المفوضية الوطنية لحقوق الانسان !؟

 


 

أدم خاطر
18 January, 2012

 


نقول مرحبين باعلانها وقد استطال الزمان أمام اعلان قيام هذه المفوضية الهامة التى تعتبر واحدة من أهم أعمدة البناء الوطنى فى العصر الحديث ، بل من أهم الاركان التى تكمل البناء الدستورى فى البلاد ، وقد ظل مكانها شاغرا والحاجة اليها مطلوبة بالحاح ، فقدناها لوقت طويل جراء السجال السياسى العقيم على عهد الشراكة الملغومة مع الحركة الشعبية ومزايداتها وبعض أحزابنا السياسية ومحاولاتهم المستميتة لافراغ هذه المؤسسة الوطنية من مسئوليتها القومية والأخلاقية والدستورية لجهة ارساء الحقوق الدستورية وبسط الحريات العامة بدعاوى الاستقلالية ومخاوف تجييرها لخدمة الجهاز الحكومى الرسمى !. و منذ أن صدر القانون بتكوينها فى العام 2004 محددا لمهامها واختصاصاتها وأجهزتها وآلياتها بصلاحيات وضمانات دستورية كافية ، ورصيد وارث وافر من القيم والمبادىء الهادية اتى يغذيها ويرفدها ديننا الحنيف وتعاليمه التى تعصمها من أن تكون أمة متلقية ويحمى سياجها  من التغول والسطو الذى امتهنته بعض المؤسسات الدولية والاقليمية  ، وهى ترتكز أيضا الى موروث هذا الشعب وقيمه وعاداته وتقاليده ، اضافة الى تجارب الأمم والشعوب والحضارات والثقافات من حولنا ، كلها مقومات لازمة تعبد الطريق الى من أسندت اليهم هذه المهمة الوطنية الاستثنائية !. الا أن هذا الجهاز الوطنى قد تأخر فى أن يخرج الى حيز العلن ويؤدى رسالته التى ينتظرها المواطن فى ظل التقلبات الداخلية والضغوط الدولية لهذه الجهة والتى ما فتئت تمسك بتلابيب البلاد وأوردتها العديد من المهالك والشرور والاحن بما ظلت تصدره بعض المنظمات الدولية من افتراءات ودعاوى عن انتهاكات لحقوق الانسان ، وقد يكون بعضها صحيح وواقعى لكنه مهول ومغالى للحقائق على الأرض ، وأن المعالجات التى تتم لبعضها عادة ما تكون قاصرة أو مبتسرة أو عاجزة عن الاحاطة بالحدث والوقائع ومن هنا تكمن الأهمية وتنعقد الآمال على ميلادها !.فمن قبيل هذا الباب دنست سمعة البلاد وشوهت صورتنا وجرى تمرير مخطط فصل الجنوب ، وعبره كانت الفتنة فى دارفور ، ومن بعد جاءت مؤامرة (الجنوب الجديد ) فى جنوب كردفان والنيل الأزرق وتلونت فى الشرق والمناصير وما سيأتى من مخططات قادمة !
نعم لقيام هذه المفوضية القومية ، ولئن كنا أهدرنا وقتا طويلا كى يصار الى تكوينها على هذه الشاكلة من (15) من أبناء شعبنا يمثلون كوكبة مختارة فى المجالات ذات العلاقة بعملها لم تترك الناحية المهنية أو القطاعية أو الجغرافية ، وقد يصعب على من يتدبر القائمة أن يرمى أحدهم بحجر وجميعهم مشهود له بالكفاءة والاقتدار والسبق  ، فضلا عن تاريخهم المهنى العفيف وسيرتهم العلمية والعملية  تناسب عظم المهمة !.جاء هذا التكوين برئاسة الأستاذة المقتدرة / آمال التنى ، مفخرة المرأة السودانية وكسبها هو الذى أهلها لهذه المكانة ، فهنيئا لنساء السودان بأن تصعد امرأة لهذا المكان المرموق ، فآمال سيدة قائدة ، وشخصية قومية معروفة فى فضاء القانون والقضاء ، لها سجل حافل من الممارسة الوطنية النزيهة  ، وبصحبتها بناء نوعى من الأساتذة والخبراء الأجلاء من أهل الحكمة والاختصاص ، ومن خلفها وحولها أستاذ قانونى ضليع وخبير فى مجال القانون بعفة يد ولسان قل أن تتوافر فى هذا الزمان ، الا وهو الاستاذ/ معتصم على التوم ، ليس المجال هنا للاطراء وقصم الظهر بقدر ما هو ثناء مستحق لأهل المهنة والمهمة الجسيمة التى أوكلت لآمال وزملائها فى هذا الظرف والمنعطف الدقيق والبلاد غارقة فى ابتلاءات وعرقيات وجهويات ونعرات طمست معالم السماحة والفضل فى أمتنا ، ومكنت للدخيل والأجنبى بكل استخباراته ومغرياته لتكريس الفتن  والتمرد والحرائق التى تتسربل  بوابة حقوق الانسان !.