جيوبوليتيكا القرن العشرين: اعادة تشكيل الجيوبولتيكا كمومياً (٤-٦)

 


 

 

الكم في الفيزياء (بالإنجليزية: quantum وجمعها quanta) هو مصطلح فيزيائي يستخدم لوصف أصغر كمّية يمكن تقسيم بعض الصفات الطبيعية إليها، مثل الطاقة فهي تنتقل في هيئة كم، أي وحدات صغيرة لا يوجد أصغر منها؛ والشحنة الكهربائية هي أيضا كمومية فأصغر وحدة منها هي الشحنة الأولية شحنة الإلكترون. على هذه النظرية تم بناء ذخيرة ضخمة من المعرفة وانشغل العلم والصناعات بالعبور بها من النظرية الى التطبيق.

طُوِّرت ميكانيكا الكم تدريجيًا انطلاقًا من نظرياتٍ تشرح الملاحظات التي لا يمكن التوفيق بينها وبين الفيزياء الكلاسيكية. وطوال القرن وحتى الان وضعت اسس فيزياء الكم بواسطة نيلز بور وإرفين شرودنغر وفيرنر هايزنبيرغ وماكس بورن وبول ديراك وآخرين.بخلاف النسبية، لا يمكن نسبة ميكانيكا الكم إلى عالم واحد، فقد ساهم العديد من العلماء في صياغة وتأسيس مبادئ ثورية اكتسبت قبولًا وتحققًا تجريبيًا بشكل تدريجي في الفترة ما بين 1900 و1930.

اذا غيرت النسبية فيزياء نيوتن المطلقة، فقد غيرت فيزياء الكم يقين فيزياء نيوتن والثبات وحتى النسبية، على المستوى التحت ذري في عام 1930 عندما طبق نيلز بور (Niels Bohr) فرضيات بلانك للكمومية على نموذج آرنست راذرفورد للذرة، الذي نص على أن الإلكترونات تدور حول النواة بنفس الطريقة التي تدور بها الكواكب حول الشمس. اقترح بور أن الإلكترونات مقيدة بمدارات حول نواة الذرات.مع ذلك، يمكن أن تقفز الإلكترونات ما بين مدارات محددة، وتسبب هذه القفزات انبعاثًا للطاقة يسبب ألوانًا معينة من الضوء، يمكن ملاحظتها كخطوط طيفية. احتوت معادلة بلانك على رقم سيكون لاحقًا مهما جدًا للتطور المستقبلي لميكانيكا؛ وهو ما يعرف اليوم بـ ثابت بلانك. في ضوء هذا النموذج، احتوت كمات الطاقة فرق الطاقة الناتج من القفزات، عندما يتم قسمتها على ثابث بلانك، هذا الفرق يحدد لون الضوء المنقول بواسطة هذه الكمات.

ساعدت ميكانيكا الكم على شرح وتفسير العديد من ألغاز الفيزياء. كبعض الخصائص مثل الموضع، السرعة واللون، شكلت تحديًا لفرضية أساسية في الميكانيكا التقليدية. ، كان التفسير ما سيطلق عليه "مبدأ عدم اليقين لهايزنبرج", وينص على انه كلما زادت القدرة على تحديد موقع الإلكترون بدقة، كلما قلت القدرة على تحديد سرعته بدقة، والعكس صحيح. أن تصرف الضوء أحيانًا كجسيم، واحيانا كموجة ناقض تجارب عمرها مئتي عام كانت تبين أن الضوء يتصرف كموجة، كما الموجات على سطح بحيرة هادئة؛ وكذلك خاصية تصرف الضوء من الارتداد من الجدران والانحناء حول الاركان.

استعملت نظرية المجال الكمي كأساس لتطوير نظريات الكم بشأن القوى الأساسية للطبيعة: القوة الكهرومغناطيسية، والقوة النووية الضعيفة، والقوة النووية الشديدة، والجاذبية. قاد هذا في النهاية للوصول للنموذج القياسي لفيزياء الجسيمات. لكن لم يحالف الحظ نظرية المجال الكمي لإنتاج تفسير كمي للجاذبية، إلا أن السعي ما زال مستمرًا اليوم في دراسة نظرية الأوتار وغيرها. كما تعمقت الفيزياء في تكوين الذرة واكتشفت مكونات البروتون والنيوترون من الكوراكات واجسام اخرى مثل جسيم بوزون وغيرها.
توجد تطبيقات الفيزياء الكمومية في مختلف مجالات حياتنا اليومية، مثلاً في أشعة الليزر في مشغلات «بلو راي»، وأجهزة قراءة الباركود، والليزر المستخدم في العمليات الطبية، والساعات الذرية فائقة الدقة المستخدمة في أنظمة التوجيه والملاحة بالأقمار الصناعية في السيارات، ومجموعة واسعة من الأجهزة الإلكترونية الدقيقة الأخرى.

