الوطنُ يتعافى ببطء!

 


 

 

 

سبحان مغير الأحوال من حالٍ الى حال??:

لقرابة الثلاثين عاماً؛ كان السودانيون في مهاجرهم القصية ودول الاغتراب يفرون من مشاهدة التلفزيون القومي؛ ولقد حطّم صديقٌ لي جهاز التلفاز في بيته عند عودته من العمل؛ لما وجد زوجته تستمع لنشرة الاخبار الكيزانية خِلْسةً؛ تلك النشرات التي تعلمونها والمليئة بالاكاذيب المُكرّرة والمُملة حَدْ الغثيان!

الآن صار الكل يتسابق نحو قناتنا القومية التي تم اختطافها بواسطة أسراب الجراد الذين حطّموا تحطيماً ودمروا تدميرًا كل شيء يتعلق بالحق والخير والجمال في بلادنا. ونعلمُ جميعاً بان الدمار كبير ويصعب اصلاحه قريباً ضربة لازب ولكنه غير مستحيل إطلاقاً في ظل ثورة كبيرة كان ابطالها شعبنا البطل.

من الذكريات المحفورة في الذاكرة اننا تسللنا لقلب الخرطوم ومعي بعض زملائي يوم السادس من ابريل من عام ١٩٨٥ وكان احدنا يحمل مذياعاً وطفقنا نستمع لخطاب الراحل المشير عبدالرحمن سوار الذهب. ومع حمى المارشات العسكرية التي كانت تشنف آذان ملايين السودانيين اذ بنا نسمع نشيداً للاستاذ الراحل محمد وردي يقول مطلعه (لحظةٌ من وسني تأخذ عني حزني تحملني ترجعني الى عيون وطني يا وطني). تسمرنا وتحلقنا حول المذياع وبعضنا يبكي وبعضنا يهتف للثورة حتى هلكت الحناجر القوية وأصبحنا نستخدم ملح الطعام حتى نستعيد وهج الثورة.

ان الرفض الشعبي الذي بدأ منذ الثلاثين من يونيو المشؤوم من عام الرمادة ١٩٨٩ لكل ما كان ينتجه النظام البائد ويبثه عبر قنواته البائسة كان استفتاءً واضحاً لمقت الشعب السوداني لكل ما كان يمت بصلة لاعلام وثقافة النظام المعطوبة.

لقد اكتوى الكثير من ابناء شعبنا بنيران البعد بعد ان فرّوا من وطنهم فرار الصحيح من الأجرب نأياً بأنفسهم من رؤية هذا القبح الذي الهب ظهورنا به هذا النظام. ويكاد السودانيون ان يجمعوا على كون افتقار من يُسمون انفسهم بالإسلاميين (والإسلام منهم برآء) لأية ذائقة فنية او ابداعية ويكفيهم خزياً وعاراً تلك الرقصة الهمجية التي كان يُدمينا بها راس النظام الفاجر على إيقاع دخلوها وصقيرا حام وهاهم الان تحوم من حول منسوبيهم الهوام والبعوض في غرفٍ أضيق من سِم الخياط يتجرعون سُمّاً زعافا جرّاء ما ظلموا وقتلوا وسرقوا ونهبوا وتاجروا بدين الله تجارة اليهود بالتوراة.

انه لمن اروع اللحظات الشعور بان الوطن قد بدأ يتعافى من سموم هؤلاء المُنبتة وقد عاد تلفزيون السودان القومي لحضن الوطن بعد غيبة امتدت لثلاث عقود امتلأ فيها فضاء الوطن بالأكاذيب والتضليل ورقصات المجرم عمر البشير الذي قتل من السودانيين ما لم يقتله الترك والإنكليز. ما اتعس تلك اللحظات التي يتقاطع فيها بصرك مع صورته وهو يكذب ويسيء أدبه مع الشعب في تلفزيون السودان. اقسم احد أصدقائي بان عينه لم تقع سوى ثوان على احدى الرقصات البذيئةِ غير المحتشمة وكاد ان يفقأ عينيه التي ضلت طريقها وزاغ فيها بصره.

انه ايضاً لمن أقصى ثمرات ثورتنا هذه الحرية التي لا يُظلم فيها احد؛ مع اننا نُعيب على حكومتنا المحترمة هذا البطء في احلال كوادر النظام البائد بإعلاميين ثوريين وهم كُثر يعشقون هذا الوطن بدل ان نرى وجوهاً لا تشبه هذه الثورة العظيمة.

التحية للصديق الصدوق Lukman Ahmed الذي ظهرت بصماته جلية جداً في روح جهاز التلفزيون القومي وكلي ثقة بانه سيجعل منه مُتكأً للمهاجرين من امثالي ليتحلقوا حول الشاشة بسرورٍ بالغ ونشوة بالغة بالنصر الكبير بعد ان تم ركل المستبدين تجار الدين والقذف بهم جميعاً لدرك مزابل التاريخ. ثم ان لنا موعدٌ معهم هنا في الحياة الدنيا ثم يقتص الله لنا منهم يوم القيامة..??

zomrawy@yahoo.com

 

آراء