لا للمركز الواحد: لا للتغيير الجذري، لا للدولة الشمولية

 


 

 

• لا للمركز الواحد: لا للتغيير الجذري، لا للدولة الشمولية.
• لو أراد الله لأعدل قضايا السودان أن تهزم، لما قيض لذلك أفضل من قوى الحرية والتغيير والحزب الشيوعي السوداني.
محمد سليمان عبدالرحيم
عندما كان الراحل الخاتم عدلان عضواً في منبر "سودانيزأونلاين" الإلكتروني، أصيب بالزهج من الأسئلة الملحاحة حد السخف من أحد الأعضاء فكتب رداً عليه بأن "لو أراد الله لأعدل القضايا في العالم أن تهزم، لما قيض لذلك أفضل من ……" وكتب اسم ذلك العضو الملحاح . ونسجاً على منوال الراحل العزيز، نقول اليوم لو أراد الله لأعدل قضايا السودان أن تهزم، لما قيض لذلك أفضل من قوى الحرية والتغيير والحزب الشيوعي السوداني معاً". وكأنما يرد كل منهما التحية للآخر بأفضل منها، فما أن يرتكب أحد الطرفين إثماً، إلا ويرتكب الطرف الآخر إثماً أعظم منه حتى يصرف الناس عن اثم الطرف الأول، وهكذا نحن في هذه الساقية ....دواليك. بالرغم من صعوبة ذلك، فقد كان من الممكن ببعض الجهد متابعة ما يقوم به الطرفان وتناوله بالتحليل والتعليق، أما الآن وقد قرر الحزب الشيوعي السوداني، فيما يبدو، أن يصدر بياناته مؤرخة بالساعة والدقيقة، بدلاً من تاريخ اليوم، فالمهمة تصبح أكثر تعقيداً بما لا يقاس.

كنت أود أن أكتب عن البيان البائس الذي أصدره الحزب الشيوعي السوداني في تمام الساعة الثانية عشر ظهر الخميس 30 يونيو، ووجه فيه اتهاماته السخيفة لحزبي الأمة والمؤتمر السوداني بأنهما يحاولان تجيير مواكب 30 يونيو لصالح التسوية التي اكتملت بنسبة 80% وفقاً للوساطة الأمريكية السعودية كما ذكر البيان. وقد تصدى الكثيرون لذلك البيان في حينه بما يكفي، ولكنهم جميعاً ذكروا أن الحزب الشيوعي اختار توقيتاً سيئاً لبيانه ذلك، وهو ما اختلف معهم فيه. لم يسأل من اطلعت على كتاباتهم من الذين انتقدوا الحزب الشيوعي لسوء توقيته أنفسهم عن السبب الذي دعى ذلك الحزب لإصدار ذلك البيان في ذلك التوقيت. في تقديري، أن الحزب الشيوعي لم بصدر ذلك البيان في ذلك التوقيت عن غفلة، وإنما لأن الذين أعدوه كانوا يؤمنون تماماً في ذلك الوقت بأن لحظة التغيير الجذري التي ظلوا يبشرون بها قد أزفت، وأن الثورة "الوطنية الديمقراطية" قد انطلقت، وأن السلطة "الوطنية الديمقراطية" قد أينعت وحان قطافها و"أنهم أصحابها"، فكيف يتركونها ل أو يشاركونها مع النطيحة والمتردية والموقوذة وما أكل السبع من أمثال حزب الأمة والمؤتمر السوداني والهبوط الناعم؟!!! في تلك اللحظة لم تك أنظارهم مشدودة إلى الثورة، وإنما إلى "الدولة" وإلى السلطة التي لا يمكن تقاسمها مع كائن من كان.

