فرص نجاح المفاوضات أو فشلها علي ضوء رغبة الجيش والدعم السريع في وقف الحرب وإنجاز السلام

 


 

 

بسم الله الرحمن الرحیم
مدي قدرة السعودية والولايات المتحدة علي حث الطرفين علي إيقاف الحرب وتحقيق السلام
طبيعة المقدرات التفاوضية لوفدي التفاوض بين القوات المسلحة والدعم السريع ومدي حدود التفويض الممنوح لهما
النظر في إمكانية ابتعاث وفد رفيع المستوي لمنبر التفاوض مع الاستعانة بأطقم استشارية متخصصة في مجالات الامن الانساني والسلام والشئون الانسانية وحقوق الانسان
هل تكتفي القوي السياسية والمجتمعية والنقابية بلعب دور المتفرج أم تشرع في التعاطي الايجابي من خلال تقديم أطروحات عملية لمناهضة الحرب ودعم تحقيق السلام ؟؟!!

د. فتح الرحمن القاضي
E – Mail: elgadi100@gmail.com

مقدمة محدثة بتاريخ اليوم 26 أكتوبر 2023 م
• في أطار جهودنا المتواضعة التي ما برحنا نبذلها لمواكبة المفاوضات فنياً ، لا سيما الشق المتعلق بالشأن الانساني وحقوق الانسان، عن لي أن أدفع بمقال يتناول الجوانب الفنية المتعلقة بهاتين القضيتين الحساستين الامر الذي دفعني لمراجعة المقال الذي دفعت به من قبل الي الوسائط الاعلامية حول مفاوضات جدة بتاريخ 10 ما يو 2023 م، غير أننيي اكتشفت أنه ليس ثمة حاجة للدفع بمقال جديد ذلك ان المقال الصادر بتاريخ 10 ما يو ، وبا للعجب، يكاد يغطي أي كبيرة أو صغيرة فيما يتعلق باتفاقية جدة الا أحصاها وكأنه كتب بتاريخ اليوم
• ونحن نسعي بجدية واخلاص لاسعاف طرفي التفاوض بمادة من شانها أن تععينهما علي التوصل الي حدود دنيا من الاتفاق في سبيل احداث اخراق جوهري في ثنايا الازمة المتطاولة التي بلغت شهرها السابع ، فقد رايت أن الواجب والمصلحة معاً يحتمان علي إعادة نشر المقال القديم سيما وأنني علمت في رسائل متبادلة مع سعادة االسفير عمر صديق أنه لم يتسن له الاطبلاع علي المقال ولا شك أن هذا حال الكثيرين الذين لم يقدر لهم الاطلاع علي المقال والحرب في اسابيعها الاولي.
• وفاء بوعدي للسفير عمر صديق الذي تفضل بطلب نسخة من المقال وتعميما للمصلحة القومية رايت اعادة نشر المقال بادنه ( REPUBLISH) غير أن إعادة النشر تستدي استصحاب بعض القضايا الرئيسية التي طرات في سياق تطور الازمة ، وأرجو أن أوجز ذلك قبل ان ادلف الي المقال القديم:
القضية الاولي: تكيييف وضعية السفيرعمر صديق ودوره في منبر جدة التفاوضي:
من المعلوم بالضرورة أن دوائر التماس بين وزارة الخارجية وجهاز الامن تكمن في القناصل الذين تعه\د اليهم الدولي بلعب أدزار معينة ربما يغلب عليها الجانب الهجري لارتباطه الوثيق بقضايا الامن القومي ، والسودان ربما لا يكون استثناءاً في هذه الحالة، غير أن المثير للدهشة والعجب التيي وردت في بعض الوسائط الاعلامية ، ولا أدري مدي صحة ذلك من عدمه ولتصححني السلطات المختصة اذا كنت مخطئاً، أن يلجأ وفد القوات المسلحة الي الزعم أن السفير عمر ينتمي الي جهاز الامن والمخابرات ومن هذه الصفة فيحق له الانضمام الي الوفد المفاوض. ؟؟11ز ما أعلمه من خلال مواكبتي لمسيرة السفير عمر المهنية في وزارة الخارجية في نيويورك وما سوها من المحطات ، ويأتي تفصيل ذلك في المقال المنشورببادناه، أنه سفير مهني بحت (CAREERIST ولم يجري في حقه تعيين سياسي (POLITICAL APPOINTEE) ، والحال كذلك فما هي حقيقة أو جدوي ربطه بالاجهزة الامنية ، ذلك أن ربط كهذا ، حتي لو صح الانتماء للامن، من شانه أن يضر بشخصية سفير رفيع في وزارة الخارجية فضلاً عن كونه يدفع الجميع لكي يقدحوا في دوره الفني الحيادي هذا من جهة. ومن جهة أخري فان كشف الغطاء عن هوية عكمر ص\ديق الخفية ، بافتراض صحة الانتماء للجهاز ، من شأن أ يجعل جمهرة الري العام لا بل سائر القوي السياسية تتساء عن حقيقة هوية زملائه السفراء فيما إذا كانوا سفراء بحق وحقيقة أم أن الخارجية تعج بضباط الامن الذين دفع الجهاز بهم الي وزارة الخارجية ليشغلوا موقع السفراء الامر الذي ربما يدفع البعض للقول أن ملفات السياسة الخارجية انما تتدار بواسطة الاجهزة الامنية وليس عبر الكادر الدبلوماسي المحترف بوزارة الخارجية. ؟؟!!..مسالة أخري جديرة بالتسجيل هنا أن السفير عمر صديق كان الي وقت قريب لتسلم مهامه في سفارة السودان بجنوب افريقيا كان يشغل منصب مدير الادارة السياسية بالقصر الجمهوري ، اي المستشار السياسي لمجلس السيادة ان لم اكن مخطئا، والحال كذلك فان ذلك ربما يدفع البعض الي التشكيك في أن مجلس السيادة لم يحسن التعامل مع القضايا السياسية لانه كان ياتمر باستشارات تاتيه من قبل شخصية امنية تلتحف الزي الدبلوماسي وهذا ما تبدي في الكثير من الاخطاء والتجاوزات التي اقترفها مجلس السيادة ممما عتطل مسيرة التحول الديمقراطي لا بل اجهض حلم ثوار ديسمبر في جني ثمار الثورة بالحصول علي حكم مدني مستدام لا تتخله انقلتابات عسكرية مثلما في النسنين التي اعقبت اندلاع الثورة.
