الحرب في أوكرانيا تدْخُل مُنْعطفاً حاسِماً: ماكرون من رومانيا: روسيا دولة قويّة يجِب عدم إذلالها ولا نريدُ حرباً معها

 


 

 

* الروس يهاجِمون بشراسةٍ، وكييف وحلفاؤها بحاجة لتغيير شيء ما!
* عزيمة الأوكرانيين المُستميتة على خوضِ المعارِك مع تعنُّت بوتين على الاسْتِمرار في الحربِ لتحقيق أهداف "العملية الخاصة" لا يتْرُكان مجالاً للحوارِ
؛؛؛...؛؛؛
إلى أين تتّجِه الحرب في أوكرانيا؟ وهل في الأفق حسماً عسكرياً يقوم به أحد الطرفين، أمْ أنّها ستتّجِه نحو الحل التفاوضي والسياسي؟
يرى محللون وخبراء عسكريون إنّ الدفاع الأوكراني يستهلك بوتيرة كبيرة الذخيرة التي بحوزته مُنذ الحِقبة السوفيتية، ومعظم الأسلحة الغربية التي تم إرسالها إلى كييف تصل لكن ببُطء وبكمياتٍ غير كافية، ولذلك يتقدّم الهجوم الروسي في شرق أوكرانيا، ويقترِب من حسم المعركة لصالحه. ومع ذلك تحذِّر مخابرات غربية من أنّ حرب روسيا في أوكرانيا وصلت مرحلة قد تؤدي إلى إطالة أمد الصراع، وتدرس تلك الأجهزة الخاصة ثلاثة سيناريوهات محتملة.
وجاء في تقرير كتبه شيربان ميهاييلا بصحيفة (جورنالول ناتسيونال) الرومانية، تعتقِد مصادر رفيعة المستوى في الأجهزة العسكرية والاستخبارات الغربية، بما في ذلك مسؤولون في واشنطن، أنّ القتال الذي هزّ أوروبا يمرّ بمُنْعطفٍ حاسِمٍ يٌمْكِن أنْ يفرض أيضاً قراراً صعباً تتّخِذه الحكومات الغربية، التي قدّمت حتّى الآن الدعم لأوكرانيا بتكلفة مُتزايدة باستمرار، سواء بالنسبة لاقتصاداتها الخاصة أو لمخزونها من الأسلحة.
وأكدت شبكة (سي إن إن) نقلاً عن مسؤول دفاعي أمريكي في البنتاغون أنّ وزير الدفاع لويد أوستن يقود تنسيق مجموعة عمل مكونة من 50 دولة لإرسال مساعدات عسكرية جديدة إلى أوكرانيا على سبيل الاستعجال وتبسيط خطوط الإمدادات. وفي الوقت نفسه، تشْعُر السلطات في كييف بالإحباط لأن المعدات العسكرية الحيوية التي أرسلتها الولايات المتحدة وحلفاؤها يتباطأ وصولها لساحة المعركة وتصل متقطعة وعلى اجزاء، وتخشى من تقويض المُساهمة الغربية التي تعتمد عليها اوكرانيا.
* ثلاثة سيناريوهات مُحتملة:
وقال مسؤول كبير في الناتو طلب عدم الكشف عن هويته "أعتقد أنّنا على وشك الوصول إلى نقطة يحقِّق فيها جانب أو آخر نجاحا!"، واضاف المصدر لشبكة CNN "إمّا أنْ يصل الروس إلى سلوفيانسك وكراماتورسك أو يوقِفهم الاوكرانيون. وإذا نجح الأوكرانيون في الحِفاظ على خط المواجهة أمام هذا العدد الكبير من القوات، فسيكون ذلك مُهِمّاً جِداً".
وفي هذا السياق، يتابع المسؤولون الغربيون عن كثب ثلاثة سيناريوهات مُحتملة يعتقدون أنّها يُمْكِن أنْ تحدُث في المستقبل القريب.
