قراءة في إستراتيجية أوباما للأمن القومي … بقلم: أبوهريرة زين العابدين عبد الحليم

 


 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

زورق الحقيقة

 

 

 

إرسال الدبلوماسيين قبل إرسال الصواريخ

 

"عبر التاريخ الإنساني قد تم تقاسم المصالح بين الشعوب والبشر. الإيمان الديني الذي نحمله في قلوبنا يمكن أن يجمعنا كما يمكن أن يفرقنا. التكنولوجيا التي نستخدمها يمكن أن تنير الطريق للسلام أو تظلم طريق السلام للأبد. الطاقة التي نستخدمها يمكنها أن تعمر أرضنا جميعاً أو تدمرها بكاملها. ما يحدث لآمال طفل ما في مكان ما في العالم يمكن أن يغني عالمنا أو يفقره."

الرئيس باراك حسين أوباما في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة سبتمبر 2009م. ترجمة بتصرف.

 

الشمس متألقة دوماً هناك ترسل خيوطها تلقاء كوخ في ضواحي كينيا، العصافير تملأ الفضاء زقرزقة، يزرع الناس بأياديهم، فأياديهم هي تراكتوراتهم، جماعات النمل تغدو وتروح من وإلى الأكواخ تشارك الناس قوتهم ومسكنهم، كل أنواع الطيور وبعض الحيوانات تحوم حول حمى تلك الديار، ديار حسين أوباما والد باراك قبل أن يجد الفرصة للدراسة في أمريكا ليتزوج من سيدة بيضاء ذات حسب ونسب انجلوسكسوني لينجب منها باراك ويتركه ليتربي مع امه وجده وجدته. واصل الفتى متحدياً نفسه والمستحيل ذاته وصفاته، مستفيداً من كل الفرص حتى وصل لأعلى الدرجات الدنيوية التي يمكن أن يصل لها شخص وهي رئاسة أمريكا. لقد حقق حلم مارتن لوثر كنج الذي لم يكتمل، وعلم الناس ما لم يكونوا يعلمون في كيف يتحول الكلام لعمل يمشي بين الأمريكان، فالتأمين الصحي الذي عجزت كل الإدارات في إصلاحه أستطاع أوباما أن يفعل ذلك وأيضاً الإصلاح الإقتصادي، حيث بدأ الإقتصاد ينمو بمعدل حوالي ثلاثة بالمائة بعد أن كان بالسالب، فهاهو يكتب إستراتيجيته ويوضح للشعب وللعالم ماذا يريد أن يفعل في السنوات القادمة.

 

جاءت إستراتيجية الرئيس باراك حسين أوباما للسنوات الأربعة القادمة في حوالي خمسين صفحة متناولاً فيها رؤيته و إدارته لمواجهة المعضلات المحلية والعولمية وكيفية مواجهة العالم كما هو وليس كما هو متخيل. فقد شرقت الإستراتيجية وغربت في كل المواضيع المهمة لأمن أمريكا وحلفاءها وأصدقاءها متناولة كل مكونات الأمن القومي من محاربة الفقر والفساد والأمراض إلى أمن السايبر اي أمن الكمبيوتر ومحتويات أنظمة تكنولوجيا المعلومات ومحاربة الأمراض الفتاكة.

أهم محاور الإستراتيجية في تحديد مصالح أمريكا وهي:

-           أمن أمريكا ومواطنيها وحلفاؤها وشركاؤها.

-           إقتصاد أمريكي قوي ينمو ويعتمد على التطور النوعي في مجال إقتصادي عولمي مفتوح يشجع على إستغلال الفرص الإستثمارية وتحقيق الرفاه.

-           إحترام القيم العالمية العامة في أمريكا وحول العالم.

-           دعم النظام العالمي وتطويره بقيادة أمريكا من أجل إحلال السلام والأمن الدوليين بشراكة قوية مع الخارج لمواجهة التحديات.