نصيحتي المتواضعة للسيد السفير صديق ومن يقفون خلفه، اذا جاز لشخصي الضعيف أن ينصح، أن ليس هنالك ثمة داعي لكل هذا أو التذرع بعدم وجود السفير لنسف المفاوضات، وإذا كان الغرض من وجود السفير هو تولي الترجمة والتخاطب مع الميسر الامريكي فهذه معضلة يمكن حلها عن طريق استجلاب مترجمين محايدين لتولي مسئولية الترجمة لطرفي التفاوض اذا ثبت ان وفدي الجيش والدعم السريع غير قادرين علي توصيل رسائلهما او الانخراط في حوار تفاعلي عن طريق لغة اجنبية لا يحسنا استخدامها وهذا قصور كبير ينبغي بالطبع تداركه في المستقبل. أما اذا كان الغرض من وجودد السفير عمر في منبر التفاوض مع اعتراض وفد الدعم السريع علي وجوده فهذه المعضلة بدرورهما يمكن حلها عن طريق طلب مساحة زمنية للتشاور مع الخبراء خارج موقع التفاوض (RECEESS) وهذا الامر شائع ومالوف في سائر موائد التفاوضالاقليمية والعالمية مما يمكن وفد القوات المسلحة من الاستئناس براي السفير عمر ومن سواه من الخبراء في سائر القضايا مول الاتفاق أو الاختلاف في منبر التفاوض..
القضية الثانية: كيفية التعامل مع القضايا والمبادرات المستجدة ( EMERGING ISSUESS) :
ليس ثمة شك في أن هنالك العديد من المبادرات التي تشكلت والقضايا التي برزت منذ الدفع بالمقال الاول في العاشر من مايو ويأتي علي راس هذه القضايا تفرع العديد من مبادرات السلام وتشعببها مما يمكن أن يربك العملية التفاوضية التي ينبغي حصرها في منبر جدة مع الحرص علي استصحاب المبادرانت الاخري علي مستوي الايقادوالاتحاد اللافريقي فضلا عن مبادرة دول الجوار التي ترعاها مصر التي تتحمل عبئاً هائلا من مضاعفات الابعاد الانسانية للحرب ، والدور المصري لا يمكن اغفتاله هنا او المضي بدونة.فيما يتعلق برؤيتي الشخصية فانني اري ان مبادررة الجوار قمينة بالعناية والاستصحاب وذلك لان المبادرة اعتنت بارساء خطة عمل شاملة ومنسقة (CONCERTED PLAN OF ACTION) من المفترض ان يتوفر وزراء الخارجية مستعينين باطقم فنية ذات خبرة ودراية علي انجاز هذه الخطة التي يمكن اعتبارها ترجمة حية لاي اتفاق قديم او جديد للمبادئ الانسانية يمكن لمنبر جدة ان يحرج به في مقبل اليام. من هن فانني احض خبراء الشان الانساني علي المساهمة بصورة فاعلة في انجاز هذه المهمة الحساسة التي لا يمكن معالجة المضاعفات الانسانية للحرب من دون اعتمادها وإحكام امنفاذها والا دب الفساد والفوضي لمجمل العمليات الاغاثية والانسانية. في هذا السياق ربما أعمل علي تطوير معالم حول خطة عمل انسانية بالتنسيق مع المجمعة السودانية لحقوق الانسان وبعض الخبراء من امثال الاساتذة اسماعيل هجانا والدكتور عمر قنديل والاستاذ محمد آدم عربي ومن سواهم من الخبراء الذين لن يتسع المجال لحصرهموابعث بها الي حكومتي السودان ومصر ودول الخليج والاتحاد الافريقي والايقاد والترويكا وسائر الشركاء في الامم المتحدة لعل وعسي تعين علي احتواء الوضع الانساني المازوم في السودان.
القضية الثالثة: ضرورة استعانة وفدي التفاوض باطقم استشارية خارج دائرة التفاوض في مجالات الشئون الانسانية وحقوق الانسان والامن الانساني والتسريح واعادة الدمج:
بمنأي عن التشكيك في قدرات الوفدين المتفاوضين الا ان ااستعانة بخبراء ومستشارين في المجالات المذكورة بعليه لن يضر قضية التفاض في منبر جده بشيئ ان يعد قيمةةمضافة لحصيلة الخبرات التي يحتقبها المفاوضون من كلا الوفدين. في هذا الطار أرجو أن تسمحوا لي باقتراح الشخصيات التالية انابة عن المجموعة السودانية لحقوق الانسان ،والاستشارة ليست قاصرة علي المجموعة لوحدها، للمشاركة في الجولة الحالية لمنبر جدةأو الجولات القادمة وهم :
1) الدكتور طارق كردي رئيس الموظفين الذين سبق لهم من قبل العمل في وكالات الامم المتحدة المتخصصة.وهو خبير عالمي في مجالات الهجرسة واللجوء وشئون الاقليت.
2) الدكتور الحاج حمد محكد خير رئيس المجمووعة الاستشارية للتنمية البشرية. (SADIG)
3) الاستاذ يوسف الطيب رئيس منظمة دارفور للاغاثة واعادة الاعمار (DRRA).
4) الاستاذ عبد الباقي جبريل الخبير الفني والناشط في مجال حقوق الانسان
5) الاستاذ معاذ حسين الخبير في شئون الامم المتحدة والعمل الانساني.
6) الدكتورة سامية محمد الحسن موظف سابق بصندوق الامم اللمتحدة للسكان (UNFPA)
7) الاستاذة ابتسام خضر حبير في مجالات نزع السلاح واعادة الدمج والتسريح
8) الاستاذة مواهب محمد أحمد الحاج الزاكلي مدير الادارة الاسبق للمراة والطفل بوزارة التنمية الاجتماعية وموظف سابق بصندوق الامم المتحدة للسكان (UNFPA).