الاول، يمكن لروسيا أنْ تواصل إحراز تقدم في المقاطعتين الانفصاليتين الشرقيتين. والاحتمال الآخر هو أنْ تقاوم خطوط الدفاع الأوكرانية ويتمّ تقويتها، وفي هذه الحالة يمكن أنْ يستمرّ النزاع العسكري لأشهر أو حتّى سنوات، مِمّا يؤدي إلى خسائر كبيرة من كلا الجانبين، فضلاً عن أزمة تبدو بطيئة في الوقت الحالي، لكنها ستصبح عبئاً على الاقتصاد العالمي. ثم هناك ما يقول عنه المسؤولون الغربيون إنّه السيناريو الأقل ترجيحاً: يمكن لروسيا إعادة تحديد أهدافها الحربية، وإعلان النصر ومحاولة إنهاء القتال. ولكن، في الوقت الحالي، وفقاً للمصادر، يبدو هذا السيناريو مُجرّد وهم.
* تحذير - الروس لا يتوقّفون!
إذا تمكّنت روسيا من تعزيز بعض مكاسبها في شرق اوكرانيا، فإنّ المسؤولين الأمريكيين يخشون أنْ يستخدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المنطقة الانفصالية في نهاية المطاف كنقطة انطلاق لمهاجمة مناطق أخرى من أوكرانيا.
وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قد حذّر مؤخراً في محاولة يائسة لحثِّ الغرب على إرسال أكبر عدد مُمْكِن من الأسلحة بشكل عاجل، قائلاً "أنا متأكد من أنّه إذا لمْ تصبح أوكرانيا قوية بما يكفي، فسوف تمضي روسيا الى الامام". واضاف إنّ المساعدة العسكرية الغربية "يجب أنْ تأتي عاجلاً إذا أراد حلفاء أوكرانيا عرقلة طموحات روسيا الإقليمية".
ويعتقد المسؤولون الغربيون أنّ روسيا تتقدّم في الوقت الحالي في الشرق، لا لأنّها تعتمِد على قوة مُتفوِّقة عددياً فقط، وإنّما بمساعدة أنصار موسكو المحليين. ومع ذلك، نقل التلفزيون الأمريكي عن مسؤول كبير في إدارة الرئيس بايدن قوله إنّ "التقدم الروسي في الأراضي الاوكرانية ليس نتيجة حتمية لا يُمْكِن تفاديها".
في الواقع، تحوّل الصراع إلى حرب استنزاف، تخوضها بشكل أساسي نيران المدفعية، وتكبّد الجانبان خسائر فادحة وكلاهما يواجهان الآن نقصاً في المقاتلين. وعلى سبيل المثال، تكبّدت روسيا خسائر تصل إلى ثُلث قواتها البرية، وصرح مسؤولو المخابرات الأمريكية علناً أنّ موسكو ستواجه صعوبات كبيرة في الحصول على مكاسِبٍ قاطِعةٍ دون تعبئة كاملة، وهذا الأمر من وجهة النظر السياسية قرار خطير للكرملين، وبوتين لمْ يكُن على استعداد لتبنيه حتى الآن.
* تدفق الأسلحة لأوكرانيا وروسيا تحذِّر:
وبينما يصرّ المسؤولون الأمريكيون على أن الأسلحة الغربية لا تزال تتدفّق في الخطوط الأمامية للجبهة الأوكرانية، تتوسّل سلطات كييف للغرب ليس فقط لإرسال مدفعية ثقيلة فقط وإنّما تقديم دعم أساسي متمثّل في ذخيرة.
وتثير التقارير المحلية عن نقص الأسلحة تساؤلات حول كفاءة خطوط الإمداد، كما تثير طلبات قادة أوكرانيين في ميدان المعركة على خلفية الشعور بالإحباط، تساؤلات إضافية حول مستقبل اتجاه المعارك.
وتقول مصادر غربية إنّ هناك مشكلة كبيرة أخرى تتمثّل في أنّه بينما نفدت الذخيرة السوفيتية القديمة في أوكرانيا، والتي تتوافق مع معظم أنظمتها الدفاعية، هناك أيضاً صعوبات في جعل المقاتلين الأوكرانيين يستخدمون المعدات العسكرية التي يوفِّرها الناتو عبر الدول الغربية.
بادئ ذي بدء، يستغرق تدريب الجيش على استخدام الأنظمة الغربية وقتاً، وفي نفس الوقت يسحب التدريب العديد من المقاتلين من الجبهة والذين من المُمْكِن أنْ يكونوا مفيدين في أماكنهم بالخطوط الأمامية.
