المفاوضات مع الجنوب للحسم أم التلهى !؟

 


 

أدم خاطر
18 February, 2012

 


كل أهل السودان تعابوا من أعوام خلت مفاوضات السلام بكينيا حتى ميلاد اتفاق السلام الشامل فى 9 يناير 2005م ، والوقت الذى استغرقته والجهد الذى بذل فيها برعاية دول الايقاد وما يعرف بأصدقاء الايقاد وغيرهم من الدول والمنظمات التى تدافعت لغاية السلام فى السودان !.نعم شهدنا كل ذلك وأستبشرنا بالاتفاق خيرا وعقدنا عليه الآمال والرجاءات حتى وان انتهى الى الانفصال وجوار جديد يقاسمنا العديد من المشتركات !. لكن ربما غاب عن مخيلة بعضنا اننا سننتهى الى دولة بوار فاشلة وفاسدة ومنهارة لا تملك أدنى المقومات للبقاء ، وتعمل مع أربابها الى جعل جارها الذى منحها فضل الخروج الى حيز الوجود ، أن جعلت منه عدوا متوهما لتبدأ رحلة المتاعب منذ اليوم الأول لاعلان دولة الجنوب وكلنا يتذكر الأدوار الصبيانية التى حاولها أن ينهجها باقان فى ذلكم اليوم وما رمت اليه من رسائل وأبعاد !. لم تمضى أيام على ميلاد الدولة الجديدة الا وأستبيحت أبيى فى امتحان لقدراتنا العسكرية ، حيث صور لما يسمى الجيش الشعبى أن الوقت مناسب لضمها للجنوب عنوة بعمل عسكرى أحادى ، سرعان ما تعاملت معه قواتنا المسلحة بحسم يشبه مهامها وظن شعبها فيها ، فاستبان لمن دفعوا بهم أن السودان الدولة والنظام  يقف على أرجل وقاعدة راسخة ، وبه شعب وقيادة تعرف قدرها وتعى ما تواثقت عليه دون هوان أو تفريط !. استعيدت أبيى ولم تمر أشهر معدودة الا وقفز الحلو ومن ورائه الحركة الشعبية ، وهجم على تخومنا مع الجوار الجديد وأراد سلب ولاية كاملة (جنوب كردفان ) وضمها الى رقعة الجنوب بأمر أمريكا والغرب واسرائيل ، وعدنا الكرة مرة أخرى ولكنها بكلفة كبيرة فى الأرواح والممتلكات ، فضلا على الشروخ والمتاعب الأمنية والسياسية والاجتماعية وغيرها والتى ما تزال تغض مضجع الولاية ، ولكن ارادة الدولة جعلتها عصية على مخططهم ، وأنتهى الحلو الى خائن طريد لن تحميه أسقف جوبا المهشمة !. عبرنا هذه المحطة ولكن الحركة الشعبية وبقايا ما يسمى بقطاع الشمال لم يكتفوا بما وقع ، وأرادوا الهاب الحدود بكاملها ضمن مخطط آخر كبير ، فعاد عقار وعرمان وأنقضوا على الدمازين فى محاولة لاغتصاب ولاية (النيل الأزرق) ودارت الحرب من جديد وأنتهى المآل الى خيانة عقار وعرمان وحمدنا الله على فناء  قطاعهم المزعوم ، لكن المآسى مع الحركة الشعبية تبدوا حبلى بكل جديد بعد أن ضمنوا دولة السودان الجديد فليشقى السودان القديم وليتفكك أو هكذا حلموا ، واستماتوا فى المحاولات الواحدة تلو الأخرى لتحقيق ذلك  وما يزالون !!.
من هذا الواقع المفتوح على مصراعيه لتفاوض عبثى ، برز هذا الفهم الفطير وعلق بعقلية قادة الشعبية فيما أضمرته حكومة الجنوب من أفكار ورؤى ظلت فى جرابها لمكافأة السودان ، فيما عرف بالملفات العالقة وهى تفاوضنا حول هذه القضايا والموضوعات التى اصطلح عليها بملفات ما بعد الانفصال وكلها متعلق بقسمة الثروة وتبعاتها وفك الارتباط ، فعدنا من الايقاد الى الوساطة الافريقية ، ولا ندرى الى ماذا سننتهى فى مسلسل المفاوضات والمسميات والمدن والوسطاء والمبعوثين التى عبرناها الى ما يقارب العقدين فى السعى للحصول على سلام حقيقى يحقق مطلوبات الأمن والاستقرار وحفظ حقنا فى السيادة ويؤمن حدودنا وسلامة أراضينا ، ويضع حدا لهذا الحوار الأطرش وغير المفضى الى سبيل !. وضح هذا فى الجولة الأولى بأديس أبابا ، وعدنا منها بخفى حنين دون التوصل الى اتفاق بل تعزيز حالة الحرب الماثلة من وحى خطاب سلفاكير لقواته وأجهزته وحالة التعبئة العامة والاستنفار التى لوح بها ، وقراره بعدها بوقف ضخ النفط  ، تلكم الورقة التى أماتت الجنوب قبل خنق الشمال ، وتوهم حاكم الجنوب أن الحرب ستكون على الحدود المشتركة لن تطال بيته الذى أحرق ، والداخل الجنوبى يئن بالثبور وعظائم الأمور من خلافيات عميقة داخل التشكيلة الحاكمة والقبائل والمليشيات ومصالح الخواجات والمنظمات التى تنتظر فواتيرها فى بؤرة الصراعات هذى !.