لم ننته من قراءة بيان الحزب الشيوعي السوداني، إلا وعاجلتنا قوى الحرية والتغيير ببيانها هي في أعقاب مواكب 30 يونيو. في ذلك البيان ذكرت قوى الحرية والتغيير أن "مليونيات 30 يونيو تشكل تحولاً نوعياً في توازن القوى لمصلحة قوى الثورة وتعتبر هزيمة موجعة للسلطة الانقلابية ...". هذه لغة براقة ولكنها فارغة من أي مضمون أو محتوى حقيقي، وهي اللغة التي اعتادت عليها وتمرست فيها قوى الحرية والتغيير. ما هو التحول النوعي الذي حدث في موازين القوى؟ لقد خرجت العشرات من مثل هذه المليونيات منذ الانقلاب في 25 أكتوبر 2021، فماهو الجديد الذي صنع التحول النوعي في الموازين هذه المرة؟؟ فلنكن واضحين، ولنفضح (الكلام المغتغت وفاضي وخمج)، لا مليونيات 30 يونيو ولا أي مليونيات قبلها أو بعدها تستطيع لوحدها تغيير موازين القوى. ما يغير موازين القوى ليس هو المليونيات ولا المواكب ولا الأعداد، وإنما هو الاستثمار الذكي والواعي والفعال لتلك الأعداد والمواكب والمليونيات، وتلك هي ميزة القيادة الثورية. هل قامت الحرية والتغيير بأ ي تطوير في أطروحاتها أو مواقفها أومطالبها لتعديل موازين القوى لصالح قوى الثورة مستفيدة من الفرصة التاريخية التي أتاحتها مليونيات ال 30 من يونيو 2022، أم أنها ستضيع هذه الفرصة التاريخية أيضاً كما أضاعتها في 30 يونيو 2019؟ للأسف فإن ما ورد في بيان الحرية والتغيير بعد تلك الجملة البراقة لا يعدو أن يكون سوى تكرار ممل لنفس المواقف والمطالب السابقة. أما كان من الممكن، مثلاً، الإعلان عن تعليق أي مفاوضات مع الإنقلابيين إلى حين إجراء تحقيق دولي مستقل في وتحديد المسؤولين عن المجازر البشعة والقتل خارج نطاق القانون وتدنيس جثامين الشهداء بأحذية الجنود وما إلى ذلك؟ موقفاً مثل ذلك، ولا أقل منه، بالإضافة إلى مواقف أخرى مثل إبعاد ما يسمى بالجبهة الثورية من التحالف، كان من الممكن أن يسرع ببناء الجبهة المدنية الموسعة، وهو، لا اللغة الخادعة البراقة، الذي سيحقق تعديلاً حقيقياً وجذرياً في موازين القوى.

ما أن نضع بيان الحرية والتغيير جانباً، حتى يطالعنا بيان سكرتارية اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني المؤرخ 2 يوليو 2022 والمعنون "بيان جماهيري -حول المركز الموحد ومهامه العاجلة". أعتبر نفسي قارئاً مواظباً لبيانات وإصدارات القوى السياسية ومن ضمنها الحزب الشيوعي السوداني، وأستطيع أن أقول بثقة تامة أنني لم أقرأ أبداً بياناً للحزب الشيوعي السوداني بمثل هذه الركاكة في اللغة والإبهام في المضمون، فكان أشبه ما يكون بخطب الرائد أبوالقاسم محمد إبراهيم في العهد المايوي. إن أحد مآثر الحزب الشيوعي السوداني ظلت دائماً هي التجويد والإتقان في كل شيء ومن ضمن ذلك، وعلى رأسه اللغة، ولذلك كانت صحيفته "الميدان" وبياناته ومنشوراته تشكل دائماً وإلى عهد قريب قطعاً أدبية راقية.

عنوان البيان يشير إلى أنه سيعطي تعريفاً لماهية هذا المركز الموحد وتحديداً لمهامه، ولكنك تقرأ البيان فتزداد ربكة وتوهاناً وتكمل قراءته وأنت بالتأكيد أقل معرفة بكنه هذا المركز عما كنت عليه قبل قراءته، هل هو مركز واحد أم مركز موحد؟ وهل هو مركز موحد أم مراكز موحدة؟ وهل هي مراكز ولائية تنسق فيما بينها أم مراكز يجمعها مركز موحد قيادي، أم هو "المركز الموحد للتغيير الجذري الشامل لتحقيق السلام والعدالة والوحدة" كما أسماه البيان في إحدى فقراته غير المتماسكة؟ هذا الارتباك هو نتيجة محاولات فطيرة لتمويه برنامج وتنظيم "الجبهة الوطنية الديمقراطية" والتي هي برنامج الحزب الأصيل، كما ذكرنا في مقال سابق. هذا المركز الموحد تقتصر عضويته من بين القوى السياسية فقط على "الأحزاب التي تعمل وآمنت ببرنامج الحل الجذري وعملت فعلياً لإحداث التغيير الجذري في المسار السياسي والاجتماعي للسودان". إن الجهة الوحيدة التي يمكنها الزعم بأنها تؤمن ببرنامج الحل الجذري وأنها عملت فعلياً لإحداثه هي الحزب الشيوعي السوداني، لأنه، ببساطة، الحزب الوحيد الذي يعرف ماهية هذا الحل الجذري، وهو بالتالي الحزب الذي سيحكم على مدى أهلية الأحزاب الأخرى لدخول هذا المركز الواحد. أهمية هذا الكلام تكمن في أن هذا المركز الواحد هو الذي سيتولى السلطة في المركز والولايات وهو الذي سيكون المؤسسات الدستورية بإقصاء كامل لكل القوى الأخرى في الفترة الانتقالية وما يليها، أي بصورة واضحة العودة للدولة الشمولية بشعارات أخرى.

baha842002@hotmail.com
//////////////////////////

 

آراء