تغييرٌ يَعرِفُ طَريقَهُ جيّداً نحو العَظم

 


 

 

كُنّا ، مفصولي الشرطه ، أوّلَ مَن عَلِم واستيقَن من أنّ هنالكَ مخطّطٌ بُدِئَ في تنفيذِهِ بالمُخالَفه لكلّ الملايين التي خرجت مُتعطّشه للحُرّيه والكرامه من صحراء الإنقاذ. هذا الإستيقان حَدَثَ أيّام تشكيل الحكومه الأولى بعد الثوره. ظلّت الدهشه هي سيدة الموقف لدينا إذ كيف لرجالٍ عُهِدَ إليهِم بأصعَب المهام في تاريخ السودان ، مُطلَقَاً ، أن يكونَ هذا نهجَهُم وهُم يُبعِدون الكفاءات لحسابِ مَن ليست لديهِم أيّة علاقه بالثوره او السير في دروبِها الوَعِره منذ قيامِ أسبابِها في العام ١٩٨٩ وحتى بدء تشكيل الحكومات. إيماننا التام بأن شعب السودان هو من صَنَعَ التغيير هوَ معادِلٌ ثابت لا يتغيّر كإيمانِنا بقضيّتِنا الوطنيه ودورِنا كقوى ثوريه داعِمه لسودان الغد الذي لا مكان فيه لكلّ من أصابَهُ رشاش المشاركه في فترة الإنتقال على امتدادِها.
كُنّا نحنُ المفصولين ( جيش وشرطه وخدمه مدنيه ) اول من نادى بفكرة العوده الى منصّة التأسيس وحمدوك لم يزل في السلطه ونقلنا الفكره الى الكثير من الكيانات السياسيه وعنينا بذلك حينها فشل الحكومه وحاضنتها في كلّ المُرتَجى وكُنّا نُبصِر ما سيؤول اليه الحال بسبب السياسات التي ( نُقْسِمُ ) على أنّها مُمْلاه ولا علاقَةَ لها بخروج الشعب ولا بدِمائهِ ولا مفقوديه. بعد ذلك ومع تغير الأوضاع للأسوأ ، حسب تقديرنا ، كان رأيُنا رَفض كل القوى التي تُدير الشأن المدني أقَلاه لتجديفِها عكس تيار الثورَه وقواها الحيّه وكان من دلالات ذلك ( لِفَهَمِنا ) المُتَواضِع إبقاء الوضع الأمني الإنقاذي كما هو طيلة فترة الحكم الإنتقالي والمراوغه في إنشاء جهاز الأمن الداخلي الذي ، عندما اقتنعوا بفكرةِ إنشائهِ ، فتحوا ذلك للمحاصصات التي شَمِلَت الأحزاب والمليشيات وكُلّ مَن كان في انتظارِ ( شَلِيّتِهِ ) بعد خَراب دار الأب. تَمَظهَرَ ذلكَ أيضاً في ترك او تسليم ، عن طيبِ خاطِر ، ملَفّي الإقتصاد والسّلام للمليشيات والعسكر ووضع كل ما يلزم من معوّقات أمام إعادة المفصولين والإنفصال عن هموم لجان المقاومه لحد تفريقهِم بقوة السلطه من أمام كعبةِ السُلطه التي وُلِدَت على أيديهِم.
المعلومات اعلاه اعلم انها مُمِله ومكروره ولكن أتحدّثُ عنها إيماناً مني بأنّ التخبُّط الجاري الان من الكثير من قوانا السياسيه والذي يهدف الى دعم القُوَى التي ادخلتنا فيما نحنُ فيه الان بإصرارٍ يصل حد الإضرار بالقضيه بدعوى ( دِقّة الوضع ) و ( ضياع الوطن ) و ( الطريق للاقتتال ) ونسوا أنّ الوطن ما تمّ تَدميرَهُ إلّا بعد أن تُرِكَ أمرَهُ لغيرِ من هُم أهلٌ لذلك بعد ثورَتين قام بهما الشعب ثم ذهب لهمومِهِ تاركاً الأمر لِمَن لم يكونوا بقامَة المسؤوليه.
كل الذين ينادون بقحت الان شهدوا محاصصات قحت ولهث نفس الأوجُه خلف الكراسي والإستعانه بغير أصحاب الخبره وتقريب زولي وزولك والإهانات التي لحِقَت بالثوار وبمُصابي الثوره الى آخر القائمه ورأى الجميع رفض الشارع والذي لم يأتِ من فراغ.
كم من المرّات نحتاج لتدوير الفشل بإسم دِقّة الوضع وأنّهُ لا يوجد وقت لأنّ الوطن يضيع؟ لماذا يجتهد البعض ويتخلّى العديد من حُلَفاءِ الأمس عن ثوابِتِهِم كأنّ هذا الوطن ليس فيهِ آخرين ممن تتجمّع فيهم صفات الكفاءة والنظافه والأمانه.
يعلم الجميع ان التغيير القادم ليس كسابقيه فهو يعرفُ طريقَهُ جيداً نحو العظم. يعرف الجميع أنّهُ لن يكون هنالك مكانٌ لأحَدٍ إلّا بمقدارِ إيمانه بأنّ هنالكَ وعيٌ إنتظَمَ عقول الأجيال المُتّجهة الى الغد ويعلمون انه لم يعُد المكان يسع الزعامه بالوراثه ولا باستخدام الدين ولا بالمواقف الضبابيه ناهيك عن تلك التي عملت مع الإنقاذ وتراخَت في ركوب أمواج الثوره مرتكِنَةً الى تأريخٍ من التجهيل لم يعُد لهُ من مكان.
نحنُ لم نَضَع سلاح إيماننا وسنظلُّ نُقاتل عالمين ان الوضع أسوأ من زمن الإنقاذ. نحنُ لسنا سياسيين ولكن دليلنا قلوبنا وسنبقى مع الشارع الضّاج بكل ما فيه من خيرٍ تجاه هذا الوطن المنكوب بأبنائهِ وسنظلُّ نُنادي بتغييرٍ لا يشملُ مَن تأذّى بتمثيلِهِم الوطن وشعبِهِ مهما سرنا في طريق ذلك الأذى.

melsayigh@gmail.com

 

آراء