني رفد الساحة بالأفكار المطلوبة للخروج من الأزمة. ثالثا الحوار نفسه يؤدي إلي وحدة القوى المدنية من خلال التوافق على مشروع سياسي. رابعا أن يتم فتح حوار مع القوى التي يعتقد أنها تعيق عملية التحول الديمقراطي، و تحييدها في اسوأ الأحوال. لكن للأسف أن القوى التي اعتقدت أنها وحدها المناط بها إنجاز هذه المهمة، و التي تؤهلها لكي تتسلم مقاليد السلطة من المكون العسكري اخطأت، لأنها كانت تركز أعينها على السلطة، لذلك رفضت توسيع دائرة المشاركة، و فضلت أن تحدث انقساما في الجسم العسكري لكي يكون لها كرت ضغط على الأخر و على بقية القوى السياسية الأخرى، الأمر الذي تسبب في الحرب الدائرة الأن. الحرب سببها انقلاب عسكري فاشل قامت به مليشيا الدعم السريع، و سوف تكشف الأيام أبعاد هذا الانقلاب و المشاركين فيه داخل السودان و خارجه.
الآن؛ و من خلال الشعارات المرفوعة، و من خلال استخدام مليشيا الدعم السريع للإعلام لكي تغطي بها على المحاولة الانقلابية، و التظاهر بأن المليشيا راغبة في العملية السياسية المفضية للديمقراطية، إلا أن تاريخها و افعالها الماضية تؤكد ليس لها علاقة مطلقا بالديمقراطية، و حتى انقلابها هذا يؤكد أنها غير ديمقراطية، و نجد أن تصريحات قادتها في الإعلام موجه إلي المجتمع الدولي و ليس للشعب السوداني، لآن الشعب يعرف تماما الذي يحصل داخل السودان و في العاصمة. و أي سياسي مبتدئ يعرف أن وقف الحرب سوف يخلق واقعا سياسيا جديدا، واقعا لا يكون في البلد جيشان، هذا الواقع السياسي الجديد يجب على النخب السياسية و المثقفة أن تصنعه هي، حتى لا يصنع لها من الخارج. يجب أن نتعلم أن التفكير بالصوت العالي هو الذي يقرب المسافات مع الأخر، و يجب على النخب و المثقفين أن يخرجوا من عباءة الاستقطاب التي يرتدونها، و التي جعلتهم يدورون في حلقة مغلقة، و عليهم أن يفكروا و يطرحوا رؤاهم دون خوف أو وجل، أن الفزاعات التي تصنعها بعض القوى السياسية لكي تحصر دائرة التفكير فيها لوحدها، هي التي أضرت بالعملية السياسية، و هي التي جعلت الكل لا يفكر خارج الصندوق حتى لا يتهم بالكوزنة و الفلولية و غيرها من مصطلحات الردع و التخويف، الأمة التي لا تربي النشأ على الإقدام و تقديم الأراء بكل جراءة و قوة هي إمة ستظل تعيش في سلسلة من الأزمات، و لا تستطيع أن تحل مشاكلها.
الآن الوطن يمر بأخطر أزمة سياسية و جتماعية و وجودية، هل سنظل نعيش حالات الاستقطاب الحادة في المجتمع، و كل مجموعة تريد أن تفرض أرائها و تصوراتها على الآخرين؟ أم أننا يجب أن نراجع أجندتنا و نخرج من دائرة التفكير السالب إلي تفكير يجابي لكي نحافظ على الوطن؟ هل النخب السياسية و المثقفين سوف ينتظرون نتيجة الحرب التي لا يعرف متى تنتهى، أو تتوقف و باي شروط، إذا كانت شروط داخلية عسكرية أو مدنية أو دولية و جميعها مضرة للوطن و الديمقراطية؟ أم أنهم سوف يتحركون و يقدمون مبادرات سياسية تستقطب أكبر قطاع اجتماعي مؤمن بوحدة الوطن و الديمقراطية و يفرضون التصور على الكل. أن المليشيا يجب أن يتم دمجها قبل أي مشروع سياسي يتفق عليه.
السودان أمام منعطف خطير و يجب الكل أن يدوس على جراحه، و يتنازل لكي يسلم الوطن و يحافظ على وحدته من التشظي و الانقسامات و الكنتونات، و جميعا يسارا و يمينا مطالبين أن ننقد أخفاقاتنا و نقبل على مراجعات فكرية تتيح لنا أن نؤمن بأن الأخر جزء من هذا الوطن و يجب أن يسمع رأيه. أن التخندق في الموقف لن يدفع العجلة أن تسير إلي الأمام. و التجارب السياسية تاريخية و معاصرة و حديث قد أثبتت أن فكرة السلطة و محاولة اغتنامها دون الآخرين لا تصنع إلا صراعا صفريا. و البكاء على اللبن المسكوب لا يفيد علينا أن نحتفظ بالجزء الباقي في الكوب. ألم يكن بينكم رجال رشداء.....! نسأل الله الهداية و التوفيق.

zainsalih@hotmail.com

 

آراء