بسم الله الرحمن الرحیم
إعادة نشر ا المقال الذي سبق لي نشره بتاريخ 10 مايو 2023 م


ما أن تم الاعلان عن تشكيلة وفدي التفاوض بين القوات المسلحة والدعم السريع في اطار الوساطة السعودية الامريكية المعلنة بمدينة جدة باللمملكة العربية السعودية حتي طفق الناس يطرحون جملة من الاسئلة المشروعة التي تنصب في مجملها حول فرص نجاح المفاوضات أو فشلها علي ضوء رغبة الطرفين في إنجاز تسوية سلمية متفاوض عليها. ومدي قدرة السعودية والولايات المتحدة علي حث الطرفين علي إيقاف الحرب وتحقيق السلام،
وفي محاولة لسبر غور المفاوضات الجارية حالياً بما يحيط بها من تكتم شديد شرع الناس يتساءلون عن.
طبيعة المقدرات التفاوضية لوفدي التفاوض بين القوات المسلحة والدعم السريع ومدي حدود التفويض الممنوح لهما من قبل قيادات القوات المسلحة والدعم السريع ، فضلاً عن طبيعة المقدرات التفاوضية لوفدي التفاوض ومدي حدود التفويض الممنوح لهما ، ثم ماهي فرص نجاح المفاوضات أو فشلها علي ضوء رغبة الطرفين في إنجاز تسوية سلمية متفاوض عليها ؟؟!!.
في الواقع أن الحكم علي مآلات وفرص أي عملية تفاوضية من حيث النجاح او الفشل لا يمكن لها أن تخرج عن اطار الاسئلة والاستفسارات المشار اليها بعاليه بحسبان أن الاجابة علي علامات الاستفهام تشكل المرتكز الرئيس لاي عملية تفاوضية ذات جدوي ومصداقية، وهذا ينسحب بالضرورة علي مفاوضات جدة التي تستهدف التعامل مع أخطر قضية يختبرها السودان في تاريخه الحديث باعتبار أنه يتوقف عليها تقرير مصير الدولة السودانية نفسها من حيث الشكل والمضمون ، حيث يرجح أن تسهم هذه العملية التفاوضية التي تجري في في ظل ظروف سياسية أمنية بالغة التعقيد الاسهام في تشكيل حاضر السودان ومستقبله في أعقاب ثورة شعبية عارمة أطاحت ظاهرياً بنظام الانقاذ في ديسمبر من العام 2019 م، ولكنها لم تفلح حتي الان في تحقيق الانتقال المأمول الي واقع معاش ينعم فيه الشعب السوداني بالحرية والديمقراطية وحقوق الانسان.
جاء في الوسائط نقلاً عن موقع الجزيرة الاخباري بعض المعلومات التي يمكن أن تفيدنا جميعاً في فهم الواقع المعقد والامة السودانية قاطبة تتابع بحرص واهتمام شديدين مجري العملية التفاوضية التي تجري في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية ، ونوجز طرفاً من ذلك فيما يلي:
• ذكرت الخارجية السعودية -في بيان- أن المحادثات تهدف إلى وضع جدول زمني لمفاوضات موسعة تتيح وقفا دائما للأعمال العدائية بالسودان، كما تهدف إلى تسهيل وصول مساعدات إنسانية طارئة.
• وقد بعثت الرياض طائرة إلى الخرطوم لنقل الوفد الحكومي الذي ضم اللواء أبو بكر فقيري واللواء محمد محجوب والسفير عمر صديق، بينما يتألف وفد قوات الدعم السريع برئاسة العميد عمر حمدان، ويضم الوفد فارس النور ، وشقيقه الأصغر الرائد القوني حمدان دقلو.
• وسمت الولايات المتحدة ممثليها في فريق الوساطة من سفارتها في الرياض والملحق العسكري، والسفير الأميركي في الخرطوم، ومنسق من مجلس الأمن القومي، بينما حددت السعودية فريقا من وزارتي الخارجية والدفاع والاستخبارات العسكرية.
• لاحظ مراقبون للمفاوضات غير المباشرة في جدة أن طرفي التفاوض لا يحملون تفويضا كاملا لتقديم أي تنازلات متبادلة من أجل التوصل إلى تفاهم، وأنهم متمسكون بمواقفهم التي لا تزال متباعدة، "كأنما يستخدمون التفاوض مناورة لكسب الوقت في سبيل تغيير الواقع العسكري على الأرض".
• يُرجح أن يعد الوسطاء وثيقة لمشروع اتفاق بشأن الهدنة والمساعدات الإنسانية، بعد تضييق نقاط الخلاف والتواصل مع قادة الجيش والدعم السريع لاقناعما بعدم جدوى التعويل على الحسم العسكري، خاصة مع كلفته العالية على الشعب وتداعياته الخطيرة على مستقبل البلاد وجيرانها.
وإذا كانت هذه تشكيلة الوفدين وحدود تفويضهما فذلك يدعونا لطرح استدراكات نوجزها فيما يلي:
1) مع جزيل التقدير لشخوص الذين وقع عليهم الاختيار لتمثيل الطرفين، ومن ضمنهم صديقنا العزيز سعادة السفير عمر صديق، لا يمكن له الا ان يتوصل الي نتيجة مفادها بأن الوفدين يعتبران غير مؤهلين لانجاز تسوية سلمية شاملة مع افتقارهما لتفويض حقيقي من قبل قيادة الطرفين.
2) جل ما يمكن للاطقم التفاوضية من القوات المسلحة والدعم السريع ان يضطلعا به في تقديري المتواضع، وأرجو أن أكون مخطئاً، بدور فني مساند لا ان يتوليا بنفسيهما مهمة انجاز تسوية ذات طابع سياسي أمني إنساني مع كونهما لا يملكان الادوات اللازمة لانجاز المهمة وفي مقدمتها التفويض.
3) ليس من العسير علي المرء ان يتوصل الي نتيجة مفادها بان تشكيلة الوفدين لا تضم قيادات من الصف الاول للطرفين مما يشئ بأن الوفود المفاوضة منخفضة التمثيل غالباً ما يعهد اليها بحمل أجندة تمثل الاحد الاعلي لكل طرف فيما يمكن وصفه بالعملية الاستكشافية (EXPLORATORY OPERATION) لمواقف الطرف الاخر حتي القاع ، اي الي آخر مديات الاستكشاف.
4) من الملاحظ عدم تسمية رؤساء لوفدي التفاوض بصورة واضحة وهذا عيب كبير في عرف التفاوض.
