“قحت” وورطة الانقلاب

 


 

 

بعد ان تكلم الرجل، قرر ابو حنيفة ان يمد رجليه متجاوزا وجاهة الرجل الظاهرة وغير متحققة. وقد اسس للممارسة العتيقة سقراط، اذ قال لاحد تلاميذه، عندما جاءه يزهو متبخترا في مشيته: " تكلم حتى اراك “. فما الذي قالته قوى الحرية والتغيير " قحت " عندما هبط عليها انقلاب اللجنة الامنية لنظام المخلوع البشير في ال 25 من أكتوبر 2021.
يمكن ان يعكس الكلام (او الخطاب) بشكل عام وبدرجة ما، ماهية الذات المتكلمة. نصيبها من الغادات اللغوية ومخزون الكلمات، وطريقة اختيار قواعد اللغة في الحديث وفى الكتابة، والتي تمتاز بدرجة من الرسوخ عبر الممارسة اللغوية وبالذات في الخطاب السياسي. فخطاب السياسة يقدم مرامي الايدولوجيا للمتكلم السياسي، يقدمها ويرجو دورها المرتقب في تعزيز تصوّراته في اذهان الناس، كما يرجو خلق الدلالات الرمزية السياسية والفكرية في خدمة سلطة سياسية، او بنية قوة ما ينتمي اليها ويعمل على تحقيق هجمنتها.
ما الذي قاله " القحاتة " وبإصرار؟ الغاء الانقلاب!
لعلنا نتفق ان احدى طرائق أي معالجة نقدية لاي ممارسة سياسية، هو أنك تشاهد وجود منهج مطبق وبشكل واع ومتسق في تناولها، وان المنهج يتطور بشكل محايث مع تعمق فهمه لطبيعة العملية السياسية المرتبطة، وافتراضاتها ومقدماتها ونتائجها. وان المنهج - في النهاية - يطرح وحدته وعقلانيته، وفى نفس الوقت يطرح ان "العملية السياسية " هي عملية لها محتوى وليست عملية فارغة وطق حنك.
تواجه الممارسة السياسية" لقحت" -او نستخدم عبارتهم الاثيرة: العملية السياسية - مشاكل متواترة في المذكور اعلاه، وتبتدئ في المشكلة المقيمة والمتمثلة في عدم القدرة على مغادرة منطلقاتها الابتدائية، والتي سمتها القوى الثورية بالهبوط الناعم. والهبوط الناعم هو صيغة السيد برينستون ليمان المبعوث الأمريكي للسودان، لمشروع حكومته الامبريالية - يدعى ليمان انه نتاج اجماع دولي - والذي تم تنفيذه فى 2013 بلم بعض الفرقاء من احزاب المعارضة، في مائدة سميت بالحوار الوطني، والذي قام على الاتفاق المبطن بانه ليس بالإمكان سقوط النظام البغيض. تلاه اجتماع نداء السودان – وقد غابت عنه قوى الاجماع - في باريس في 2016 لتناقش خارطة طريق امبيكى، واقترحت عليها بعض التعديلات رفضها الدكتاتور البشير قائلا ان الحوار الوطني قد اكتمل، وهز امبيكى كتفيه، وكانت فكرة بوث الأمريكي انهم سوف يوقعون! ذهبت نداء السودان تحضر لخوض انتخابات 2020 آملة في تغيير نظام البشير واخوته من الكيزان بمستويات طفيفة وبهبوط ناعم. استمرت الممارسة السياسية للهبوط الناعم -الذي تحقق اخيرا – وللأسف -بعد الثورة - حتى انقلاب اللجنة الامنية العسكرية لنظام الدكتاتور المخلوع وبعده، ولا زالت "قحت" آملة.
