بيان المثقفين المصريين (2) نعم.. ولكن ليس الآن !!

 


 

 

إننا نرحّب -بطبيعة الحال- باهتمام المثقفين المصريين بالشأن السوداني ونرى أن ذلك من العلامات الايجابية..كما إننا نرى أن الثقافة من الركائز التي يجب أن تكون قائدة ورائدة لكل مجالات الحياة الأخرى في كل مجتمع؛ وإن ظل شأنها مُهملاً في كثير من البلاد التي تماثل أوضاعنا.. وهذه حكاية أخرى..!
ولكن بالعودة لمحتوى بيان المثقفين المصريين نقول بكل الموضوعية ومن غير أي تحامل أو تجانف..ومن اجل المصلحة العامة وتقوية الفهم المتبادل أن موقف القاهرة الرسمي تجاه التغيير الذي يجري في السودان يجد اعتراضاً واسعاً..ونحن لا نأخذ بمواقف التيارات التي تنظر بصورة سالبة لمصر في مختلف المراحل التي مرّ بها السودان منذ الاستقلال وما قبله..ولكننا نأخذ بالمواقف العاقلة التي لديها (تحفّظات معقولة) ومآخذ حقيقية يمكن مناقشتها وفق المنطق الخالي من التعصبات و(الشوفينيات) ..!
وعلى سبيل المثال في الشأن الراهن نشير إلى الرد الذي صدر من قوى الحرية والتغيير (على الأقل المؤيد منها للاتفاق الإطاري)..برفض المشاركة في الورشة التي دعت لها الحكومة المصرية تحت عنوان "أفاق التحول الديمقراطي نحو سودان يسع الجميع" باعتبار أن مضمون الورشة (قد تجاوزه الزمن)..بل أنها وصفت هذه الورشة بأنها ستشكل منبراً لقوى الثورة المضادة و"حشد جماعة من الجانب السوداني تسعى لتقويض الجهود الشعبية السودانية لاستعادة المسار المدني الديمقراطي" وباعتبار هذه الجماعة مرتبطة بالنظام البائد الذي أضرّت سياساته بالبلدين وشعبيهما..!
وبيان قوى الحرية والتغيير حاضنة الثورة وممثلها السياسي الرسمي وفق الدستور الحاكم للفترة الانتقالية الحالية...أقرّ في رده على دعوة الحكومة المصرية بتقديره للعلاقات التاريخية بين مصر والسودان وأهميتها الإستراتيجية..وقال البيان بالنص "ولكننا نعتقد أن الموقف المصري من التطوّرات السياسية في السودان في أعقاب ثورة ديسمبر المجيدة يحتاج لمراجعات عميقة تتطلّب تفاكراً حقيقياً بين البلدين على المستوى الرسمي والشعبي"..!
وإذا عُدنا إلى ما ذكره بيان الإخوة المثقفين المصريين حول أن المؤسسات العسكرية تحمي الدول من الانهيار فلا اعتراض علينا على هذه المقولة..ولكن عند تطبيق ذلك على السودان يبدو أن الإخوة في مصر لا يعلمون ما فعله نظام الإنقاذ بالجيش السوداني على مدى ثلاثة عقود من عهده الأسود.. كما لا يعلمون طبيعة من يوجدون الآن في قيادة المؤسسات العسكرية السودانية..لأن هؤلاء للأسف لا يؤمنون بما يقوله البيان وتقوله كل الدنيا بأن المؤسسات النظامية هي حامية البلاد ودستورها وخادمة الشعب..بل إن المكوّن العسكري الذي ينفرد بالسلطة الآن في السودان هو من أكبر عوامل تهديد الوطن وانهياره...جفّت الأقلام وطويت الصحف..!
هناك إشارة أخرى في بيان الإخوة المثقفين المصريين (فيها قولان)...! فقد ورد في نص البيان معنى (يجب أن تدرك المكونات الأصغر في السودان أنه لا حق في سلطة مؤسسة فقط على الفاعلية في التظاهرات والمواكب)..وهذا ما لا نراه في السودان تجاه التغيير الذي حدث بعد ثورة ديسمبر.. فالشعب في مجموعه وقواه السياسية يقرّ بأن هذه المظاهرات والمواكب هي التي أحدثت التغيير..وأن لها نصيب كبير في إدارة ممثليها لمستقبل السودان بما يتجاوز ما اقترحه بيان الإخوة المصريين حول الكيانات الأكبر والأصغر..! بل إن الوثيقة الحاكمة لفترة الانتقال والقوى والكيانات المدنية والأحزاب السياسية قد أقرّت لهذه القوى المقاومة وشباب المواكب بنسبة تمثيل في برلمان الفترة الانتقالية والمؤسسات بما يزيد على نصيب الأسد..!
هذا من حيث المواثيق..أما التقليل من شأن المواكب والشباب الذي أشعل الثورة وقدم أرتال الشهداء فإن الشعب لا يقبل في أمرهم حساباً (بالأوزان والكم) بل يكاد يرى أن تسلم لهم مقاليد القيادة السياسية إلى أن تصلح الأحزاب من شأنها بعد أن استهدفها عهد الإنقاذ الإجرامي لمدى ثلاثين عاماً..وقطع عليها كل أسباب الحياة ومسالك التواصل مع شعبها وبناء كياناتها بعد أن أفقرها إلى حد (الكدم والعدم) كما نقول في السودان..!!

murtadamore@yahoo.com

 

آراء