صلات القربى وفسيفساء الحكم في السودان !!

 


 

 

لن تصل أمة للمجد طالما أن بنيان مؤسسات حكوماتها مرتكز على صلات القربى، قرأت مقالاً كشف فيه كاتبه عن صلة القربى بين عنان والبرهان، وأن الأول ابن عمة الثاني، لا دهشة ولا اندهاش في ذلك طالما أن نائب قائد قوات الدعم السريع هو الأخ الشقيق للقائد، ولا عجب ولا عجاب لو علمت أن وزير المعادن ووزير مالية حكومة دارفور هما ابناء عمومة المارشال الحاكم، ولا غرابة ولا استغراب لو نما إلى علمك أن ذوي قربى جبريل هم الممسكين بعصب قرارات الحركة المطالبة بتحقيق العدالة والمساواة، وهذا ينسحب على الحزبين الكبيرين الأمة والاتحادي، حيث الحيازة الكاملة لأسهم الحزبين تعود لأسرتي الزعيمين، كلها محاولات بائسة ويائسة لجعل السودان ضيعة ومزرعة لكيان عائلي بعينه، لن ينجح مشروع دولة الجهة والقبيلة والطائفة والأسرة، وليس هنالك شخص بالسودان قد دانت له الدنيا وبسطت بين يديه السلطة والمال، مثلما فعلت لعمر البشير، الذي منح أشقاءه وأسرته الصغيرة كل أسباب التحكم الاقتصادي على موارد الدولة، لكن لم يسعفه الحظ حينما أزفت ساعة الرحيل، أما على المستوى الإقليمي، ولم يتنبأ كاهن كان ولا ضارب رمل بأن مُلك معمر القذافي سيزول في غضون أيام، فعلى المستجدة عليهم نقمة السلطة والمال والجاه أخذ الحيطة والحذر من الاكتساح المفاجيء من قبل أمواج البؤساء والمحرومين، فإنّ الدنيا تحبل وتلد من دون تلقيح كما يقول المثل المأخوذ من بادية البقّارة (الدنيا بتلد بلا درة).
سلوك الفرد السوداني سواء كان حاكماً أو محكوماً، مُديراً أم مُداراً، هو انعكاس للتوجيهات التربوية السالبة التي يلقنها الأبوان لطفلهما قبل وبعد بلوغه الحُلم، وما قصة استبشار البُرهان بحتمية تحقق حُلم ورؤية أبيه بأنه سوف يصبح رئيساً للسودان ليست ببعيدة عن الأذهان، وفي هذا الخصوص علينا الأعتراف بأننا نحن أيضاً لنا نصيب كبير من جريمة تضخيم ذوات الشخصيات الهلامية والهزيلة والمهزومة والضعيفة، التي أطلت بوجهها المثير للشفقة على ساحات الفعل السياسي والحكومي، كما علينا تحمل خطيئة المحاولات المتكررة لصناعة الشيء من اللاشيء. أنظر إلى الكيفية التي تم بها تصعيد الدكتاتور العصي على الترويض، من بعد أن كان ضابطاً مغموراً لا أحد يعيره بالاً ولا اهتماماً وهو قابع تحت سقف (قُطّية)، بحامية للجيش في قرية نائية بغرب السودان إسمها (ميوم)، ليس هذا وحسب، بل أنظر إلى الحاكم العام المزعوم لأقليم دارفور، ذلك المغمور الآخر الذي أسهمت في إظهاره للوجود، مجموعة معتبرة من الأفندية ومثقفي ومستنيري نيالا والفاشر والجنينة، وفي الآخر كافأهم بنكران الجميل وبالسحل والتنكيل، والقتل والتشريد والإبعاد من مسرح الأحداث، ما حدث يعتبر نتاج طبيعي لمن تربى تحت وطأة حذاء الطاغية أوعمل مساعداً مطيعاً له، فالعلم بالتعلم، لذلك جاءت المحصلة النهائية أن خطا المساعد الكبير خطو الحافر بالحافر على أثر خطوات معلمه الطاغية الأكبر- (المقهور مفتون بالقاهر).
هذه الأرض لنا، فليعش سوداننا علماً بين الأمم، يا بني السودان هذا رمزكم، يحمل العبء ويحمي أرضكم. لنا، الضمير هنا يرجع إلينا نحن جماهير الشعب السوداني بكل مكوناته وفئاته، ولن تنطلي علينا كل الإفتراءت السابقة واللاحقة، فنحن من بيده القلم صاحب الحظ والضمير والتوقيع الأخير على المصير، وليس من سداد الرأي أن نستبدل طاغية بطاغية آخر، ولو كان الأمر كما سعى له الحاكمون اليوم من اصطفاف جهوي وقبلي، فلماذا إذاً اندلعت ثورة الشباب من أساسها؟، وكيف يستقيم عقلاً أن تتضاءل أو تتراجع همة الثوار من الطموح الكبير في محاولات إزالة المجموعات الأسرية التي تحاول السطو على سلطة الشعب للمرة الثانية باسم الجهوية؟. لا، لا يمكن أن يحدث هذا مرة أخرى، لقد ناضل وكافح الثوار من أجل تأسيس دولة المواطنة التي يتساوى فيها الناس في الحقوق والواجبات، الدولة الرافضة لأي نوع من أنواع الدعوات المنادية بتأسيس دويلة الحزب والعرق والدين والجهة، لا مكان للحكومات الأسرية والجهوية والطائفية والعائلية، فعند آخر مطاف هذه المحاولات الفطيرة واليائسة، سوف يكون القول الفصل لهذا الشعب الكريم المكتوي بنار الحرب الأهلية والنزاعات القبلية والتجاذبات الحزبية، فهو الوحيد والأوحد والقادر، الذي يمتلك شفرة تفكيك خطاب الكراهية العرقية والبغضاء الجهوية، وهو المالك الحصري لمفتاح الحل، والعالم الحاذق بتفاصيل كلمة السر وصاحب الضحكة الأخيرة والقول الفصل.

اسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com
20 يوليو 2022

 

آراء