وفي حالات أخرى، وفقاً لمصدر في أجهزة المخابرات الأمريكية، تختار أوكرانيا ببساطة عدم استخدام أنظمة غربية غير معروفة لجنودها. على سبيل المثال، على الرغم من تلقي مئات الطائرات بدون طيار "Switchblade" عالية الأداء، تفضِّل بعض الوحدات الأوكرانية استخدام الطائرات المُسيّرة التجارية المُجهّزة بالمُتفجِّرات، والتي يَسْهُل التعامُل معها.
وألى ذلك أعلنت إدارة بايدن عن حِزمة مُساعدات جديدة في وقت سابق من هذا الشهر، تشْمِل نظام راجمات بعيدة المدى وعالي الحركة هيمارس - HiMARS ، كانت أوكرانيا تطلبه بإلحاح منذ أسابيع. وعلى الرغم من أنّ مجموعة صغيرة من الجنود الأوكرانيين بدأت فوراً التدريب باستخدام هذا النظام، فرُبّما يستغرق الأمر ثلاثة أسابيع من التدريب قبل أنْ يَدْخُل المعركة فِعلياً.
في الوقت نفسه، في أجزاء أخرى من العالم، لا يوجد سوى عدد محدود من الذخيرة الباقية من زمن الاتحاد السوفيتي السابق يمكن إرسالها إلى أوكرانيا. وتحثّ الولايات المتحدة الدول التي لديها مخزون منها على وضع ما لديها تحت تصرفها لدعم أوكرانيا، علماً بأنّ المعدّل المُكثّف لنيران المدفعية يستهلك بسرعة ذخيرة الحِقبة السوفيتية، لكل من الأوكرانيين وحلفائهم.
وفي سياق متصل، ومع وصول زعماء فرنسا وألمانيا وإيطاليا ورومانيا إلى كييف يوم الخميس الماضي، حذّر الكرملين من إرسال أسلحة غربية جديدة لأوكرانيا وقال الناطق الرئاسي دميتري بيسكوف إن استمرار الولايات المتحدة في تسليح أوكرانيا يطيل مشاكل ومتاعب أوكرانيا و"بالتالي تتمدّد الفترة السيئة لشعب أوكرانيا"، وأردف "نتمنى ألّا يركِّز زعماء هذه الدول الثلاث ومعهم رئيس رومانيا على دعم أوكرانيا فقط من خلال ضخ المزيد من الأسلحة لأن ذلك سيكون غير مُجْدٍ على الإطلاق وسيؤدي إلى مزيدٍ من الأضرار التي لحقت بأوكرانيا".
* ضباب كثيف يعيق الرؤية الغربية:
ومن المفارقات أنّه على الرغم من أنّ الولايات المتحدة لديها صورة واضِحة لخسائر روسيا، فقد اجتهد الأمريكيون كثيراً مُنذ بداية الحرب لتقييم القوة القتالية لأوكرانيا. ونقلت شبكة (سي إن إن) عن مسؤولين اعترفوا بأنّ إدارة بايدن ليس لديها صورة دقيقة لوجهة الأسلحة الغربية أو مدى فعالية استخدامها بعد عبورها الحدود إلى أوكرانيا. ورشَحت معلومات تفيد بأنّ القوات الروسية نجحت في تدمير بعض شُحنات الأسلحة الغربية بعد دخولها الأراضي الأوكرانية وقبل استعمالها، وهي معلومات بالطبع يصعب تصديقها بنسبة عالية من الصدقية ولا يُمْكِن أيضاً نفيها نفياً قاطِعاً. فهل أصبح استعمال مثل هذا "الغربال" هو مصير الكثير من المعلومات الخارجة من موسكو أو كييف، وحتّى من واشنطن، حول الحرب في أوكرانيا؟
ولهذا السبب، فإن تنبؤات أجهزة المخابرات الأمريكية بشأن القتال صعبة، والقرارات السياسية لمتى وكيف يتم إعادة إمداد الجيش الأوكراني تصبح بنفس القدر مُعقّدة.
وفي هذا الاتجاه عندما سُئل مسؤول كبير في إدارة بايدن عمّا إذا كانت الذخيرة والأسلحة تنفد، قال لشبكة CNN إنّ الولايات المتحدة تحاوِل "فهم أفضل لمعدّل استهلاك الأوكرانيين ووتيرة عملهم"، واضاف المصدر "من الصعب معرفة ذلك ولكن الواضح انّ أوكرانيا تستخدم على نطاق واسع المدفعية التي قدمتها لها الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى، حيث يدخل الكثير منها ويغادر البلاد للإصلاح".
