قمة الدوحة.. من نجاد إلى أردوغان.. والمشاركة السعودية

 


 

 

قمة الدوحة الخليجية التي عقدت واختتمت أعمالها في العاصمة القطرية اليوم ( 5 ديسمبر 2023) اتسمت بإيجابيات عدة ، في صدارتها التركيز على قضية الساعة، وهي الحرب الشرسة والظالمة على غزة ،التي قتلت وتقل الاف المدنيين وبينهم عدد كبير من النساء والأطفال وكبار السن والمرضى.

القمة ركزت على ادانة الحرب ودعا القادة إلى وقفها وشددوا على حقوق الشعب الفلسطيني ، لكن خطاب أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وهو رئيس الدورة ال٤٤ للمجلس الأعلى لدول مجلس التعاون الخليجي كان شفافا وواضحا وصريحا ، وحمل نبضا انسانيا .

تميم حض ( مجلس الأمن على إنهاء الحرب ) التي وصفها ب(الهمجيه) وشدد على ضرور ة (اجبار إسرائيل إلى العودة الى مفاوضات ذات صدقية).

تميم تحدث عن ( المأساة الخطيرة والكارثة الإنسانية غير الـمسبوقة الناجمة عن العدوان الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني الشقيق، وخصوصا أهلنا في قطاع غزة).

لفت الى بشاعة المشهد بقوله ( العار على جبين الـمجتمع الدولي أن يتيح لهذه الـجريـمة النكراء أن تستمر لـمدة قاربت الشهرين تواصل فيها القتل الـممنهج والـمقصود للمدنيين الأبرياء العزل، بـمن في ذلك النساء والأطفال).

وفي لفتة إنسانية مهمة قال (نجدد إدانتنا لاستهداف الـمدنيين من جميع الجنسيات والقوميات والديانات، ونشدد على ضرورة توفير الحماية لهم وفقا لأحكام القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وندعو الأمم الـمتحدة إلى ضرورة إجراء تحقيق دولي بشأن الـمجازر التي ارتكبتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني).

الأمير تميم الذي تكلم بلغة تحترم حقوقا فلسطينية وإنسانية تعلو على الانتماءات العرقية أو الدينية وضع يده على صلب الأزمة ومصدر المتاعب والمواجع حينما رأى أن (الصراع في فلسطين ليس صراعا دينيا، ولا مسألة إرهاب وحرب على الإرهاب، بل هو في جوهره قضية وطنية، قضية صراع بين الاحتلال الإسرائيلي والشعب الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال، مسألة استعمار استيطاني رافض للاندماج في الـمنطقة عبر التوصل إلى حل وسط، حل عادل نسبيا مع السكان الأصليين).

في هذا الملف شكل خطابه وهو رئيس الدورة الجديدة للقمة الخليجية منطلقا صلبا لموقف خليجي مهم ، خصوصا أن دول الخليج تتمتع بثقل سياسي واقتصادي ويمكنها أن تلعب أدوارا مؤثرة ،وفاعلة، من خلال خارطة علاقاتها الاقليمية والدولية، ويأتي الدور السعودي كالقطري حيويا ومهما في هذا الاطار،للضغط من أجل وقف شلال الدم وحماية المدنيين .

حيوية الدور القطري والسعودي في هذا الاطار تبدو واضحة بتأمل علاقة شراكة قوية وتحالف البلدين مع الولايات المتحدة الأميركية، ومع هذا حرصت الدوحة والرياض على التمسك باستقلالية موقفهما بشأن ادانة الحرب على غزة وقتل المدنيين من الجانبين الفلسطيني والإسرائليين.

عملية قتل واختطاف المدنيين من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي تستوجب ادانة دولية ،لكن هناك فرق كبير بين الدفاع عن النفس واتباع سياسة الارض المحروقة في غزة ،

المشهد الثاني الذي تميزت به قمة الدوحة الخليجية يكمن في مشاركة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في القمة باعتباره (ضيف شرف)،ومخاطبته القمة .

الدوحة سباقة بمثل هذه المبادرات و الخطوات اللافتة التي تعكس نجاحا سياسيا ودبلوماسيا قطريا منذ سنوات عدة ،وتقدم في الوقت نفسه مساهمة قطرية لدول خليجية في سبيل تعزيز علاقاتها مع دول كبري في المنطقة،خصوصا في سنوات الشد والجذب .

خلال فترة عملي صحافيا في قطر(أكثر من ثلاثين عاما) تابعت عن قرب وميدانيا مسارات السياسة والدبلوماسية القطرية ،وغطيت لصحيفة (الحياة) اللندنية عددا من قمم الخليج ، كما رافقت الأمين العام الأسبق لمجلس التعاون الخليجي الاستاذ عبد الرحمن بن حمد العطية إلى قمم خليجية بصفة (خبير إعلامي ) .

أذكر في هذا السياق أن الأمير السابق وهو (الأمير الوالد) الشيخ حمد بن خليفة إلى ثاني دعا الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في خطوة هي الأولى من نوعها لحضور قمة خليجية في الدوحة في الثالث والرابع من ديسمبر 2007 .

مشاركة نجاد أحدثت دويا واسعا وتباينا في رؤى أوساط خليجية وعربية ودولية، رغم خطاب نجادي التصالحي الذي حاول من خلاله تطمين دول مجلس التعاون بشأن سياسات طهران تجاه أمنها واستقرارها.