كان الانقلاب نية مبيتة ومحاولة متكررة، تحققت عدة مرات، وفى المرة الاخيرة عند ال 25 من اكتوبر، وترك " قحت" متفاجئة، فنادت بعصيان مدني لم يذهب اليه أحد، ولم تذهب الىه. لم تنتبه "العملية السياسية " الخاصة ب “قحت" الى العملية الانقلابية الخاصة بالعساكر، -قالت مريم الصادق: " كنا نظن الخير بالمكون العسكري "- وبعد تحققها تعددت اسماء الانقلاب. فى بياناتها الاولى سمته الانقلاب، ثم سمته "الحالة الانقلابية " لاحقا وطالبت يالغائها، وسمته "صفحة الانقلاب" وطالبت بطيها. ثم سمته "بإجراءات ال 25 من اكتوبر". يتوقف نصيب الانقلاب من الاسماء والصفات والدوافع على الفكرة الانية المسيطرة على ذهن " قحت" واختياراتها السياسية اللحظية، ويتوقف على فعل الثورة المنطلق، كما يتوقف على الجهة المعنية بالخطاب. فقد سمته انقلابا عندما توجه خطاباتها الى الجماهير، وسمته " حالة " وصفحة " واجراءات 25 اكتوبر عندما خاطبت الالية والاطراف الدولية والاقليمية! ولسان حالها يقول نعنيكم يا شركاء.
فى رد فعلها الاولى، طالبت "قحت" بالعصيان المدني الشامل، وعندما لم يتحقق، طالبت بإلغاء الانقلاب وكأنه خطاءً غير مقصود ارتكبه البرهان، والرجوع الى ما قبله، ويادار ما دخلك شر!
تمتلك الايديولوجيا سميولوجيا (تحمد الله سيدا)، وسميولوجيا الايديولوجيا المطروحة من قبل العساكر تبيع فى فكرة انهيار البلد بسبب الصراعات والانقسامات (ذلك هو المعنى الرئيسي المنتج وترغب في توصيله) وهو مصير مؤكد في وجود " قحت " كشريك في السلطة. ولذلك الغاهم الانقلاب كحاضنة (غير فعالة على اية حال) للحكومة لتتفرغ لمنع انهيار البلد، ولتحقيق السلام والعدالة!
وسميلوجيا الايديولوجيا عند "قحت" هي اعادة تسمية موقفها السياسي ياستلاف اللغة الثورية التي تحقق وجودا مأمولا بالقرب من الممارسة الراديكالية لقوى الثورة ـ تحاول ان تغطى بها موقفها الأساسي القديم، الا وهو قبول التفاوض مع لجنة القتل الامنية الخاصة بالسفاح المخلوع. وكذلك بالغياب الكامل لفكرة وحدة النظرية السياسية والممارسة، وإنها ليست مشكلة فكرية (فلسفية)، بل مسالة اجرائية يجب ان تخوضها القوى الثورية بحثا عن حلول عملية ونفعية، تماما كما تفعل "قحت"، فلكل حادث حديث واعلان سياسي، وتفسير واعادة تفسير للقضايا الشائكة، مثل (على سبيل المثال) المعرفة بالانقلاب.

فما هو تعريف "قحت" للانقلاب؟
في يوم الانقلاب اصدرت " قحت" بيانها الممتعض، وسمته ب "دعوة إلى العصيان المدني الشامل، " ونسبت للبرهان الانقلاب، وحده لا شريك له، اذ كتب البيان " بإعلان البرهان اليوم الانقلاب الصريح على السلطة، واعتقالاته (...)، فإن البرهان أعاد وضع البلاد إلى مرحلة المجلس العسكري الانتقالي وإلى ما قبل الاتفاق مع المدنيين". وقال البيان كذلك " بهذا يؤكد البرهان ارتباكه وقراءته من كتاب التاريخ القديم، وأنه يقود جيش الوطن والشعب ضد إرادته، ويقع في خطأ قاتل “، وأصبح تعريف الانقلاب بالخطاء ارتكبه البرهان. وقالت "قحت " في بيانها برفضهم للانقلاب جملة وتفصيلا. واعلنت العصيان المدني الشامل! طبعا لم يذهب أحد الى العصيان المدني الشامل، ولم تذهب "قحت" نفسها الى عصيانها، بل خرجت الجماهير الثورية بمليونياتها الى الشوارع غير ملتفتة الى البيان، في ممارسة ثورية مفارقة. ويذكر الناس انه فى يونيو 2019 عندما دعي الى العصيان المدني خلت شوارع المدن وقراها من الناس، في استعراض مهيب للقوة ومعنى التضامن وفهم الثورة. دعت "قحت " الى العصيان المدني، فلم يجلس الثوار فى بيوتهم، بل سيروا المليونيات كبأس يتجلى.