وانطلقت وتيرة التصريحات المعادية للشمال وازدادت الحملات الاعلامية الدعائية وتلفيق التهم وتدبيج المناحات ، ومحاولة اغتيال مناوى فى جوبا ، وتحالف كاودا يجعلها مقرا له لحريق ممتد ، ومشردى حركات دارفور يعسكرون بها ، وهى غارقة فى حالة الندرة فى كل شى وانعدام الأمن ، والحشود تقف حول أبيى وبعض حمقى الجيش الشعبى ينظرون الى فشودة كى يلحق النيل الأبيض بحريقهم ، هكذا يمضى المخطط الأجنبى لحمل حكومة الجنوب لاشعال حرب شاملة جعل النفط أحد أدوات لهيبها !. هكذا يراد من التلكؤ فى العبور بالمفاوضات الى اتفاق ذى بال من واقع المماحكات وكسب الوقت لاعتبارات يعملها من يديرون هذه الحرب لصالح الجنوب ومصالحهم فى المنطقة ، وشعبنا ينتظر أن ننعتق من الجنوب وصخرته التى أقعدتنا طويلا حتى وان منحناه حق تقرير المصير وانفصل بالفعل !!.
انتهت الجولة الأولى بمشهد درامى يعلى من أسهم الحرب وطبولها التى يتبارى فى قرعها باقان وسلفا يردد ، وذهبنا الى الجولة الثانية برجاءات عقلاء الاقليم لأجل السلام ، وبحرصنا على آصرة الرحم والجوار وسابق العلاقة التى لا فكاك منها ، ودول المؤامرة تدرك تبعات عدم التوصل الى اتفاق على واقع الجنوب المزرى !. ورغم المرونة الكبيرة وخفض المفاوض السودانى لسقف مطالبه كى يثبت حرصه على استكمال مطلوبات التسوية النهائية ، لكن عقلية باقان آثرت ترداد ذات الموال من سرقة نفط الجنوب ، وتبخيس قيمة النقل عبر حدودنا ومواعيننا ، باثارة قضايا انصرافية ، وحشر موضوعات خلافية مما جعل الطريق امام تحقيق اختراق أمرا عسيرا ومن ثم انهيار الجولة دون تقدم فى أى من الملفات !. ومع ذلك تحدد معاودة التفاوض خلال أسبوعين لجولة ثالثة وربما رابعة وخامسة !!، و لا تلوح فى الأفق فرصة  بامكانية اجراء تفاوض بناء وجدى له نتائج مرجوة فى ظل هذه الأجواء المشحونة والمغالاة غير الواقعية ، وتصعيد حالة التوتر وتجديد الاتهامات بمترادفة وشروط وموصوفة أخرى !؟. فحوى هذه الجولات وما توافر لها من فشل لا يعكس حقيقة النوايا السودانية الطيبة  ورغبة قيادتنا فى الوصول الى تسوية لخلافاتنا مع الجنوب وايجاد صيغة أخوية للتفاهم المستقبلى أمام هذه القلوب الغلف والآذان الصم والأعين العمى للمفاوض الجنوبى  !. مجرد الحرص على التفاوض وابداء الاستعداد لجولة تلو الأخرى دون ان نتحرك من المربع الذى ظللنا نرابض فيه ، مضيعة للوقت والجهد لابد من ان نتوقف عنده مليا ، ونفوت الفرصة على من يريدون لنا أن نلف فى فلكهم بالشهور والسنين دون أن نبلغ أى هدف !. نعم للحوار وقتما كان جادا وهادفا وله خلاصات موضوعية ، لا هذا الذى نعمله مع مجموعات لم تتحرك من عقلية الغابة وأجندة الأجنبى !. المفاوض الذى انتدبناه لهذه المهمة كنا نرتجى منه اعمال الجهد والفكر لحسم هذه الملفات باقل وقت ممكن ، لا أن يرسل بصورة سالبة وكأنه يتلهى بهذه الجولات وتطاول آجالها دون مردود !. نحن دولة مستمرة ولنا من الموارد المتنوعة ما يسد حاجتنا ، ولا رغبة لنا فى المضى فى طريق لا فائدة من مع دولة لا تدرك أولوياتها ولا تقدر ودا ولا تحفظ عهدا !. هذا التهافت على محاورة الحركة الشعبية فى ظل ما تكشف من نوايا فيه مخاطرة كبيرة تشىء بأننا فقدنا البوصلة السياسية ، وأن اوضاعنا الاقتصادية تحتاج يد الجنوب (السفلى) لتبدو وكأنها العليا لتمتن علينا مما أفضنا عليهم فى أيام العسر والمسغبة !. فضوا سيرة التفاوض مع هؤلاء حتى يفوقوا من سكرتهم وأوهام من حولهم ،  أو يصحوا الجنوب على ربيع افريقى أو يعودوا الى التفاوض والمضى معنا على صيغة مقبولة ولائقة مكرهين !. أتركوا لهم خيار احراق أنفسهم وشعبهم بارادتهم حتى يتعلموا من أخطائهم وحماقاتهم أن مسئولية النهوض بأعباء دولة ليست للعب والتلهى وانتظار المجهول !.التفاوض بالمعايير الحالية وذات الأشخاص الذين كانوا معول هدم للشراكة السياسية السابقة ، ومارسوا لعبة حملات التشويش والارباك السياسى ليس بمقدورهم اقامة اى اتفاق يقف على رجلين !. أريحونا أثابكم الله ، بتجميد الحوار وتعليق التفاوض لستة أشهر بقرار أحادى عندها سيعلموا جميعهم قدرة السودان على الحاق الأذى الجسيم بسودانهم الجديد !.      
adam abakar [adamo56@hotmail.com]

 

آراء