باريس…عاصمة الجمال والنور..والمال والعطور.

 


 

 

============
د.فراج الشيخ الفزاري
=========
متعة وما بعدها من متعة،وانت تقف وسط( جسر الإسكندر الأكبر) في وسط العاصمة الفرنسية باريس...وعلي يمينك متحف اللوفر..وعلي شمالك مقهي(بلوفر جرمان) ملتقي الفلاسفة والمفكرين والكتاب والشعراء ، حيث كان يجلس (جان بول سارتر) ورفيقة دربه في مشوار الفلسفة( سيمون دي بوفوار)..وفيه كانت تشتد الحوارات والمناقشات والخصومات بين عمالقة الفكر الوجودي أنفسهم...(البير كامي) و (رامبو)..وربما صموئيل بيكت ، المسرحي المعروف، صاحب مسرح العبث الذي كان يفضل السكوت والصمت عن الكلام...
زرت باريس...أول مرة عام 2007م ..تحقيقا لأمنية دفينة، منذ تخرجي من كلية الآداب,قسم الفلسفة، بجامعة القاهرة،كشهادة إضافية لشهادة الدرسات البيئية بجامعة الخرطوم..حيث كانت الفلسفة شغفي الأول...وزيارة باريس ،حلمي الثاني ..ومسرح موليير..(الكوميديا الفرنسية) أمنيتي الثالثة..
وقد تحققت هذه الأماني تباعا..حيث زرت باريس عبر الحدود الألمانية،فقد كان مقصدي برلين التي مكثت فيها لمدة يومين ولكنني مع بزوغ فجر ذلك اليوم ،تركت الصحاب نياما..وتسللت نحو محطة القطارات ومنها عبر الحدود الي باريس فوصلتها بالقطار السريع بعد ست أو سبع ساعات كانت في غاية المتعة والامتاع..عابرا الحدود بلا تأشيرة دخول اضافية..ولم يسألني احد ، بعد الوصول، عن جواز السفر أو إلي أين مقصدي؟ فقصدت علي الفور شارع( الشانزليزيه) الشهير ثم ساحة(سان جيرمان)، ذات الطابع المعماري المتميز،ثم دلفت الي جادة الطريق المتفرع حيث يوجد مقهي فلور ، الذي بهرني بموقعه الجانبي وقد برزت لوحته العتيقة بذلك الاسم المبهر الخلاب:
CAFE DE FLORE
ولكنني وجدته خال ، تقريبا ، من الرواد..حيث يتقاطرون إليه بعد الرابعة عصرا ، كما علمت من مدير المقهي الذي كان يتابعني من خلف طاولته العتيقه.. فسألته، ايضا،بفضول وعفوية:أين كان يجلس( سارتر )؟ فقد علمت أنه كان يقصد هذا المقهي ، عندما يريد أن يكتب أو يقرأ بعيدا عن صخب المناقشات..
لم يستغرب الرجل سؤالي ،ويبدو أنه معتاد علي السؤال..فأشار بيده الي ذلك الركن القصي من المقهي وقد علقت في أعلي الجدار لوحة زيتية للفيلسوف الفرنسي المشور وتحتها عبارة:هنا كان يجلس سارتر..
لقد كنت في سباق مع الزمن حتي أعود الي برلين ،مكان سكني،قبل نهاية اليوم,فقصدت مسرح موليير...حيث تعرض فيه مسرحيته الشهيرة(البرجوازي النبيل ) منذ مائة وخمسين سنة متوالية، ولم تتوقف عروضها الا خلال جائحة كرونا،التي تعطل بسببها العديد من المناشط الاجتماعية والثقافية ومنها المسرح بطبيعة الحال .
كان حلما لا يصدق وانا أقف أمام احد البوابات الجانبية للمسرح..فقد كان المكان خاليا من الزوار..فنصحي الحارس بأن لا يخدعني المنظر..فإذا اردت مشاهدة المسرحية ، التي ستبدأ بعد اربع ساعات من الآن،فعلي أن احجز بطاقتي في الحال..لأن الأبواب ستغلق قبل ساعة من عرض المسرحية وأن معظم الرواد يحصلون علي بطاقات الدخول من اكشاك البيع داخل المحلات التجارية...وأن هذا هو الحال طيلة عمله في حراسة المسرح منذ عشرين عاما...
كانت تلك هي أحداث رحلتي الأولي لمدينة النور...مدينة السحر والثقافة والملاهي والمقاهي والمتاحف والجمال والعطور...ثم أصبحت أزورها بشكل راتب كل عام واخر ، حتي وهن العظم وعظمت المسؤوليات..توقفت عن الزيارة المكانية عام 2016 وبقيت ذكريات باريس وعطرها الفواح..
هذا هو وجه باريس ..وجمال باريس..وعبق باريس مر بخاطري وقد تجملت و لبست ثوبها الفضفاض..وها هي تتجلي
بوجهها الإنساني النبيل وتستقبل مؤتمر المانحين ..مؤتمر باريس استجابة للكارثة الإنسانية التي لحقت بالسودان..وقد خلص المؤتمر بجمع إثنين مليار دولار في ظرف ساعات معدودة..حبا وتقدير ومحبة ومساعدة للشعب السوداني..
اتمني ، صادقا،أن نتجاوز كل الخلافات السياسية..والجدل السفسطائي حول من جمع الإعانة.. أو من رتب للمؤتمر..دعونا نتجاوز كل تلك الحساسيات وإيصال هذه المنح والمساعدات الانسانية فورا لأهلنا في السودان..فماسأتهم وكارثتهم الإنسانية أكبر وأشد إيلاما من كل الخلافات والمجادلات الغوغائية..
د.فراج الشيخ الفزاري
f.4u4f@hotmail.com

 

آراء