دكتور بكري الجاك والتحليق خارج المدار

 


 

 

abdullahaliabdullah1424@gmail.com

بسم الله الرحمن الرحيم

تعودنا التركيز علي الجوانب السلبية في حياتنا العامة وحيال شخصياتنا العامة، كانعكاس لمناخ الاحباط العام. الناتج من رفع سقف الطموحات والعجز عن بلوغ الغايات، وتسيُّد المشهد بشخصيات اقل ما يقال عنها انها ابتلاءات. مما جعل كل جهد مبذول لتغيير المشهد وكانه دوران في حلقة مفرغة، وكل بقعة ضوء (مبادرة) او نشاط ابداعي (حركة بلدنا او منتج فكري فني..الخ) او تضحيات جسام من ابطال في عمر الزهور لا تجد حظها في سبيل تغيير المزاج المعتكر. وواحدة من افرازات هذا المناخ هي النظرة التشاؤمية والسوداوية المعيقة للرؤية الموضوعية للواقع والتعاطي مع الوقائع. والحال كذلك، تفكيك هكذا وضع شائك ملتبس، يحتاج لنظرة حيادية علمية، ليس لها علاقة بالتشاؤم او التفاؤل، وانما تحليل المعطيات وبناء تصورات لكيفية التعامل معها، للوصول لحلول ناجعة ومخارج آمنة.
والحديث عن دكتور بكري الجاك يندرج في هذا السياق. اي الحديث عن بكري الجاك هو حديث عن تحصيل المعرفة في مدركها الموسوعي وتمثلها واعادة انتاجها، لتساهم في ضبط المشهد المرتبك، عبر تنظيم التفكير وترتيب القضايا وفحص العلاقات الداخلية والروابط البينية.
واهم ما يميز مخرجات جهود بكري الجاك، هي التعمق في البحث والتفكير لاستقصاء الجذور واستكناه المضمر وغير المعلوم، والسهل الممتنع في الطرح والتناول والابانة. لدرج تشعر وانت تتابع عرض دكتور الجاك للقضايا والموضوعات، وكانك قبل طرح قراءته للمشهد الراهن لست ما بعد الطرح. اي حدث تحول او انتقال من مربع لآخر، اي من التعاطي الروتيني العادي، الي تكوين رؤية جديدة (مدهشة) اكثر وضوح وتفهم للمشهد الملتبس المعقد، والاهم توافر عديد الامكانات لتجاوز انغلاقاته نحو المزيد من العمل لتحقيق التطلعات المشروعة.
ومرجع ذلك ان بكري الجاك جمع بين التحصيل المعرفي والموهبة الخلاقة، اي التعاطي مع المعرفة بصورة ابداعية، مكنته اجتراح قراءات خاصة ذات سمة شمولية، لتعقيدات الاوضاع وما يكتنفها من صعوبات في التعامل معها (كازمة الثقة وطبيعة التغيير)، بما يجعلها في متناول الجميع، باسلوب هادئ ومرتب ولغة بسيطة ومتداولة وذات نكهة خاصة (وصورة خاصة بشعره المنكوش). وهو ما يبيح وصف بكري الجاك بالشخصية المبدعة، المفارقة في التحليلات السياسية، للعادي والمتوافر والمستهلك.
وهذا ما يستدعي توسيع مجال الاستفادة من هذه القدرات المهولة، سواء باتاحة مساحة اكبر في وسائل الاعلام، او الاستعانة بدكتور بكري الجاك وامثاله من الكفاءات الوطنية الاكاديمية لتكوين مركز استشاري (مقترح يتفق مع رؤية مشابهة لبروف الشبلي في سياق مغاير) يقدم خدماته للقوي المعارضة، ولمرافقتها في كل الخطوات من وسائل وكيفية اسقاط الانقلاب مرورا بمعالجة قضايا الانتقال ووصولا للتاسيس للدولة الحديثة. ولحسن الحظ دكتور بكري منخرط مع آخرين في جهود تصب في ذات الاتجاه، او هذا ما فهمته من حديثه علي قناة سودان بكرة.
والحال ان نموذج دكتور بكري الجاك نعمة كبيرة وكنز حقيقي، او ثروة قومية تفوق ثرواتنا الطبيعية وبما لا يقاس. بوصفها موهبة خلاقة تعظم الانجازات وتختصر الجهود والاكلاف والزمن، او هي حجر الزاوية لاي مشروع نهضوي نتطلع اليه. وهذا التقريظ لدكتور الجاك لا ينبع من اعجاب حقيقي بهذه القدرات والمواهب الابداعية فحسب، وانما للتاسيس لفضاءات او مساحات تتيح الاستفادة من كوادرنا ذات المواهوب الاستثنائية، واتاحة المجال امام تفجير مواهبها، ومن ثمَّ توظيفها في مجري الصالح العام.
واقرب نموذج لدكتور بكري الجاك في فضاءنا العربي، يمثله نموذج دكتور عزمي بشارة، سواء من ناحية سعة الاطلاع والمعرفة او القدرة علي توظيف هذه المعرفة بصورة ابداعية، لتحليل اعقد القضايا، وعرضها بطريقة واضحة وشيقة، بل وتقديم تنبؤات غالبا ما يصادفها الصدق. والحالة هذه، يحسب لدولة قطر انها التقطت هذه الموهبة ووفرت لها البيئة للاستفادة منها، وتوسيع مدي الاستفادة باتاحة مساحة برامجية علي قناة العربي، يطل منها دكتور عزمي بشارة كل فترة، لتقديم رؤية ومقاربة توعوية لراهنية القضايا المطروحة عليه.
وفي هذا الاطار يجب الاشادة بقناة سودان بكرة، وكيف لهكذا قناة ان تولد باسنانها، رغم شح الامكانات وتكاليف التشغيل والبث الفضائي الباهظة. لتقدم برامج هادفة تسهم في نشر الوعي وترسيخه، وهي تستضيف طيف عريض من الفاعلين الاكفاء في الفضاء العام من مختلف التوجهات، وتقرب المسافات بين ابناء الوطن في كل الجهات. ونخص بالذكر فقرة جرعة وعي، وكيف في امكان كبسولات صغيرة وجرعات معرفية مختصرة، ان تغير كثير من المفاهيم وتبتدع طرق للحول غير مطروقة، وكل ذلك بلغة تتلاءم وايقاع العصر! والاهم ان القناة تشكل صوت وصورة ونبض الثورة الاعلامي، ورسالة الشعوب السودانية في تطلعها لامتلاك دولة الحرية والسلام والعدالة والديمقراطية وكفالة حقوق وصون كرامة الانسان السوداني.

واخيرا
موهبة مبدعة تجد الظروف مهيئة، قادرة علي احداث تاثير ونقلة في حياة الشعوب، تفوق ما تقوم به الجيوش بكل هيلامانها وما تستهلكه من جل موارد الدولة. واحتمال هذا يعكس لب الصراع، اي بين قوة الحق (التحضر) وحق القوة (الهمجية). وهو ما يتمظهر داخليا في الصراع بين مدنية الدولة وعسكرتها. اي اما ان نعيش مواطنين لنا حقوق وعلينا واجبات، او مستعبدين مجردين من الحقوق وملزمين باداء واجبات للسادة العساكر المحتلين. ولا يصدف انهم مجموعة من الجهلاء والعملاء والمجرمين. ودمتم في رعاية الله.
///////////////////////

 

آراء