شكرًا لك يا أمي .. لقد اضئت الشموع ولم تلعني الظلام .. قصة قصيرة بقلم: أبوبكر القاضي

 


 

 

هذا العمل هو فصل في مشروع كتاب بعنوان (محاولات في نقد الادب الإفريقي (ادب الصنغي ) .. و (صنغي) هي امبراطورية ، وحضارة ، ولغة وثقافة وادب لشعوب حية وموجودة حاليًا في منطقة الساحل والصحراء.. في مالي والنيجر وبركينا فاسو وجنوب الجزائر ، وفي السودان وفي مكة المكرمة (في جرول ) . القاسم المشترك بين هذه الشعوب هو (القبلة المحمدية)، ولغة صنغي والثقافة.
هذا العمل الذي بين يدي القارئ يتكون من ثلاثة اجزاء ، الأول عبارة عن اقصوصة بلغة صنغي ، قمنا بترجمتها للغة العربية بقصد انتشارها في أوسع نطاق. الجزء الثاني عبارة عن إضافة من الكاتب للاقصوصة الأصلية تشتمل علي ادخال شخصية جديدة شابة تدخل في حوار مع الضفدعة ألأم بهدف خلق حوار أجيال برؤية مختلفة. والهدف الكلي هو الابداع (بإلإضافة) . آما الجزء الثالث فهو عبارة عن قصة قصيرة جديدة تقوم على مضمون الأقصوصة الأصلية بلغة صنغي ونهدف من هذا الجهد المتواضع الى القول بان (ادب الصنغي المتوارث بين ايدينا هو ملكنا ، ومن واجبنا نحن الناطقين بلغة صنغي نقد تراثنا الادبي والثقافي ، وتطويره وتجديده . وهذا العمل هو جهد متواضع في هذا التوجه.

الجزء الاول: الأقصوصة الأصلية كما هي ادب صنغي.. مترجمة الي اللغة العربية:

اقسمت
الضفدعة
أنها
لن
تزوج
بنتها
للظلام
..
قالت
السبب
يعود
الي
ان
الظلام
هو
اكبر
عدو
..
فقد
باتت
الضفدعة
جائعة
حتى
الصباح
دون
ان
تدري
او
تري
غذاءها
من
أسراب
الجراد
التي
كانت
في
متناول
يدها
لولا
الظلام
الدامس
الذي
حجب
عنها
الرؤية
!
هذه هي السردية التي توارثناها من امهاتنا في قري اهلنا شرق وغرب النيل الازرق في ضواحي سنار المدينة الناطقة بلغة صنغي ، والقرى المعنية هي :(الحجيرات شرق ، روينا ،ام لبن ، ابوجيلي ، دار السلام ، ودهاشم والبرداب في جنوب كردفان) ، وهذه الأقصوصة من الادب الشعبي ، من إنتاج العقل الجمعي لشعوب الصنغي .. وبالتالي ليس لها مؤلف معلوم له حق الملكية الفكرية بشأن هذه الأقصوصة. الهدف من ترجمة هذه السردية من لغة صنغي الى اللغة العربية هو اثراء حوار الثقافات في مجتمعنا السوداني المتعدد الثقافات .. والحفاظ علي هذا الارث الثقافي من الاندثار. أكثر من ذلك فاننا بهذ الجهد المتواضع نسعي الى نقد هذا الادب وذلك بابراز جمالياته ، وبهدف الإضافة كما وكيفا .

الجزء الثاني ؛ الإضافة:
العملية الإبداعية التي نسعى الى تحقيقها في هذا الجزء هي (إضافة ) للقصة الأصلية التي توارثناها من امهاتنا لتستوعب هذه الإضافة التحولات الاجتماعية التي حدثت في مجتمعاتنا المحلية.. أهمها التعليم النظامي للبنات من المدرسة الابتدائية حتي الجامعة ، ودخول البنات في السلك الوظيفي واستقلالية البنات اقتصاديا.. فصارت البنت مغتربة في دول الخليج ومهاجرة الي اوروبا.
أدناه تجدون الإضافة للاقصوصة الأصلية مترجمة للغة العربية:

( تصدت ضفدعة شابة للدفاع عن بنت جنسها التي حرمتها امها من فرصة الزواج من عريس محتمل هو الظلام ، فقالت يا خالتي: سامحيني..يمكن لأننا جيل مختلف بننظر للأمور بشكلٍ مختلف أيضا.. السؤال: لماذا تقررين لي بنتك عريسها ؟ ليه تحرمي بنتك الجميلة من فرصة عريس لقطة بدون ذنب ارتكبته هي ؟ يا خالتي سامحيني.. يبد لي انك شخصت المشكلة بالهروب من مشكلتك انت .. انت لم تقض الليلة جيعانة بسبب الظلام ، فالجراد موجود بوفرة النهار كله ، ولو انك امنت عشاك بالنهار مثل كل المخلوقات.. والله قال وجعلنا النهار معاشا) لما نمت الليلة جعانة .. ردت الضفدعة بحرقة : .بلا فصاحة معاك يا بنت .. منو عيًنك محامية لي بنتي؟ شطارتك دي اعمليها في المدرسة في ورقة الامتحان. استحت الضفدعة الشابة وصمتت واعتذرت قائلة: اسفة يا خالتي .. ما قلت ليك نحن جيل مختلف.؟!)

٣- الأفكار الجوهرية لاقصوصة الصنغي الواردة في الفقرة (١) أعلاه هي (الضفدعة وترمز للام /الأمومة) والفكرة الثانية هي (الظلام) الذي يرمز الى (الجهل ) . في الفقرة (٢) اعلاه أدخلنا إضافةً للقصة الأصلية هي عبارة عن إضافةً شخصية جديدة (هي بنت (ضفدعة شابة ) تحاور خالتها وتدافع عن بنت جنسها .. فيحدث حوار أجيال. ) هذه هي الأفكار التي سنحاول باذن الله ان ننتج منها اقصوصة جديدة.. ونضيف عليها ليتحول الجهد كله الى عمل ابداعي .

الإضافة الثانية هي ما اسميه ( التفريغ وإعادة التركيب) .. وأعني بذلك.. الاسترشاد بالبناء المعماري للاقصوصة الاصلية .. وكتابة قصة قصيرة جديدة مبنية علي الفكرة الجوهرية لاقصوصة الصنعي. الأقصوصة الجديدة بعنوان: (شكرا يا امي .. لقد اضئت الشموع ولم تلعني الظلام ) !!
فالي الأقصوصة الجديدة:

قصة قصيرة بعنوان: ( شكرًا يا امي.. لقد اضئت الشموع .. ولم تلعنٍ الظلام)!

فاتو تقول عن نفسها ان (سٌرتها مدفونة في مجمع مدارس الحجيرات.. وتقصد ان روحها مسكونة في مجمع مدارس قرية / مدينة الحجيرات شرق سنار المدينة.. الحجيرات كانت قرية ولكنها خلال فترة ٣٠ سنةً فقط تحولت الي مدينة بكامل مواصفات المدينة ، وذلك بتوفر الخدمات التعليمية والصحية ، والكهرباء ، وشارع الاسفلت .. الخ . تلقت فاتو كل تعليمها قبل الجامعي في مجمع مدارس الحجيرات.. كانت فاتو تعشق كل هذه المدارس ولعل السبب يعود الى انها كانت متفوقة أكاديميا وكانت تتربع علي رؤوس نديداتها.. بل واندادها من الأولاد وذلك لان المدارس كانت مختلطة في المراحل الدنيا من التعليم. كانت فاتو تستمتع بتميزها علي المدرسة كلها من خلال حضورها المميز في النشاط المدرسي من خلال تقديم طابور الصباح. وفي المرحلة الثانوية صارت فاتو نجمة الأنشطة الاجتماعية والرياضية ، كانت رئيسة جمعية اللغة العربية ، ورئيسة الجمعية الادبية ، ورئيسة اتحاد الطلبة.
لعلنا لا نستغرب تميز فاتو اذا علمنا انها الطفلة الأخيرة في البيت.. مسبوقة بخمسة بطون ثلاثة منهم ذكور .. كانت امها ( سعدية) تخاف عليها من العين بسبب فصاحة لسانها منذ صغرها.. وكانت امها تقهرها بكلمة (لا حول) .. لذلك فقد كانت فاتو تحمل على رقبتها كمية من التمائم (الحجبات جمع. حجاب )لحفظها من الحسد والعين.. فقد كانت سعدية تعتني بالحجاب (تجلده بالصبغ الملون بالاحمر ) .. فقد كانت سعدية مشهورة بترددها علي المشايخ الذين (يكتبون للنسوان في كل الأمور التي تشغل بال النساء.. مثل الخوف من تعدد الزوج عليها .. وطلب الولادة .. والحسد والعين .. الخ ) .

