المبادرة المصرية – هل تصمد القاهرة أمام تبعاتها الاستراتيجية؟

 


 

 

بروفيسور/ مكي مدني الشبلي
المدير التنفيذي – مركز مأمون بحيري

تشهد القاهرة اليوم وحتى الثامن من فبراير 2023 ورشة عمل المبادرة المصرية لمعالجة الاحتباس السياسي في السودان بمشاركة حفنة من القوى السياسية والمجتمعية المناهضة للاتفاق الإطاري المسنود وطنياً وإقليمياً ودولياً. وقد صاحب طرح هذه المبادرة المصرية نشاط ملحوظ من (الإسلاميين) لتأطير الرأي العام السوداني بحمل الشعب المنفذ والحامي لثورة ديسمبر الظافرة للتجاوب مع الورش المصرية لحل الأزمات التي ظل يعاني منها منذ انقلاب 25 أكتوبر 2021. ويجدر بالذكر أن (الإسلاميين) قد ناصبوا مصر العداء طوال 30 سنة من حكمهم الشمولي، توسطها تورطهم بسيد الأدلة في محاولة اغتيال رئيسها عام 1995.
ولعله من الصعب ابتداءً الوقوف على المرتكزات الإحصائية التي استندت عليها مصر في مبادرتها لتجعل من بقايا الحزب الاتحادي الديمقراطي ومجموعة من قيادات الحركات المسلحة التي أثبتت تجربة الانتقال عزلتها عن قواعدها، واعتبارهم الأغلبية السودانية الرافضة للاتفاق الإطاري.
كما أنه من العسير استيعاب تعويل ما يسمى بالكتلة الديمقراطية على أي دور إقليمي لمصر في السودان ضد التوجه الوطني لقادة ثورة ديسمبر من المدنيين والعسكريين لإرساء الحكم المدني الديمقراطي الذي تدعمه الرباعية والثلاثية والاتحاد الأوربي ودول الترويكا والأمم المتحدة في إطار المصالح المشتركة المشروعة (Win-Win). ويأتي على رأس تلك المصالح قطع الطريق على عودة (الإسلاميين) الذين طغى على حكمهم، خلافاً للنهج الإسلامي، الفساد وقتل آلاف الأبرياء بتأكيد من مشايخ "الحركة الإسلامية" في حلقات "الأسرار الكبرى" الموثقة بأفواههم في اليوتيوب وموقع قناة العربية. ولا يحتاج ما وثقه هؤلاء المشايخ لإضافة لاستيعاب أسباب رفض الشعب السوداني قاطبة محاولات عودة تلك الحقبة الفاسدة عن طريق الورش المصرية التي تواجه جملة من التحديات الاستراتيجية.
ولعل أبرز هذه التحديات قدرة مصر على لعب دور يصب في مصلحة (الإسلاميين) ضد التيار الوطني الذي خلع الإنقاذ، وضد المجتمع الدولي، وضد دول الخليج. ولا يخفى استطاعة دول الخليج التأثير على مآلات الورش المصرية لتهديدها مصالحها في السودان بمجرد إيحاء تلك الدول بمطالبة مصر برد الودائع قصيرة الأجل البالغة 13 مليار دولار بشكل فوري، وتعجيل سداد الودائع طويلة الأجل البالغة 15 مليار دولار. وغني عن القول أن هذه الودائع الهائلة لم تقدم لمصر من دول الخليج لكي تقوم مصر بضرب مصالحها الاستراتيجية المشتركة مع السودان. وعليه فإن هاجس الودائع الخليجية لمصر سيشكل تحدٍ كبير لمسارات الورش المصرية في بلوغ غايتها بإفشال الاتفاق الإطاري المفضي للحكم المدني الديمقراطي في السودان الذي يقف على قاعدة وطنية وإقليمية ودولية راسخة. ومما يعضض وهن المبادرة المصرية تجاه مأزق الودائع الخليجية ضعف الاقتصاد المصري الآني الذي اضطر الحكومة المصرية لمكابدة تبعات الاتفاق مع صندوق النقد الدولي مقابل 3 مليارات فقط تدفع على مدى 46 شهراً.
ولعل ما يزيد من حدة التحديات الاستراتيجية التي تواجه المبادرة المصرية تلك التبعات المترتبة على مصر لزيارة الرئيس الإثيوبي أبي أحمد للسودان قبيل انعقاد ورش العمل المصرية، سيما وأن أبي أحمد تربطه علاقات استراتيجية وثيقة مع دول الخليج الأمر الذي حمل مصر على مؤاخذة دول الخليج لعدم مساندتها في قضية سد النهضة. كما أن المبادرة المصرية الداعمة (للإسلاميين) ربما تعيد لأذهان دول الخليج عدم كفاية الدور المصري في صد الخطر الحوثي والشيعي على دول الخليج رغم المساعدات المالية الهائلة التي تقدمها دول الخليج لمصر مما يثير تساؤلاً مشروعاً حول اهتمام مصر بقضية "توازن المنافع" بينها وبين دول الخليج، سيما في أعقاب طرح مصر لمبادرة تصب في تمهيد الطريق لعودة (الإسلاميين) للحكم في السودان. أما من ناحية المجتمع الدولي فإن المبادرة المصرية المناوئة لتوجهاته الجيوسياسية تضع علاقته بمصر على المحك وتعيد للواجهة تحفظاته على مراعاة مصر لحقوق الإنسان، وضعف التزامها بأفضل ممارسات الحوكمة، ودعم الحكومة غير المحدود لسيطرة المؤسسة العسكرية على الاقتصاد على حساب المستثمرين المصريين والأجانب.
ويذكر أن (الإسلاميين) المستفيد الأبرز من المبادرة المصرية قد مهدوا لتأطير الشعب السوداني ضد الاتفاق الإطاري بتسيير مواكب (الكرامة) محدودة العدد (رغم القيمة المدفوعة) لرفض ما سموه التدخل الأجنبي، متغافلين أن ذاكرة الشعب السوداني يشغلها استجلاب حكومة الإنقاذ للأجانب من كل جنس تحت مظلة المؤتمر العربي الإسلامي لإرهاب الشعب وفرض سلطة (الإسلاميين) عليه. علماً أن هؤلاء الأجانب اشتملوا على مسلحين وإرهابيين من الشيوعيين والمسيحيين من أمثال كارلوس ونايف حواتمة وجورج حبش. كما أن الشعب السوداني لم ينس السنوات الطوال التي قضاها قادة الإنقاذ في فنادق وسفارات الدول الأجنبية، بما فيها الشيوعية، في اجتماعات ومؤتمرات ممتدة في كل من أبوجا وكوكا دام ونيفاشا وفرانكفورت وأديس أبابا وموسكو وبكين والدوحة وواشنطن واستانبول. وأخيراً وليس آخراً دعمهم غير المحدود لورش العمل في القاهرة.

melshibly@hotmail.com

 

آراء