5) دون الاقلال من شأن أعضاء الوفدين الكريمين الذين حملوا مهمة تنوء بحملها الجبال فلا يوجد بين ايدينا ما يؤكد أن هذه العضوية تملك تراثاً من الخبرة في عمليات التفاوض متعددة الجوانب ذات الطبيعة المعقدة باستثناء سعادة السفير عمر صديق واكب حسب علمي ان لم مخطئاً مفاوضات نيفاشا بين المؤتمر الوطني بقيادة الاستاذ علي عثمان النائب الاول لرئيس الجمهورية ووفد الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة المرحوم جون قرنق رئيس الحركة الشعبية.
6) فيما اذكر ان لم تخني الذاكرة انني استمعت الي صوت السفير عمر صديق، من السجن الذي كنت اقضي فيه فترة للاعتقال بامر من جهاز الامن بمدينة المناقل ، حيث كان السفير يتولي ترجمة المشاهد والخطب الرئيسة التي جرت في ضاحية نيفاشا الكينية في سياق الاحتفال بالتوقيع علي اتفاقية نيفاشا والبروتوكولات المصاحبة لها بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية. واجد لزاماً علي التقرير من باب الامانة والتاريخ في معرض الرد علي بعض الاستفسارات التي وردتني في الخاص وهي تتساءل عن الهوية السياسية للسفير صديق ومدي انعكاسها علي الموقف التفاوضي للقوات المسلحة سلباً أو إيجاباً فانني اقول بان السفير صديق شخصية مستقلة غير منتمية حزبياً وهو من ضمن الكوادر التي وجدت طريقها الي التعيين في وزارة الخارجية من خلال جدارته الشخصية وليس عبر تعيين سياسي في اي حقبة ، ثم ان السفير عمر قد أكتسب خبرة عظمي من خلال تقلبه في مختلف المحطات الخارجية واضطلاعه بالعديد من المهام ذات الطابع الفني في مجالات السلام والمراة وما سواها وهذا ما شهدت به زوجتي الاستاذة مواهب محمد احمد الحاج التي تسني لها القيام بمهام فنية مشتركة بصحبة السفير صديق اثناء تقلدها لوظيفة مدير الادارة العامة للمراة بوزارة الرعاية والتنمية الاجتماعية، والحال كذلك فان المرء لا يكاد يساوره شك في حياد السفير صديق، او التشكيك في كفاءته في الاضطلاع بعمليات تفاوض معقدة او تقديم المشورة الفنية للقوات المسلحة.
7) ورد ما يشير في بعض الصحف أن السفير عمر صديق يتولي ملف الشئون الحارجية في التفوض وهذا في تقديري ليس بصحيح فغض النظر عن الابهام الملازم لمصظلح (الشئون الخارجية)واسع الشمول، فإن السفير صديق يشغل حالياً منصب مدير الادارة السياسية بالقصر الجمهوري ، وبهذه الصفة يصلح للتواصل مع الامريكان وهم طرف أساسي في الوساطة بحكم إجادته للغة الانجليزية، فضلاً عن المجتمع الدولي والوكالات الاممية.
8) من الملاحظ أن تركيبة الوفدين تكاد تخلو من الاطقم الاستشارية المساعدة ، وهذا بدوره يعد من العيوب الكبيرة الملازمة للعملية التفاوضية الجارية حالياً وإذا ما كانت مهمة السفير صديق عاي النحو الذي أشرنا اليه فقد كان من الواجب تمثيل وزارة الخارجية السودانية ومدراء أجهزة الامن والاستخبارات العسكرية ولو كنت في موقع اتخاذ القرار لابتعثت سعادة السفير محمد سعيد بحكم مسئوليته عن إدارة السلام بوزارة الخارجية وهو غاية ما نسعي لتحقيقه في أتون الازمة الراهنة.
9) يحسب لمصلحة الدعم السريع استصحابه للاستاذ فارس النور مستشار قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو للشئون الانسانية وهو أمر مطلوب بلا شك في ثنايا عملية تفاوضية تعني بالشأن الانساني، ولو كان الامر بيدي لابتعثت مفوض العون الانساني في هذه المهمة أو بعض خبراء الشأن الانساني للمساعدة في بلورة مقترح المناطق والممرات الآمنة بغرض توصيل المساعدات االانسانية.
10) يلاحظ خلو الوفدين من اي خبراء في مجالات حقوق الانسان والقانون الدولي الانساني مع كون الدعم السريع يمتلك وحدة متخصصة لحقوق الانسان يتولي رئاستها الدكتور حسيب جوناثان كوكو وقد كان من الاليق الاستعانة به في التفاوض ولو من خلف الكواليس .أليس من الواجب أن يحرص صانع القرار الحكومي علي استصحاب جهة محايدة في مضمار حقوق الانسان من خلال اسناد دور المراقب لرئيس المفوضية القومية لحقوق الانسان الدكتور رفعت ميرغي رئيس المفوضية ، ويصبح اعتناء طرفي التفاوض بملف حقوق الانسان أمراً لازماً وطلوباً بشدة لا سيما في ظل الانتهاكات الواسعة لحقوق الانسان حيث يتهم كل طرف الطرف الاخر بالتسبب في ارتكاب هذه الانتهاكاتوالاضرار بشكل كبير بحالة حقوق الانسان في البلاد، ويبقي التحقق من صحة الاتهامات مهمة ملحة وعاجلة علي أن تتولي التحقيق فيها جهات محايدة علي شاكلة المفوضية القومية لحقوق الانسان فضلاً عن مؤسسات المجتمع المدني الحقوقية العاملة في المجال ، علي ان يتم إنجاز هذه المهمة بوعي واقتدار حتي لا يطويها التجاهل أو النسيان أسوة بملف مجزرة فض الاعتصام ؟؟!!.