المواجهة الأولي (حوار الأجيال ) بين فاتو ووالدتها سعدية:(معركة اي حاجة ولا كلية الطب الفال الشين):

سعدية معروفة بشخصيتها القوية (لمن زايدة حبتين) .. فهي التي اشرفت على تربية عيالها الستة .. وقد ترك لها ابو عيالها - حاج عبدالرحمن الذي يعمل تاجرا في جوبا.. ترك لها مسالة رعاية وتربية العيال.. وقد توصل (عبد الرحمن وسعدية) الي توافق مناسب حول تسمية اطفالهم حديثي الولادة .. وهي ان يقوم عبد الرحمن بتسمية الذكور وتقوم سعدية بتسمية الاناث .. واستنادا الي هذه التسوية إختارت سعدية اسم (فاطمة .. لبنتها-آخر العنقود- وعادة يتم اختصاره في (فاتو) .. وذلك إحياءً لاسم والدتها (فاتو ) التي توفيت لرحمة مولاها حديثًا قبيل ولادة فاتو الصغيرونه.

اول مواجهة حدثت بين فاتو وامها سعدية كنت حول رغبة فاتو الاولي للجامعة وهي (كلية الطب جامعة الخرطوم) .. الحقيقة فكرة ان (تقدم فاتو لكلية الطب ) كانت رغبة مجتمعية ، ورغبة مدرستها وذلك منذ ذهبت في السنة الثانية ثانوي علمي احياء.. هنا بدأت نغمة اسمها (دكتورة فاتو ) .. عارضت سعدية هذه النغمة منذ بدايتها .. وقالت بنتي (تبرا من كلية الفال الشين حمانا الله ) . وقالت سعدية : فاتو بنتي تحول ادبي .. وتجعل بينها وبين (الفال الشين (كلية الطب) سبعة بحور ). حشدت سعدية كل إمكاناتها المادية وتوجهت لشيوخ مايرنو .. شيوخ العلوي والسفلي.. قالت ليهم بنتي فاتو (تدرس لغات بس عربي / انجليزي/فرنسي بس ) .. لم تتاخر فاتو في اتخاذ قرارها بالانتقال من فصل الاحياء الي ثانية ادبي في مفاصلة نهائية مع الطب . فرحت سعدية لهذا الموقف .. وعادت الى مايرنو للاحتفال مع شيوخها والاعتراف لهم بقدراتهم وكراماتهم وقدمت لهم المزيد من ألهدايا .. قدمت فاتو كلية التربية جامعة الخرطوم رغبة اولي وذاعوها اول واحدة وذهبت لدراسة اللغات حسب رغبة امها سعدية.

المواجهة الثانية من حوار الأجيال: ( شكرًا لك يا امي.. اضئت الشموع ولم تلعني الظلام ) !