ويقول مسؤولون غربيون إنّ هذه "الزاوية العمياء" ترجع لحدٍّ كبير إلى حقيقة أنّ أوكرانيا لا تخبِر الغرب بكل شيء. وأيضاً، نظراً لأن القتال يتركّز في منطقة صغيرة جداً وقريبة نسبياً من روسيا، فإن أجهزة المخابرات الغربية لا تتمتّع بنفس الرؤية كما هو الحال في أجزاء أخرى من البلاد.
في الوقت نفسه، من الصعب التنبؤ بكيفية تصرُف الجيش الأوكراني في هذا الوقت الحرِج، لأنّه مع زيادة الخسائر، يتمّ إرسال متطوعين مدنيين مدربين على عجل إلى المعركة، وأداؤهم حسبما قال مسؤول في الناتو " غير معروف تحت ضغط القتال".
* بوتين لا يتراجع والغرب يتردِّد:
وبينما لا يرى مسؤولو الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي أي مؤشر على نيّة بوتين إنهاء حربه المُكلِّفة، هناك قلق مُتزايد بشأن التزام الغرب الإبقاء على العقوبات ضد موسكو.
ومع استِمرار القِتال، تستمرّ التكلفة التي تتحمّلها الحكومات الغربية في الارتفاع. وعلاوة على ذلك، أصبحت بعض الحكومات الغربية - بما في ذلك الإدارة الأمريكية - قلقة من أنّ تدفق الأسلحة الممنوحة لأوكرانيا قد تؤثر على حجم المخزونات الوطنية الهامة للدفاع عن بلادها.
وفي ظلِّ بدء ارتفاع أسعار الطاقة ومعدّلات التضخُم في التأثير بشكلٍ مُتزايد على مواطني الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وابتعاد اهتمام وسائل الإعلام عن المعارِك اليومية، يخشى العديد من المسؤولين الغربيين أنْ ينخفِض دعم الدول الغربية لأوكرانيا، في وقت حاسِم بالنسبة لمصير الحرب.
* ماكرون: يجِب عدم إذلال روسيا..
وعلى صعيد آخر، استقبل الرئيس الروماني كلاوس يوهانيس نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، صباح يوم الأربعاء 15 يونيو الجاري، بقاعدة "ميهاييل كوقلينشيانو" العسكرية على ساحل البحر الاسود، وضمّ الوفد الروماني رئيس الوزراء نيكولاي شيوكا ووزير الخارجية بوقدان أوريسكو. وأجرى الرئيسان محادثات ثنائية وجها لوجه ومحادثات رسمية بين الوفدين والتقيا بالجنود المنتشرين في القاعدة وبينهم 500 جندي فرنسي حيث تقود بلادهم الفرقة القتالية التي قرّر الناتو في وقت سابق نشرها في الأراضي الرومانية.
ومن رومانيا وقبيل زيارته كييف، صرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأنّه سيتعين على الرئيس الأوكراني التفاوض مع روسيا، وسيكون الأوروبيون حاضرين أيضاً على طاولة المفاوضات، مِمّا يوفِّر ضمانات أمنية. وقال "روسيا قوّة هائلة ولا نريد حرباً مع الشعب الروسي"، وشدّد مُستنكِراً "ولا نريد تدميره غداً كما قال آخرون في مناسبات أخرى ونحن لمْ نقل ذلك"، وأضاف "لكن لكي تنتصِر أوكرانيا ويتوقّف إطلاق النار، يجِب أنْ نتفاوض. سيتعين على الرئيس الأوكراني التفاوض مع روسيا، وسنكون نحن الأوروبيين حاضرين أيضاً على الطاولة، لنقدِّم الضمانات الأمنية والعناصر التي تخصّ منطقتنا. هذا هو الواقع ويجِب أنْ يحدُث في وقت ما، ولا ينبغي لأيِّ حديث مُفْرِط أنْ يلقي بظلاله على مستقبلنا".
