ديوان الزكاة: عيب المشائخ في المتعففين

 


 

 

(من أرشيفي)

كنت أظن المشائخ من خريجي المعاهد والجامعات الإسلامية سيكونون أراف بغمار الناس المساكين من الأفندية من قبيل غردون وكليته التي صارت جامعة الخرطوم في 1956. وقد تعرضت مراراً لظلم الأفندية لغمار الناس وخذلانهم لهم. وكثيراً ما عزيت نفسي بأنهم قوم نضب خيرهم بفعل لعنة الشريف الهندي لهم. فقد كان منحهم داراً لناديهم بأم درمان ثم وجدهم يتشككون في دوافعه من هذا السخاء. وقيل إنه غضب وقال: "الخريجون الأفندية يمرقوا من شفاعة جدي"، والعياذ بالله. فجد الشريف هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعلقت حسن ظني بالمشائخ من خريجي المعاهد ولجامعات الدينية في الإحسان للمعلمين الله لبراءتهم من لعنة الشريف. وأهم من ذلك بالطبع أنهم أنفسهم خضعوا لصنوف الأذى من كل من الإنجليز ورثتهم من الأفندية من خريجي غردون بعد الاستقلال. وقد فصلت استضعاف المشائخ هذا في كتابي "الشريعة والحداثة". وقد قدرت أن هوانهم على الإنجليز والغردونيين ربما قربهم من غمار الناس ونمى فيهم حساً مهنياً رصيناً بأوجاع المستضعفين. ودلائلي على ذلك أنني وجدت قضاة الشرع أعطف على النساء، وهن الزبون الغالب في محاكمهم، متى ما لم يحسن الرجال إليهن. وقد قواني على هذا التفاؤل أن المشائخ، خلافاً للغردونيين، لم تجر تنشئتهم على أن مواطنيهم رعاع متخلفين بدائيين لن يتجرعوا غصص الحداثة بدون تغيير جلدتهم الثقافية الرجعية. فلقد نشأ ناشئ الفتيان من المشائخ على الثقة في حسن ثقافة وإسلام اهله وجدارتهم باستحقاقهم الرباني في التكريم حتى يوم المعاد.
وظللت أراقب ما وسعني صعود هؤلاء المشائخ في إدارة الدولة لأول مرة منذ 1989 بفضل حكومة الإنقاذ. وكان ديوان الزكاة هو الزاوية التي رصدت منها أداءهم لأرى إن كانوا قد استبدلوا جفاء الأفندية المعروف بالرحمة التي هي الأصل في هذه الشعيرة الإسلامية المركزية. وكنت أريد بصورة عملية أن أعرف من واقع تطبيق هذه المنسك مآل الدين في الدولة بحسب عقيدة الإسلاميين التي راجت عن أن الإسلام هو الحل. وكنت أريد لنا أن نقف على هذا المآل بصورة أكثر مسؤولية مما يفعل معارضو الإسلاميين في التجمع الوطني الديمقراطي. فهؤلاء المعارضون لا يزيدون في مثل هذه الحالة عن نفي الإسلاميين عن الإسلام ودمغهم باستغلال الدين في السياسة فحسب. وشغلني هذا الأمر لزمن غير قصير. فقد رتبت في مناسبة العيد الثالث عشر لدولة الإنقاذ في 2002 فريقاً من الأستاذ علاء الدين بشير والسيدة منى عبد الفتاح لكتابة قصة ديوان الزكاة من هذه الوجهة بجريدة الصحافي الدولي. وتعثر المشروع يا للأسف.
ولم يسعدني ما طرق اذني من خبر ديوان الزكاة. أول ما بلغني عنه استياء الناس من أبهة مقره الذي طال بنيانه وأزدان بصورة يستكثرها المسلم الترابي على الفرد ناهيك عن دار الصدقة. ثم سمعت من ذوي الحاجة من أهلي تعففهم عن تكفف ديوان الزكاة من فرط الإجراءات المذلة التي اكتنفت معاملاتهم معه. وكشف حال الفقراء ممن ردهم ديوان الزكاة تجري به أنهر الصحف. ففي جريدة ألوان (17، 9، 2000) تجرست مواطنة بالاسم بخطاب لأمين الزكاة طامعة في مساعدة أسرة القائم بأمرها وهو جندي كفيف بفعل الحرب ولها 9 أطفال تعثرت في دفع مصاريف المدارس والكهرباء وعلاج الابن المريض بالدرن. وشكت لأمين الزكاة لؤم وشح موظفي ديوانه معها.
من الجهة الأخرى كدر خاطري أن أصبح الديوان عنصراً ثابتاً في قائمة مؤسسات الدولة المسيئة للمال العام في تقرير المراجع العام السنوي. وأكثر ما كدرني اندراج إدارة هذا المنسك في المعلوم بالضرورة عن شح البيروقراطية وخفة اليد. ثم ما ذاع أخيراً على شبكة الإنترنت من التزام الديوان بإيجار مبالغ فيه لمنزل قيادي به والإسراف في طلائه. وقد تمنيت أن يكون الخبر شائعة من أضغاث المعارضة. ولم يصدر من الديوان بعد ما يجرح هذا النبأ المعارض.
وأواصل عن حكاية جاء بها الصحفي المؤرق التاج عثمان من جريدة الرأي العام عن عوضية محمد الشفيع وكزازة ديوان الزكاة.

IbrahimA@missouri.edu

 

آراء