المتابع لعملية التفاوض منذ أن برزت كفكرة الي أن أتيح لها التحقق في ارض الواقع عبر مائدة الحوار يلاحظ أنها مرت بمخاض عسير جداً ولم تبرز الي حيز الوجود الا عبر عملية قيصرية علي ايدي الامريكان والسعوديين وربما أطراف دولية واقليمية أخري تتمثل في مبادرات معلنة وخفية من قبل الحكومة المصرية ودولة جنوب السودان ومنظمة الايقاد والاتحاد الافريقي مروراً بالامم المتحدة عبر الالية الثلاثية وانتهاءا بالمجموعة الاوربية والترويكا حيث مارست هذه الجهات مجتمعة ضغوطاً مكثفة علي الطرفين للقبول بمبدأ الحوار بعد ان تبدي للكثيرين أن مجرد التفكير في التفاوض أمر يندرج في حكم المستحيل.وفيما أبدي كل من الفريق البرهان رئيس مجلس السيادة والقائد العام للجيش ومحمد حمدان جميدتي قائد قوات الدعم السريع موافقتهما المبدئية علي الانتظام في مائدة التفاوض بنفسيهما في إحدي دول الجوار بادئ الامر الا أن أحد الرجلين او كليهما سرعان ما تخلي عن فكرة اللقاء المباشر ليستعاض عنها بارسال وفد منخفض التمثيل يغلب عليه الطابع الفني من أجل الانخراط في عملية تفاوضية غير مباشرة علي ان يتولي الامريكان والسعوديون ، أصحاب المبادرة، طرح مقترح الوساطة فضلا عن القيام بتيسير عملية التفاوض غير المباشر بين الطرفين (FACILITATION) علي أمل التوصل لتسوية في هذه الازمة شديدة التعقيد . تطور كهذا علي ضآلته يعتبر نوعاً من التقدم في شان بدا اول الامر مستحيلاً بيد أن هذا التقدم الشكلي لا يشكل قيمة مضافة يمكن التعويل عليها في إحراز تقدم يذكر في مسار التسوية السلمية.
ثم أن المتابع للتصريحات الصادرة من قيادة القوات المسلحة والدعم السريع يلحظ أنها لا تعكس بوضوح توفر ارادة سياسية غلابة تدفع باتجاه السلام، ذلك أن إرادة السلام ، اذا صحت التسمية، في هذه المرحلة من القتال، تكاد تكون ضعيفة للغاية ان لم تكن مفقودة في ظل تصريحات تتسم بالغلو والتشدد تصدر من هذا الطرف او ذاك ، وقد وقفنا في غير ما مقابلة علي تصريحات منسوبة لسعادة الفريق الكباشي والفريق ياسر العطا تؤكد علي هذا الاتجاه . وهكذا تتوعد قيادات الطرفين بحسم المعركة عسكرياً ومن ثم فرض شروط الاستسلام علي الطرف الاخر وهذا الامر لا يجد ما يصدقه علي ارض الواقع، ولا يبدو متحققا حتي الان بصورة حاسمة مع دخول المعارك اسبوعها الرابع اي ما يقارب الشهر تقريباً في عاصمة السودان الخرطوم وهو ما يحدث علي هذه الشاكلة للمرة الاولي من حيث استدامة المعارك واشتداد ضراوتها منذ فجر التاريخ المعروف، ذلك ان معظم المعارك التي دارت رحاها في الخرطوم أو ما حولها ابتداءا بعهد المهدية وانتهاءا بعهد الحكم الانجليزي لم تتجاوز مدتها سوي ايام معدودات ؟؟!!.
وليس ثمة شك في أن استمرار المعارك الطاحنة بين الطرفين مع استمرار ازيز الطائرات ودوي المدافع وقعقعة الرصاص في أعنف معركة لم تشهد لها الخرطوم مثيلاً في الشدة والضراوة ربما منذ معركة تحرير الخرطوم التي شنها الامام محمد أحمد المهدي مستعيناً باجماع وطني واسع جري تحقيقه عبر التفاف عريض حول راية العقيدة الاسلامية لهزيمة القوات الاجنبية الغازية للسودان وتحرير السودان، أدي الي كلفة باهظة للغاية في ظل أوضاع غاية في الهشاشة تتمثل في استشراء القتل بالمئات ووقوع الالاف ضحية لاصابات بليغة وسيادة الفوضي وتفشي حالات النهب والسلب جهارا نهاراً مع غياب الاجهزة المنفذة للقانون مما يؤذن بانهيار الدولة السودانية وصولا الي مرحلة الشلل التام ؟؟!!.
وفيما يبدو ان استشراء الماساة الانسانية التي افضت الي هروب قطاعات واسعة من الشعب السوداني بمئات الالاف ما بين نازح في الداخل الي ولايات اكثر امنا او لاجئ في دول الجوار لا سيما مصر العربية التي تكاد تنوء بالحمل الاكبر للاجئين، وتشاد التي تستقبل بدورها اعدادا هائلة من اللاجئين مع سهولة التنقل عبر الحدود بين البلدين ويعزز من ذلك بالطبع طبيعة التركيبة القبلية المشتركة علي طرفي الحدود.
استشراء المعارك مع اتساع دائرة المضاعفات المترتبة عليها علي الصعيد الانساني ربما يجعل الار جحية للراي القائل بان عملية التفاوض الجارية حالياً إنما تستهدف الوقوف علي مرامي وأهداف مما يسمح بهامش للمناورة يمكن استثماره في اي جولات تفاوضية يعتزم إجراؤها مستقبلاً أكثر من كونها معنية بالتوصل لهدنة انسانية يعقبها سلام حقيقي، ومن ثم فإن أصحاب هذا الرأي يرون بأن المفاوضات تمثل وسيلة للالهاء مع توالي الخروقات المتعددة للهدن المعلنة، والحال كذلك فقد بات كثير من المتابعين لخط الوساطة السعودية الامريكية غير متفائلين بامكانية التوصل الي حلول عاجلة مما يؤذن باحداث اختراق حقيقي في معالجة الازمة ؟؟!!.
ما يثير العجب ان احساس المجتمع الدولي والعربي والافريقي بمضاعفات الحرب الدائرة في البلاد مع الخشية من اتساع دائرة النزاع لتشمل اطرافا ودولا علي مستوي الاقليم والعالم ، كان كبيراً ومتعاظماً (HIGHLY SENSSITIVE) بالقياس الي انعدام الحساسية التي يبديها الطرفان المتقاتلان في الداخل (INSENSITIVE) من جهة عدم الاكتراث بالاضرار الجسيمة التي يلحقها النزاع المسلح بالمواطنين، والا لتبدت رغبة الطرفين بصورة حقيقية ومتعاظمة في مسع حثيث لايقاف الحرب والاقبال علي التفاوض بنية حسنة بغرض وضع نهاية لهذا الكابوس الذي لم يكن اكثر الناس تشاؤما يتخيلون حدوثه في الخرطوم.
