تعيين رئيس القضاء والنائب العام   

 


 

 

musabawed@hotmail.com

وفقاً للوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية لسنة 2019م أن اعتماد تعيين رئيس القضاء والنائب العام من اختصاص مجلس السيادة الانتقالي بعد ترشيحهم من مجلس القضاء العالي والمجلس الأعلى للنيابة. علماً بان اعتماد التعيين يعني التوقيع شكلاً لنفاذ القرار. ونظراً لضرورة الاستعجال لإصدار الوثيقة الدستورية وقتها، وعدم التمكن من تشكيل مجلس القضاء العالي والمجلس الأعلى للنيابة، تم النص في الوثيقة على انه الى حين تشكيل المجالس المذكورة يكون تعيين رئيس القضاء والنائب العام من اختصاص مجلس السيادة. وحول هذا الأمر لابد من التفريق بين حالتين، الحالة الأولى: في حال تم تشكيل المجلس العالي للقضاء ومجلس النيابة الأعلى فان الترشيح يكون عن طريق المجلسين واعتماد التعيين يكون من قبل مجلس السيادة. أما الحالة الثانية: في حال عدم تشكيل المجلسين فإن التعيين يكون من قبل مجلس السيادة. حيث سكتت الوثيقة الدستورية عن تسمية الجهة التي تُرشِح رئيس القضاء والنائب العام في حال غياب المجالس المذكورة، ويُفهم من النص الوارد في الوثيقة الدستورية أن مجلس السيادة الانتقالي هو صاحب الاختصاص الحصري في التعيين.

في الواقع وحتى تاريخه لم يتم تشكيل مجلس القضاء العالي والمجلس الأعلى للنيابة، ويتم الترشيح لمنصبي رئيس القضاء والنائب العام عن طريق الحاضنة السياسية لحكومة الفترة الانتقالية قوى الحرية والتغيير – اللجنة القانونية – وهذا مخالف لجميع المواثيق والاتفاقيات والأعراف الدولية. من اساسيات المحاكمة العادلة يجب أن يتمتع القاضي أو القضاة الذين يتولون النظر في الدعوى الجنائية بالاستقلال التام. وأن تكون السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التنفيذية والتشريعية. وهنا لابد من التفريق بين استقلال القضاة واستقلال السلطة القضائية كمؤسسة. استقلال القاضي يعني حياده، والحياد يعني عدم خضوع القضاة لأي تدخل كيفما كانت طبيعته مادياً أو معنوياً، وأياً كان مصدره سواء من السلطة التنفيذية أو التشريعية أو غيرهم، ويعني ايضا التزام القضاة بدراسة القضايا والنظر فيها وفق القانون واصدار الأحكام فيها بمقتضيات القانون، دون تأثيرات مباشرة أو غير مباشرة من أي جهة. أما استقلال السلطة القضائية كمؤسسة عدم خضوعها لأي تدخل من أي جهة كانت سواء سلطة تنفيذية أو تشريعية، وهذا ما عبرت عنه المبادئ الأساسية للأمم المتحدة بشأن استقلال السلطة القضائية: (تكفل الدولة استقلال السلطة القضائية وينص على ذلك في دستور البلد او قوانينه، ومن واجب جميع المؤسسات الحكومية وغيرها من المؤسسات احترام ومراعاة استقلال السلطة القضائية)، والتزمت الدولة ونصت في الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية على استقلال السلطة القضائية عن مجلس السيادة والمجلس التشريعي والسلطة التنفيذية في المادة (30/2): (تكون السلطة القضائية مستقلة عن مجلس السيادة والمجلس التشريعي الانتقالي والسلطة التنفيذية ويكون لها الاستقلال المالي والإداري اللازم).

اختيار رئيس القضاء والنائب العام عن طريق الحاضنة السياسية لحكومة الفترة الانتقالية "قوى الحرية والتغيير" يقدح في استقلالية السلطة القضائية والنيابة العامة، حيث رشح في الاخبار أن قوى الحرية والتغيير دفعت بأسماء (5) قضاة مرشحين لمجلس السيادة لاعتماد تعيين أحدهم رئيساً للقضاء.  وحسب اعتقاد بعض قيادات اللجنة القانونية للحرية والتغيير أن اختيار رئيس القضاء عن طريقهم لا يعتبر تدخلاً في اعمال القضاة الذين ينظرون الدعاوى والفصل في النزاعات، وأن التعيين يكون لرئيس السلطة القضائية، وأن رئيس السلطة القضائية لا يستطيع التدخل في الدعاوى الجنائية او الاملاء على القضاة – وهذا صحيح – لكن رئيس القضاء يتدخل بطريقة أخرى غير مباشرة، فهو الذي يصدر أوامر التأسيس للمحاكم وهو الذي ينظر في الشكاوى المقدمة ضد القضاة ويبت فيها عن طريق مجلس المحاسبة، وهو الذي يقوم بنقل القضاة من محكمة الى محكمة أخرى، وهو الذي يسمح لجهات أخرى تنفيذية او سيادية بإقالة وعزل القضاة كما حدث من لجنة إزالة التمكين.

لذلك يجب استكمال هياكل ومؤسسات السلطة الانتقالية بما في ذلك -مجلس القضاء العالي والمجلس الأعلى للنيابة -حتى يتم ترشيح رئيس القضاء والنائب العام وفقاً للأوضاع القانونية والدستورية المعروفة ذلك لضمان استقلالية السلطة القضائية وجهاز النيابة العامة، ولضمان سير العدالة الجنائية وفق الضمانات القانونية والدستورية التي تتفق مع المعايير الدولية لحقوق الانسان، واستبعاد أي ظلال سياسية أو حزبية عن هذا الشأن.

 

 

آراء