حاولت "قحت" مرة اخرى تعريف الانقلاب بعد ملاحظة فقر التعريف الاول، فقالت في الخطاب الموجهة الى الالية 12 مايو 2022 بانه" اقصى تجليات الازمة الوطنية هدفه قطع الطريق على التحول المدني الديمقراطي ونشر العنف في اقصى حالاته “. والحل "والمخرج من الازمة الحالية لا يتأتى الا بأنهاء الحالة الانقلابية واقامة تأسيس دستوري جديد"
وفى محاولة جديدة ثالثة – احسن حالا وبعد ما يقارب الشهرين – وصفت الانقلاب بالاتي : " انقلاب 25 أكتوبر هو انقلاب جنرالات المكون العسكري الذي اختطفوا المؤسسة العسكرية وارادتها بالتواطؤ مع قوى الثورة المضادة، وهذا الانقلاب لم يأتي وليد غضبة آنية أو ظروف نشأت حديثاً، حيث ظل هؤلاء الجنرالات يعدون المسرح له عقب سقوط البشير عبر محاولات متعددة ومتنوعة منذ ابريل 2019 مروراً بفض الاعتصام وما تلاه، وبعد توقيع الوثيقة الدستورية التي اتبع عقبها المكون العسكري طريقاً اخر في تجهيز المشهد للانقلاب حيث عمل على اضعاف الحكومة المدنية، ووضع العراقيل في طريقها (...الخ).لمجلس القيادي المركزي لقوى الحرية والتغيير 16 ديسمبر 2021 “.
ويمكن للمتابع ان يقرر بكل سهولة ان الاخير تعريف مستلف من موقف الحزب الشيوعي الصادر فى 12 يوليو 2019 الموجه فى خطاب " لقحت “، حيث ناقش الحزب مسودتي الاعلان السياسي والدستور: “(...)، فإننا نرى أن هذا الاتفاق لن يفتح الطريق أمام تحقيق أهداف الثورة التي ظللنا نعمل معاً على تحقيقها منذ انطلاقتها، وأن هذا الاتفاق يقودنا نحو تنفيذ مشروع الثورة المضادة بفروعها العالمية والإقليمية. وقد تم إعداده لتنفيذ الهبوط الناعم وإعادة إنتاج نظام الرأسمالية الطفيلية، فهو اتفاق معيب تفوح منه رائحة التآمر، ولا يرقى لأهداف انتفاضة ديسمبر المجيدة وانتصاراتها المذهلة (...) واتساع مداها وتضحياتها الجسام، ولا يرقى للأهداف والمهام المضمنة في وثيقة إعلان الحرية والتغيير ووثيقة البديل الديمقراطي ووثيقة إعادة هيكلة السودان. وقد اتخذ مهندسو هذا الاتفاق من انتفاضة 19 ديسمبر رافعة لتحقيق مشروع الهبوط الناعم بعد إزاحة رأس النظام، مما سيقطع الطريق أمام استعادة الحريات وانعقاد المؤتمر الدستوري الذي (…) يؤسس لدولة مدنية ديمقراطية تسع الجميع على تعددهم وتنوعهم وتؤسس الديمقراطية الراسخة والتنمية المتوازنة والسلام الوطيد والمساواة على أساس المواطنة.” كان ذلك هو الانقلاب على الثورة في تعريف الحزب الشيوعي، طرحه في بداية الثورة وقبل أكثر من سنتين على الانقلاب الاخير. حسنا – وكما يقال ان تأتى متأخرا من الا تأتى ابدا. ولكن هل اتوا؟
فى التعريف الاول كان الانقلاب خطاءً ارتكبه البرهان. ثم صار نتيجة للازمة الوطنية وتجليا لها، وهو تعريف تجاوز خطأ البرهان وارتمى في حضن ما هو أكبر منه. وفى محاولة التعريف الاخيرة صار الانقلاب مشروعا أصليا للمكون العسكري (بما في وصفهم بالمكون العسكري من حياد يثير الحنق). وهكذا اخرجت "قحت " ما في جعبتها من غياب للاتساق في القدرة على تعريف الانقلاب ضمن ادوات التحليل المتاحة في المعارف السياسية، والمتاحة ضمن المجرى المنسرب لحركة الثورة وصراعها الفكري والسياسي الاقتصادي الاجتماعي الذي يسم ملامحها الاساسية، ومن غياب للجملة الثورية – او قول على الاقل السياسية - المتماسكة، فانعدم ترابط السياسي، واصبح متاح للمناورة يتناوله تعدد الافصاح والمخاتلة، و الحصافة المتضعضعة.
هذا ما كان من امر تعريف الانقلاب، فماذا قدمت "قحت" من حلول.
