حميدتي: نجدد التزامنا للسودانيين وللعالم بالتفاوض وبدعم عملية سياسية شاملة لوضع حد لهذه الحرب الكارثية

 


 

 

نص خطاب حميدتي قائد قوات الدعم السريع للشعب السوداني والعالم بعد مرور عام على الحرب

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وآتم التسليم

أيها الشعب السوداني العظيم،
جنودنا الاشاوس الابطال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

في مثل هذا اليوم من العام الماضي، بينما كان السودانيون يستعدون للاحتفال بعيد الفطر المبارك، ويحملون آمالاً عريضة وطموحات كبيرة باختتام العملية السياسية، التي كانت سوف تؤسس لنظام انتقالي جديد، قرر النظامُ القديم وعناصره في القوات المسلحة بقيادة البرهان إشعال الحرب بالهجوم على قوات الدعم السريع في جميع مقراته ومعسكراته في بقاع السودان كافة وإدخال البلاد في المأزق الذي تعيش فيه الآن.

المواطنون الأعزاء،
الحربُ لم تكن أبداً خياراً لقوات الدعم السريع، وكان موقفنا ولا يزال ثابتاً مع السلام والحكم المدني الديمقراطي، الذي تقوده القوى الديمقراطية الحقيقية من كل مناطق السودان، لاسيما المناطق المهمشة والنساء والشباب. وقد بذلنا، نحن في قوات الدعم السريع، في سبيل الحكم المدني وإنهاء الحرب جهوداً لا يستطيع إنكارها إلا مكابر.
لقد وافقنا في قوات الدعم السريع في سياق العمل من أجل العودة إلى مسار التحول الديمقراطي على مبدأ الجيش الواحد، واتفقنا مع قائد القوات المسلحة على المبادئ، التي كانت سوف تحكم عملية الإصلاح الأمني والعسكري وبناء الجيش الواحد، ووقعنا في 15 مارس، 2023 على ورقة الأسس والمبادئ، وأخطرنا في ذات اليوم ممثلي الرباعية والآلية الثلاثية والاتحاد الأوروبي في اجتماع ببيت الضيافة بأنه لم يتبقَ سوى قضية واحدة عالقة، متعلقة بالقيادة والسيطرة، سوف نعالجها بالتفاوض، وأننا سوف نوقع على اتفاق نهائي في الأسبوع الأول من أبريل، يُخرج جميع العسكريين مرة واحدة وإلى الأبد من السلطة.

لكن لأن نية قيادة القوات المسلحة المعادية للتغيير والتحول الديمقراطي كانت هي تقويض العملية السياسية، وإفشال الجهود الرامية إلى إقامة نظام ديمقراطي، تراجع البرهان وقيادة الجيش بالتنسيق مع قيادتهم من عناصر النظام القديم عن تلك المبادئ وأشعلوا الحرب في الخامس عشر من أبريل.

لقد بدأت الحرب بمحاصرة قوة تابعة للقوات المسلحة معسكراتٍ تابعة لقوات الدعم السريع بجنوب الخرطوم. ولأننا كنّا حريصين كل الحرص، على منع أي فتنة أو أزمة يمكن أن تؤدي إلى الحرب، قمتُ بالاتصال هاتفياً بقائد الجيش وبرئيس بعثة الأمم المتحدة فولكر بيرتس وآخرين.

لكن بعد إتصالاتي الهاتفية بقليل، بدأت القوات التي كانت تحاصر قوات الدعم السريع بجنوب الخرطوم بالهجوم عليها، بينما بدأ سلاح الطيران التابع للقوات المسلحة السودانية بشن هجمات جوية مكثفة ومتواصلة على معسكرات ومواقع قوات الدعم السريع.

ولذلك لم يكن هنالك من خيار أمامنا سوى ممارسة حقنا الطبيعي والمشروع في الدفاع عن النفس وصد العدوان.

هذه كانت هي بداية الحرب، التي دمرت الخرطوم والمناطق الأخرى، وتسببت في تشريد أكثر من أربع ملايين مواطن منها، وشردت الآلاف في دارفور وكردفان، وسببت أزمة إنسانية في المناطق التي تدور فيها العمليات العسكرية، ولا تصلها المساعدات الإنسانية بقرار من قيادة القوات المسلحة. هذا بجانب الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان التي تصاحب الحروب دائماً.

