تحقيقات في حريق داخل ميناء «عثمان دقنة»… والخسائر تقدر بترليونات الجنيهات

 


 

 

الخرطوم ـ «القدس العربي»: شرعت إدارة ميناء «عثمان دقنة»، شرقي السودان، في إجراء «التحقيقات اللازمة» ورصد أضرار وخسائر الحريق الهائل الذي اندلع في المنطقة المخصصة لشحن البضائع، يوم الأربعاء الماضي، في وقت قدّرت الأضرار بـ«ترليونات الجنيهات السودانية».
وقال رئيس نقابة عمال الموانئ في البحر الأحمر، عبود شربيني، لـ«القدس العربي»: «ظل الميناء يحترق لساعات طويلة، وكانت ألسنة اللهب والدخان المتصاعد تشاهد من أطراف مدينة سواكن. كان حريقا هائلا، تحولت على إثره المنطقة المخصصة للبضائع المشحونة إلى رماد». ويوم الأربعاء، شب حريق ضخم في ميناء عثمان دقنة في مدينة سواكن والذي يبعد نحو 60 كيلومترا جنوب ميناء بورتسودان الرئيسي، واستمر حتى فجر الخميس، مخلفا خسائر ضخمة، تقدر حسب عبود بـ«ترليونات الجنيهات السودانية»، مشيرا إلى أن الحريق الذي شب بشكل مفاجئ، على حد قوله، قضى على أكثر من 95٪ من البضائع المشحونة عبر الطبالي (وحدات شحن أصغر من الحاويات) والتي تخص تجارا بالإضافة إلى مقتنيات بعض المسافرين.

أسباب «غامضة»

ولفت إلى أن «إجراءات الأمن والسلامة متدنية للغاية في الميناء، وأن الحريق، الذي تبدو أسبابه غامضة حتى الآن، تمت محاصرته وإخماده بجهود فردية من قوات الدفاع المدني، وبالحد الأدنى للإمكانيات»، مشيرا إلى أنه لم يمتد للمنطقة المخصصة لشحن المواشي أو السيارات. ومنذ صباح الخميس، ما زال يتوافد أصحاب البضائع، إلى ميناء عثمان دقنة، وسط حالة من القلق من خسائر طائلة، يبدو تعويضها صعبا في ظل الأزمة الاقتصادية التي تحاصر البلاد. وحسب ما بين مدير الإدارة العامة لميناء عثمان دقنة، كابتن طه أحمد محمد مختار لـ«القدس العربي» فإن «التحقيقات ما زالت جارية حول أسباب الحريق وعمليات رصد وتقييم الخسائر»، مشيرا إلى أنه «حسب اللوائح الخاصة بالميناء، تعتبر البضائع في عهدة الميناء ويتحمل مسؤولية تعويضها.»
وأضاف: «الميناء مقسم لمناطق منفصلة لها بوابات دخول وخروج، تم إغلاقها جميعا وعزل الحريق بالحاويات الفارغة من قبل قوات الدفاع المدني والعمال وسائقي الشاحنات الرافعة، الأمر الذي ساهم في محاصرة الحريق الذي اندلع في المنطقة الخاصة بتخزين البضائع المشحونة، وعدم امتداده للمناطق الأخرى».

لجنتان

وبعد اجتماع ضم وزارة النقل الاتحادية وحكومة ولاية البحر الأحمر والمسؤولين في هيئة الموانئ البحرية واللجنة الأمنية، أعلنت السلطات تكوين لجنتين لحصر الخسائر وتحديدها ماليا وللتحقيق حول أسباب الحريق، بالتعاون مع إدارة الأدلة الجنائية.