تجولت "قحت" فيما رأته من ممكنات للحلول.
وكان اول ما طرأ لها هو ما نادت به بالتصدي للبرهان بالعصيات المدني الشامل، حسب بيانهم الاول بعد الانقلاب. لم يتحقق ذلك وكان لجماهير الحركة الثورية رأيا مغايرا، عندما ذهبت الى مليونياتها واثقة ان الشوارع لا تخون. فتوجهت "قحت" وجهة اخرى، وطرحت الغاء الانقلاب والعودة الى ما قبله. ففي بيانها الصادر في ١٠ نوفمبر ٢٠٢١ كتبت:
" اولا: التأكيد على رفضنا القاطع للانقلاب وماترتب عليه من اجراءات غير شرعية.
ثانياً: تمسكنا التام بعدم التفاوض مع الانقلابيين، وحتمية العودة الي ما قبل ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١م، وعودة الحكومة المدنية الشرعية لمزاولة مهامها تحت قيادة رئيس الوزراء الشرعي الدكتور عبد الله حمدوك، والتمسك بالوثيقة الدستورية. “
فكرة ان الانقلاب غلطة ارتكبها البرهان غير بعيدة من هذا الاقتراح للحل، ولم ترى في حمدوك شريك للانقلابيين. ولم ترى فيما قبل الانقلاب سوى مشروع لهزيمة الثورة واهدافها، وهي التي قالت ان الجنرالات كانوا يعدون للانقلاب ومنذ سقوط الدكتاتور البشير! وعندما وقع حمدوك على البيان السياسي الذي اعدته قوى الانقلاب، قالت "قحت" ان حمدوك طعن الثورة في ظهرها!
ثم فكر ت " قحت " ان الحل للانقلاب يقع على عاتق الالية الثلاثية، فأعلنت في بيانها بتاريخ 19 مايو 2022 الاتي: " المهمة الرئيسية للآلية الثلاثية والتي ندعمها، هي طي صفحة الانقلاب والوصول إلى إقامة سلطة مدنية ديمقراطية. والصراع الحالي ليس بين المدنيين، بل هو صراع اطرافه واضحة وهي قوى المقاومة المدنية من جهة والانقلابيين من الجهة الاخرى.”
عقد المكتب التنفيذي لقوى الحرية والتغيير اجتماعا طارئاً ظهر الأحد الموافق ٨ مايو ٢٠٢٢م، ناقش خلاله رؤيته حول العملية السياسية تحت رعاية الآلية الثلاثية، حيث توصل الي الآتي:
"رابعاً: يجب أن تؤدي أي عملية سياسية تحت رعاية الآلية الثلاثية إلى تحقيق مطالب قوى الثورة بإنهاء الانقلاب وتشكيل سلطة مدنية كاملة " وهكذا اتضح ان مهمة الغاء الانقلاب مهمة تقع على عاتق الآلية الثلاثية، تسلمهم السلطة الخالية من غلطة الانقلاب.
الجدير بالذكر انه في اول لقاء مع الالية كان موقف "قحت": “وقد أكد الوفد على موقفه الثابت في مقاومة وإسقاط الانقلاب ومساندته ودعمه الكامل لما ترفعه الجماهير من شعارات ورفضه لاتفاق ٢١ نوفمبر ٢٠٢١ م " جاء ذلك فى بيانهم الصادر فى ٧ ديسمبر ٢٠٢١. والجدير بالذكر كذلك ان هذا البيان مثل "هيجة" انتظمت بياناتهم في نوفمبر 2021. ففي نوفمبر هذا، وعلى متن 3 بيانات، هتفت "قحت " باللآت الثلاثة! “أيا واللاهي!” نفس لا تفاوض، لا شراكة، لا شرعية بذات جمالها وثباتها، هتفت بها "قحت " وقالت للثوار انا معكم. ولكنها لم تستمر، ووجدت حلا اخرا " لمشكلة الانقلاب “! او " الازمة السياسية" بعيدا عن اللآت الثلاثة.
بعد اقتراحها للحل بواسطة الالية الثلاثية، ها هي تقترح الان الحل بواسطة آلية دولية؛ ففي رسالة لأصدقاء السودان -اجتماع السعودية بتاريخ 18 يناير 2022 قالوا: " وطالب التحالف المجتمِعين بدعم مطلب تكوين آليّة دوليّة رفيعة المستوى تكون مقبولة للشعب السوداني ومتوافقة مع تطلعاته لتساعد في تطوير عمليّة سياسيّة ذات موثوقيّة تُنهي الوضع الانقلابي كليًّا وتؤسس إطارًا دستوريًّا جديدًا يحقق مطلب السُلطة المدنيّة الكاملة التي ينشدها شعب السودان.”