لم تنقطع علاقة فاتو بمدارس الحجيرات.. فقد ظلت تتردد على المدارس في اجازاتها او عند إغلاق الجامعة لاسباب سياسية. وحين وصلت فاتو للصف الثالث في الجامعة صارت تسد العجز في اساتذة اللغات العربية والانجليزية رسميًا بطلب من ادارة المدرسة. . وظهرت قدراتها كمعلمة متمكنة من مادتها ، وصاحبة شخصية مكتملة كمعلمة محترفة. في هذه الظروف شعرت سعدية ان بنتها فاتو قد (صارت امراة مكتملة الأركان.. وشخصية امام المجتمع.. بدليل ان ادارة المدرسة الثانوية أعترفت بها كمعلمة وصارت تعتمد عليها في سد العجز في أهم مادتين (اللغة العربية و الإنجليزية) .. المختصر المفيد هو ان حاجة سعدية شعرت ان بنتها ماشاءالله عليها كبرت وصارت عروسة.. وذات الشعور راود اختها كلتوم .. وفي لحظة صفاء بين الشقيقتين (كلتوم وسعدية ) .. صرحت كلتوم لاختها سعدية.. وقالت لها بالحرف ( يا اختي سعدية.. النصيحة بنتك فاتو ماشاءالله عليها صارت منقة ناضجة.. واوشكت علي التخرج.. واي شاب يتمناها .. عشان كده لو جاها خطيب قولوا ليهو عندنا شورة) .. فاتو نحن دايرنها لي عثمان ولدي . لعل كلتوم ارادت ان تتحسس الاقدام وتعرف قابلية القبول بي ولدها عثمان عند اختها سعدية لانها هي العقبة الكبرى.. اذا وافقت الباقي كله مقدور عليه .. باللتي هي احسن او بالشيوخ الصالحين .
تفاجأت كلتوم بردة الفعل الايجابية الفورية من شقيقتها سعدية التي ردت على الخطبة الخجولة من أختها قائلة ( والله عاد يا بنت أمي ياك اختي .. وعثمان ولدك اي بنت تتمناهو.. وفاتو خلاص بقت علي التخريج ومنذ الحين ناس المدرسة اعتمدوها معلمة رسمي كده .. انبسطت اسارير كلتوم وحسنت جلستها .. وقوت عينها بعد الإشارات الايجابية التي تلقتها من سعدية.. وقالت ليها يا اختي شورتنا دي احسن نكربها كويس .. انحنا فاتو دي بنحجزها رسمي لي عثمان ولدي .. ولحين ما تتخرج فاتو وتشتغل عثمان بكون جهز بيته وذبائحه.. وبكون جاهز لي عرسه .. وباذن الله ابو عثمان واخوانه بيجون عندكم رسمي يكملون الخطبة.
فور مغادرة كلتوم بيت اختها شرعت سعدية التي تفاجأت بخطوبة بنتها فاتو -شرعت في ترتيب افكارها وتفكر كيف توصل خبر الخطوبة لفاتو . بدات سعدية بالتلميح.. وبالتدريج .. قالت لها : ( يا بنتي.. أنت ماشاءالله عليك كبرت .. والحمد لله نقول عليك اتخرجت والمدرسة اعتمدتك معلمة لغات رسميا.. النصيحة يا بنتي .. ود خالتك عثمان طلب يدك .. وقلنا ليه انت انسان محترم واي بنت تتمناك .
هنا بكت فاتو ولم ترد علي امها سعدية بكلمة .. واستأذنت وذهبت لغرفة البنات واغلقتها عليها من الداخل وطفت النور .. ورقدت في الظلام قبل أذان العشاء.
وجدت فاتو في خلوتها فرصة للتفكير والتامل والاستعداد للرد علي أمها سعدية بكل هدوء لتمارس حقها في الرفض دون الخروج علي قواعد الأدب.. طلبوا فاتو للعشاء فاعتذرت قائلة (ما عندي نفس اكل لكن بقوم بصلي العشاء. . في الصباح الباكر نهضت سعدية وعملت الزلابية لتقدمها مع الشاي لبنتها فاتو التي
حردت العشاء. مع شروق الشمس حملت سعدية صينية الشاي بالزلابية ودخلت غرفة البنات ،، وجلست امام بنتها الراقدة في السرير .. ولا يبدو علي وجهها علامة نوم .
نهضت فاتو احترما لوالدتها وجلست بجوارها.. صبت سعدية الشاي لبنتها وناولتها صحن الزلابية .. وسالت بنتها قائلة : زعلانة في شنو يا بنتي ؟ هل انا سويت شيء غلط ؟
