تروبيكانا وفن المسرح الكوبي

 


 

حامد بشري
1 January, 2023

 

التهنيئة للشعب السوداني بعيد أستقلاله المجيد الذي يصادف الذكري السادس والستون . المجد لشهدائه الذين مهروا بدمائهم الغالية هذا النصر. المجد لكل من ضحي من أجل تحقيق الديمقراطية والسلام والحرية لشعب السودان . المجد للجان المقاومة والتضحيات التي بذلوها ويبذلونها لتحقيق مطالب الثورة والثوار. أتمني لشعب السودان عاماً تتحقق فيه أمانيه بوطن يسع الجميع بغض النظر عن الجنس والنوع والعرق وتسود فيه قيم العدالة والديمقراطية وحقوق المواطنة وأن ينعم بالسلام والسلامة . الحرية للمعتقلين السياسيين . تحية خاصة ورفع للقبعات لكنداكات بلدي العظيم .
في الفترة الأخيرة أصابتني متلازمة كوبا حيث زرتها في عام واحد مرتين . عدت منها هذه المرة في النصف الثاني من ديسمبر الحالي بعد أن مكثتُ بها ما يزيد قليلاً من الأسبوع . وهذه الزيارة الأخيرة أختلفت عن سابقاتها حيث أُتيحت لي الفرصة بقضاء يوماً كاملاً بمدينة هافانا إضافة الي الأستمتاع بشواطئ (فاراديرو) الساحلية ذات الشهرة العالمية وتميزها بسواحلها الرملية ، أذ يمكنك السير علي قدميك داخل المحيط الأطلسي عدة أمتار قبل أن تبدأ في السباحة إضافة علي هدوء الأمواج علي جانبيها وأعتدال طقسها ، الشيئ الذي يحفز زوارها علي السياحة بهذه المدينة . في هذا العام السواح أكثريتهم كانوا حضوراً من وروسيا بعد أن مُنعت السياحة في وجه الروس من قبل دول أوربا الغربية وأمريكا نسبة لتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية أضافة الي الكنديين وبعض بلدان أوربا الغربية . مازال الجميع مسموح له بزيارة كوبا ما عدا المنع علي حملة الجوازات الأمريكية والذي أتي من باب المعاملة بالمثل حيث أُطبق علي كوبا حصار أقتصادي وتجاري من الجارة الأميريكية منذ حوالي خمسة وستون عاماً ولازالت كوبا شامخة تقف متحدية جارتها التي تبعد من شواطئها حوالي مائة ميل .
أهتمت كوبا منذ وقت مبكر بالسياحة ، حيث كانت مقتصرة على البغاء والمقامرة في هافانا وذلك مما حدا بالحكومة الثورية التي أتت لسدة الحكم أن تعتبر أن قطاع السياحة يولد أمراضاً أجتماعية لذا يجب التخلص منه فبدأت بإغلاق العديد من الحانات وصالات القمار . كانت الحكومة الثورية بوجه عام وفيدل كاسترو على وجه الخصوص في البداية يعارضون أي تطور كبير في صناعة السياحة لربط هذا المجال بالظواهر الأجتماعية الضارة والأنشطة الإجرامية الأ أن موقف كاسترو تبدل في الفترة الأخيرة وفي عام 1982 وافقت الحكومة الكوبية على قانون الاستثمار الأجنبي الذي أتاح الفرصة لعدد من قطاعات الخدمية والتي شملت السياحة ومن خلالها تم إنشاء شركات خاصة (مثل كوباناكان، التي أُنشئت في عام 1987). وعملت كوبا على جذب رؤوس الأموال الأجنبية لتطوير الفنادق وإدارتها لزيادة عدد السواح (صفحة ويكبيديا). لذا لا غرابة أن تصبح السياحة مصدراً أساسياً من مصادر الدخل القومي الكوبي . البنية التحتية للفنادق السياحية تمت بالتعاون المُشترك مع شركات أسبانية . بالأضافة الي السياحة وإسهامها في الدخل القومي ، هنالك مشروب (الروم) الكحولي الذي يُصنع من المولاز حيث يتم الحصول عليه من بقايا تصنيع السُكر وهذا ما أهملته مصانع الجنيد، وخشم القربة وعسلاية وغرب سنار عندما بدأ تصنيع السُكر في السودان حينها كان السودان يُعتبر مُصدراً أساسياً لهذه السلعة . من الظواهر التي تسترعي الأنتباه أنك لا تجد أي مواطن/ة كوبية مخموراً في الشوارع العامة علي الرغم من توفر المشروبات الكحولية . التبغ الكوبي عالمياً يعتبر من أجود أنواع التبغ وهو من أهم الصادرات الكوبية ومن الصعوبة بمكان أن تعثر علي مواطن كوبي ممسكاً بسيجارة مما يجعلك تشعر أنهم يطبقون حرفياً ( التدخين مضر بالصحة ). الملاحظ كذلك بدأت كوبا في أستخراج النفظ وتكريره ساعدها في ذلك علاقاتها الطيبة مع دولة الصين ودول أسكندنافيا علي حسب المعلومات التي ذكرها مرافقنا الكوبي في هذه السياحة .