ثم تأتي التفاصيل تترى وكل حدب وصوب وزراة يجد الخطوط العامة على ما ينبغي أن يفعله ولا يحيد عنه، وبعد ذلك يكون التكتيك والتفاصيل وشيطانها الذي يسلخ جلد نمل الرؤية العامة لينسج منها فروة جميلة أنيقة، منسوجة بعرق الكادحين من الذين دعموا أوباما بعشرين وثلاثين دولار في حملته الإنتخابية. لقد عرج على كل القارات وكل القضايا من صغيرها إلى كبيرها داخلياً وخارجياً. لم يعد نهج الحرب الإستباقية الذي أقره بوش الإبن يتماشى مع ابن حسين أوباما، فهو مفكر وأستاذ جامعي درس القانون ودرسه في اعرق الجامعات وعمل في العمل العام وخدمة الناس في حواري وزقاقات شيكاغو وما حولها، وخبر هموم الناس، فتفكيره ليس كمن يجلس في برج عاجي ويتخيل العالم ويتخيل حلول لمشاكل غير موجودة وإنما إداركه لواقع الناس وبعد أن عاش هذا الواقع سنين عددا جعله يضع الحلول المناسبة. الأمن القومي عنده يبدأ من الداخل، فحل مشاكل الداخل وبناء إقتصاد قوي، وتعليم متقدم، ونظام صناعي يراعي البيئة، من صناعة السيارات إلى الوقود الطبيعي مثل الإيثانول ومصادر الكهرباء البديلة هي البداية لزعامة الخارج، فلم يترك قضايا الداخل ليذهب ويحاضر العالم في حل مشاكلهم، فنجاحه في قضايا الداخل يجعله يرسل رسالة ونموذج عالمي وليس العكس كما يعتقد كثير من القادة المتوهمين، يدعون العالمية وبلادهم يموت فيه الإنسان من الحرب والفقر والجوع، ولا ادري اي نموذج واي نصائح يريدون إرسالها للخارج وبيوت دولهم مشلعة مثل راكوبة في سماء مفتوحه ترسل مياهها ليل نهار، فهل تمسك الراكوبة الماء وهل يمسكون ماء وفي فمهم ماء فكيف يتجرأون على النطق وإرسال النصائح وإدعاء الزعامة ودولهم راكوبة خريف.

فدولة مثل إيران لا يريد أن يعاديها فقد قال إن شعبها عريق له حضارة وخاطب الشعب الإيراني أكثر من مرة، وخاطب القيادة الإيرانية وقال إنه سوف لن يلجأ للعمل العسكري إلا إذا كان ضرورياً جداً، فالدبلوماسية والحوار هو نهجه الأول عكس بوش الذي يرسل الصواريخ قبل الدبلوماسيين فهو يرسل الدبلوماسيين أولا. بالنسبة للسودان فقد جاء ذكر بلدنا قبل الختام بصفحات قليلة، صفحة 48 وقال إن أمريكا والمجتمع الدولي ملتزمين بدعم تنفيذ كل بنود إتفاقية السلام الشاملة وأن يتم التصويت على حق تقرير المصير للجنوب في ميعاده في يناير القادم. من ناحية أخرى ذكر بأن أمريكا سوف تستمر في دعم جهود السلام والإستقرار في إقليم دارفور وأن أمريكا وحلفاؤها سوف يستخدمون كل الوسائل لمنع الإبادة أينما وجدت. ولم ينسى القضية الفسلطينية وإلتزامه وإدارته بحل الدولتين. فرؤيته للعالم الذي يريد تبدأ بإحداث التغييرات لا أن تغيرهم التغييرات ويجرون وراءها، وتبدأ بمراعاة قيم الشعوب الأخرى وبالمشاركة معها بالحوار في التغيير من أجل المباديء العالمية المتمثلة في الديمقراطية وإحترام حقوق الإنسان ومباديء إقتصاد السوق الحر. وقال يجب ألا نركن للخوف ورد الفعل عند إتخاذ القرار، فسياسة الخوف والتخويف لا تبنى عالم حر. والدول التي تخالف النظم العالمية يجب أن تتحمل نتائج أفعالها سواء في المجال النووي أو مجال إنتهاك حقوق الإنسان أو الإتفاقات التجارية. فالنظام العولمي الذي يدعو له مربوط بالإلتزام بالحقوق والواجبات ومخالفتها تعرض الدولة للمساءلة الدولية ومن قبل شعبها الذي يجب تحريضه وارسال الرسائل له والحديث عن القيم المشتركة وكل ذلك مع بناء المنظمات الدولية لتواكب القرن الواحد والعشرين بعد أن شاخ بعضها وعشعش فيه بوم القرن العشرين لتساهم في الحلول.

الإستراتيجية بها تفاصيل كثيرة وهذه خطوط عامة لأهم ما ورد فيها بعد أن قرأتها وقلت دعني أكتب بشكل عام وبدون أن أترجم بشكل حرفي، فالترجمة الحرفية ربما تكون مفيدة لمن أراد أن يترجم الإستراتيجية بكاملها أما القراءة فيها فتكون تلخيص لرؤية هذا الشاب الأسمر الذي يتحدث بلسان واحد في الداخل والخارج ويصلي صلاة الحقيقة وبدون غش وتدليس. ففي كل الإستراتيجية لم اجد بيت شعر واحد أو آية من الإنجيل من أجل اضفاء قداسة مفقودة، فلغة الواقع والحقيقة وحل المشاكل كما هي أهم سمات إستراتيجيته في مواجهة المشاكل المحلية والعالمية، فالعالمية عنده تبدأ من الداخل ومشاكله، لا العكس، فإرسال الدبلوماسيين قبل الصواريخ هي لغة ابن حسين أوباما ولغة أمريكا الجديدة للعالم.

من أراد أن يطلع على الإستراتيجية كاملة باللغة الإنجليزية فهي موجودة على الرابط أدناه:

http://www.politico.com/static/PPM156_2010_nss.html

 

 

AbuHuraira Z. Abdelhalim [abuza56@yahoo.com]

 

آراء