وعندما سأله أحد الصحفيين عن كيفية التفاوض مع بوتين دون إذلال روسيا، ردّ ماكرون انّه صُدم لرؤية شكلاً من أشكال التصعيد اللفظي، وقال "مُنذ اليوم الأول، أوضحت فرنسا أنّ روسيا هي الدولة المُعتدية وتشنّ حرباً عدوانية على أوكرانيا والشعب الأوكراني، وأنّها لا تحترِم وحدة أراضي أوكرانيا ولا سيادتها"، وأردف الرئيس الفرنسي "لقد شجبت بشِدّة هذه الحرب في جميع المحافل الدولية واتخذت إجراءات. وتكْمِن الصعوبة في الوقت الحالي، والتي ناقشتها مع الرئيس يوهانيس، في أنّنا، بالطبع، ندين هذا الوضع، ونفرض عقوبات على روسيا، وندعم الأوكرانيين للقِتال، ولكن لكي نكون واضحين، لنْ نخوض الحرب، ونحن لسنا في حالة حرب مع روسيا. لذا فإن السبيل الوحيد للخروج، والحل الوحيد المُمْكِن للصراع، هو إمّا انتصار عسكري لأوكرانيا أو مفاوضات في مرحلة ما، لأنّه الحل الوحيد الذي سيسمح باتِفاق بين أوكرانيا وروسيا. إنّها مسألة منطقية وأشْعُر بصدمة لرؤية أنّ هناك شكلاً من أشكال التصعيد اللفظي دون رسم نتائج هذه التصريحات، ولذلك أحاول أنْ أكون مُتّسِقاً فيما أقوله مع الوضع على الأرض".
* قادة فرنسا والمانيا وإيطاليا ورومانيا في كييف:
هذا وانضمّ الرئيس الروماني كلاوس يوهانيس أمس الأول 16 يونيو الجاري إلى قادة فرنسا وألمانيا وإيطاليا في زيارتهم لكييف، عِلماً بأنّ القادة الثلاثة، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتس ورئيس وزراء إيطاليا ماريو دراغي، وصلوا العاصمة الأوكرانية على متنِ قطار خاص انطلق من مدينة بجنوب شرق بولندا، بينما وصل الرئيس الروماني كلاوس يوهانيس بطريق آخر لمْ يُعلن عنه. ويحاول القادة الأوروبيون الضغط على الرئيس الأوكراني لحمله على قبولِ حلٍّ تفاوضي للحرب مع روسيا. واعتبر الرئيس الاوكراني الزيارة بمثابة دعم اوربي كبير لبلاده وكتب وعلى تطبيق تليغرام "الأوكرانيون اليوم على الخطوط الأمامية للقتال في مواجهة الهجمات الروسية... لكنهم ليسوا وحدهم... وهذا ما تؤكده زيارة إيمانويل ماكرون وأولاف شولتس وماريو دراغي وكلاوس يوهانيس إلى كييف"، وفق ما نقلته وكالة (رويترز) للأنباء.
ويبدو أنّه بات واضِحاً على المستوى الأوروبي تشكيل تحالف فرنسي - الماني - إيطالي - روماني للضغط على الرئيس الاكراني. فهل حدثت استجابة من قبل الرئيس زيلينسكي؟
لا ريب أنّ فرنسا تريد انهاء النزاع في أقصر وقت مُمْكِن بالتوصل إلى حلٍّ وسط بين روسيا وأوكرانيا، أو الأحرى إرغام الرئيس الاوكراني على التنازل عن بعض الأراضي حتّى يستطيع الرئيس الروسي الادعاء بأنّه انتصر في الحرب، غير أنّه من المستحيل فرض هذا الحل قبل تعثر أحد الطرفين في جبهة القتال وتكبده خسائر فادحة بحيث يتعذّر عليه مواصلة الحرب. ومع ذلك يبدو، حالياً، إنّ عزيمة الأوكرانيين المُستميتة على خوضِ المعارِك مع تعنُّت بوتين على الاسْتِمرار في الحربِ لتحقيق أهداف "العملية الخاصة" لا يتْرُكان مجالاً للحوارِ. فما هو الجديد في موقف رومانيا التي كانت مع بولندا ودول البلطيق الثلاثة متشدّدة ضد روسيا برغم أنّها لمْ تشارك في إرسال أسلحة لجارتها أوكرانيا كما فعلت بولندا؟
الشاهد أنّ جزيرة الثعابين الواقعة في عرض البحر الأسود قبالة الساحل الروماني والتي استولت عليها روسيا في الأيام الأولى للحرب مع أوكرانيا تحوّلت إلى ورقة رابحة بيد الرئيس بوتين الذي يعتبرها نقطة استراتيجية رئيسية، عِلماً بأنّ روسيا نقلت للجزيرة منظومات صواريخ متقدِّمة للسيطرة على التحركات التي تجري في ميناء أوديسا الأوكراني وأصبحت بالتالي قريبة جِدّاً من دلتا نهر الدانوب وقاعدة ميهاييل كوقلينشيانو العسكرية الرومانية حيث يتمركز جنود أمريكيون وفرنسيون ومن دول أخرى في الناتو. وأشارت الصور التي التقطتها الأقمار الاصطناعية إلى أن روسيا نصبت في الجزيرة الصغيرة غير المأهولة ترسانة أسلحة وأجهزة تشويش للحيلولة دون القيام باي عمل عسكري في المنطقة. وتمثل الجزيرة هدفاً استراتيجياً لأنّها تسمح لروسيا بمراقبة المنطقة الواقعة شمال غرب البحر الأسود. ويقول محلل عسكري أنّ روسيا تسعى لفرض سيطرتها على البحر الأسود لأثبات قوتها في المنطقة.
