بكائيتان ومناحَه على قبر أحلامِنا في الانتقال 

 


 

 

"بأمرِ رئيس الوزراء وبأمرِ حاشيتهِ وبأمر أحزاب مركزية قحت وبأمر جهاز الأمن والمخابرات وبامر فلول الصفوف الخلفيه للإنقاذ الصاعده بقوه إلى المسرح..

كاذبٌ مَن يدَّعي أنّ الانقاذ قد ذهَبَت فهيَ باقيةٌ فينا ما بَقيَ هؤلاء. "

بُكائيه اولى

في مشيةٍ طاووسيه وأنا تملأُ جوانحي رهبةُ وسكينةُ ما بعد الثوره دلَفتُ الى مكتب اللواء وجلستُ أتجاذب معهُ أطراف الحديث وكان الموضوع عن سيارتي التي سُرِقَت من ميدان الإعتصام ليلة فَضّهِ.

كُنتُ ممتلئٌ أمَلاً وغابت عن ناظِرَيّ كل شرطة الإنقاذ وحلّت محلها شرطة ما قبلها ؛ إفترضتُ أن قوة الشرطه قد إنفَكّت من قبضة الإنقاذ وانطلقت الى رحاب الحرية والديمقراطيه بِتَوقِ ابنائها.

بعد حديثٍ طويل قلت اننا يجب ان نضع في إعتبارنا أنها ، السياره ، قد أُخِذَت بواسطة ايّ من القوات التي كانت على المسرح حينها كالأمن آو الأمن الشعبي او الدعم السريع .. الخ. قالَ لي بالحرفِ الواحد " أها في الحاله دي إنتَ عاوزنا نعمل شنو ؟ ".


بكائيه ثانيه

ذهبتُ إلى وكيل النيابه المختص وقلتُ ان هنالك سيارات تمّ أخذها من ميدان الاعتصام إلى الساحه الخضراء وعند ذهابنا للساحه منعنا حرس الدعم السريع الذي كان يحتلّ الموقع من الدخول ورجوتَهُ ان يُرسل معنا قوّه لنتمكّن من الدخول قال لي ، بالحرف الواحد أيضاً ، ( إنتَ أمشي ألقاها في الأوّل ونحن بنسلّمك ليها بعد داك ).


.. وتتوالى البكائيات

كان صادماً مشهدٍ عضو مجلس السياده وهو يتوعّد شعب السودان ويقفُ إلى يسارِهِ قائد الدعم السريع . توعّدَ الرّجُل بالويل والثبور كل من يتناول السيره المُبرّأه للدعم السريع او إسباغ وصف الجنجويد عليها. نفس القوات التي انتهكت في دارفور والتي قمعت الانتفاضات والتي إغتنت من أموالنا بيدها القويه وظلت محصّنه على المحاسبه .. نفس القوّات التي ما غابَ أفرادُها عن أيّ تسجيل صوره وصوت معاً عن مسرح جريمة العصر وارتسمت تلك الصور بفظاعاتها التي لن تغادر الأذهان لأجيالٍ قادمه من حرقٍ وقتلٍ واغتصاب وإهانات وسلوك فظٍّ قاسٍ وتمثيل بالجثث وجلد جماعي للمسنين هذا السلوك الجبان الذي يتوارى خلف الكثره والتسليح والإتّفاق الجنائي وسُلطة الدوله ولم يكن قطعاً مبنيّاً على النِّدّيّه  وعدالة فُرص الدواس بعد أن إختفى عمدًا قادةُ جيشنا إثر بَصمِهِم على كلّ ما جرى واوصدوا ابوابهم في وجه اولادنا وظلوا يحكمونا بمعاونة رئيس وزرائنا حتى الآن.

يظلُّ آخر عهدنا بأمر الشهيد بهاء هو خروجهُ جثةً هامده من قبوِ التعذيب "السريع" بعد الثوره إلى قبر النيابه عقِب التصريح اليتيم لرئيسها بأنّهم قد تولوا الإجراءات واستلموا المتهمين.

وتمضي الأيام والشهور حزينه وهي تُغادر محطات تصريحات الأخ رئيس الوزراء المختلفه التي كان آخرها قيام المجلس التشريعي في ظرف شهرٍ واحد.

وتتوالى مخازي وزارة الخارجيه ويتم تعيين من لم ينجحوا في إمتحان الإلتحاق بالوزارة ويُستبعد من نجحوا وسعادة الوزيره باقيه في موقعها وإصبعها على الخريطه لتحدّد وجهتها التاليه.

وفي حادثه شبيهه بفضيحة والي الخرطوم الاسبق الخضر وبإشراف رئيس الوزراء يتحلل أردول وصحبَهُ ويفيدُنا الإعلام كيف أن رئيس الوزراء زوّدهُ بالنصائح اللازمه .. رغم أن الأمر أمر فساد ثار بسببهِ شعب السودان ولم يكن هنالك ثمةَ دافع من لدن رئيس السلطه التنفيذيه للذهاب بالامر وجهته القانونيه حيث يستمر في تمييع الاشياء والاحتفاظ بكلّ من هُم في المناطق الرماديه وإقصاء اصحاب الوجعه بالضبط كما فعل في تولية أمر القضارف لوالٍ خارج من صلب المؤتمر الوطني في فضيحةٍ جديده.