وقد جاءت فكرة الطلب لان " المشاورات الأوليّة التي أطلقتها بعثة الأمم المتحدة المتكاملة بالسودان قد تعرّضت لضربة قاصمة بواسطة سُلطة الانقلاب" كما جاء في الرسالة.

فى 12-5-2022 أصدروا بيان حول اجتماعهم مع الالية الثلاثية، قالوا فيه " أولاً: الأزمة الراهنة في البلاد هي نتاج مباشر لإجراءات 25اكتوبر والحل الصحيح لها هو إنهاء هذا الوضع والتأسيس الدستوري الجديد لانتقال يتوافق مع رغبات وتطلعات الشعب السوداني في التحول المدني الديمقراطي.”
“ثانياً: تؤمن قوى الحرية والتغيير بالحل السياسي كأحد أدواتها التي تستخدمها في التعاطي مع أزمات البلاد الذي يكمل ولا يستبدل أدوات شعبنا المجربة والمستحدثة في المقاومة السلمية، ولكن الحل السياسي الذي نتبناه في وضعنا الراهن هو الذي يحقق مطالب الشارع المتمثلة في إنهاء اجراءات 25 أأكتوبر “. إذا فالحل السياسي هو وسيلة الغاء الانقلاب، ام الادوات شهبنا المجربة فهي مجرد ادوات في المقاومة السلمية! تعتبرها "قحت" كأدوات ضغط مفيدة، وليست ادوات الشعب لإسقاط الانقلاب.
صار للانقلاب اسما لطيفا ويستاهل الاعتبار فهو الان " اجراءات 25 اكتوبر. "والحل السياسي" هو الالية المتبناه، لأنها تحقق مطالب الشارع. وتسأل ما الذي حدث للآت الثلاثة؟ بل ما الذي حدث للحل السياسي بذاته؟ وهو سؤال لا يمكن تفاديه عندما تقرأ بيانهم بعد اجتماعهم مع السفيرة الامريكية والسعودي، حيث سطر بيانهم الاتي: “قوى الحرية والتغيير تعتمد ثلاثة وسائل لهزيمة الانقلاب هي الثورة الشعبية الجماهيرية والتضامن الدولي والاقليمي والحل السياسي المفضي لتسليم السلطة للمدنيين". يحتل الحل السياسي المركز الثالث الان، يا لهوانه، وقلة اعتباره عند ناسه!
لخطاب "قحت" نوعين يتحركان بين الافصاح المتوتر والغموض، ونادرا ما يتفاديان النفاق. يتأثر ذلك بالاقتراب الظاهر للموقع الطبقي لمكونات "قحت" ، وبالتالي التعبير السياسي الواضح عنه ،او محاولة الاقتراب من الموقع الطبقي المغاير حيث يوجد طبقات الكادحين مجتمعة في كتلة ثورية ، تتكلم في السياسة بالجملة الثورية ( اللآت الثلاثة وتفاصيل برامجها ) ، تحاول "قحت" استلاف شعاراتها خوفا من بقاع العزلة التي تقترب من حصارهم ، حيث تضغط الاسئلة ذات الاهمية السياسية على العقل السياسي" لقحت " ، مثل الخيار بين الغاء الانقلاب ام هزيمة الانقلاب ، الثورة ام العملية السياسية ، نوع العلاقة مع الكتلة الثورية وصيغ التحالف واشكاله الممكنة في الفترة الانتقالية ، ام التحالف نتاج المساومة مع " المكون العسكري !”… الخ.
عندما تصدر "قحت" البيانات الجماهيرية تسبغ أعظم الصفات للشعب السوداني، فتخاطبه ب “شعبنا الهمام “، "شعبنا التواق للحرية " و“شعبنا الصابر المثابر " “جسارة شعبنا المذهلة "… الخ. كما ان بياناتها تدعى ان الثورة هي الوسيلة المعتمدة لديها لإقامة سلطة الشعب الديمقراطية، وهي الوسيلة الاساسية التي تعتمدها الجماهير و"قحت". وعندما تخاطب المجتمع الدولي تختفي تلك العبارات والمفاهيم المزعجة، يظهر الدولي كمتعاطف وكداعم للانتقال الديمقراطي واداة تحقيقه، وتصبح أكبر موجهات السياسة عند "قحت" هي عدم الرغبة في خسارة ودعم المجتمع الدولي، وهو المجتمع الدولي المشغول بالاجتماعات في بيت النفيدى والسفير السعودي، حيث تنجز التسوية بما لا يقل من ال 80% من الاتفاقات على قول فولكر.