ويتجلي انفعال المجتمع الدولي والاقليمي بتداعيات الازمة من خلال تطوير العديد من الاجراءات وردود الافعال التي تتمثل أولاً في إجلاء رعايا الدول بصورة عاجلة ، وثانياً ممارسة ضغوط هائلة علي طرفي النزاع للقبول بمبدأ التفاوض، وثالثاً التلويح بتوقيع عقوبات شديدة الوطاة علي الطرفين حال استمرار القتال او اصدار اوامر وقرارات تنفيذيه بشانها كما يتجلي في موقف الرئيس الامريكي بايدن عبر الامر التنفيذي الذي اصدره في هذا الشان ، رابعاً إقناع الطرفين بضرورة واهمية التوصل لتسوية سلمية عبر مائدة التفاوض، خامساً استمرار المشاورات علي مستوي المجتمع الدولي في الامم المتحدة ومجلس الامن ربما بغرض الانتقال الي مستويات اشد وطاة وخطورة بازاء السودان حال عجز التدابير الحالية في ايقاف الحرب واعتماد هدنة طويلة او وقف دائم لاطلاق النار يسمح بانشاء ممرات للهدوء (CORRIDOR OF TRANQUILITY) وتأسيس مناطق آمنة (SECURITY ZONES) يمكن عبرها ومن خلالها توصيل المساعدات الانسانية وتامين العلاج للجرحي واخلاء ذوي الاصابات البليغة للعلاج في مستشفيات خارج دائرة النزاع بسلام بعد أخذ تعهد من الطرفين المتقاتلين بعدم التعرض لقوافل المساعدات الانسانية ، وهذا هو النسق الذي اعتمدته قرارات الامم المتحدة عبر مجلس الامن بموجب الفصل السابع فيما يعرف بالتدخل للاغراض الانسانية (INTERVENTION FOR HUMANITARIAN PURPOSES) ، وهذا هو ذات المنحي الذي اعتمده مجلس الامن في التعامل مع تداعيات أزمة دارفور مما جعل المجلس يصدر العديد من القرارات العقابية في حق السودان ومن ضمنها القرار القاضي باحالة المتهمين في قضية الحرب بدارفور الي محكمة الجنايات الدولية بلاهاي وفي مقدمتهم الرئيس السابق عمر البشير ومولانا احمد هرون وعلي كوشيب !!. خطورة المآلات المترتبة علي هذه القضية الحساسة حفزتني علي إنجاز دراسة بحثية متكاملة عن مبدأ التدخل للاغراض الانسانية في اطار الدراسة الكلية التي اعدها مركز الجزيرة للبحوث والدراسات بمناسبة مرور عشرة اعوام علي اندلاع أزمة دارفور ، والدراسة موجودة وموثقة في منشورات ووثائق مركز الجزيرة للدراسات لمن شاء الاطلاع عليها. وتجئ الاستفاضة في شرح هذه المعلومات من باب التنبيه لعدم تكرار الاخطاء التي واكبت التعامل غير الرشيد مع أزمة دارفور مما خلف نتائج وتداعيات ما زالت البلاد تعاني من آثارها السالبة حتي الان سيما وأن كثير من الساسة لا يتفطن لطبيعة المآلات التي يمكن ان تتمخض عن استشراء النزاع المسلح مما لا يقتصر أثره علي العسكريين فحسب وانما يمتد باثاره الوخيمة الي المدنيين مشكلاً حيثيات متينة (CONCRETE EVIDENCE) يمكن استثمارها لاحقاً من قبل المجتمع الدولي أو القوي الوطنية في توجيه الاتهامات لهذا الطرف أو ذاك باستهداف المدنيين وايقاع خسائر جسيمة في اوساطهم.
ومن هنا فإنني أناشد طرفيي النزاع ، بكل تجرد وإخلاص، علي التحسب لهذا الامر الخطير والحرص علي عدم الوقوع فيما يمكن وصفه بالاثار الجانبية المدمرة للنزاع (COLLATERAL DAMAGE) ، لأن المسئولية يمكن أن تطال جميع الاطراف جراء استمرار القصف بالطائرات وما يستتبعها عادة من اطلاق مدافع المضادات الارضية فضلاً عن المخاطر المترتبة علي تراشق اطلاق النار بين الطرفين علي المدنيين وهي مخاطر محتمة (INEVITABLE) لا يمكن تجنب آثارها علي المدنيين مما يمكن أن تعتبره بعض الدوائر المعنية بالقانون الدولي الانساني نوعاً من جرائم الحرب أو الجرائم ضد الانسانية .
ولست في حاجة الي تقرير حقيقة بأن العديد من المدنيين قد وقعوا ضحايا للاشتباكات المسلحة بين الطرفين في وقت يرمي فيه كل طرف باللائمة علي الطرف الآخر ويحمله مسئولية ما يجري من قتل ودمار ، ومن هنا فإنني لارجو ان تنتبه اللجنة الوطنية للقانون الدولي الانساني وصاحبتها الالية الوطنية لحقوق الانسان لخطورة هذه المسائل وهما يشرعان سوياً في اعداد تقارير عجلي تفتقر الي الاحتراف وهو ما سنعود اليه بالتفصيل في مقال لاحق. وأود أن أختتم هذه الفقرة بإرسال أحر أيات التعازي والمواساة للاخ السفير حاج ماجد السوار الذي ذهبت زوجته شهيدة جراء مقذوف أودي بحياتها الطاهرة وهي تنعم بالعيش داخل منزلها مخلفة الحسرة والالم في نفوس كل من عرفها، وهذا مجرد مثال نضربه للمضاعفات الجانبية المترتبة علي القتال، وهنالك العديد من الامثلة المشابهة نذكر منها الماساة التي حلت باسرة الكابتن المرحوم فوزي المرضي حيث توقيت ابنته الدكتورة غادة وزوجته بفعل مقذوف ناري ليلحق بهما فةزي نفسه بعد نحو اسبوعين سائلين الله ان يرحمهم جميعاً . وعلي خلفية القصف فمن هو المسئول ؟؟ وبعيد عن الاجابة علي هذا السؤال فان هذه المآسي تينبغي أن شكل دافعاً للمجموعة السودانية للدفاع عن حقوق الانسان التي اتشرف برئاستها لاتخاذ موقف واضح لا ريبة فيه يدعو لايقاف الحرب وتعظيم حرمة الدماء والتفاوض بحسن نية من اجل احلال السلام، والا لشهدنا كلفة باهظة لاستمرار الحرب علي المدنيين والعسكريين علي حد سواه .
