الدكتور صديق بولاد .. ادارة سودانية في المنفي لحماية الشعب داخل البلاد

 


 

محمد فضل علي
24 November, 2022

 

جاء ذلك في مقال تحليلي مطول للدكتور صديق بولاد حول الازمة السياسية الراهنة في البلاد في ظل المعركة الغير متكافئة التي تخوضها الاغلبية الشعبية ضد ماكينة عسكرية مدججة تدعمها اليات للحرب النفسية التي تستهدف الجموع المليونية الثائرة في شوارع وطرقات العاصمة السودانية ومدن البلاد الاخري وتصفها باوصاف غير لائقة واتهامات باطلة مصحوبة بعمليات قمع منهجي وقتل للمتظاهرين السلميين .
وتتلخص الفكرة التي ينادي بها الدكتور صديق بولاد في قيام مبادرات دبلوماسية وقانونية واعلامية في عملية هي اقرب الي حكومة المنفي في عناوينها الرئيسية تنطلق من الخارج لحماية المطالب التي ترفعها الاغلبية الشعبية داخل البلاد والعمل علي تحقيقها بكل الطرق والوسائل القانونية والدبلوماسية والعمل علي تقليل التكلفة البشرية العالية لحركة الشارع السوداني المطلبية الشرعية وتوفير الحماية الدولية الممكنة لحركة الشارع السودانية المدنية وتعزيز ودعم العدالة الانتقالية والمحاسبة ومبدأ عدم الافلات من العقاب .
كتب الدكتور صديق بولاد مقال في هذا الصدد بعنوان :

