حتاما يهمل العسكر مهنتهم؟

 


 

 

 

 

تحيط بالسودان ست دول، اثنتان منها من أكبر دول افريقيا اكتظاظا بالسكان بعد نيجيريا؛ هما مصر وإثيوبيا، وهذا يعني حوجة كبيرة لإطعام وإعاشة مائتين ونيف مليون نسمة هم عديد سكان الدولتين.
التاريخ يحدثنا بأن معظم حالات العدوان الخارجي على دول مجاورة أو بعيدة كانت بسبب البحث عن موارد تذخر بها الدول المعتدى عليها وتفتقدها الدول المعتدية.
ويحدث العدوان في العادة على دول ضعيفة يغري ضعفها بالعدوان عليها.
حدث هذا في معظم حالات غزو الامبراطورية البريطانية التي حكمت نصف الكرة الأرضية بما كانت تمتلكه من قوة عسكرية وتقنية تفوق تلك التي كانت تمتلكها الدول التي جرى استعمارها.
تم احتلال شبه الجزيرة الهندية المكونة وقتذاك من الهند وباكستان وبنغلاديش وسيلان دون مقاومة تذكر، وكانت مساحة جمهورية الهند الحالية وحدها تفوق مساحة بريطانيا ثلاثة عشر مرة، بينما صارت شبه الجزيرة الهندية من أكبر مستعمرات بريطانيا على الاطلاق وجوهرة تاجها.
لم تكتفي بذلك فقد كانت قوتها وضعف الآخرين يغريان بريطانيا بالولوج لإفريقيا وبعض بلدان أمريكا اللاتينية والوسطى وجزر الكاريبي بعد أن حكمت جزءً كبير من شمال أمريكا.
الدافع كان دوما الموارد الأولية.
حاليا تكمن مشكلة مصر في المياه وتكمن مشكلة اثيوبيا في الأراضي الزراعية الخصبة لإطعام مائة مليون أثيوبي.
ما تفتقده مصر وأثيوبيا متوفر بكثرة في السودان، حيث الأراضي الشاسعة الخصبة والمياه العذبة على سطح الأرض وفي جوفها وفي السماء.
أي ضغط حيوي على أي من الدولتين سيجبرهما على التمدد جنوبا من مصر، وغربا من أثيوبيا لإكمال النقص في المياه والأراضي الزراعية ولو بعد حين، وقد بدأ ارهاص ذلك واضحا منذ وقت طويل في حالة الاحتلال المستمر لحلايب والفشقة.
أهمية حلايب، بالإضافة إلى ثرواتها المعروفة، تكمن في أنها اقرب نقطة لوسط السودان ولا تفصل بينها وعطبرة أي عوائق طبيعية.
هذه المعادلة البسيطة تقتضي أن تكون لدينا استراتيجية دفاعية في حال التمدّد من الشمال والشرق الذي لا أشك في حدوثه.
وضع هذه الاستراتيجية ينبغي أن يقوم به أي جيش محترم في أي دولة محترمة في العالم.
غير أن الله ابتلانا بجيش استراتيجية ضباطه الأولى كيفية الوصول للقصر الجمهوري، وكأنهم يدرسون ذلك الأمر في كلياتهم العسكرية، أو التفنن في قتل المدنيين عوضا عن الدفاع عن الفشقه وحلايب المحتلتين من الدولتين مناط الحذر.
وعوضا عن العمل على بناء جيش محترف وإمداده بالعتاد الحديث الذي من شأنه حماية الحدود وليس حماية الخرطوم التي تكتظ فيها قيادات الجيش السوداني، هرع قادة الجيش للقصر الجمهوري يشتجرون مع السياسيين على قسمة مقاعد المجلس السيادي، وليت الأمر وقف عند ذلك الحد، فقد طال الاهمال التدريب الدوري والاشتراك في المناورات العسكرية الهادفة لحماية الحدود، حتى أننا لم نعد نسمع بأي منها منذ تدريبات النجم الساطع أبان حكم المشير النميري. ونظرة سريعة للأجسام المترهلة لقادة الجيش الذين اصبحنا نراهم على شاشات التلفاز أكثر من مقدمي البرامج الهايفة وفناني عصر الانحطاط الإنقاذي، توضح لنا بما لا يدع مجال للشك مدى اهمالهم للتمارين الصباحية التي تمارسها الجيوش يوميا لرفع كفاءة الجندي القتالية واستعداده للتعامل مع أي حدث طارئ.
إذن نحن لا نتحدث عن الجيش الذي فتح كرن أو حفظ السلام في الكنغو والكويت ولبنان فذلك كان جيش آخر.
على الشعب السوداني أن يعي تماما أن أي تحرك مصري جنوبا لن تعتر له القشة حتى مدينة عطبرة، وإذا تحرك الأحباش غربا سنجدهم لا محالة في سوبا.
السبب أن قادة الجيش تركوا مهمتهم الأساسية في خلق جيش قوي يحمى الأرض واتجهوا للقصر الجمهوري، وإدارة الشركات وشغل البزنس، وقديما قال السودانيون "قلة الشغلة بتعلم المشاط".
مع حالة كهذه لا بد للشعب من استنباط البديل الذي عرفته الشعوب قبلنا في فيتنام وكمبوديا وانقولا وموزامبيق لحماية السودان من خطر يرونه بعيدا ونراه قريبا ببصيرتنا، لا بالدفاع بالنظر.

mmgubara@gmail.com

 

آراء