ما رشح حتي الان من دهاليز المفاوضات المغلقة، اذا ما صحت التسريبات بالطبع، يشير الي ان كل طرف من الاطراف المتفاوضة ما يزال بعيداً عن الواقع الماساوي الدائر في البلاد ، وهو ما لا يمكن ان يسهم في تحقيق تقدم يذكر في سبيل معالجة الازمة، والحال كذلك فثمة سؤال جوهري يبرز فيما اذا كان طرفي التفاوض يملكان حقا الرغبة والقدرة علي ايقاف الحرب وانجاز مشروع التسوية السلمية ؟؟!!.
التطور غير المشجع الذي تشهده أزمة السودان ربما يعزز الاعتقاد لدي بعض المحلين بان الاستجابة التي ابداها الطرفان للجلوس الي مائدة التفاوض لا تعكس رغبة حقيقية في ايقاف الحرب وانما تستهدف رفع الحرج عن الطرفين بازاء ردة فعل محتملة من المجتمع الدولي والاقليمي الذي ربما ينزع الي فرض عقوبات شديدة الوطاة علي الاطراف المتحاربة ، وهو ما بدأ يتكشف بالفعل مع تباطؤ الطرفين في انجاز تسوية سلمية حقيقية حيث شرعت الادارة الامرييكية في اتخاذ بعض التدابير التي تم الاعلان عنها من خلال الامر التنفيذي للرئيس بايدن ، والراجح ان حزمة العقوبات التي لم يكشف النقاب عنها كاملة ربما تجد طريقها للنفاذ حال تطاول الازمة وايلولتها الي نوع من الازمة الحادة التي تتسنم أزمات السودان ذات الطابع المزمن (ACUTE ON TOP OF CHRONIC CRISIS) .
وإذا كان ما تقدم ذكره يشكل بعض مظاهر التدخل الاجني المحتمل في السودان حال استمرار الازمة فثمة ظاهرة جلية جديرة بالتسجيل تعكس اهتمام المجتمع الدولي ومواكبته اللصيقة لمجريات الازمة وتطورات العملية التفاوضية التي تجري في مدينة جدة، ويتجلي ذلك في المواكبة عالية المستوي التي يوليها مسئولون كبار لمختلف جلسات التفاوض وفي مقدمتهم وزير الخارجية السعودي نفسه الذي يبقي علي ارتباط وثيق بالقيادة السعودية ممثلة في خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله وولي عهده الامير محمد بن سلمان في اطار مسعي سعودي لانجاح المفاوضات ومن خلفهم دول مجلس التعاون الخليجي وفي مقدمتهم الامارات العربية المتحدة التي يهمها ايضا ما يجري في مائدة التفاوض الي جانب مصر التي يهمها باطبع ما يجري في السودان ..
وها هي الاتصالات تجري علي قدم وساق بين وزير الخارجية السعودي ومسئول السياسة الخارجية في الاتحاد الاوربي بوريل الامر الذي يعكس اهتمام دول الاتحاد بما يجري في السودان، فضلاً عن الحضور الامريكي الرفيع الذي تبديه امريكا ممثلاً في زيارة مسئول الامن القومي الامريكي لمواكبة مسار التفاوض مما يشيئ بحجم الاهتمام الذي تمنحه أمريكا لمفاوضات حرجة يعلق عليها السودانيون آمالاً عراض.
وفيما نرتقب نهاية طيبة لعملية التفاوض التي لا نريد لها ان تكرس لليأس والاحباط سيما ونحن نشهد نوعاً من التباطؤ والتطويل في عمليات الحوار الجاري في اطار الوساطة السعودية الامريكية الامر الذي يؤذن، لا قدر الله، بفشل الحوار وانفضاض مائدته ليعود القتال أشد واشرس بين الاطراف المتنازعة، فاننا ندفع بكل تواضع ببعض المقترحات التي يرجي لها ان تشكل جرعات منشطة (BOOSTER DOSE) في مسار التفاوض علي أمل التوصل لتسوية سلمية عاجلة.
وتستهدف المقترحات التي تم بلورتها بالتنسيق مع الممجموعة السودانية لحقوق الانسان ايقاف الحرب واغاثة المنكوبين عبر ممرات ومناطق للهدوء واستعادة المسار السياسي لعملية انتقالية تفضي الي تكوين نظام حكم مدني وصولا الي انتخابات حرة ونزيهة في نهاية فترة الانتقال ، ونوجز أهم معالمها فيما يلي:

1) ترفيع مستوي تمثيل وفود التفوض لدي القوات المسلحة والدعم السريع عن طريق ابتعاث وفود رفيعة المستوي لمنبر التفاوض برئاسة البرهان وحميدتي او نوابهما علي اسوا الفروض ان لم يتيسر لقيادة الطرفين المشاركة في منبر التفاوض في هذه المرحلة.
2) الاستعانة بأطقم استشارية متخصصة في مجالات الامن الانساني والسلام والشئون الانسانية وحقوق الانسان للمساعدة في تيسير عمليات التفاوض بين الطرفين وهو نهج عالمي مألوف يتم اللجوء اليه لتقريب شقة الخلاف في حالات المنازعات المعقدة عسكرية كانت ام مدنية ، وفي هذا الاطار تضع المجموعة السودانية للدفاع عن حقوق الانسان خبراتها المتواضعة من أجل التوصل إلي تسوية مرضية في مجالات الامن الانساني والقانون الدولي الانساني وفض النزاعات وتحقيق السلام وتقديم الغوث الانساني للمحتاجين، وتأمل ان يلعب الخبراء من أمثال الدكتور طارق كردي والاستاذ يوسف الطيب والاستاذ عبد الباقي جبريلل والاستاذة مواهب محمد أحمد الحاج ومن سواهم من الخبراء الوطنيين دوراً متقدماً في هذه المجالات.
3) منح تفويض كامل للوفود المشاركة غض النظر عن مستوي التمثيل حتي نتفادي الدخول في عملية تفاوضية مطولة لن تثمر التوصل لحلول شاملة في وقت قريب مع استمرار تداعيات الازمة علي نحو ماساوي وتضرر الامة السودانية من المضاعفات المترتبة عليها.
4) توخي الواقعية في التفاوض والابتعداد عن التفكير الرغائبي فضلاً عن الاستعداد لتقديم تنازلات من كلا الطرفين تقديرا للظروف الحرجة التي يعيشها الشعب السوداني .