السودان : مفترق الطرق جاء فيه :
لم يشهد السودان منذ استقلاله وضعا خطيرا يهدد بقائه ، ووحدته ، وسيادته علي اراضيه ، كما يحدث الان . الثورة الباسلة اطاحت بحكم البشير ، وبدات فترة انتقالية شهدت انقسامات وخلافات بين مختلف قوي الثورة . فانقضت القوي الانقلابية المغامرة مجددا علي الثورة ، واستولت علي السلطة .
ولم تكتفي بالانقلاب ، فاعادت كل عناصر الإنقاذ، الاخوانية لمفاصل الدولة الامنية والعسكرية ، وفي الخدمة المدنية . وارجعت منظماتهم ، وممتلكاتهم التي نهبوها من الشعب إليهم. وبدأت عناصرهم التي هربت تعود للبلاد .
اذن الإنقاذ عادت كما هي ، لم يتغير سوي وجه البشير ، بالبرهان
مر علي الانقلاب عام ، فشل فيه الانقلابيين من تشكيل حكومة ، واخذوا يتخبطون يمنة ويسري ، واصبحت البلاد مسرحا مفتوحا، للتدخلات الأجنبية التي تهدد امنها ووحدتها وسيادتها وبقائها .
انشغلت الساحة السياسية وضجت بمبادرات ، كلما أشرقت شمس يوم ، الا ، وظهر منها عددا لايحصي ولايعد ، حتي مل الناس من مجرد ذكر كلمة مبادرة.
اي دولة تتكون من ، شعب ، واقليم ، وسيادة، وحكومة ، والاخيرة تحافظ علي الثلاث مكونات الاولي .
الان الكل مشغول بتكوين الحكومة ، والبعض يسعي للمحاصصات ، والمواقع والمناصب ، بينما مكونات الدولة الثلاث الاولي المشار إليها تتفتت ، وتتاكل، وتضعف
ان الأوان لكل القوي السياسية والفاعلين في الداخل والخارج ، ان يعلموا ان السودان أصبح مهددا في وجوده كدولة،
وإذا استمرت النزاعات والانقسامات والخلافات ، فان الفوضي ، وانهيار الدولة ، والحروب الأهلية، والتدخلات الإقليمية والدولية ، ستقود السودان للوضع الذي يجري في سوريا ، وليبيا ، واليمن ، والصومال. وستجد الأطراف السودانية المتشاكسة ، المتصارعة، المتناحرةانها جعلت السقف ينهار عليها جميعا . ولاتجد وطنا تتصارع عليه ، بعد ان يصبح حطاما.
كل الأطراف السودانية ، عليها ان ترتقي وتدرك ، ما يحيط ، ويحاك ضد الوطن من موامرات، وتدخلات خبيثة تهدد وحدته وسلامة اراضية. وان يضعوا الخلافات جانبا ، والاتفاق علي برنامج لما تبقي من الفترة الانتقالية ، يحقق الاستقرار والامن ، ويخفف من حدة الانهيار الاقتصادي ، ويمهد الطريق ، لإجراء انتخابات حرة ونزيهة. يختار فيها الشعب حكامه بصورة ديمقراطية حرة ونزيهة .
ماهي الحلول والسيناريوهات التي تواجه السودان ، وقواه السياسية والمدنية الفاعلة في ساحته؟ هذا سوال كبير ومعقد ، والاجابة عليه تحتاج تفصيلا دقيقا ومتشعبا، نسبة للعوامل الكثيرة المتداخلة والمتشابكة علي المستوي الداخلي المحلي ، وتقاطعات السياسة الاقليميه والدولية ، النشطة ، والفاعلة، والمتناقضة في مصالحها واستراتيجياتها تجاه السودان . ومحاولة الاستفادة القصوي من ضعف الدولة السودانية الحالي ، وتنافر قواه السياسية والمدنية ، وعدم اتفاقها علي الأسس، التي يجب أن تقوم عليها فترة الانتقال ، وصولا ، للانتخابات التي تجعل الشعب ان يقرر اختيار قادته بمحض ارادته الحرة .
في السياسة ، كعلم. وكواقع هناك ثلاث طرق لحل الازمات والنزاعات والحروب، وهي المفاوضات، والضغوط الاقتصادية ، واستخدام القوة الصلبة . في الحالة السودانية ، هناك من يرفضون المفاوضات ، " لاتفاوض، ولامشاركة، ولا استسلام. " هذا شعار براق للناظر، ولكن في الواقع ، به ثقوب كبيرة ، تجعله من العسير ان يقف علي قدميه، لماذا ؟ اولا ، التفاوض والمفاوضات، سلاح من اسلحة المعركة الفعالة ، والناجعة ، وفي أحيانا كثيرة ، اعتمادا علي قدرة المفاوضين، وكروت التفاوض التي يحملونها ، اذا كانت كثيرة وكبيره وقوية ، تجعل المفاوض الذي يقف علي ارضية صلبة ، بروية واضحة. واستراتيجية محكمة من تحقيق اهدافه، بدون حرب او خسائر كبيرة " نصر بلا حرب ." فالذي يرفض التفاوض ، يسقط نصف سلاحه بنفسه ، في قلب المعركة. ويبقي يقاتل في ساحة بالنصف الاخر . القضية الأساسية اذن تبقي ، اتفاوض علي ماذا ، وما اذا أريد إن أحقق من التفاوض ، وماهي الكروت التي أحملها لتحقيق الاهداف التي اسعي لها .
ولا شراكة ، ايضا شعار فيه غموض ، فيجب اولا الفصل بين المجموعة الانقلابية المتامرة ، وبين القوات المسلحة، كموسسة من مؤسسات الدولة ، يجب أن تحتكم لقوانينها التي تحرم علي ضباطها العمل السياسي . فإذا التزمت المؤسسة العسكرية ، بالعمل في تخصصها ومهامها التي من أجلها أنشئت بحمايه امن وسلامة الوطن والدفاع عن حرمة أراضيه، واحترام خيار الشعب في اختيار حكامه . اذن المطلوب من القوات المسلحة ، عدم الانغماس لا في السياسة ولا التجارة ،وأن تتفرغ لمهامها الأساسية. كما أن لاشراكه ، يستحيل تطبيقها في وطن متنوع ومتعدد، يحتاج مزيد من الحلول القومية بقدر المستطاع ، وتجنب الاقصاء، والعزل والتهميش . ولتجنب ذلك ، ليس هناك خيار ذو قيمة بدون استصحاب قطاعات كثيرة وكبيرة ، حفاظا علي الامن والاستقرار في وطن يواجه تحدي إعادة البناء ، علي مستوي الامة ، والوطن state building and nation building .
إطلاق الشعارات أمرا ليس بالصعب ، ولكن تطبيقها علي أرض الواقع يمثل التحدي الحقيقي .
اما الحلول الاقتصادية فهي حاضرة في ملف النزاعات والضغوط الدولية . فالعقوبات الاقتصادية التي فرضت علي نظام البشير ، وعلي إيران، وعلي كوريا الشمالية، والان علي روسيا
ذات اثر فعال في خنق الانظمة التي تفرض عليها العقوبات . وفي فترة حكومة حمدوك ، رفع الحظر الأمريكي، وبدأت جدولة واعفاء الديون . والمباحثات مع صندوق النقد الدولي ، والبنك الدولي ، والمؤسسات المالية الدولية ، وأخذت المنح والقروض تاخذ طريقها للسودان . توقف كل ذلك ، بعد انقلاب البرهان ، وعادت العقوبات الاقتصادية تتطل براسها من جديد مما فاقم الوضع الاقتصادي، المنهار اصلا ، فأصبحت حياة الناس جحيما لايطاق .
الحلول ، باستخدام القوة الصلبة ، الانقلاب حاول فرض سطوته بالقوة ، واستخدمها ضد المواطنين العزل ، وهم ينادون بالحرية والعدالة والسلام . فشلت الحلول العسكرية ، في وطن ، أصبح يضج بالقبائل المسلحة ، والمليشيات، والحركات المسلحة
الانقلابات العسكرية ، والمليشيات المسلحة ، لاتستطيع تحقيق الاستقرار، والامن ، وفشلت في ذلك . والذين يودون ويسعون للاقصاء سيفشلون ايضا . السودان وطن متنوع ومتعدد ، والحلول فيه لتنجح لابد أن تكون قومية المنشأ، لتشمل قطاعات واسعة ، ان لم تكن أغلبية، فلتكن اكثرية ، مع تفضيل خيار الإجماع، والتراضي. وهذا لن يتم الا ، عبر التفاوض والحوار .
اخيرا ، ملايين من الشعب السوداني الان تعيش خارج السودان ، اما مغتربين او مهاجرين. وقد اسهموا مساهمات وطنية كبيرة في مقاومة الدكتاتوريه، ومعارضتها، بشتي الوسائل والسبل. وتجربة التجمع الوطني الديمقراطي في الخارج ، وكثير من التنظيمات والتشكيلات المعارضة كان لها دور كبير في المقاومة . الان ، علي الجميع التحرك لتكوين جسم قومي ، وطني ، في الخارج ،
لدعم الثورة ، ومقاومة الاستبداد ، والتحرك دبلوماسيا واعلاميا وجماهيرا، لدعم التحول الديمقراطى، واقامة الحكومة المدنية الديمقراطية الانتقالية ، التي تضع اللبنات الأساسية لدولة المستقبل التي ترسي دعائم الحرية والسلام والعدالة .

//////////////////////////////

 

آراء