وتمضي الحياه بإيقاعِها الإنقاذوي ولا عزاء لديسمبر التي ما تبقّى منها شيئ إلّا في أذهان الشعب المسحوق المغلوب على أمرِه.

تستمر الحياه بلا رئيس قضاء ولا نائب عام وتستمر المحاصصات في التعيين ولا مجلس قضاء ولا مجلس نيابه بفعل فاعل وتبدأ القوى السياسيه المعطوبه التي أقصت الجميع بالقيام بالترشيحات لأخطر منصبين.


ما يحدث في المحاكم من أمورٍ مُخزيه يجعلنا نحزن على كلّ إرثنا القانوني الذي سبقنا به الأمم يجعلنا نبكي حسرةً نحن الذين عاصرنا جلسات محاكمات إنقلابيي مايو ومولانا عبد الرحمن عبدو يصول ويجول ويُقدّم الدروس للعالم.

وتمضي لجنة أديب في تسويفها ونحن نثق في أنها لن تنهي تحقيقها في فض الاعتصام ولسوف يموت الأمر على يديها.

وتمضي بنا العجائب إلى منّي اركو كبير مستشاري البشير حاكم إقليم دارفور ما بعد الثوره ويعلم الله وحدهُ كم (مستشاراً) آخراً للبشير نحنُ موعودون بفرضِهِ علينا لا لذنبٍ جنيناه سوى أننا قمنا بثوره خاننا بعدها مدنيون وثقنا بهم وأحزاب عوّدتنا الإنقضاض على فريسةٍ كانوا يتشاركون معها إذلالنا ثم وبعد (توضيبها) بأيدينا يأتوا ويتسيدونا ثم يقتلعوا الامل من دواخلنا إشباعاً لمصالحهم الشخصيه الضيقه. وبعد الفشل المُزري لهذه الأحزاب ، والتي ما من أحدٍ يتمسك بها غير رئيس الوزراء ، تأتي (نفس) الأحزاب وتتنادى مرّةً اخرى لإجراءِ (الإصلاح ) وما الخراب إلّا ما اقترفتهُ أياديهم الآثمه.

وفي صمته ولا مبالاته يمضي حمدوك في تعيين مستشاريهِ لأغراضٍ لا نفقهُ ، نحنُ المساكين ، اي شيئ عنها ولا عن مسمياتها وليس لنا غير الصمت والإنتظار المُطبِقَين.

لا يمرّ يوم إلّا ونسمعُ عن نهب على الطريق العام او اقتحام منازل ونهب سكانها مخلفةً جرحى بسواطير وسكاكين واسلحه ناريه وربّما قتلى.

لم يعد احد يستطيع ان يمشي آمناً او يبيتُ كذلك في سربِهِ وامتلأت العاصمه بأرتال الجيوش العائده من الّاشيئ وأفراد لا يُعلَم عنهم وعن ماضيهم أيّ شيئ مدافعهم محشوّةً حدّ الحلق. بالرُصاص القاتل ويستميتون في تجنيد. حتى المجرمين لتكبير أكوامهم و لا همَّ لقادتهم سوى الوضع المريح الذي ما سعوا لغيره أبداً وما استحقوا اي منصب عن جدارة مشاركتهم في هذه الثوره.

أتوا بعد أن أشبعوا بعضهم قتلاً في صحاري دارفور وحرقوا قرى اهلهم واغتصبوا نساءها ونسَوا ما فعلوا وما فُعِلَ بهم ليصبوا جامّ غضبهم علينا رغم أنّا لم نكن لهم أعداءً في يومٍ من الأيام وتستمر أهازيج متحرّكاتهم ( كلّ القوّه خرطوم جُوّه ) كأنّما كانت العِباره سدرة منتهى احلامهم.

تستمر دارفور في نزفها ونازحيها في معسكراتهم وقادتهم في تشبثهم بالمناصب وتحسين اوضاعهم. يبقى المسرح في تخبُّطه وفي مآسٍ جديده تُضافُ لحظياً لتعقيداته وتتشابك خطوطه ويبتعد الأمل وتتزايد عُتمة النفق وتنعدم التباشير.

لا حلول تبين في الأفق إلّا برحيل حمدوك الفوري وكل حكومتِهِ ومعاونيه وجيوشه الجرّاره من المستشارين والموجّهين وكذلك برحيل جماعة السيادي ولجنة البشير الأمنيه .. أتركوا هذا الوطن لأهله وكفانا فشلاً وكل ذلك يحتاج لوحدة الصف الثوري خلف حاضنةٍ جديده بعيداً عن تجريب المجرّب.



melsayigh@gmail.com

 

آراء