فتمزق الوطن وأنهارت القيم وكثر الكيد والتدابر واستعصى الفتق على الراتق ، وها هى المؤسسة تصنع والقانون يسندها ورصيدنا القومى فى مؤسسات المجتمع المدنى وآلياتها الرقابية كبير وموجود ولكنه ما يزال دون الطموح رغم ميلاد استقلانا الذى سبق معظم دول المنطقة بعقود ، فأين المشكل وأين يكمن الحل ، وأى المعايير الوطنية ينبغى استدعاؤها لهكذا داء ؟!!.
ويبقى تشخيص الحالة السودانية لجهة حقوق الانسان بماضيها وحاضرها ومستقبلها أولوية قصوى فى أجندة الكيان الوليد اذا ما قدر له أن يبسط حوارا فكريا منفتحا لكل تيارات المجتمع ومؤسساته للاداء بدلوهم والمساعدة فى تحديد المسار والوجهة دون أن يغرق فى تفاصيل عروض الساسة ومحاولاتهم للتمييع والابتزاز أوالارباك والتشويش !. هذه المفوضية لا شك أن الدولة بحاجة أكبر اليها لاعتبارات لا تخفى على فطنة أحد ، لذا عليها أن توفر لها البيئة الصالحة كى تنهض بمهمتها على نحو مشرف ، ومطلوب الى قيادة البلاد  أن لا تنظر اليها أو أى من اجهزتنا المختصة بأنها احدى أذرعها أو كيان تابع لها ويأتمر بامرها ، على االدولة أن تعينها بكل ما هو مطلوب لأجل الحفاظ على طبيعتها المستقلة حتى تكسب المشروعية  وطنيا قبل أن تنالها اقليميا ودوليا ، وعلى كافة الأجهزة المختصة كانت القوات المسلحة أو الشرطة أو الأمن أو الأجهزة العدلية أن تكمل بنائها بالتنيسق والتعاطى الشفيف والعادل اذا ما أردنا صناعة واقع ريادى فى مجال حقوق الانسان وصيانة كرامة أمتنا بعيدا عن التطبيل أوالاثارة أو التصادم !. لذا نحن بحاجة الى شبكة وطنية فاعلة ومتجردة من أى عصبيات أو حميات ومنفعلة بهذا الهم تمثل قوة اسناد للمفوضية وتعصمها من تقاطعات الأجهزة الرسمية وقواصم التغول والهيمنة حتى يكتب لها النجاح !. مهمة هؤلاء فى ارساء معالم الطريق كبيرة وقد تبدو عسيرة لكنها ليست مستحيلة بقليل من الجهد والثقة طالما بات هذا المصطلح جزءا لا يتجزأ من سلامة الدول وكرامة شعوبها !.ولعله ليس مصادفة أن ضمنت حقوق الانسان والدعوى لتعزيزها فى كل اتفاقيات السلام التى أبرمت مع هذا الطرف أو ذاك ، وهذا ما تدعو اليه المواثيق الدولية رغم معاييرها المزدوجة التى تعملها بتمييز ومفاضلة سيما اذا تعلق الأمر بدول العالم الثالث !. المجموعة التى أدت اليمين بالأمس أمام رئيس الجمهورية قدرها أن تكون قدر التحدى بعزيمة وطنية وارادة مرتبطة بالخالق لتحقيق أهدافها ،كما يلزمها أن تنأى عن الانتماء السياسى حتى تكسب مصداقية كافة القوى السياسية مهما كلفها ذلك !. ان توفرت هذه المطلوبات ستهنأ الدولة والشعب بمفوضية هى أساس المجتمع الفاضل ، وان غادرنا مستحقاتها بوجود هلامى كأى جهاز شكلى عندها ستتداعى علينا هذه الكيانات المتسلطة التى تدعى حماية حقوق الانسان وهى منها براء، وسنسمع عن المراقبين الدوليين والمبعوثين الخاصين بحالة حقوق الانسان وسلسة من المسميات والمصطلحات مؤادها غياب الدولة والاستلاب بكل صوره، لذا عليننا أن نبقى على آليات الوطن وتقويتها مهما عظمت كلفتها وقسوة ما تعمله من سلطان --- لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ولكن صدور الرجال تضيق  !!!.  
adam abakar [adamo56@hotmail.com]

 

آراء