بديهيات لن تعلو بأجنحة من الترديد

 


 

 

" خياران أحلاهما مر : ترك الاوضاع علي ماهي عليه منزلقة نحو الانهيار والتركيز علي اكتساب التأهيل لتشكيل معارضة أفضل خلال المعركة ضد الدكتاتورية القادمة حتما، أو ماهو أسوأ. الاخر هو القبول بحقيقة ان النظام السابق ليس سابقا الى الدرجة التي نحب او نتصور طالما ان البديل ليس موجودا بالدرجة التي نحب او نتصور، وإدماج جزء منه في التركيبة الحكومية والسياسية الاننقالية، كما حدث في كافة تجارب الانتقال الديموقراطي الناجحة بما فيها جنوب افريقيا- مانديلا. بذلك يمكن تجريد الجزء الاخر في تشكيلة النظام السابق من السيطرة علي مقدراته السياسية – التعبوبة وغير السياسية ( المالية ،في الخدمة المدنية والعسكريه والنظاميه والعلاقات العربية ) التي يوظفها لتخريب الفترة الانتقالية وضمان استكمالها بأكبر قدر ممكن من النجاح. "

++++++++++++++++++++++++++
لأحد شعراء القصيدة الحديثة في سبيعنيات القرن الماضي، الراحل صلاح عبد الصبور ، قصيدة بعنوان " اقول لكم " اشتهرت بمقطع يقول " سَقط ُ القول قد يعلو بأجنحة من الترديد " استعادته الى الذاكرة مبادرة السيد رئيس الوزراء محّورة علي النحوالتالي : " بديهيات لن تعلو بأجنحة من الترديد " ..فهي بالتأكيد ليست من سَقط القول لانها تلخيص أمين لبرنامج الانتقال الديموقرطي الذي تواضعت عليه قوي الانتفاضة/ الثورة ولم يتحقق منه الا الجزء اليسير الذي يبقي ،الى ذلك، قابلا للتبديد إ ذا لم يتحقق البند الجوهري ، أو بند البنود وركيزة تحقيق البقيه : استعادة وحدة هذه القوي، التي تضيف اليها المبادرة الطرف العسكري . هذا الهدف الجوهري البديهي للغايه ظل يتردد عبر العامين الماضيين منذ أن انحلت عري ق ح ت ، ومن أكثر من جهه تحاول تحقيقه جزئيا او كليا دون ان يغادر مكانه علي الارض . بل انه مع تكرار المحاولات وفشلها ، وانتقال الانقسامات الى التكوينات الحزبية والشبابية نفسها والى تجمع المهنييين، يغور الى تحت الارض . كثرة الترديد قولا وفعلا لم تفلح في التحليق بالهدف - الركيزه البديهي الى سماء الواقع الملموس .
مبادرة السيد رئيس الوزراء تظل مواجهة بنفس السؤال الذي واجه محاولات ، مشاريع ، مبادرات توحيد بعض او كل أطراف ق ح ت. إذا كانت هذه المحاولات قد فشلت في توحيد اطراف متماثلة التكوين في أساساياته وبينها تاريخ من العمل المشترك مثل ق ح ت عند الحد الادني، فمن البديهي انها ستفشل في محاولة توحيد اجسام متباينة التكوين عند إضافة العسكرييين وأطراف الكفاح المسلح. التفسيرات المتعدده ،النداءات الحارة والمشفقة القائمة علي التذكير بخطورة المرحله، التي تزحم الافاق لم تفلح في تقديم تفسير لسر الفشل واقتصر الامر في النهايه علي لاتفسير لانه يتمحور حول غلبة الدوافع الذاتية والحزبية الضيقة لدي هذه الاطراف. هو لاتفسير ، لانه لايعقل ان هذه الاطراف السياسية وغير السياسية التي خاضت نضالات وممارسات سياسية ممتدة في الزمن والعمق والتضحيات تقع في النهاية في منزلق إعلاء المصلحة الشخصية لقياداتها، ومكاسبها الحزبية علي الفرصة الاخيرة لانقاذ البلاد ..التفسير، إذن ، في مكان آخر والخطوة الاولي في اتجاه الوصول اليه ان تقف الاحزاب وكافة العاملين في الحقل العام ، أن نقف جميعا، وقفة نقدية جريئة وجدية امام تاريخ وأسلوب معارضة الانظمة الدكتاتورية منذ 58 ، ففي هذا المجال تكمن الاجابة علي السؤال - المفتاح : لماذا نتوقف عند إسقاط الانظمة الدكتاتورية كما حدث في 64 ثم 85 ويحدث الان واضحا، أي دون تحقيق هدف الاهداف وهو استدامة الديموقراطية ؟ طبيعي عندما يتوقف التقدم ويتعذر تحديد مصدره أن تحل محله اتهامات التقصير والتفسيرات الزائفة المبتورة فتقع الخلافات هادئة اولا ثم تتصاعد حدة وعمقا نحو العمالة لاطراف خارجية بقدر ما يتعذر تفكيك أصل المعضله ؟ماهو هذا الاصل ؟ الاجابة المختصرة أننا لسنا مؤهلين ديموقراطيا لبناء نظام ديموقراطي لاسباب موضوعية وتاريخية يطول شرحها ويمكن تلخيصها في أننا كأجيال وأحزاب لم نولد في بيئة تعرضت لعملية تغيير جذري تحررها ، ومعها عقليتنا ، من تقليديتها الموروثة منذ قرون .التأهيلٌ المعني من أهم علاماته الاستعداد الجدي للتنازل المتبادل تحقيقا لتوافق الحد الادني خلال المرحلة الانتقالية انعكاسا لقناعة ديموقراطية مستقرة وراسخة بأن نظام التبادل الانتخابي للسلطة بعد اكتمالها يتيح الفرصة لتنفيذ البرنامج الخاص بكل حزب. المشاهد أمامنا منذ ديسمبر ان الاستعداد موجود ، وكذلك حسن النوايا، ولكنه يتبخر عند اول اختبارعملي لغياب التأهيل الديموقراطي فنظل في حالة بحث سرابي عن اتفاق الحد الادني الذي تشكل مبادرة السيد رئيس الوزراء آخر نماذجه.
يستحيل طبعا اكتساب مثل هذا التأهيل خلال فترة زمنية قصيرة وأثناء عملية الانتقال الفعلية نفسها لذلك فأننا أمام خيارين أحلاهما مر : ترك الاوضاع علي ماهي عليه منزلقة نحو الانهيار والتركيز علي اكتساب التأهيل لتشكيل معارضة أفضل خلال المعركة ضد الدكتاتورية الرابعة القادمة حتما، أو ماهو أسوأ . الاخر هو القبول بحقيقة ان النظام السابق ليس سابقا الى الدرجة التي نحب او نتصور طالما ان البديل ليس موجودا بالدرجة التي نحب او نتصور وإدماج جزء منه في التركيبة الحكومية والسياسية الانتقالية، كما حدث في كافة عمليات الانتقال الديموقراطي الناجحة بما فيها جنوب افريقيا- مانديلا. بذلك يمكن تجريد الجزء الاخر في تشكيلة النظام السابق من السيطرة علي مقدراته السياسية – التعبوبة وغير السياسية ( المالية ، وفي الخدمة المدنية والقوات النظامية والعلاقات العربية )التي يوظفها لتخريب عملية الانتقال مستغلا ضعف الحاضنة السياسية، وضمان استكمالها بأكبر قدر ممكن من النجاح.

24 يونيو 2021

alsawi99@hotmail.com

 

آراء