الفجوة بين الصومال وارتريا 

 


 

خالد حسن يوسف
30 November, 2021

 

الصومال ليست لها مصالح مباشرة مع ارتريا، وما يؤكد ذلك أن الصومال لم يجد دعما يذكر من اسمرا خلال مرحلة الاستقلال عن إثيوبيا، عوضا عن ذلك فقد شاركت اسمرا في حرب ١٩٩٤ ضد تنظيم الاتحاد الاسلامي الصومالي خلال سعيه لتحرير الإقليم الصومالي الخاضع لإثيوبيا، وذلك التدخل غير قابل لنسيان أو إمكانية غفرانه، وفي حين أن هناك رفض لماهية التنظيم المتطرف، إلا أن قضية الإقليم تشكل محل تلاقي صومالي يتقدم على أي اعتبارات أخرى.


كما أن الحكومة الاريتيرية قامت بالاعتداء على جيبوتي والتي تشكل الكثير لصوماليين، وتعدت على سيادة أراضيها وشعبها، وفي حسابات القومية الصومالية فإن النيل من جيبوتي يمثل إعتداء مباشر على الصوماليين عموما.


وانطلاقا من تلك الأبعاد فإن إعادة العلاقات مع اسمرا يشكل أمرا سابق لأوانه، عوضا عن ذلك يستحب أن يتم ذلك بعد رحيل النظام الحاكم في اسمرا، ففي ظل حضوره لا يمكن التغاظي عن الكم الكبير من الخسائر التي تعرض لها الصوماليين من وراء اسياس افورقي.


كما أن الحكومة الاريتيرية كانت كعامل لزعزعة الاستقرار في الصومال، واتخذت منه مسرحا لمحاربة إثيوبيا من خلال دعمها اسواء كيان سياسي مر على تاريخ الصومال ممثلا بحركة الشباب. والسبب المباشر هو أن النظام الاريتيري في واقع فاقد الشئ، فما الذي كان بمقدوره أن يقدمه لصومال؟!


نظام افورقي لم يقدم شيئا لشعب الاريتيري في مرحلة الاستقلال، واكبر إنجاز حققه كان تقاسم الجزر مع اليمن، وقد كرس ذلك بأسلوب مخادع وغادر وذلك من خلال شن الحرب على اليمن وهو يعاني من ذيول حرب ١٩٩٤ الأهلية.

والحرب مع إثيوبيا في مناطق الحدود حقق فيها الشعب الاريتيري صمود على غرار صمود ثورته التاريخية، إلا أن أبعاد الحرب لم تكن بدافع الحفاظ على سيادة الأراضي الاريتيرية، بل بفعل تدهور العلاقات بين النظامين في اسمرا واديس ابابا، ويؤكد ذلك أن حكومة اسياس افورقي تنازلت بعد تسويتها مع رئيس الوزراء الإثيوبي ابيي أحمد عن العديد من مناطق الحدود لصالح إثيوبيا، ولم يتم الضغط على أديس أبابا للوفاء بالتزاماتها، وجاء ذلك خدمة للمصالح القائمة بين انظمة إثيوبيا وارتريا، والتي دفعت في إتجاه تغاظي الأخيرة عن مراوغة إثيوبيا لتسليم الأراضي الاريتيرية، في حين وجدت أديس أبابا ذاتها في ظل أمر الواقع خلال مرحلة الصراع الداخلي الإثيوبي ولا سيما في ظل الحرب مع قومية التجراي.


وبالنسبة لطرف الصومالي فإن الجوار الكيني رغم كونه جوار سواء. إلا أنه استبدل بارتريا!

والصومال رغم كل خلافاتها مع كينيا، إلا أنها كدولة تربطها مع نيروبي مصالح عديدة، وفي الحسابات السياسية الجارية فإن اسمرا حشرت سياسيا في موضع العلاقات مع الجانب الكيني، ولم تدفع إثيوبيا في اتجاه قيام تقارب صومالي - كيني، في حين أنها دفعت في إتجاه تقارب صومالي - اريتيري وفي ظل ظرف زمني غير ملائم لصومال، ودلالة ذلك أن قرار جمع مقديشو مع اسمرا جاء لأجل خدمة المصالح الإثيوبية.


حاليا الصوماليين والاريتيريين، لا يمكنهم أن يتلاقوا، لا تجمعهم مصالح مباشرة، بينما ما هو جاري يمثل خدمة من قبل فرماجو لصالح حليفه في إثيوبيا.

وعند حضور الإرادة السياسية الصادقة من قبل الحكومة الاريتيرية، فإن التلاقي لن يكون إشكالية لها حضور في إطار العلاقات بين مقديشو وأسمرا، فالتواصل الارتري- الصومالي كان قائما في مرحلة كانت أكثر صعوبتا في زمن الثورة الاريتيرية، تضامنهم آنذاك ظل على شتى الأصعدة وفي ظل سيطرة إثيوبيا على ارتريا.


وفي ظل وجود فرماجو فإن الحكومة الصومالية قدمت مصلحة إثيوبيا على مصلحة بلادها، وبمعنى أخر فإن إثيوبيا تمسك بأوراق اللعبة، بينما إنتهت الأولى إلى واقع العمالة.

وذلك لم يكن خيار صومالي، بل وجهة نظر خاصة بفرماجو ومجموعته حصرا، وقد مارس دور الشخصية االسياسية المنقاذة لغيرها وتحديدا لاثيوبيا، وقام بذلك بطلب منهم حتى يجد المفاوض الإثيوبي مع ارتريا أوراق يمكنه من خلالها مفاوضة اسمرا والتقارب معها.

ترى لماذا لم تقوم حكومة فرماجو تسجيل حضورها دوليا وهي بمعزل عن التبعية وفي ظل واقع مستقل عن أديس أبابا؟!


فالسعودية،إثيوبيا،امريكا هم من قاموا بالطلب من مجلس الأمن الدولي برفع العقوبات عن ارتريا، أما فرماجو فمجرد لاعب لصالح غيره، ولم يقوم بمقايضة المجلس لأجل رفع حظر السلاح عن الصومال، رغم حاجته لذلك، كما أنه لم ينسق مع جيبوتي قبل زيارته ارتريا، بينما خضع لطلب الإثيوبي القاضي لزيارته أسمرا، وشكل ذلك اجحاف في حق جيبوتي والتي لم تنال حتى الراهن أراضيها.

والجمع بين اسماعيل عمر جيلي واسياس افورقي قامت به السعودية لحماية مصالحها في إثيوبيا، وفي المحصلة لن يضيف شيئا لجيبوتي.


وعند النظر لموقع الصومال من تلك المعادلات يمكن استيعاب أنه يمثل الخاسر الأكبر في سياق تلك الحسابات الجارية، والتي تكللت في زجه بالحرب الدائرة في إثيوبيا بين التجراي وكل من أديس أبابا وأسمرا، حيث تم أستخدام قوات صومالية تواجدت في ارتريا لغرض التدريب، زجها عنوتا لخوض الحرب ضد التجراي، وهو ما يؤكد سير فرماجو في إتجاه خدمة مصالح سياسية لا تعني بلاده.


خالد حسن يوسف


khalidsf5@gmail.com

 

آراء