في يوم ١٣ ديسمبر ٢٠٢٢، أعلن فريق من مختبر لورانس ليفرمور الوطني التابع لوزارة الطاقة الأميركية عن نجاحهم للمرة الأولى في التاريخ في تحقيق نتائج إيجابية من تفاعل اندماج نووي آمن. تمكن الباحثون من توجيه 192 شعاع ليزر ناحية عينة من الديوتيريوم محصورة داخل كبسولة بحجم حبة عنب أو أقل قليلا، لتسخينها كي تصل إلى عشرات الملايين من الدرجات المئوية، ويبدأ الاندماج النووي في الحدوث. هذه كانت المرة الأولى، التي يحافظ فيها التفاعل على ثباته، والأهم من ذلك أنه أنتج قدرا من الطاقة (3 ميغا جول) أكبر من قدر الطاقة الداخلة إلى التفاعل (2 ميغا جول).

الاندماج النووي يدمج نواتي ذرتين معا، فتجتمع بروتوناتهما، بالتالي يرتفع عدد بروتونات العنصر فيتحوَّل إلى عنصر آخر وهو ما يحدث في نواة الشمس. والاندماج النووي، هو عكس الانشطار النووي، ففي الاندماج يتم دمج الذرات مع خروج قدر هائل من الطاقة، أما في الثاني فيتم شطر الذرات مع خروج قدر أقل من الطاقة. الاندماج النووي ينتج ما يقرب من 4 ملايين ضِعْف الطاقة الناتجة عن التفاعلات الكيميائية التي تحدث أثناء احتراق الفحم أو النفط أو الغاز، و4 أضعاف الطاقة الناتجة من تفاعلات الانشطار النووي. وقود الاندماج النووي يتوفر على نطاق واسع ولا ينضب تقريبا، لأنه يمكن تقطير الديوتيريوم (احد نظائر الهيدروجين) من جميع أشكال الماء (ماء البحر مثلا)، لذلك قد يؤدي استخدام طاقة الاندماج النووي إلى خفض أسعار الكهرباء عالميا انخفاضا ملحوظا. المنتج الثانوي الرئيسي للاندماج النووي هو الهيليوم، وهو غاز خامل وغير سام.

ساهمت الفيزياء الكمية في تطوير الكمبيوتر من الحواسيب الكلاسيكية التي تستخدم الترانزستورات والتي تكون متمثلة إما باغلاق او فتح 1 أو 0، اي عبر احتمالين فقط، الى استعمال الكيوبايتات والتي تعمل على 1 أو 0 او كليهما معاً في الوقت نفسه عبر عدد لانهائي من الاحتمالات. تجارب شركة جوجل أثبتت في عام 2019 أن الكمبيوتر الكمي يستطيع أن يحل مشكلة ما في غضون دقائق بينما الكمبيوتر الكلاسيكي من الممكن أن يستغرق ألف عام لحل المشكلة ذاتها. في الكمبيوتر الكمي يتم استخدام الجسيمات الأولية، اي، الإلكترونات أو الفوتونات. ويبنى الكبيوتر الكمي على ثلاث ظواهر فيزيائية كمية: التراكب الكمي (superposition) ؛ التشابك الكمي (Quantum Entanglement) التداخل الكمي (Quantum Interference) سواء الهدام او البناء (destructive or constructive interference ). ان الحواسيب العمومية هي طريقة جديدة للتعامل مع البيانات وتحليلها بطريقة جديدة ايضاً.

في الثمانينات اقترح الفيزيائي الحائز على جائزة نوبل ريتشارد فايمان ان محاكاة الطبيعة تتطلب انشاء الحواسيب الكمية، لكن لم تجد الاهتمام الشديد الا بعد تسريب ادوارد سندون (عميل السى اي ايه المنشق) في بداية 2014 لوثيقة مفادها أن الولايات المتحدة بدأت تعمل على تطوير حاسوب كمي قادر على كسر معظم أنواع التشفير الموجودة اليوم واختراق بيانات ملايين الأشخاص عبر العالم. في عام ١٩٩٥ اقامت وزارة الدفاع الأميركية اول ورشة عمل حول الحوسبة الكمومية في جامعة أريزونا.

Dr. Amr M A Mahgoub
omem99@gmail.com
whatsapp: +249911777842

 

آراء