حول قبول السودان إستقبال اللاجئين الأفغان.. ليس بالنوايا الحسنة فقط

 


 

 

أثار إعلان مجلس الأمن والدفاع السوداني موافقته المبدئية على استضافة عدد معين من اللاجئين الأفغان كإستجابة للنداء الإنساني إنتباه العديد من الناشطين والمهتمين بقضايا السياسة بشكل عام و اللجؤ على وجه الخصوص. واللافت للنظر أن المجلس قد وافق مبدئيا على الاستضافة مما يقطع خط الرجعة على ما أسماه وزير الدفاع (اخضاع الأمر لمزيد من الترتيبات والإجراءات التي تحفظ الحقوق).
إن الإجراءات والترتيبات التي تحفظ الحقوق في هذا الشأن تمر بالتأكيد عبر بوابة وزارة الداخلية - معتمدية اللاجئين - وهي بحسب قانون تنظيم اللجؤ لسنة 2014م الجهة الرسمية بالدولة المسؤولة عن أوضاع اللاجئين وتنسيق شؤونهم وهي بحسب التوصيف الوارد في القانون النظير الحكومي للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة UNHCR وهي - أي معتمدية - اللاجئين صاحبة القول الفصل فنياً في إستقبال و/أو رفض قبول طلبات اللجؤ واللاجئين. والمعروف أن المعتمدية تُدار عن طريق معتمد له سلطات واختصاصات بموحب نفس قانون 2014م، بيد أن المعتمدية ومنذ مارس 2019 لم تشهد استقراراً إدارياً يمكنها من إدارة ملفات اللجؤ المعقدة بصورة تحفظ الحقوق.
مهما يكن من شيء، إن قرار إستقبال اللاجئين الأفغان لا يتم وفقاً لمبدأ حسن النوايا فقط، وإنما بناءً على خطة متكاملة تحدد وتوضح حدود وأدوار كل الفاعلين وتأكد جاهزية السودان لهذا الأمر بتوفير كافة الإحتياجات الصحية والتعليمية وخدمات المياه والصرف الصحي وما إليها من خدمات أساسية... فالراجح أن معظم من سيأخذ صفة اللجؤ في السودان هم من الأفغان وأسرهم الذين كانوا يتعاونون مع الأمريكان وحلفائهم من الدول الأوروبية ممن كانوا يعملون إما مترجمين أو عاملين في المنظمات الدولية أو حتى نشطاء في حقوق الإنسان والمجتمع المدني بشكل عام. والذين يشكل بقاؤهم في ظل حكم طالبان الجديد خطراً حقيقياً على حياتهم، فهم بهذه الصفة من الطبقة الوسطى المتعلمة التي كانت تعيش اوضاعا اقتصادية واجتماعية متقدمة في المدن.. لذلك يمكن القول إجمالا إن هذه الفئة من اللاجئين تحتاج لترتيبات خاصة، وتلزم المجتمع الدولي لا سيما المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أن توفر لهم مقرات أقامة خاصة و بمواصفات تتوافر على كافة المقومات الأساسية لإستقبالهم وإقامتهم.
إن الظرف العام الذي يمر به السودان حالياً لا يسمح له بتقديم كافة الخدمات الأساسية التي تضمن كرامة هؤلاء اللاجئين، إن لم تضطلع المفوضية السامية بدورها في هذا الشأن، فقد أثبتت التجارب السابقة خاصة مع تدفق موجة اللاجئين من اثوبيبا بُعيد إندلاع الحرب في إقليم التغراي الإثيوبي مؤخراً عدم تناسب حجم المساعدات المقدمة للاجئين مع إحتياجاتهم الأساسية. مما أوقع عبئاً كبيراً على البلاد في استضافة هؤلاء اللاجئين.
إن إستقبال اللاجئين الأفغان كبُر حجمهم أو صغُر ، وبغض النظر عن أمد إقامتهم المزمعة في السودان تستلزم في المقام الأول وقبل إحضارهم للسودان تصنيف كافة البيانات المتعلقة بهم وبأسرهم من حيث الأعمار والنوع و الثقافات والعادات والتقاليد التي يحملونها ثم تحديد أدوار كل الأطراف وفق خطة متكاملة، خاصة المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وإنشاء مراكز إيواء في المدن أو المراكز الحضرية أو في أي مكان كيفما تشاء خطة الإستقبال بشرط أن يكون بمستوى عالمي وتُحدد فيه كافة إجراءات ما يعرف بالمشتروات الخارجية International procurement وهي لازمة من لوازم الخطة المتكاملة من سيارات واسعافات وأدوية ومعدات صحية وطلمبات مياه وبدائل الطاقة للطبخ وقطع غيار ..الخ حتى لا تتكرر تجربة معسكرات الشرق التي دفع فيها السودان أثماناُ باهظةً على حساب بيئته واستقراره الإجتماعي وأمنه الإنساني.
د. محمد عبد الحميد
wadrajab222@gmail.com

 

آراء