النائب العام ولجان قتل الحقيقة

 


 

 

(١)
في الوسائط الرسمية ان النائب العام المكلف خليفة أحمد خليفة شكل لجنة للتحقيق في في أحداث مسيرات ومواكب ٣٠ يونيو ٢٠٢٢م ، وقد كان يمكن ان يكون هذا العمل القانوني الصحيح شكلا عملا إيجابيا يفضي إلي الحقيقة إذا توفرت لدى النائب العام الرغبة الأكيدة في الوصول إلي الحقيقة المجردة والجناة من مرتكبي جرائم مسيرات ومواكب ٣٠ يونيو ٢٠٢٢م وملاحقتهم وردعهم بما يؤكد أداء النائب العام لمسؤولياته بصفته نائب عام جمهوية السودان ومن منطلق صلاحيته القانونية باعتباره صاحب الولاية الإشرافية الحصرية على الشرعية الإجرائية في الدولة، ولو فعل ذلك من ذاك المنطلق ووظيفته المستقلة لكان ذلك كافيا له لاكتساب الإحترام من الكافة ولاطمأن المواطن السوداني وفي مقدمتهم أسر الشهداء والمفقودين والمتأثرين بإنتهاكات الحقوق والحريات بان النيابة العامة بالدولة مستقلة وقادرة على ان تقوم بواجبها خير قيام، وانها غير خاضعة لتاثيرات السلطة السياسية او غيرها وان ضمير نائبها العام الذي يرمز للعدالة في المجتمع وينوب عنه في الحق العام لا يتأثر ولا ينحاز سوى للحقيقة المجردة، ومثل هذا النائب العام إذا وجد وغادر وظيفته طوعا او تم عزله بقرار سياسي لإرتاح ضميره وقد ادى رسالته المهنية والاخلاقية بكفاءة واقتدار وأمانة .
هنالك من الدلائل ما تشير بان اللجنة التي شكلها النائب العام للتحقيق في الأحداث والجرائم المرتكبة في مسيرات ومواكب ٣٠ يونيو ٢٠٢٢م ستكون كسابقتها ، ولسنا هنا بصدد الإستباق لإصدار احكام مستعجلة وبخاصة ان على من يعمل في المهن القانونية عدم إصدار الأحكام المسبقة، ولكن ما يدفعنا لذلك الإعتقاد الراجح هو ان النائب العام نفسه(مولانا خليفة أحمد خليفة) وليس من سبقه قد قام في يوم الإثنين الموافق ١٣/ ١٢/ ٢٠٢١م بتشكيل لجنة للنظر في الأحداث والإنتهاكات الناتجة خلال المظاهرات التي اندلعت منذ ٢٥/ ١٠ /٢٠٢١م القرار بالرقم ٦٩/ ٢٠٢١م بذات مهام واختصاصات اللجنة الحالية التي كونت بالأمس كما وتندرج مهام اللجنة الحالية في مهام ذات اللجنة التي كونت في السابق ولا يُعرف حتى الآن مصيرها وماذا فعلت ونتائج تحقيقها وقد حدد النائب العام في قرار تشكيل تلك اللجنة القرار بالرقم ٦٩/ ٢٠٢١م والصادر بتاريخ الإثنين الموافق ١٣/ ١٢ /٢٠٢١م، مهام واختصاصات اللجنة في التحري والتحقيق حول وقائع وملابسات الأحداث والإنتهاكات التي حدثت في وبعد ٢٥/ ١٠/ ٢٠٢١م وحصر الخسائر في الأموال والممتلكات الخاصة والعامة والقبض على المتهمين وقيد بلاغات جنائية في مواجهتهم وتقديمهم للمحاكمة واستجواب كل من له صلة بالأحداث واعطى القرار اللجنة اختصاصات النيابة العامة الواردة في في قانون النيابة العامة لسنة ٢٠٢١م وقانون الإجراءات الجنائية لعام ١٩٩١م ويشمل ذلك تقديم المتهمين للمحاكمة وتمثيل الإتهام وسمى القرار تشكيل اللجنة من وكيل اعلى نيابة الطاهر عبد الرحمن رئيسا وعضوية (٨) من أعضاء النيابة العامة بدرجات مختلفة وان تباشر اللجنة مهامها عقب أدائها القسم أمام النائب العام المكلف كما وان تستعين بمن تراه مناسباً.
وبالرجوع إلى قرار النائب العام ووفقا للتعميم الصحفي الصادر من النيابة العامة نقرأ الآتي اصدر النائب العام المكلف (مولانا خليفة أحمد خليفة) الأحد الموافق ٣/ ٧ / ٢٠٢٢م ، قرارا بتشكيل لجنة للتحقيق والتحري في احداث مواكب ٣٠ يونيو ٢٠٢٢م وتتكون اللجنة من سبعة من أعضاء النيابة العامة، وتختص اللجنة بالتحري والتحقيق في ملابسات الأحداث التي وقعت في ٣٠ يونيو ٢٠٢٢م وأدت إلى مقتل وإصابة عدد من المواطنين وستعمل اللجنة على حصر الخسائر في الممتلكات العامة والخاصة، والقبض على المتهمين وفق إجراءات القانون، وتقييد بلاغات جنائية في مواجهتهم وتقديمهم للمحاكمة وتمثيل الاتهام وغيرها من المهام وان اللجنة ستباشر عملها فور اداء القسم أمام النائب العام.
السؤال (اين ذهبت نتائج أعمال لجنة التحقيق التي كونها النائب العام المكلف نفسه في ١٣/ ١٢ / ٢٠٢١م بذات المهام والاختصاصات عن الإنتهاكات المرتكبة منذ ٢٥/ ١٠ / ٢٠٢١م وما بعده) ونواصل