شعبنا العظيم،
جنودنا البواسل،

إن إشعال حرب الخامس عشر من أبريل، بالدمار والتشريد والانتهاكات التي حدثت، هو فعلٌ إجراميٌ، لا ينبغي أن يمر دون تحقيق أو محاسبة. لذلك نجدد دعوتنا للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي بمناسبة مرور عامٍ على هذه الحرب بإجراء تحقيق دولي يبيِّن للسودانيين وللعالم الطرف الذي أشعلها ولا زال يتسبب في استمرارها إلى اليوم.

إن حرب الخامس عشر من أبريل، التي سببت دماراً لم يسبق له مثيل في تاريخ السودان، لا سيما في الخرطوم، تهدد باتساع نطاقها السلام والأمن في المنطقة الأفريقية وتعرض الأمن والسلم الدوليين للخطر.

لقد تسببت هذه الحرب في خلقِ أوضاع إنسانية كارثية تلازم الحروب دائماً عندما تطول آمادها. إزاء هذه الأوضاع الإنسانية والحقوقية المتأزمة، قامت قيادة قوات الدعم السريع، من بين خطوات أخرى، بما لديها من إمكانيات، بتوفير الإغاثة والمساعدات الطبية، وتنسيق العمليات الإنسانية في المناطق التي تسيطر عليها قواتنا في الخرطوم، ودارفور، والجزيرة، وكردفان.

المواطنون الأعزاء،
جنودنا الأبطال،

على الرغم من هذه الجهود، وجهود أخرى قمنا بها لمعالجة آثار الحرب، ندرك تماماً بأن إيقاف دمار الحرب والمعالجة الحقيقية لقضية انتهاكات حقوق الإنسان يتطلبان إيقاف الحرب بالكامل وذلك بمعالجة أسبابها الجذرية. ولذلك انخرطنا بجدية كاملة ونية صادقة في مفاوضات جدة، التي ترعاها المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية. وشاركنا بجدية في مفاوضات المنامة، التي شاركتْ فيها بجانب مملكة البحرين التي رعتها، كل من الولايات المتحدة، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، وجمهورية مصر العربية.

وخرجتُ بحثاً عن السلام من السودان من أجل المشاركة في قمة نظمتها دول الإيقاد في يوغندا، لكن قائد القوات المسلحة غاب عن تلك القمة. لقد اتضح لنا لاحقاً أنه حينما كنا نحن نبحثُ عن السلام في كل مكان من جدة، إلى المنامة، إلى كمبالا، كانت قيادة القوات المسلحة بالتنسيق مع قيادتها من عناصر النظام القديم تعد العدة للاستمرار في الحرب بمهاجمة قوات الدعم السريع في أمدرمان والتقدم في بعض مناطقها. إزاء ذلك لم يكن أمامنا من خيار سوى مواجهتهم مرة أخرى، وتمكَّنا بفضل الله، ثم ثبات وجسارة جنودنا الأشاوس، من إيقاف تقدمهم في تلك الجبهة من جبهات القتال.

ومع نهايات هذا الشهر المبارك، بدلاً عن البحث عن السلام باللجوء إلى التفاوض، قامت قيادة القوات المسلحة وقيادتها من عناصر النظام القديم والحركات المسلحة المتحالفة معها، بشن هجمات على قوات الدعم السريع في مناطق ولاية الجزيرة وسنار. وقد تمكنت قوات الدعم السريع من إلحاق الهزيمة بهم جميعاً والاستيلاء على 118 عربية قتالية بكامل عتادها الحربي، بجانب معدات عسكرية أخرى.

المواطنون الأوفياء،

إننا نجدد بمناسبة العيد المبارك ومرور عامٍ على هذه الحرب الكارثية التزامنا للسودانيين وللعالم بالتفاوض وبدعم عملية سياسية شاملة لوضع حد لهذه الحرب، التي فرضت علينا ورفع معناة أهلنا من النازحين واللاجئين.
كما ندعو جميع السودانيين الى نبذ خطاب الكراهية الجهوية والعنصرية الذي يهدد وحدتنا ويفكك نسيجنا الاجتماعي.