ما يشار اليه في هذا الاطار ان مشاركة نجاد جاءت في أعقاب تطورات ايجابية في العلاقات السعودية الإيرانية التي كانت شهدت شدا وجذبا آنذاك، وقد شكلت مشاركة الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز في القمة أبرز مؤشر على دفء بدأ يسري في شرايين العلاقة السعودية القطرية ، ما مهد هذا
لتهيئة أجواء مصالحة في آلخليج.

وهاهي مشاركة أردوغان في قمة الدوحة تأتي أيضا في سياق تطورات حيوية شهدتها العلاقات السعودية التركية،والإماراتية التركية، ما يعني أيضا أن علاقات قطر القديمة و المتجددة مع تركيا كانت ولا تزال تشكل مصدرا يثير مناخ انفراج في مسار علاقات خليجية مع دول كبرى في الاقليم، وفي صدارتها تركيا وايران .

المشهد الثالث الذي يعكس نجاح قمة الدوحة بتمثل في المشاركة السعودية رفيعة المستوى بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

معلوم أن علاقات قطر و(الدول الأربع) وهي السعودية والإمارات والبحرين ومصر كانت شديدة التوتر مع قطر ف(حاصرتها) وفقا للوصف القطري أو (قاطعتها ) وفقا للتعبير الذي استخدمته الدول الأربع في بيانها غير المسبوق في تاريخ المنطقة , في 5 يونيو 2017 , بسبب ما رأت ضمن اتهامات ومطالب عدة أنه (دعم قطري لتنظيمات ارهابية وإيواء مطلوبين ، ودعم سياسات ايران في المنطقة) .

مسارات الأحداث أسقطت كل هذه الاتهامات فعاد الدفء الى علاقات هذه الدول مع قطر،في قمة خليجية شهدتها السعودية فصدر (بيان العلا) في 5 يناير 2021,فانهت الرياض وبقية الدول القطيعة،وأعادت العلاقات الدبلوماسية مع الدوحة ، وفتحت الأجواء والحدود البرية والبحرية بين السعودية وقطر.

هذا التطور شكل انجازا كبيرا لشعوب المنطقة والدول الخمس وللمقيمين الذين عانوا من اغلاق الأجواء والحدود، وتكاليف السفر الطويل .

وهاهو ابرز دليل على قوة العلاقات السعودية القطرية يبدو جليا في توقيع البلدين اليوم على هامش القمة الخليجية اتفاقات ومذكرات تفاهم.

وتناولت (الاستثمار، والتجارة، والصناعة، والمصارف، والحوكمة الرقمية، والثقافة، والرياضة والشباب).

جرى ايضا توقيع (مذكرة تفاهم بين جهاز قطر للاستثمار وصندوق الاستثمارات العامة السعودي بشأن الاستثمار المشترك (لجنة الاستثمار والطاقة والبنى التحتية)، و(مذكرة تفاهم للتعاون في مجال الحكومة الرقمية بين وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في دولة قطر وهيئة الحكومة الرقمية في المملكة العربية السعودية .

شملت الاتفاقات (مذكرة تفاهم للتعاون في مجال التدريب الدبلوماسي بين المعهد الدبلوماسي التابع لوزارة الخارجية في دولة قطر ومعهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية بوزارة الخارجية في المملكة العربية السعودية (اللجنة السياسية).

هذا معناه ان دفء العلاقات السعودية القطرية مهم وحيوي ليس للبلدين فحسب بل لكل دول المنطقة، خصوصا أن تميم ومحمد بن سلمان يتمتعان بارادة شبابية ،ويبدو أن ذلك ينعكس ايجابا على توجهاتهما السياسية .

المشهد الرابع المهم في قمة الدوحة يكمن في مشاركة أمير البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة، واهمية هذه المشاركة تؤشر أيضا إلى تطورات ايجابية في علاقات الدوحة والمنامة، ويبدو أن البلدين عقدا العزم على تجاوز خلافات قديمة و حادة بينهما، وظهرت بشكل أكثر حدة حينما شاركت البحرين في (الحصار ) على قطر.

هذه بعض المشاهد والتطورات الايجابية التي أطلّت في قمة الدوحة الخليجية لكن ما زال أمام دول مجلس التعاون الخليجي تحديات كبرى.

في صدارتها ما تعنيه ضرورات عصرية تفرض على هذه الدول ارتياد آفاق أوسع للإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي الشامل ،وتعزيز احترام حقوق الإنسان،وتلبية تطلعات شعوب الدول الست إلى تطبيق حقيقي وشامل ل( المواطنة الخليجية) ،والسوق الخليجية المشتركة وتنفيذ مشروع السكك الحديد ، وصولا الى مرحلة العملة الموحدة وغيرها من الملفات الاقتصادية. والاجتماعية.

وسيبقى ملف الأمن والاستقرار هو الهاجس الأكبر اليوم وغدا في اطار تحديات اقليمية ودولية .

هذا معناه أن التعاون بين دول مجلس التعاون تفرضه حقائق التاريخ والحغرافيا والتفاعل الأسري و الاجتماعي بين الشعوب في الدول الست ،كما تفرضه بالحاح شديد تحديات كثيرة وخطيرة تحيط بمنطقة مهمة للعالم تنتج النفط والغاز،ويتكالب عليها أصحاب المصالح والأطماع والأشرار أيضا.

modalmakki@hotmail.com
////////////////////

 

آراء