(٢)
النيابة العامة ليست كسائر المهن الأخرى وتمتاز النيابة العامة كما والقضاء بالإستقلالية التامة فهما ليستا تتبعان للسلطة التنفذية او التشريعية او السيادية، والنيابة العامة تمثل الحق العام وعلى رأسها الحق في الحياة كما تختص القضاء بحماية الحقوق المكفولة بموجب أحكام الدستور والقانون ولا معقب على أحكام القضاء، وإذا فقدت النيابة العامة و القضاء او كلاهما او احدهما استقلاليته عمت الفوضى في الدولة ولأخذ القانون باليد كما لصارت ادوات العنف التي تحتكرها الدولة ذات السيادة، تُستخدم في غير مكانها الصحيح وانتشر السلاح في ايادي الأفراد والجماعات تحت مسميات عديدة ولسادت شريعة الغاب.
النائب العام المكلف مولانا خليفة احمد خليفة وصل إلى هذا المنصب وقد سبقه إليه عقب الثورة مولانا تاج السر الحبر ثم مولانا مبارك محمود وقد ذهبا ولم تبق لهما بالنيابة العامة سوى اعمالهما وذاكرة التاريخ، فالمناصب لا تبقى ولا تدوم لشاغليها ابدا مهما كانت اسباب توليهم لها، سواء كانت صحيحة ام لم تكن كذلك، ويظل اداء شاغل المنصب في ذاكرة الرأي العام وفي متون الوثائق والمدونات والمستندات، فكم هنالك من تولى منصب النائب العام او غيره وذهب ولا تزال تلاحقه اللعنات.
النائب العام المستقل والملتزم بواجبات منصبه، بمجرد تعيينه في منصب النائب العام يتولى المنصب ومرجعيته القانون وضميره الشخصي والتزامه المهني والاخلاقي ولا يركن بالضرورة لإرضاء من اصدر قرار تعينه و ان يدرك في نفسه انه شغل هذا المنصب لانه مؤهلا ولم تأت به تقديرات الموازنات والترضيات والمحاصصات، بغض النظر عن أهداف الذي قام بتعينه في ذلك المنصب حتى ولو صدر التعيين او التكليف في ظل أوضاع استثنائيه كالحالية وبقرار اصدره الحاكم بأمره وليس بإجراءات عن مجلس مختص له ضوابط مثل مجلس النيابة الأعلى المنصوص عليه في الوثيقة الدستورية المعيبة سارية المفعول، ولو باشر النائب العام مهامه إستنادا للقانون لوضع الأمور في نصابها الصحيح ولما اساءت السلطة السياسية والتنفيذية استخدام واستغلال القانون، ولما سقط العشرات من الشهداء المدنيين وذلك ما حدث منذ تعينه من جراء العنف المفرط والقتل الجزافي الذي باشره النظام الحاكم بأدوات العنف التي تحتكرها الدولةوقد تخلى النائب العام مولانا خليفة احمد خليفة عن مهامه ومسؤولياته في الإشراف على الشرعية الإجرائية في الدولة فتمددت الأجهزة التنفيذية والأمنية القمعية وشغلت مهام النيابة العامة بل ذهبت الشرطة في ٢٧/ ٦/ ٢٠٢٢م بإصدار توجيهات للنيابة العامة وقد تغولت بالفعل على مهام النائب العام في الإشراف على الشرعية الإجرائية في الدولة تلك المهام الحصرية للنائب العام وحده .
توجيهات الشرطة للنائب العام :
في بيان منشور للكافة اصدرت الشرطة تعليمات وتوجيهات واضحة للنائب العام طلبت منه ومن وزير العدل نشر مستشارين إتحاديين بأقسام الشرطة ومواقع التعامل كمراقبين للقوات والتأكد من تسليحها ومرافقة وكلاء النيابة التابعين وتدوين اي ملاحظات اثناء التعامل، هذه التوجيهات والتعليمات الواضحة التي اصدرها وزير الداخلية بحسب البيان المشار إليه للنائب العام ووزير العدل تكشف ان الأطراف المذكورة لا تدرك المهام المناط بها وهذا ما يكشف ويبرهن اسباب تمدد وانتشار ظاهرة القتل الجزافي الممارس بواسطة القوات المشتركة في الدولة بما فيها المرتكبة بواسطة عناصر الشرطة.