من الظواهر السلبية الملاحظة في زيارة كوبا هذه المرة رواج تجارة العملة . هذه التجارة منتشره وعلنية وليس هنالك أي عقوبات لمن يتعامل بها . المواطن الكوبي يحمل بطاقات أئتمانية ، الدولة تبعث الرواتب للبنوك بالعملة الكوبية (بيزو) والمواطن يملك بطاقة بموجبها يشتري ما يلزمه. بعض المحلات لا تقبل التعامل بالعملة الكوبية لهذا يضطر المواطن للحصول علي العملة الصعبة لتغذية حسابه . الفرق شاسع بين السعر الرسمي وغير الرسمي للدولار . بعض الظواهر الغريبة التي أصبحت منتشره أن تجد مثلاً مواطناً ذا كفاءة أكاديمية عالية ويعمل بالمعاش في بعض الأعمال الهامشية لكي يغطي تكاليف المعيشة الباهظة ويصير من المحظوظين أذا تمكن من العمل بقطاع السياحة . العمل في هذا القطاع يتيح له الحصول علي عملة أجنبية عن طريق البقشيش . ظاهرة البقشيش في قطاع السياحة أصبحت عادية وأصبحت في إنتشار واسع بدأً من الذي يحمل حقيبتك ويجهز فرشك في الغرفة إنتهاءً بالنادل . البقشيش الذي يقدمه السائح غالباً ما يتم بالعملة المعدنية وبعد أن يتم جمع هذه العملة المعدنية في يد المواطن /ة الكوبي، يأتيك ذات المواطن الذي جمع العملة المعدنية ويطلب منك مساعدته في أستبدالها له بعمله ورقيه ، مما يملكه السائح حتي يستطيع بموجبها العامل / الموظف الكوبي من تغذية حسابه البنكي ، لان البنوك لا تقبل العمله المعدنية . كارثة هذا التبادل الغير شرعي للعملة يفتح باب الرشوة والفساد والنشاط الطفيلي مما يؤدي الي مضار أقتصادية وأجتماعية عانت منها التجربة الأشتراكية في شرق أوربا مما كان عاملاً في الأنهيار. يمكنك الرجوع الي مقالنا السابق (الجفلن خلهن (أوكراينا ) الحقوا الواقفات (كوبا) بسودانايل ، أبريل 2022
إضافة الي هذا المصدر الذي أصبح مصدر رزق الي شريحة كبيرة من المجتمع نجد أن الدولة في الفترة الأخيرة أصبحت تساعد في الهجرة الي خارج كوبا ، أما بغرض الزيارة أو العمل أملاً في الحصول علي العملات الأجنبية وأدخالها الي الجزيرة . هنالك هجرة متزايدة الي أمريكا وكذلك هجرة كوادر طبية الي دول خليجية . تُجري حالياً مشاورات مع دول غربية لشراء بعض العقاقير ومنها عقار لعلاج فايروس الكرونا الذي تأمل كوبا أن يدعم أقتصادها .
أثناء تواجد السواح في منتجع (فاراديرو) تُقدم لهم كل مساءٍ برامج ترفهية يقوم بها الناشئن من خريجي معهد الموسيقي والمسرح الكوبي حيث يتم تقديم العروض الفنية . تقدم الفرقة المسرحية رقصات باليه علي المسرح المكشوف للجمهور في أداء يعجز القلم واللسان عن تصويره ، يقوم جمهور المشاهدين /ت بتقديم هدايا وتبرعات للفرقة ، تساعدهم في شراء مستلزمات ملابس وأزياء للرقص . تُقدم كذلك مسرحيات في منتهي البهاء تحكي عن تاريخ العبودية في جزيرة كوبا . قبل بداية المسرح اليومي الذي يبدأ في التاسعة مساءً يسبقه عزف من مبدعين علي الجيتار والآلات الموسيقية المختلفة ويصحبه ترديد أغاني لكبار الفنانين العالميين في أماكن تجمع السواح في المقاهي والبارات . تصاحب هذه الفعاليات رقص باليه علي أحواض سباحة أمام جمهور السواح ، وهذا بحق وحقيقة إبداع أقل ما يُوصف به لا عين رأت ولا أذن سمعت .
منذ عام 1939 ، كان Tropicana هو عرض الكاباريه المميز في كوبا. في هذا الملهى الليلي الشهير في الهواء الطلق ، يستمتع الضيوف فيه بمزيج ملون من الأغاني والرقص الذي يعكس عناصر الثقافة الكوبية. بدأت تروبيكانا ككازينو وملهى ليلي ، خاصة في العقد الذي سبق ثورة كوبا عام 1959 ، اجتذبت عدداً من المشاهير بدءًا من مارلون براندو إلى موريس شوفالييه. هذا العرض يعتبر أحد أشهر العروض في العالم . الأجواء الاستوائية الخارجية في Tropicana Cabaret المشهورة عالميًا مذهلة مثل العروض الليلية. المكان خصب بشكل رائع ، مع أشجار النخيل الملكية والمانجو وأشجار الأرز. هذا هو أحد الأشياء التي لا غنى عنها لعشاق المسرح والملاهي الليلية ، وإظهار مشهد لا مثيل له من أزياء الأضواء والرقص والمرح. تشترك في هذا العرض حوالي مائتي راقصة .
في طريق عودتك الي المنزل من هذا الملهي الليلي الشهير في الهواء الطلق الذي يقدم عرضا غنائياً ورقصاً يذكرنا بكوبا في الخمسينات من القرن الماضي . تردد وأنت في طريق العودة لا شعورياً Guantanamera .

حامد بشري
ديسمبر 31 / 2022

hamedbushra6@gmail.com

 

آراء