الذكرى الرابعة والتسعين لميلاد أستاذنا عبد الخالق محجوب (٢٣ سبتمبر ١٩٢٧): نصيرة ست الجبل

 


 

 

(فصل من سيرة أستاذنا عبد الخالق محجوب بعنوان "الزول الوسيم").
جلس عبد الخالق الطفل في سن السابعة عند قدمي حبوبته آمنة بت علي فور التي جاءت من بيتها بحي العرب بأم درمان لتبيت في بيت ابنها محجوب في حي السيد المكي. وكانت تعرف ما سيطلبها منها وهو أن تحكي له حكاية نصير ست الجبل. فقالت له:
-إنت يا عبد الخالق يا وليدي البعجبك في حكاية نصيرة ست الجبل دي شنو.
-سمحة يا حبوبة
-لا بتقول فاطمة السمحة لا بتقول جفيل وجفيلة لا بتقول ما شفتو ابوي يا جلابة أخدر وطويل.
-بريدها عشان الدخان. لدخان البفتح الجبل كرب كرب كرب ههه
-كلام ناس أولي يا ولدي لا يتعرف يتصدق لا عرف يتكتضب.
قالو يا ولدي ويكفينا شر قالو وقلنا كان في مزارع في بلدنا ديك عند جبل البركل. المزارع دا حصد قمحو ونورقو فوق البرازة، وفضل يضريهو إلا يَطَلع القمح من البتاب. وكل ما يهل صباح يجي يلقى قمحو نقص. احتار. وقص الدرب من برازتو لقاهو أتر إنسان كشك كشك كشك ماشي للجبل. أها اليوم داك قال الليلي إلا أبيت عند مزرعتي أشوف البيسرق قمحي منو. المساء مَسّا جا على قمحو واندسالو وراء خشه واللا حجر وللا قوز ما بعرفو. أها راقد وبيلحظ في القمح. أنصاص الليل يسمعلو كركبة كرب كرب كرب زي باب بيفتح من تالا الجبل . . .
عبد الخالق: كرب كرب كرب هههه.
ويشم المزارع بخور حالي ما شماهو قبل دا. وفي رقدتو ديك يشوف الجبل زي انفتح فيهو باب والبخور فاح قالو حلاتو عجيبة. نحن شميناهو يا ولدي؟ ما قول قائل. أها ويشوفليك دهمة ماشي من الجبل عديل على برازتو. أها المزارع قام يدبا دب دب دب وكمن للدهمة نامن اتقدمتو وتلبت تلب عليها عكما من ورا:
-أنس واللاجن؟
اتلفتت عليهو وقالت:
-إنس، جنس.
عاد قالو الراجل عينو انجهرن لما لاقتو بوشها. الوش نور. العيون الواسعة شبه الفناجين. أنفها دقيق وخدودها نادية نبق وشعرها سابل. ربعة، ممتلئة الجسم، شعرها سابل لصلبها. خصرها قبضة يد، كفها وقدمينها متبرات. الراجل داير يقول "بسم الله" ختت أصابعا قالو يا ولدي زي البروق فوق خشمو:
-لا. لا لا.
-ما قلتي أنس.
-بس لا.
احتار الراجل.
-استرني يا ود الناس. ولادي جو الجبل الجوع كاتلهم بطلع أنصاص الليل أجيبلهم حبة عيش تقوتهم.
-اسمك
-نصيرة ست الجبل
الراجل نصيرة سلبت عقلو تب. يبحلق مشدوه في جمالاً لا عين شافتو لا اضان سمعت بيهو.
-يا ود الناس فكني أشيل شوية عيش لأولادي وأعفاهو لي.
-انا عافيهو ليك لكين ما بفكك إلا اتزوجك.
-ما بنتافق. خليني في حالي وجبلي.
-والله إلا أعرسك غصب وإن أبيتي بسجنك وتهملي أولادك.
-موافقة. لكين اولادي يقعدو في جبلهم وأنا وإنت نفترق إذا زعلتني.
أها الراجل جابها لأهلو. وعرسها عرساً ما أن سمع بيه قبل دا. اللعب قاج أربعين يوم. اللعب واقف. وكت ترقص نورها يلصف زي الرتاين يشع للكرو ولكريمي ونوري. والناس تتسامع وتجي تشوف سَماحتن لا اتحكت لا اتقالت. ووكت ترقص بين الخلوق قمرة دائرة بين السحاب يا ولدي. قالو، وينجينا الله من كلام قالو وقالو، البركل لا شافت زي دا قَبل لا بعد.
أها المزارع عاش معاها
عبد الخالق: وأولادها في الجبل
-أنا ما بحب احجيك عشا سؤالاتك دي. ولادها طايرين ما حدثونا بيهم. كان بتمشيلهم بالليل تأكلهم كان رماداً يرمِدُن مانا عارفين.
عبد الخالق: لكن يا
-أها ما تلكنه.
ونصيرة أسلمت صلاة صبحه حاضرة. وولدت له ولد وبنت. وبقت ما عندها شغلة غير خدمة ضريح ود الكرسني عند الجبل. تنضف الضريح تقشو وترشو، تلم نضُر الناس وهديتهم للشيخ. وتضرضر طالب البركة علي راسو ويديه ورجوله، وتلقن طالب بركة الشيخ الدعا عليهو. إن جيت لطهور. إن مرقت من نفاس، الدايره العرس. دا كل غرض ليهو نضماً برا فيهو ترصو ترصو ترصو. وإلى الحلقة الأخيرة غداً إن شاء الله.
(كانت عزيمتي أن أكون قد فرغت من هذه السيرة ونشرها لولا حسن ظن رفاقي الكتاب بي. فقد أسعدوني باطلاعي على كتاباتهم النيرة لأكتب مقدمات لها فأنفقت وقتاً غير قليل للغرض علاوة على العك السياسي الآخر. ولضعفي أمام عروض هؤلاء الزملاء لم يسعني ردهم فردا. وآمل بهذا الكلمة العامة أن التمس منهم تفريغي لأعطي هذه السيرة، التي انفقت عقوداً في البحث المكتبي والميداني لكتابتها، غالب وقتي حتى يأذن الله لي باكمالها براً بهذا الزول الوسيم).

IbrahimA@missouri.edu

 

آراء