عقب مسيرات ومواكب ٣٠ يونيو ٢٠٢٢م اصدرت الشرطة بيانا قالت فيه إن القرارات والتعليمات التي صدرت في إطار تنفيذ خطة تأمين حراك ٣٠ يونيو ٢٠٢٢م وأضحة ومعلومة للجميع بعدم تسليح اي قوات تتعامل مع المتظاهرين بسلاح ناري في المواقع الفاصلة وعدم السماح بخروج اي شرطي مسلح بسلاح ناري خارج دور الشرطة او للدفاع عن الموقع فقط وأضافت الشرطة بان المقطع المتداول عن مقتل احد الشهداء (علي زكريا) يؤكد ان هنالك مخالفة للتعليمات وتصرف يشكل جريمة ولا نقبله تماما من منسوبينا في كافة المستويات وأشارت الشرطة إلى شروعها في التحقيق لإتخاذ القرارات التي تحفظ الحقوق كافة غير منقوصة تجاه من خالف تعليمات وقرارات الرئاسة ومن ارتكب الفعل ومن سمح له بالتسلح والخروج ونلتزم بتطبيق نصوص القانون دون حصانة لمثل هذه الأفعال.
الملاحظ هنالك تناقض وتضارب في اقوال الشرطة حول ما ورد بالبيانين، ففي البيان الأول أكدت الشرطة بل وطالبت النيابة العامة ووزير العدل (التأكد من تسليحها) وفي البيان الثاني والمنشور في أجهزة الإعلام الرسمية اعتبرت الشرطة المقطع المتداول حول مقتل احد الثوار بواسطة شرطي وفي حضور زملائه من عناصر الشرطة الذين كانوا يتحلقون حول جثمان الشهيد بان هنالك مخالفة للتعليمات وتصرف يشكل جريمة.
بيان الشرطة الخجول والمشار إليه فيه محاولة للتنصل من المسؤولية لدرجة وصف جريمة قتل بشعة بعبارات مبهمة(تصرف يُشكل جريمة).
لا شك ان طبيعة مهام واختصاصات النيابة العامة المستقلة تجعلها محصنة من تلقى التعليمات والتوجيهات من اي جهة كانت ولما كانت الشرطة والقوات المشتركة الأخرى هي المنسوبة إليها ممارسات الإنتهاكات والقتل الجزافي فان الوضع السليم ان يصدر النائب العام توجيهاته واوامره وما يراه من تدابير للحيلولة دون إرتكاب الجرائم بحق المتظاهرين السلميين وان لا يعمل بتوجيهات الشرطة، كما كان عليه ان يمنع الشرطة من إصدار بيانات بخصوص الوقائع التي شكلت جرائم جنائية أرتكبت بالفعل مثل وأقعة جريمة مقتل الشهيد علي زكريا وركله بواسطة شرطي بعد قتله في إهانة بالغة لحُرمة الميت، لان مثل تلك البيانات تؤثر قطعا على سير العدالة وقد ظهر الشرطي في جريمة قتل الشهيد علي زكريا ومعه زملائه وهم يحملون السلاح وبالتالي هنالك بينة مبدئية كافية في مواجهتهم وفي مواجهة المسؤول الأول عن الشرطة وهو وزير الداخلية كما في بيان الشرطة الصادر يوم ٢٧/ ٦/ ٢٠٢٢م، وكان على النيابة العامة في دائرة الإختصاص ان تشرع في إجراءات القبض على الشرطي القاتل بموجب البلاغ المقيد وعلى زملائه المتواجدين معه في مسرح الجريمة لتوافر البينة المبدئية بالإشتراك الجنائي ثم من خلال التحري تصل لمن اصدار التوجيهات والأمر بالتسلح، وفي بيان الشرطة الصادر بتاريخ ٢٧/ ٦/ ٢٠٢٢م طلب السيد وزير الداخلية، ورئاسة الشرطة من النائب العام ووزير العدل نشر مستشارين إتحاديين بأقسام الشرطة ومواقع التعامل كمراقبين للقوات (والتأكد من تسليحها) وإستنادا على البيان المشار إليه، هنالك بينة مبدئية كافية للتحري والتحقيق مع وزير الداخلية ورئاسة الشرطة كمتهمين في بلاغ مقتل الشهيد علي زكريا وزملائه، ومثل هذه الجرائم المرتكبة في مسيرات ومواكب ٣٠ يونيو ٢٠٢٢م واضحة لا تحتاج لتكوين لجان تحقيق بواسطة النائب العام المكلف بل تحتاج لتوافر الرغبة والقدرة على ملاحقة الجناة الذين يستظلون بالسلطة ويتدثرون بالحصانات وتطبيق أحكام القانون .
ونواصل

 

آراء