ونجدد، في هذا الصدد، اليوم تمسكنا بالرؤية التي طرحناها لحل الأزمة وإيقاف الحرب، القائمة على مخاطبة الأسباب الجذرية للحروب في السودان ومعالجتها على نحوٍ يرفع المظالم التاريخية ويرد الحقوق؛ ويحقق الانتقال السلمي الديمقراطي والسلام المستدام؛ ويقر ويطبق العدالة الانتقالية؛ ويمكِّن المواطنين في جميع أطراف السودان من إدارة شؤونهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، في نظام فدرالي حقيقي؛ ويقضي على النزعات ؛ ويُنْهِي العنف ، الذي تمارسه الدولة ضد قطاعات واسعة من السودانيين، لا سيما في أطراف السودان؛ ومحاربة خطاب الكراهية، وتعزيز التعايش السلمي وقبول واحترام الآخر. ويُأسس جيشاً سودانياً جديداً من الجيوش المتعددة الحالية، لبناء مؤسسة عسكرية قومية مهنية واحدة، تنأى عن السياسة، وتعكس تنوع السودان في قيادتها وقاعدتها وفقاً للثقل السكاني، وتقوم بمهام حماية الدستور والنظام الديمقراطي، وتحترم المبدأ الثابت في المجتمع الديمقراطي القاضي بخضوع المؤسسة العسكرية للسيطرة والإشراف المدنيين.

شعبنا العظيم،

إنني أود أن أؤكد في خواتيم حديثي بأن مقاتلي قوات الدعم السريع البواسل ليست لديهم أي مشكلة مع شرفاء القوات المسلحة، الذين فَرَصَ عليهم البرهان وقادة النظام القديم الحربَ.

إننا نرحب بلا تردد بجميع المبادرات الإقليمية، التي تهدف إلى تحقيق السلام الشامل واستعادة مسار الانتقال الديمقراطي في السودان. وسوف نسافر إلى أي مكان في العالم بحثاً عن السلام الذي يرفع معاناة السودانيين، لأننا لسنا دعاة حرب، ولم نشعل حرب الخامس عشر من أبريل، وليس لنا ولا لشعبنا أي مصلحة في استمرارها. ولذلك سوف تظل أيادينا ممدودة دوماً للسلام.

إننا في قوات الدعم السريع على الرغم من سيطرتنا على أقليم دارفور، وولاية الجزيرة، وأجزاء من كردفان، والجزء الأكبر من ولاية الخرطوم، نؤكد مجدداً استعدادنا التام لوقف إطلاق النار في كافة أرجاء السودان للسماح بمرور المساعدات الإنسانية وتوفير ممرات آمنة للمدنيين ولعمال الإغاثة وبدء محادثات سياسية جادة وشاملة تؤدي إلى حل سياسي شامل وإقامة حكومة مدنية، تقود البلاد نحو التحول الديمقراطي والسلام الحقيقي الدائم.

لكننا رغم بحثنا عن السلام والحل السياسي التفاوضي لن نتهاون عن الدفاع عن أنفسنا ومواجهة فلول النظام القديم وعناصرهم في القوات المسلحة وجهاز المخابرات العامة أو الحركات المسلحة التي اختارت الوقوف مع أعداء التغيير والتحول الديمقراطي والسلام، في خيانة كبرى لقضايا الأقاليم والمناطق التي كانت تتحدث باسمها.

ودعوتي في هذا اليوم لأخوتي وأخواتي السودانيين ألا يفقدو الأمل أبداً في السلام والعودة إلى ديارهم والاستقرار والتحول الديمقراطي. فالشمسُ سوف تشرق ساطعةً في بلادنا، برغم الظلام الدامس، الذي تسبب فيه أنصار النظام البائد بإشعال الحرب من أجل إفشال خطوات العودة إلى مسار التحول الديمقراطي.

ورسالتي لمقاتلينا الأشاوس على امتداد السودان هي إننا نقاتل من أجل قضية وطنية عادلة نقدم من أجلها تضحيات كبيرة، تصدينا نحن بكل شجاعة وجسارة لها، وبذلك وقفنا في الجانب الصحيح من التاريخ. إن توجيهاتي المستديمة، المكررة لكم هي أن تراعوا في خوضكم للعمليات العسكرية حماية المدنيين، واحترام حقوقهم وحماية ممتلكاتهم وأعراضهم، وصون الممتلكات العامة. وأذكّركم دائماً أننا أهلُ سلام، ومتى لاحت في الأفق فرصة لسلام حقيقي يعالج مشكلات البلاد التاريخية، فإننا لن نتردد أبداً في اغتنامها.

التحية لأرواح الشهداء الأبرار.
والشفاء العاجل للجرحى.
والعودة السالمة للمفقودين.
والخزي والعار للذين أشعلوا حرب الخامس عشر من أبريل.
الفريق أول/ محمد حمدان دقلو
قائد قوات الدعم السريع
15 أبريل، 2024

 

آراء