لقد مثلت التسوية الخيار السياسي الأساسي "لقحت" لحل ما تسميه بالأزمة (بدلا عن التسمية الحقيقة للواقع بانه ثورة). والتسوية كانت خيارات "قحت" منذ ان تم اعتماد وتغيير الاعلان السياسي والوثيقة الدستورية وتوقيعها، وكانت وثيقة اخرى غير ما اتفق عليه جمع قوى الحرية والتغيير في صبيحة الثورة. والتسوية كحلت عيون "قحت" بالرضاء طوال فترة سيادة اللجنة الامنية لجنرالات البشير المخلوع حتى سويعات قبل الانقلاب. التسوية هي ممارسة تفاصيل الهبوط الناعم، أمرت به الامبريالية الدولية (الترويكا وامريكا والسعودية والامارات والساقطين من الاتحاد الأفريقي). رفضت "قحت" التفاوض المباشر مع مجرمي اللجنة الامنية لنظام الكيزان بعد مذبحة القيادة، فساقهم – في اليوم الثاني- بوث والسفراء السعودي والامارات وحشد من ضباط المخابرات الاجنبية الى منزل النفيدى للاجتماع مع ممثلي المجلس العسكري المجرم. رفضوا اجتماع روتانا لأنه ضم آكلي الموز داعمي الانقلاب، فساقتهم- في اليوم التالي - السفيرة الامريكية الى منزل السفير السعودي لمفاوضة المجلس العسكري المجرم (سيد الانقلاب)، وقد انجزت التسوية ال 80% من الاتفاق على ما رغبوا في تسويته.
وفى خطابها الاخير تعقيبا على خطاب زعيم الانقلاب بتاريخ 5 يوليو اكدت "قحت" بانها "سنكثف وتيرة اتصالاتنا مع الأسرة الإقليمية والدولية، بغرض مناقشة تطورات الراهن السياسي، وحشد السند والتضامن مع الشعب السوداني في مقاومته للاستبداد وسعيه للحرية والسلام والعدالة، لقد أثبتنا عملياً عبر تعاطينا الايجابي مع المبادرات الدولية المطروحة أن قوى الثورة لها مطالب عادلة تسعى لبلوغها بكل السبل السلمية بصورة موضوعية وعقلانية، “! (يا سلام !1).
التفاوض هو ضرورة ومنهج التسوية لتحقيق الهبوط الناعم. والثورة هي نقيض التسوية وهي نقيضة التفاوض بدأ، والثورة هى اللآت الثلاثة ومشروعها، وهي هزيمة فكرة الهبوط الناعم، والثورة هي هزيمة جمع العساكر القتلة واخضاعهم للقصاص العادل.
والثورة هي الهزيمة الماحقة للانقلاب، وليست الغاءه. استمرار احتلال للشوارع وملئها بالمواكب تصدح بالهتاف والنشيد، وذكرى الشهداء الهادرة وتحويل اعتصاماتها ووقفات احتجاجها إلى منابع للتفكير المبدع المستهدف لتجميع مواقع الالتقاء والتوافق المنتبه للمشترك من فكرة ثورية، حملتها المواثيق الثورية بكامل الوسامة والوضوح. والوصول إلى وثيقة واحدة، أقرب للاكتمال تطرح برنامجا للعمل ومركزا موحدا يعمل على قيادة انجازه عبر قيادة ثورية بما هي ذكية ديمقراطية للحراك الجماهيري الواسع لإسقاط الطغمة العسكرية، وبناء السلطة المدنية الديمقراطية. قيادة تستمر في دفع حركة الجماهير الثورية في التصاعد الى اضراب سياسي متفجر ومتماسك، وعصيان مدني سميك ينزع السلطة من أيدي القتلة ويرسلهم الى حساب عسير، ويذهب الى تحقيق اهداف الثورة المجيدة.

isamabd.halim@gmail.com
/////////////////////

 

آراء