تعويض أصحاب البضائع يبدو صعبا في ظل الأزمة الاقتصادية

يشار إلى أن ميناء عثمان دقنة الشهير في ميناء سواكن، نسبة للمدينة التي يطل عبرها، على البحر الأحمر، يعتبر أقدم ميناء في البلاد، وينقسم إلى 9 مناطق تسمى (مرابط) بطول (748) مترا، مخصصة للبضائع، وتبلغ طاقته التصميمية 3 ملايين طن في السنة، بالإضافة إلى صالتي القدوم والمغادرة الخاصة بالركاب، بالإضافة إلى مساحة إضافية بطول 100.40 متر جوار صالة القدوم مخصصة لوكلاء البواخر لحفظ أمتعة الركاب.
ويبلغ طول ساحل السودان المطل على البحر الأحمر، 780 كلم، يضم عدة موانئ، تنشط في مجالات البضائع العامة والحاويات والحبوب ونقل المواشي، أبرزها ميناء بورتسودان الرئيسي، والذي يتكون من عدة موانئ فرعية، أكبرها الميناء الجنوبي المخصص للحاويات، بالإضافة إلى الميناء الأخضر المخصص لاستقبال بواخر البضائع، وميناء عثمان دقنة المتخصص في خدمة الركاب والبضائع المتجهة غالبا إلى ميناء جدة في المملكة العربية السعودية.
ومطلع الأسبوع الجاري، أغلقت السلطات ميناء عثمان دقنة، بعد احتجاجات لمجموعة من الجنود السودانيين المشاركين في عملية عاصفة الحزم، عادوا من اليمن، ولم يستطيعوا تخليص بضائع تخصهم لأشهر.
وحسب إدارة الميناء، نحو 70 من جنود «لواء الحزم 8» حاولوا اقتحام الميناء، وتخليص بضائعهم من دون أذونات استلام، ورجحت «تعرضهم لعملية نصب من وسيط شحن».
وقالت إنها أغلقت الميناء بحاويات ضخمة منعا لحدوث احتكاكات، وشرعت في مناقشة الحلول الممكنة.
ولاحقا بينت أنها ستقوم بتسليم الجنود البضائع التي تضم 136 طبلية (وحدة شحن) سبق وقام الجنود بدفع تكاليف شحنها ونقلها لعدد من الولايات السودانية، لوسيط النقل.
وأكدت أن وزارة النقل والمالية قامت بالتصديق لتخليصها كمهملات وأنه تم تسليم بعض البضائع لأصحابها.
ويحتدم في السواحل الشرقية للبلاد، صراع نفوذ دولي وإقليمي حاد، فضلا عن النزاعات ذات الطابع السياسي والإثني في المنطقة، والتي كانت لها آثار فادحة على نشاط الموانئ البحرية السودانية.

إغلاق الموانئ

وفي سبتمبر/أيلول من العام الماضي، أغلقت مجموعات قبلية تابعة لمجلس نظارات البجا، شرق السودان الموانئ البحرية لأكثر من شهر، مطالبة بحل الحكومة وإلغاء مسار الشرق في اتفاق السلام الموقع بين الحكومة الانتقالية والجبهة الثورية المكونة من حركات مسلحة وتنظيمات سياسية معارضة في أكتوبر/ تشرين الأول 2020.
والإغلاق الذي ساهم في تضييق الخناق على الحكومة الانتقالية وسيطرة العسكر على الحكم عبر انقلاب عسكري في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. وبعد الانقلاب بأيام، رفعت المجموعات ذات الطابع القبلي الإغلاق، إلا أن الاضطرابات لم تراوح الإقليم الشرقي.
وفي الثالث من مارس/آذار الماضي، قال نائب رئيس المجلس السيادي محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في تصريحات صحافية، عقب عودته من موسكو، إنه لا يرى ما يمنع قيام قاعدة روسية على السواحل السودانية، طالما أن الأمر لا يتعارض مع المصالح السودانية. ورغم تأكيده بأن القاعدة الروسية لم تكن ضمن أجندة زيارته إلى موسكو، إلا أن «حميدتي» توجه إلى ولاية البحر الأحمر بعد أيام قليلة من عودته من روسيا.
وكانت روسيا قد شرعت في اتفاقات مع الرئيس المعزول عمر البشير، قبل فترة وجيزة من سقوط نظامه، بخصوص إنشاء قاعدة بحرية في السواحل السودانية المطلة على البحر الأحمر، إلا أن الحكومة الانتقالية أوقفت الاتفاق، وأكدت أن أي خطوة من هذا النوع يجب أن تتم بعد موافقة برلمان منتخب.
وبعد زيارته لروسيا، زار «حميدتي»، ولاية البحر الأحمر، وقام بجولة حول الموانئ، كما التقى عددا من المجموعات القبلية، وشرع في اتفاقات، قال إنها لترسيم الحدود بين القبائل.
ولاحقا أثارت الخلافات حول ترسيم الحدود نزاعات قبلية واسعة وأحداث عنف في شرق السودان، الذي لا يزال يشهد حالة من عدم الاستقرار.
وخلال زيارة قام بها الرئيس التركي رجب طيب اردوغان للسودان، في ديسمبر/ كانون الأول 2017، وقع مجموعة اتفاقات مع حكومة الرئيس المعزول عمر البشير. وقالت الحكومة وقتها إنها اتفاقات استثمارية في مدينة سواكن الساحلية، إلا أن اردوغان قال، خلال مخاطبته ملتقى استثماري في الخرطوم، إنه طلب من البشير إعطاءه مدينة سواكن لفترة زمنية لم يحددها، وأن البشير وافق. وأثار الاتفاق، الذي ما زالت بنوده غير معلنة بشكل كامل، موجة واسعة من المعارضة.
وفي مارس/آذار من العام الماضي، كشفت تقارير صحافية عن تحفظ الحكومة الانتقالية على الاتفاق، خاصة فيما يلي البنود الخاصة ببناء مرسى لاستخدام السفن المدنية والحربية.

 

آراء