ردت فاتو بكل أدب: يا امي انا لا اعطي نفسي حق محاكمة وادانة امي .. امي .. التي حملتني في بطنها تسعة اشهر وكنت اقاسمها الغذاء والحديد والكالسيوم.. والمناعة والأكسجين.. امي التي ولدتني وانا قطعة لحم تزن ثلاثة كيلوجرام.. واستمرت تطعمني من صدرها لمدة عامين .. أنا دائمًا يا امي بذكر نفسي بتضحياتك العظيمة المجانية من اجلي عشان اهديء اعصابي وما اتجاوز حدودي . يا ماما سعدية انت سميتني (فانو ) .. انا من الروضة الي الجامعة بدافع عن حق امي في ان تمنحني هذا الاسم .. يقولون:(هذا الاسم / فاتو رجعي .. قديم .. غير لايق عليك وانت انسانة شاطرة ومشروع دكتورة تنقصها فقط السماعة ، وذلك منذ صف ثامن حيث كان ترتيبي الأولي علي مستوى الولاية.. كنت اقول لهم ماما سعدية سمتني فاتو علي امها التي توفت قبيل ولادتي .. فكانت تريد ان تحيي اسم امها في البيت من خلال بنتها فما الغلط هنا ؟ ثم ان فاتو هي (فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت خديجة وزوجة علي الكرار وام الحسن والحسين اليها ينتهي كل نسب شريف .
يا ماما سعدية انا تنازلت عن طموح معلماتي بأن اذهب للمهن الطبية -تنازلت من عندي .. من ايماني بوجوب (بر الوالدين) .. خاصة حين شاهدتك تتوسلين (بعلماء وشيوخ النسوان) .. اشفقت عليك من محبتي اليك واجلالي للأمومة.. لا تعتقدي يا امي ان (شيوخ النسوان ) هم من غير قناعتي بالتحول من القسم العلمي احياء الي الادبي .. انت يا امي قمت بتفعيل ( طاقة الحب التي جواك ) .. وهي طاقة كافية لتحريك جبل موية .. وسقدي.. انت يا امي لم تكوني مثل الضفدعة التي أصبحت تلعن الظلام لأنها باتت جائعة ولم تر الجراد الذي كان في متناول يدها بسبب الظلام.. وتوهمت ان الظلام هو المشكلة.. وما هو بذلك.. المشكلة ان الضفدعة لم توقد شمعة!! يا ماما انت كنت ايجابية .. اوقدت شمعة بطاقة الحب الصافي لبنتك فحققت مرادك .. وشيوخ النسوان الله رزقهم لكن ما كان عندهم اي دور في انتقالي من فصل علمي احياء الي الادبي .. وخرافة لعنة الطب علي الفتيات دي أكبر مني ، بل هي مشكلة اقليمية ، ومواجهتها تحتاج الى جهود دول ، ودراما وسينما ومسلسلات.. الخ .
.. ومن جانبي انا فان اشفاقي ومحبتي ومعزتي وبري بك يا امي هو الذي جعلني اسعي لتطييب خاطرك .. خاصة وان فكرة اني ادرس الطب لم تكن قناعتي انا .. وانما هي قناعة (مجتمعية) .. المعلمات.. بنات جيلي .. كل هؤلاء (يعتقدون) ان قدراتي الذهنية تؤهلني لان اكون دكتورة. المهم يا أمي تحت إصرارك قررت ان أكون دكتورة في اي مادة من مواد الادبي واعيش سعيدة برسالة (النور) .. تنوير العقول.. بالتربية والتعليم.
يا ماما سعدية.. انا بنتك .. من لحمك ومن دمك .. انا جزء من كيانك .. وتعودت طوال حياتي انك تحميني .. والله يا امي انا فاهمة تمامًا طيبة قلبك نحوي ونحو كل الناس .. بس انا ما عايزاك تكوني مثل الهرة التي من شدة حبها وخوفها علي عيالها (اكلتهم لتحميهم ) ! يا امي انا لست بنت قرية الحجيرات التي تنتظر العريس يجيها من الحلة او من ابوجيلي او ودهاشم .. الحمدلله عندي فضاء واسع هو السودان كله .. وعندي رب كريم واسع عليم .. وموضوع عثمان ابن خالتي انا بعالجه معه مباشرة. طوال حديث فاتو كانت ماما سعدية تبكي وتتمزق من حنية وفهم بنتها فاتو .
مسحت ماما سعدية دموعها بثوبها وقالت: يا بنتي انا عافية منك .. واستغفر الله العظيم في حقك .. وعزاي حسن نيتي وخوفي عليك من جور هذا الزمان العجيب . كلامك يا بنتي وقع لي في قلبي وفهمته كله .. أنت الحمدلله انسانة واعية.. .وبتعرفي حقوق الوالدين وبتعرفي تدبرين حياتك أفضل مني .. وانا تبت لله .. تاني يا بنتي لن اتدخل في حياتك العاطفية ابدا .. ابدا .. سامحيني يا بنتي ! يا بنتي المشكلة دي خلقناها انا وخالتك كلتوم.. بحسن نية.. نحلها أيضا نحن بمنتهى الطيبة .. انا بتكلم اليوم قبل بكرة مع اختي كلتوم وبنتفاهم بكل طيبة.. يا بنتي اشربي الشاي وكملي فطورك بالزلابية واخرجي من عزلتك دي وانسي موضوع عثمان ده خالص..
ابوبكر القاضي
ويلز
ديسمبر ٢٠٢٢

aboubakrelgadi@hotmail.com

 

آراء