5) الالتزام الصارم بالهدن المعلنة وعدم استخدامها لتعزيز المواقع العسكرية لكلا الطرفين مع التعهد بانشاء مناطق للهدوء وممرات آمنة يمكن من خلالها تقديم الاغاثة الطارئة للمنكوبين.
6) ضمان الامن الانساني ( HUMAN SECURITY) للمواطنين المتضررين ويشمل ذلك النازحين واللاجئين ، وتامين الحماية اللازمة للعاملين في وكالات الامم المتحدة المتخصصة ، والمنظمات العالمية ومؤسسات المجتمع المدني وتمكين الاطراف اللعاملة في الحقل الانساني من اداء دورها الانساني مع كفالة انسياب قوافل المساعدات الانسانية لكافة المناطق المتضررة بلا عوائق او اعتراضات.
7) التقيد الصارم ببنود القانون الدولي الانساني الذي يحكم التعامل في حالات النزاع المسلح وفق اتفاقية جنيف وبروتوكولاتها الاضافية.
8) احترام الشرعة الدولية والقوانين الوطنية في شأن حقوق الانسان، والعمل علي تعزيز الكرامة الانسانية في وقت لحقت فيه اضرار بليغة بحالة حقوق الانسان مما يؤذن بمخاطر جسيمة يمكن ان تلحق بالسودان جراء استمرار النزاع الدامي وما يخلفه من مضاعفات علي حالة حقوق الانسان.
9) ضمان تقديم الخدمة الطبية في سائر المرافق العلاجية وكفالة امن العاملين في الحقل الصحي من أطباء وكوادر طبية مساعدة حتي يتسني اعادة تشغيل المرافق العلاجية بكفاءة واقتدار.
10) تشجيع القوي السياسية والمجتمعية والنقابية وحضها علي عدم الاكتفاء بلعب دور المتفرج فضلاً عن التعاطي الايجابي مع تداعيات الازمة من خلال تقديم أطروحات مناهضة لاستمرار الحرب وداعمة لتحقيق السلام ، ويتطلب هذا الاعتراف بدور القوي السياسية والمجتمعية ، مع الحرص علي اشراكها في عمليات التفاوض لمعالجة الازمة علي قدم المساوة مع القوات المسلحة.
11) وبهذا نغتنم الفرصة لتوجيه دعوة مخلصة لكافة المدافعين الحقيقيين عن حقوق الانسان، إلي جانب من ذكرنا، بأن يضطلعوا بدورهم الوطني والحقوقي بمسئولية وتجرد وفق قواعد الاحتراف المعمول بها عالمياً مع الحرص علي عدم الانحياز لهذا الطرف أو ذاك الا ما تقتضيه القواعد المرعية لحقوق الانسان ومصلحة الوطن وهذه مهمة عسيرة تتطلب شجاعة فائقة بعيداً عن الاستمالات العاطفية مما يدعو البعض لتنحية الاحتكام لصوت العقل والمنطق والركون للعواطف وحدها ، وهذا بالطبع لن يخدم في شيئ جهود ايقاف الحرب وتحقيق السلام والانتصاف للمظلومين.
12) وهذه دعوة نضعها في بريد المؤمنين بخط ثورة ديسمبر وفي مقدمتهم لجان المقاومة ونحن نستنهضهم للقيام بادوار متقدمة علي صعيد المساعدة في تقديم الخمات أثناء الطوارئ والظروف الاستثنائية فضلاً عن السعي للدفع بمبادرات بناءة تعبر عن نبض الشارع في سياق معالجة الازمة الراهنة، ولا يعضلنهم في ذلك ما تعرض له بعض منسوبيهم من توقيف أثناء قيادة الاسعاف فالاخطاء غالباً ما يجري تصحيحها والشكر موصول للقوات المسلحة التي سارعت في إطلاق سراح المعتقلين تصحيحاً لخطأ غير مقصود.
13) تكليف لجنة مشتركةة لمعالجة كملف الاسري لدي الجانبين بالتنسيق كع اللجنة الدولية للصليب الاحمر ( ICRC) باعتبارها الجهة المخولة دولياً لرعاية انفاذ القانون الدولي الانساني أو ما اصطلح بتسميته ب (اتفاقيات جنيف والبروتوكولات المصاحبة لها).
14) دعم الجهود والمبادرات الصادرة من قبل القوي الاقليمية والدولية واحكام التنسيق والتآزر بين سائر المبادرات المطروحة بما فيها المبادرة الامريكية السعودية من أجل تسوية الازمة سلمياً وايقاف الحرب وتحقيق السلام واستعادة المسار السياسي في الفترة الانتقالية.
15) إطلاق نداءات دولية واقليمية لاستقطاب الدعم واستدعاء العون من أجل إغاثة المنكوبين، وإعادة إعمار المناطق التي تضررت جراء النزاع المسلح.
16) إنشاء الية وطنية مقتدرة تضم محتلف جهات الاختصاص الي جانب مؤسسات المجتمع المدني للعمل في حالات الطوارئ الانسانية مع احكام التنسيق بينها وبين مؤسسات الامم المتحدة لا سيما وكيل الامم الامم المتحدة للاغاثة في حالات الطواري (OCHA) ، وبقية الدول والمؤسسات المانحة والمنظمات العالمية والاقليمية العاملة في المجال.
17) تكوين لجنة لحصر الخسائر والاضرار البليغة التي لحقت بالمنشئات والمرافق الحكومية والخاصة ودور السكن واقتراح نظام لتعويض المتضررين وفق تقارير لجنة التحقيق الفنية مع السماح للجنة بتلقي الشكاوي من قبل المؤسسات والافراد حول الاضرار الجسيمة التي لحقت بهم
18) تطوير الهدنة الي وقف دائم لاطلاق النار مع استئناف مسار مفاوضات الترتيبات الامنية والشروع في مسالة انسحاب القوات المتحاربة من المناطق المدنية والمرافق الحكومية والمستشفيات مع اعتماد خطة عمل فاعلة في اطار نزع السلاح والتسريح واعادة الدمج وفق الترتيبات الامنية التي يتفق عليها بين الطرفين.
19) تكوين لجنة رفيعة للتحقيق في الاسباب التي أدت لاندلاع المواجهات المسلحة بين الطرفين، واخضاع الفئة الباغية للمحاسبة والعقاب.
الخرطوم في 10 مايو 2023 م

 

آراء