وليس بعيداً عن الأذهان أن رومانيا بدأت في استثمار الغاز المُكتشف في قاع البحر الأسود من حقول على مقربة من جزيرة الثعابين. ويشكِّك المحللون في قبول روسيا استثمار رومانيا مصادر الغاز من قاع البحر، خاصة أنّ كمياته التي ستستخرج ستخفِّض تبعية دول الاتحاد الأوروبي للغاز الروسي. وفي هذه الظروف الجديدة من المتوقع أنْ تواجه رومانيا عقبات لاستثمار الغاز من المنطقة التي حصلت عليها بموجب قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي والتي تمتد على مساحة 9700 كيلومتر مربع. ويذكر أنّ جزيرة الثعابين كانت ملكا لرومانيا، حتى بعد الحرب العالمية الثانية، إلّا أن القادة الشيوعيين للبلاد قرّروا في خمسينات القرن الماضي التنازُل عنها لصالح الاتحاد السوفيتي، ثم انتقلت لتصبح ضمن أوكرانيا بعد تفكّكه. فهل تفرض مصالح رومانيا في حقول قاع البحر الأسود الغنية بالغاز تحويل البوصلة لترمي بثقلها خلف فرنسا وألمانيا وإيطاليا لوقف النزاع العسكري والتوصُّل لحل سياسي تفاوضي؟
* ممرّات زرقاء لنقل الحبوب الأوكرانية:
وضِمن الآثار السالبة الكثيرة الناتجة عن الحرب في أوكرانيا، لا ننسى أنّ العالم باسره بدأ يتحدّث عن أزمة غذائية تطرق الأبواب، ولا شكّ أنّ الرئيس بوتين يسعى لإثارة أزمة غذاء عالمية بإعاقة صادرات الحبوب من أوكرانيا. ومن جانبه يسعى الاتحاد الأوروبي في الوقت الحاضر لوضع استراتيجية طُرق نقل بديلة، عبر بولندا ورومانيا، بيد أنّ السفن والقطارات والشاحنات التي تحمل الحبوب الأوكرانية يُمْكِن أنْ تتحوّل إلى أهداف للجيش الروسي، ومن الضروري ضمان حمايتها تفاديا لتفاقم ازمة غذاء عالمية.
ولذلك ندّد الرئيس الروماني كلاوس يوهانيس من كييف باستخدام روسيا صادرات الحبوب الأوكرانية سلاحا في المعركة، ودعا إلى انشاء تحالف دولي لدعم جهود انشاء "ممرّات زرقاء" لنقل الصادرات الأوكرانية في ظروف آمنة عبر البحر الأسود. وقال إن رومانيا تشارك في الجهود المُكرّسة لتسهيل نقل الحبوب الأوكرانية وتضمن تخزينها في أراضيها، مشيراً إلى أنّ السلطات الرومانية تبذل مساعيها لإيجاد انسب الحلول لنقل الصادرات الأوكرانية عبر ميناء كونستانتسا والموانئ الرومانية المُطِلّة على نهر الدانوب. ويُذكر أنّه مُنذ بداية الغزو الروسي، تمّ نقل أكثر من مليون طن من الحبوب الأوكرانية عبر ميناء كونستانتسا، وتسعى رومانيا لافتتاح نقاط عبور جديدة في حدودها مع اوكرانيا واصلاح خطوط السكك الحديدية.
رومانيا - بوخارست
16 يونيو 2022

/////////////////////

 

آراء